على طريق التحرر من قيود الفصل السابع

على طريق التحرر من قيود الفصل السابع

د. احمد ابريهي علي
نائب محافظ البنك المركزي العراقي
اتخذ مجلس الامن الدولي في 15 كانون الاول 2010 ثلاث قرارات بشأن العراق تناولت قيود التدويل التي اتخذها مجلس الامن بدءا"من 6 آب 1990 تحت الفصل السابع.

الاول برقم 1956 حدد موعدا"لانهاء العمل بنظام الصندوق العراقي للتنمية DFI في 30 حزيران 2011. وطلب مجلس الامن ابلاغ الامين العام للامم المتحدة عن الحساب او الحسابات البديلة التي سوف تفتح لاستلام موارد النفط، وتحويل 5% منها للجنة التعويضات الحربية، وان يقدم الامين العام تقارير دورية عن انتظام تحويل مبالغ التعويضات.
وبين القرار ان كميات النفط التي قد تسلم للمستثمرين في عقود الخدمة لتسديد المصاريف والاجرة المقطوعة ينبغي ان تدفع 5% من قيمتها الى لجنة التعويضات الحربية. وأزال هذا النص القلق من احتمال التعارض بين التزامات عقود الخدمة والتعويضات الحربية. ولكن القرار ابقى ارتباط التعويضات بالمورد النفطي، وبنسبة ثابتة، ما يجعل صادرات النفط، واستلام الموارد، تحت رقابة جهة اخرى حتى ولو كانت لغرض محدد وهو تسديد التعويضات.
اما بشأن حماية اموال الحكومة في الخارج، من خطر الحجز القضائي فهذه تحتاج الى وقفة متأنية.
ان اموال الحكومة من موارد النفط خارج العراق تدار لدى البنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك من خلال البنك المركزي العراقي. حيث تستلم مبالغ مبيعات النفط هناك في حساب استلام الموارد النفطية، وتودع 95% منها في حساب الحكومة تلقائيا"، و5% منها للتعويضات الحربية. وهو ما يسمى نظام الصندوق العراقي للتنمية الذي استحدث بالقرار 1483 تحت الفصل السابع عام 2003. وفرض القرار حماية لاموال الصندوق كانت تجدد سنويا". وتستمر، هذه المرة، الى 30/6/2011 وهو موعد نهاية العمل بالنظام. ولم تفتح حسابات للصندوق في مؤسسة مالية اخرى، لافي الولايات المتحدة ولا خارجها. وهي من الناحية العملية محمية بالامر التنفيذي للرئيس الامريكي الذي تزامن مع انشاء الصندوق ويجري تجديده سنويا". وقد اتخذت تدابير استثنائية خوفا"من احتجاز اموال الحكومة في الخا رج مع امتناع المصارف الحكومية، عدا المصرف العراقي للتجارة TBI، عن اجراء التحويلات وفتح الاعتمادات. ولكن هذا لايعني ان الحماية التي اوجبتها قرارات الامم المتحدة تحت الفصل السابع لم تكن مفيدة، بل ساعدت على حماية شحنات النفط واشاعة اجواء سياسية لا تشجع على ترويج طلبات الدائنين. وكان المفروض الا يجبر العراق على المقايضة بين وصاية تحت الفصل السابع وتعرض امواله في الخارج للخطر، بل ان تفرض حماية لاموال العراق بقرار منفصل، وتحت الفصل السابع ايضا"، لان المديونية لاعلاقة لها بغزو الكويت ونشأت في سياق آخر، والتدويل هو الذي اعاق العراق عن التعامل معها.
القرار الاخير الذي انهى العمل بنظام الصندوق العراقي للتنمية الزم العراق بتنفيذ اتفاقه مع صندوق النقد الدولي، وهذه مبالغة ان يتحول الاتفاق مع الصندوق لاقتراض مبلغ 3,6 مليار دولار الى فقرة في قرار لمجلس الامن تحت الفصل السابع.
ان المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها اموال الحكومة في الخارج تأتي من الدائنين التجاريين وليس من الحكومات الدائنة. وكذلك اشخاص يطالبون بتعويضات عن انتهاكات لحقوق الانسان تعرضوا لها قبل عام 2003، وهي ليست مشمولة بعمل لجنة التعويضات الحربية التي سبقت الاشارة اليها، وهذا النوع من المطالبات لاشخاص في الولايات المتحدة الامريكية، وجرى الاتفاق على تسويتها بمبلغ اجمالي، وبذلك اغلق هذا الباب ولم يعد مصدرا"لتهديد الاموال العراقية.
والديون التجارية قد تمت تسوية حوالي 90% منها، والباقي لاتزيد قيمته الاسمية عن 2 مليار دولار، وقد لا تتجاوز القيمة السوقية لها قياسا"على الديون التي تمت تسويتها، 400 مليون دولار. وربما تدعم بعض الحكومات الدائنين التجاريين من رعاياها للتعنت ومع ذلك تبقى المسألة قابلة للتسوية. ويمكن الاسراع في التفاوض والوصول الى تفاهمات او اتفاق بالانسجام مع الاسس التي اعتمدت في معالجات الديون العراقية ومن ضمنها تخفيضها بنسبة 80% وتحويل الباقي وهــو 20% الى سندات دين اســوة بما جرى سابقا". وايضا"يمكن اطفاء المبالغ نقدا"حسب (القاعدة 10 دولار وثلاثين سنت لكل مائة دولار). وبذلك يزاول العراق علاقات مالية دولية على اوسع نطاق وبحرية تامة.
اما الديون الرسمية للدول التي لم توافق لحد الآن على قبول معايير نادي باريس وهي في النطاق العربي ومنها الكويت، وكذلك التعويضات الحربية، فهذه تتطلب همة عالية والتفكير في الادوات الدبلوماسية والضغوط المشروعة في العلاقات الدولية لحسمها.
لقد جرى تهويل المخاطر التي تواجه اموال العراق في الخارج. ولقد نشأ بعد عام 2003 في الممارسة والثقافة السياسية ارتباط وثيق بين التدويل تحت الفصل السابع ومشاكل المديونية والعلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية وصندوق النقد الدولي. وهو ترابط ليس له اساس في نشأة التدويل بعد غزو الكويت. وجرى توسيع وتعميق التدويل تدريجيا"تحت ذريعة مساعدة العراق، احيانا"، مثل وثيقة العهد الدولي التي فرضت التعاون مع المؤسسات الدولية، الصندوق والبنك، وغيرها. وبدلا"من الضغوط على الدول لتسوية الديون مع العراق، على وفق معايير نادي باريس، تراجع الدعم فيما بعد الى حد ربط تسوية الديون للدول العربية بشروط سياسية داخلية في وثيقة العهد الدولي وفي المداولات غير الرسمية.
والقرار الثاني لمجلس الامن برقم 1957 رفع قيودا"فرضتها القرارات التي كان موضوعها اسلحة الدمار الشامل والمواد والاجهزة والتسهيلات التي تساعد على بناء قدرات على صناعة تلك الاسلحة واجراءآت التفتيش. وكذلك الصواريخ التي يتجاوز مداها 150 كم. القيود التي رفعت والتي كانت مفروضة، خاصة، في القرارين 687 و707 تفسح المجال لتوريد مواد نووية للاغراض السلمية، وايضا"امتلاك صواريخ ذات مدى ابعد. ويفهم دوليا"من القرار 1957 ان العراق اصبح في وضع اعتيادي من وجهة نظر المجتمع الدولي في علاقات التسليح والتقنيات المتطورة. وقد جاء هذا القرار بعد تقديم العراق للتعهدات الواضحة بعدم انتاج وتخزين الاسلحة الكيمياوية والبايولوجيه والنووية وعدم المساعدة على انتشارها. وبالاضافة لذلك طلب مجلس الامن من العراق المصادقة النهائية على بروتوكول الضمانات الوقائية لجعل الانشطة النووية ضمن الحدود المسموح بها دائما"وتحت الرقابة الدولية الشاملة.
والقرار الثالث برقم 1958 انهى متبقيات برنامج النفط مقابل الغذاء لاغلاق ملفاته. وتقدر الاموال الباقية في برنامج النفط مقابل الغذاء بحوالي 551 مليون دولار وسوف يحول مبلغ 400 مليـون دولار الى الصندوق العراقي للتنمية والباقي يخصص في حسابين.
احدهما بمبلغ 20 مليون دولار لمتابعة اجراءات الانهاء، و131 مليون دولار لمواجهة احتمالات مطالبة الامم المتحدة، التي ادارت البرنامج، بالتعويض عن اضرار لحقت بطرف ثالث وذلك حتى عام 2016.
من المعلوم ان برنامج النفط مقابل الغذاء كان ينبغي ان يتوقف العمل به قبل نهاية عام 2003. وكان من السهل تحويل الاعتمادات المستندية المفتوحة في سياق البرنامج الى نظام الصندوق العراقي للتنمية، والسلطة المخولة للتصرف بموارده، وهو ايضا"تحت اشراف مجلس الامن من خلال لجنة المشورة والمراقبة IAMB. ومن الواضح ان موظفي الامم المتحدة في ادارة البرنامج ونظرائهم في الدوائر العراقية المستفيدة من الاعتمادات تشبثوا لاستمرار البرنامج ونجحوا بسهولة لابقائه سبعة اعوام اخرى، حتى عام 2010، بعد استحداث النظام البديل وهو الصندوق العراقي للتنمية، والتمهل حتى عام 2016 للاغلاق النهائي. وتضمن القرار الزام العراق بعدم اقامة دعاوى ضد دوائر الامم المتحدة ذات العلاقة وموظفيها حول مجريات ادارة البرنامج.
ويدل ذلك على تراخي الاجراءآت وعدم اهتمام مجلس الامن بقيمة الزمن في التعامل مع الشأن العراقي.
مجلس الامن في بيان رئيسه ونصوص القرارات التي اتخذها يوم 15 كانون الاول، وكلمات اعضائه تناول دقائق الوضع السياسي في العراق وكلف الامم المتحدة"بمساعدة"العراق في جميع وظائف الدولة بما فيها العلاقات بين الاحزاب السياسية والتفاوض مع الكويت. كما ان الامين العام للجامعة العربية عبر عن قبوله لقرارات مجلس الامن لانها اولت عناية بالمسائل التي تهتم بها السياسة العربية. ووصف مجلس الامن تلك القرارات بأنها تقدم كبير باتجاه عودة العراق الى الوضع الطبيعي الذي يستحقه.
انها لمفارقة، فريدة من نوعها، عندما يقال لم يبق من مشروطيات الفصل السابع سوى المسائل العالقة مع الكويت.
وكان المامول من جميع الاطراف تسهيل استعادة العراق لمكانته في العالم. وليس من الانصاف ان يكتفي مجلس الامن بتشجيع العراق وحثه على تسوية الخلافات مع الكويت وبلغة المراقب المحايد في قرار تحت الفصل السابع. وذلك بعد ان زاول مع العراق اعنف واشمل صيغ التدخل في تاريخ الامم المتحدة.
ان العراق بحاجة ماسة للعناية بالمضامين الاقتصادية والمالية والعسكرية والامنية والادارية لمفاهيم السيادة والاستقلال والتي قد ازيحت الى النطاق المهمل من دائرة الوعي. وليس لها النصيب الذي تستحقه في منظومة القيم الحاكمة للسلوك. والدول الكبرى والجيران يعرفون جيدا"هذا الواقع المؤسف، وعلى قدره يتصرفون.