قصة موت معلن.. رؤيا أشجار الغابة وعصافيرها، نبأته قبيل الزفاف

قصة موت معلن.. رؤيا أشجار الغابة وعصافيرها، نبأته قبيل الزفاف

بغداد/ أوراق

في ليلة زفافها، تعاد أنجيلا إلى أهلها من قبل زوجها بعد اكتشافه أنها ليست عذراء.. وانتقاماً لشرف العائلة يُقتل سانتياغو نصار على يد الإخوة فيكاريو.. أحداث تجري بين أجواء الريف الكولومبى، يرويها غابرييل غارسيا ماركيز في روايته (قصة موت معلن) والصادرة عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة صالح علماني، إذ تدور أحداث الرواية جميعها ما بين الساعة الثالثة بعد منتصف ليلة الزفاف

او كما يصفها المؤلف ليلة الأثنين المعهودة، والساعة السابعة صباحاً، وهى ساعة قتل سنتياغو نصار على يد الأخوين التوأمين بابلو فيكاريو وبيدرو فيكاريو ثأراً لشرفهما، الذى انتهكه نصار على حد زعم أختهما أنجيلا.‏ وفي اليوم الذي كانوا سيقتلونه فيه استيقظ سنتياغو نصار عند الساعة الخامسة والنص صباحا لينتظر وصول المركب الذي سيأتي فيه المطران. كان قد حلم بأنه يجتاز غابة من أشجار التين حيث كان يهطل رذاذ مطر ناعم، وأحس في أحلامه بالسعادة للحظة، لكنه ما أن استيقظ حتى أحس كما لو أنه ملوث بكامله بزرق العصافير. كان يحلم بالأشجار دوماً، هذا ما قالته لي أمه، بالسيدا لوثيرو وهي تستحضر بعد سبع وعشرين سنة أحداث يوم الاثنين المشؤوم. وقالت لي في الأسبوع السابق كان قد حلم بأنه يمضي وحيداً في طائرة من رقائق القصدير وأنها كانت تطير به ما بين أشجار اللوز من دون أن يصطدم بها. وقد كانت لها سمعة طيبة أحرزتها بتفسيرها الصائب لأحلام الآخرين، إذا ما رويت لها تلك الأحلام قبل أن تتناول أي طعام، لكنها لم تنتبه إلى أي فأل مشؤوم في هذين الحلمين اللذين حلم بهما ابنها في أصباح الأيام التي سبقت موته، ولم ينتبه سنتياغو نصار نفسه كذلك إلى نذير الشؤم. كان قد نام قليلاً وبصورة سيئة من دون أن يخلع ملابسه، واستيقظ وهو يعاني ألماً في رأسه وترسبات كترسبات ركاب نحاسي في حلقه، وفسر ذلك على أنه مجرد آلام طبيعية من آثار حفلة الزفاف التي امتدت إلى ما بعد منتصف الليل. جميع الأشخاص الذين التقى بهم منذ خروجه من البيت في الساعة السادسة وخمس دقائق إلى أن جرى تمزيقه مثل خنزير بعد ساعة من ذلك الوقت، يتذكرون بان شيئاً من النعاس كان بادياً عليه ولكن مزاجه كان جيداً، وقد تحدث معهم جميعاً بصورة عابرة وقال لهم إن ذلك اليوم هو يوم بديع. ولم يكن أي منهم متأكداً إذا ما كان يشير بذلك إلى حالة الجو. ولقد ارتبط في ذاكرة الكثيرين بأنه كان صباحاً مشرقاً يتخلله نسيم بحري يأتي من خلال بيارات الموز، مثلما يمكن للمرء أن يتخيل كيف يكون الصباح في تلك الفترة من شهر شباط. ولكن غالبيتهم كانوا متفقون على أنه كان جواً معتماً، بسماء معكرة ومنخفضة ورائحة كثيفة من المياه الراكدة، وأنه كان يهطل في لحظة المصيبة رذاذ خفيف مثل الذي رآه سنتياغو نصار في غابة الحلم. كنت حينئذ أستعيد قواي، بعد حفلة الزفاف، في حضن ماريا لخادرينا ثيرفاتس الأمومي، واستيقظت بصعوبة على ضجة النواقيس وهي تقرع بذعر، لأنني ظننت بأنهم يقرعونها احتفاء بالمطران.. ارتدى سنتياغو نصار بطالاً وقميصاً من الكتان الأبيض، مثلهما مثل البطال والقميص اللذين ارتداهما في اليوم السابق من أجل حفلة الزفاف. كان هذا هو زيه في المناسبات. ولولا قدوم المطران لكان ارتدى الملابس الباكية وجزمة ركوب الخيل التي اعتاد الذهاب بها في أيام الاثنين الى مزرعة الديفينو ستروم مزرعة المواشي التي ورثها عن أبيه، والتي كان يديرها بحكمة بالغة ولم يكن يحصل منها مع ذلك على ربح كبير، وأثناء وجوده في الجبل كان يعلق في حزامه مسدساً من طراز ماغنوم 357، بإمكان رصاصاته المصفحة كما كان يقول أن تخترق جواداً من خاصرته. وفي موسم صيد الحجل كان يأخذ معه أيضاً معدات التصقر.. ويبدو ان بناء صورة القصة التى كانت مهشمة فى ذاكرة الروائى قد تم تشكيلها من شهادات بعض الذين حضروا مأساة موت سنتياغو نصار، ومنهم أم المغدور بلاثيدا لينيرو، وخطيبة نصار نفسه فلورا ميغيل، ومن رواية ابنة خالته انجيلا فيكاريو زوجة سان رومان لليلة واحدة.. ويبقى مقتل نصار يجعلنا فى حيرة من أمره بشأن هذا الموت، فهو من ناحية يقدم كثيراً من الشكوك فى صدق التهمة الموجّهة إلى نصار، ويظهر أن أحداً ممن عرفوا نصاراً وانجيلا فيكاريو لم يصدق أن هذا العربى المهاجر قد اقترف جريمة انتهاك شرف أسرة فيكاريو، حتى الروائى ذاته ماركيز كان متشككاً فى إمكانية وقوع ذلك ومن ناحية ثانية يجعل الاحتمال الثانى، وهو إمكانية حدوث الانتهاك، معقولاً وقابلاً للتصديق، فنصار لم يدافع عن براءته أمام خطيبته فلورا ميغيل، وعندما حذره والدها من القتل الذى ينتظره، وعرض عليه البقاء فى بيته أو التسلح ببندقية للمقاومة، قال: لستُ أفهم شيئاً مما تقول.. وعندما هاجمه الأخوان فيكاريو لم يصرح بأنه بريء مما ينسب إليه، بل قدمه لنا الروائى وكأنه راض بمواجهة مصيره.. وحتى بعد أن طعن عدة طعنات، وبقى حياً، سار وهو يحمل أمعاءه المتدفقة أمامه ليموت فى أرض مطبخه من دون ان ينبس ببنت شفة تنم على براءته بعد ان مشى أكثر من مئة متر كي يدور حول البيت كاملاً ثم يدخل من باب المطبخ.