فايزة أحمد نالت شهادة فنية من «أم كلثوم     و «عبد الوهاب»

فايزة أحمد نالت شهادة فنية من «أم كلثوم و «عبد الوهاب»

سعيد ياسين
ساهمت الثورة التكنولوجية الهائلة في أن تمر الذكرى 28 لرحيل المطربة فايزة أحمد بشكل استثنائي، ففي الوقت الذي قام محبوها ببث مئات الرسائل على العديد من المواقع والمنتديات الاجتماعية يؤكدون فيها أنها لا تزال تتربع على عرش الغناء، احتفت الإذاعات الرسمية أو الإلكترونية بها، وخصصت أياماً كاملة لبث عشرات الأغنيات لها.

امتلكت فايزة أحمد صوتاً دافئاً له شخصيته المميزة، وزاد من حلاوته سلامة مخارج حروفها ودراستها الموسيقى على أيدي كبار الموسيقيين سواء في لبنان أو سوريا أو مصر، واستطاعت أن تحقق لنفسها لوناً غنائياً ميزها عن مطربات جيلها، ومنهن نجاة وشادية ووردة وأكدت مكانتها من خلال العديد من الأغاني الطويلة. كما تميزت بالصدق والاخلاص وطيبة القلب برغم ما عرف عنها من عصبية شديدة، وامتلكت قدرة فائقة على الصبر وتحمل المشاق، حيث لم تستسلم للمعوقات التي صادفتها وكانت تتغلب عليها بإصرارها.
«كروان الشرق»
منحها الأديب والصحفي الراحل كامل الشناوي لقب"كروان الشرق"وكان يؤكد للجميع أنها تمتلك صوتاً عظيماً يفوق كل صوت سواه وقال مقولته الشهيرة"إذا كانت أم كلثوم"كوكب الشرق"فأنا أرى أن فايزة تليها في الإجادة وهي"كروان الشرق”.
وكانت فايزة لها قدرة عجيبة على ترقيق صوتها وتفخيمه وتقصيره ومده، كما امتلكت القدرة على تطوير اللحن وتلوينه وإضافة لمسات جمالية عليه، وهو ما جعل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب يقول عن صوتها إنه مثل"الكريستال المكسور”، كما قالت أم كلثوم إن صوت فايزة هو الصوت النسائي الوحيد الذي تطرب له وتسمعه بنشوة، وأكدت أنها الوحيدة التي ستخلفها على عرش الأغنية.
بين دمشق وحلب
ولدت فايزة أحمد في 5 ديسمبر 1930 في مدينة صيدا بلبنان لأب سوري وأم لبنانية، وبدأت حياتها الفنية بتقليد أصوات وأغنيات أسمهان وليلى مراد وشجعتها والدتها التي انفصلت عن أبيها في هذه السن المبكرة، وأحضرت لها مدرساً لتعليمها الموسيقى، وتقدمت في الثانية عشرة من عمرها للإذاعة اللبنانية لاعتماد صوتها كمطربة، ونجحت أمام اللجنة التي كان يترأسها محيي الدين سلام والد المطربة نجاح سلام، وكلفت الإذاعة الموسيقي عمر النعامي بعمل ألحان لها، ووقع في غرامها، وتزوجها، وهي في الثالثة عشرة من عمرها، وأنجبت منه ابنتها الكبرى"فريال”، ولم يدم الزواج طويلاً، وانفصلت عنه لتسافر الى سوريا، وتقدمت لاختبارات المطربين في إذاعة دمشق، ولكنها لم توفق، وهو ما دعاها للسفر الى حلب، ونجحت في إذاعتها، وغنت وذاع صيتها، واضطرت إذاعة دمشق لطلبها، وعادت لتكمل مسيرتها الغنائية، ولكنها سرعان ما سافرت الى العراق، والتقت فيها بالموسيقار الكردي رضا علي الذي كتب كلمات وألحان مجموعة أغنيات قدمتها باللهجة العراقية.
وفي عام 1954 حضرت الى القاهرة، وتم اعتمادها في الإذاعة المصرية على الفور، وتبناها فنياً الملحن محمد الموجي، الذي شكلت معه خطاً غنائياً ميزها عن غيرها، وأثمر تعاونهما العديد من الأغنيات، منها"أنا قلبي إليك ميال"و”بيت العز"و”ياما القمر ع الباب"و”غلطة واحدة"و”حبيبي واحشني"و”حيران"و”قلبي عليك يا خيّ"و”تمر حنة”.
والتقت مصادفة في منزل الموسيقار فريد الأطرش بالموسيقار محمد سلطان، وجمعت بينهما قصة حب وفن كللت بالزواج الذي استمر 17 عاماً، وأثمر زواجهما انجاب توأمهما"طارق وعمرو”، كما أثمر عشرات الأغنيات البارزة التي تعاونا فيها بداية من"رشوا الورد مع الياسمين"ومروراً بـ"قاعد معاي"و”بالي معاك"و”أخد حبيبي"و”دنيا جديدة"و”على فين طريقنا"و”تاريخ الهوى"و”احنا النهاردة ايه"و”العيون الكواحل"و”يا هلالاً غاب عنا"و”غريب يا زمان"و”نقطة الضعف"و”أيوه تعبني هواك"و”حبيبي يا متغرب"و”رسالة من امرأة"و”خليكوا شاهدين"و”أحبه كثيراً”. وفي مايو عام 1981 انفصلا ثم تزوجت من الضابط عادل عبدالرحمن، ولكنها سرعان ما انفصلت عنه بعد مرضها، وعادت إلى سلطان بعد معاناتها مع سرطان الثدي قبل رحيلها بفترة وجيزة.
رحلة علاج
وقد تعاونت فايزة أحمد خلال رحلتها الغنائية، التي قدمت فيها أكثر من 400 أغنية، مع العديد من الملحنين، فإلى جانب الموجي وسلطان تعاونت مع محمد عبدالوهاب في أغنيات"ست الحبايب"و”يا غالي عليّ"و”وقدرت تهجر"و”تهجرني بحكاية"و”حمال الأسية”، وفريد الأطرش"يا حلاوتك ياجمالك”، كما لحن لها بليغ حمدي وكمال الطويل ومحمود الشريف ورياض السنباطي الذي لحن لها آخر أغنياتها"لا ياروح قلبي"التي أصرت على تسجيلها بعد رحلة علاجها في أميركا، وسجلتها وهي جالسة على كرسي في ستديو 4 بالإذاعة على مدى أسبوع كامل.
اشتهرت فايزة بحسن اختياراتها للكلمات، وكانت وراء اكتشاف الشاعرين محمد حمزة وعمر بطيشة، واعتمدت في أغنياتها على كلمات شعراء بارزين، منهم مرسي جميل عزيز وحسين السيد ومأمون الشناوي ونزار قباني وعبدالوهاب محمد وعبدالرحيم منصور.
مشاركات سينمائية
اتجهت فايزة أحمد للسينما، وشاركت في ستة أفلام، هي"تمر حنة"أمام رشدي أباظة ونعيمة عاكف عام 1957، و”امسك حرامي"أمام اسماعيل ياسين وامال فريد ومحمود المليجي عام 1958، و”المليونير الفقير"أمام اسماعيل ياسين وزينات صدقي وستيفان روستي عام 1959، وفي العام نفسه قدمت فيلم"ليلى بنت الشاطئ"أمام محمد فوزي وليلى فوزي، وفي عام 1961 قدمت أروع أفلامها"أنا وبناتي"أمام زكي رستم وناهد شريف وصلاح ذو الفقار وعبدالمنعم ابراهيم، وفي عام 1963 قدمت آخر أفلامها"منتهى الفرح"مع المخرج محمد سالم.
كما قامت ببطولة أوبريت"مصر بلدنا"الذي قدمته على خشبة مسرح البالون عام 1978 من ألحان محمد سلطان، وعمل إذاعي غنائي على حلقات هو"خضرة الشريفة"ألحان سلطان أيضاً، وكان آخر ما غنت على المسرح أغنية"مش كتير على قلبي"من ألحان سيد مكاوي قبل رحيلها بأشهر قليلة.
جوائز وأوسمة
منحت فايزة أحمد الجنسية المصرية، وحصلت على جوائز عدة وأوسمة، منها درع الجيش المصري في 1 مايو 1974، كما حصلت على وسام من الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة. وفي أيامها الأخيرة تدهورت حالتها الصحية ودخلت في غيبوبة ألزمتها غرفة العناية المركزة إلى أن توفيت في 24 سبتمبر 1983 عن 53 عاماً.

عن جريدة الوفد 2010