النقل في بغداد من الترامواي ( الكاري )  الى الطائرة الحديثة

النقل في بغداد من الترامواي ( الكاري ) الى الطائرة الحديثة

■ د. عباس فرحان الزاملي

كانت بغداد مركزاً لتجمع وانطلاق وسائط النقل الحديثة حيث تتفرع منها الخطوط نحو المدن العراقية الاخرى. وقد اختلفت اهمية تلك الوسائط سواء أكانت البرية بنوعيها [السيارات ، والسكك الحديد ] أم الجوية باستعمال الطائرات. في حين تضاءلت اهمية النقل النهري الذي كان سائداً في بغداد بالاعتماد على الوسائط القديمة مثل ( الاكلاك ، والقوارب الصغيرة [الابلام ]، والسفن الشراعية ، والدوب ، والقفف [ الكفف ] ) التي قامت بدور كبير في نقل البضائع والاشخاص.وبعد استعمال وسائط النقل الحديثة المشار اليها، اختفت اهمية وسائط النقل النهرية بشكل ملحوظ ولم تستعمل الا نادراً كذلك كان حال وسائط النقل البدائية القديمة لا سيما العربات التي تجرها الخيول من نوع [ اللاندون ،

والربل ] لنقل الركاب والبرشقة للبضائع فقد اصبح استعمالها محدوداً جداً. باستثناء عربات ترامواي الكاظمية.

عربات ترامواي الكاظمية :

كان من اقدم وسائط النقل البرية في بغداد عربات الترامواي Tramway او (الكاري). وهي عربات خشبية بطول (5) امتار صنعت في بريطانيا يجرها حصانان على القضبان الحديدية التي اقيمت لها بين الكرخ والكاظمية بمسافة (7) كم في طريق غير معبد ومتعرج.

تتألف عربات الترامواي أو الكاري من طابقين وكل طابق يتسع لجلوس (18) راكباً فيكون مجموع ركاب الطابقين 36 راكباً. ويزداد عدد الركاب من (70-80) وفي بعض الاحيان يصل الى (100) راكب في ايام الازدحام لاسيما في المناسبات الدينية والاجتماعية . فيضطر كثير من الركاب الى الوقوف طوال الطريق او الجلوس فوق سقف الطابق الاعلى ، الامر الذي يؤدي الى انقلاب العربة في بعض الاحيان ، ولا يجرها الحصانان الا بصعوبة بالغة.

تبدأ خطوط سير العربات من محلة سوق الجديد في الكرخ وتسير نحو الكاظمية في خط واحد يتسع لسكتين ، وبعدها يتفرع في خطين للذهاب والإياب والمسير الى (جامع براثا) حيث تتبدل عنده الخيول في الاسطبل المقابل للجامع.وتستمر العربات بالسير الى منطقة " قصر الأيل ". وتمثل هذه المنطقة ثلاثة ارباع الطريق وعند قصر الأيل تتوقف العربات حيث يلفت نظر الركاب منظر ذلك القصر لروعتـه وبعدهـا يتحـد الخطان الحديديان في الكاظمية الى خط واحد للسكتين باتجاه يميل نحو اليمين عند الركن الجنوبي من خان (الكربولي) الى مسافة قصيرة ثم تتسع نهايته عند محطته ومرآبه في الكاظمية.

اما بالنسبة للوقت المحدد لانطلاق عربات ترامواي الكاظمية فقد كانت تبدأ بالعمل منذ الساعة السادسة من صباح كل يوم من مرأبها الكائن خلف ثانوية الكرخ. حيث شيدت ادارة الشركة بناية كبيرة ذات ثلاثة مرائب لاستيعاب الحافلات "العربات" مع مخزن لمستلزمات الصيانة والتصليح وخلف الإدارة إسطبل كبير يتسع لاكثر من (30) حصاناً في محطتها في بغداد وكذلك هو الحال في محطتها في الكاظمية عند نهاية سوق الاستربادي ، وكان مجموع عربات الترامواي 30 عربة. وتستمر في العمل حتى الساعة العاشرة ليلاً تتخللها اوقات توقف معينة في فصل الصيف ظهراً ثم تستأنف العمل عصراً ويعرف سكان بغداد الرحلة الأخيرة من ( رنين جرسها ) الذي يدقه السائق باستمرار لاعلام الركاب بذلك بعدها تودع العربات في كراجات والخيول في اسطبلات لترقد وتستريح استعداداً للعمل في اليوم التالي.

ويمكن القول ان سرعة الترامواي كانت مقبولة [بحسب مقاييس ذلك الزمان ] اذ انها تقطع المسافة بين الكرخ والكاظمية في نصف ساعة وتتحرك عربة واحدة كل ربع ساعة.

كانت عربات الترامواي او الكاريات واسطة نقل مقبولة ومريحة لنقل عدد كبير من الركاب فضلاً عن سرعتها ورخص اسعارها ، لاسيما للطلبة واصحاب الحرف وكانت اجرة ركوب الكاري بدرجتين الاولى (9) فلوس في الطابق الاول والثانية (7) فلوس في الطابق الثاني ، وكان الجابي هو الذي يجمع النقود من الركاب ويجلس في الطابق الاول ،

وبعض الركاب يتهربون عن دفع الاجرة فأذا كان الجابي في الطابق الاول صعدوا الى الطابق الثاني والعكس بالعكس. وبعض الاطفال كانوا يتقافزون يميناً وشمالاً بهدف التخلص من محاسبة الجابي معتبرين ذلك ( لعبة وتسلية وشطارة ) فكان عليهم ان يدفعوا العربات لكي تتحرك ويساعدوا الخيول على سحبها للعربات بعد التوقف. وكانت ادارة الشركة تجلب ( وسائداً وثيرةً) تضعها لجلوس الوزراء والشخصيات البارزة التي لا تملك وسائط النقل ومضطرة للركوب في الترامواي تقديراُ منها لمكانتهم الاجتماعية.

وعلى الرغم من استعمال وسائط النقل الحديثة ، استمر النقل بين بغداد والكاظمية بوساطة (الترامواي) بفعل الاقبال الشديد عليها وقد حققت ربحاً وفيراً الامر الذي دفع الشركة الى اجراء تحسينات على الترامواي فجلبت عام 1932 (6) مكائن من الديزل لسحب (عربتين او ثلاث ) في آن واحد لكونها اسرع من الخيول . كما جلبت عربات اكثر حداثة وذات درجتين الاولى مميزة (بمقاعدها الوثيرة) عن الثانية في العربة نفسها وبينهما باب يفصل بين ركاب كل درجة .

سارت الشركة بعملها بانتظام وعقد الكثيرون أمالاً على اهمية تطورها وضرورة تسييرها بالطاقة الكهربائية على غرار بعض المدن الأجنبية لا سيما مدينة سان فرانسسكو في الولايات المتحدة الامريكية ، وعلى يد الشركة نفسها بعد ان طورت اعمالها ( ولكن ضيق صدور سكان الكرخ وتذمرهم من خط الترامواي الذي ازعجهم كثيراً فسأموا مشاهدة تلك العربات وعملوا على ضرورة ابعادها عن مناطق سكنهم لضيق الشوارع التي تمر بها عربات الترامواي فضلاً عن سوء تصرف سواق تلك العربات ، لذلك بذل وجوه سكان الكرخ والمتنفذين بتحريض من الحانقين على هذه الواسطة جهودا لدى الجهات المختصة لالغائها بدعوى انها متخلفة عن روح العصر). فاصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية كتاباً الى سكرتارية مجلس الوزراء في عام 1940 اشارت فيه الى " ان بقاء هذا المشروع بهذا الشكل لا ينطبق وما يتطلبه النهوض بالحالة الاجتماعية وتقدمها لا سيما وان مرور هذا الخط في اماكن آهلة بالسكان جعل تقدمها العمراني بطيئاً ومدعاة لوقوع حوادث مؤسفة " . ولكن اضطراب الوضع السياسي بعد قيام انتفاضة مايس التحررية عام 1941 وانعكاس أثار الحرب العالمية الثانية على الجانب الاقتصادي وتأثير ذلك في الحياة الاجتماعية لابناء المجتمع البغدادي ادى الى صرف النظر عن الإلغاء. حتى زوال تلك الظروف الطارئة.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قام امين العاصمة ارشد العمري بالغاء الترامواي عندما اصبح رئيسا للوزارة عام 1946. وبموجب امر الالغاء تم تفكيك عرباتها فبيعت اخشابها التي كان معظمها من نوع الساج مع محركاتها . ثم قلعت سكتها وبيعت لاستعمالها في سقوف البيوت بدلاً من الشيلمان وبلطت اماكنها لتسير عليها السيارات عام 1947.


السيـارات

تعد السيارات من اهم وسائط النقل الحديثة التي ربطت بين بغداد والمدن العراقية والدول المجاورة إذ انها اصبحت وسائط النقل الاساس للسكان والبضائع على حد سواء. الامر الذي شجع على الربط بين المدينة والريف الذي كان قد تغيَّر من جميع الوجوه استجابة لمتطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية .

ولم تكن السيارات قبيل الحرب العالمية الاولى موجودة على نطاق كبير في مدينة بغداد. اذ انها اصبحت من وسائط النقل المعروفة بعد الاحتلال البريطاني للعراق حيث ادخلت بريطانيا اعداداً كبيرة منها لاغراضها العسكرية وقامت بتعبيد بعض الطرق تسهيلاً لحركة قواتها في تحقيق اهدافها (السوقية والستراتيجية) . لذلك اقتصر امتلاك السيارات في بداية العشرينيات على الضباط والجنود البريطانيين وبعض الوزراء والمتنفذين في المجتمع البغدادي .

اما سيارات نقل البضائع فقد بدأ استعمالها في منتصف العشرينيات وكانت من مخلفات الحرب العالمية الاولى ثم استوردت فضلاُ عنها سيارات اخرى قامت بنقل البضائع بين بغداد وبقية المدن العراقية وكان لكل مدينة مراب خاص بها ، فمثلاً نقليات البضائع من بغداد الى مدينتي الكوت والعمارة كان لها مراب ثابت في شارع الرشيد بجوار سوق الصفافير ومتعهده احمد الشيخلي .

اصبحت السيارات تشكل واسطة نقل ضرورية بين بغداد وضواحيها في أواخر العشرينيات بعد ان قامت امانة العاصمة بتسيير الباصات في شارع الرشيد . وكانت هياكلها الكبيرة قد صممها وصنعها محلياً عمال بغداديون في ورش خاصة بهم قرب مقبرة الامام الغزالي . كذلك صنعت في مدينة النجف ايضاً بشكل امتاز بالجودة والمتانة واخذت هذه الباصات تنقل الركاب بين باب المعظم والباب الشرقي بأجرة قدرها أنة واحدة ، أي ما يعادل [اربعة فلوس] وكان لتلك الباصات باب واحد في الخلف للنزول والصعود معاً ويقف عليه الجابي.

وفي بداية الثلاثينيات حصل توسع كبير في استعمال السيارات بعد الحصول على وكالات الاستيراد من شركات السيارات الاجنبية " البريطانية والامريكية والالمانية فقد كانت شركة شفيق عدس تستورد سيارات الفورد وشركة كتانة تستورد سيارات الدوج والبلايموث وشركة بيت لاوي تستورد سيارات الشوفرليت وشركة داود ساسون للسيارات البريطانية موريس اوستن وفنكارد وشركة يوسف سعد للبيكارد والهدسن والناش ، اما السيارات الالمانية فقد كان يستوردها التاجر جورج عبديني. واستوردت تلك الشركات في منتصف الثلاثينيات باصات نقل صغيرة سيّرت في شارع الرشيد لغرض نقل الركاب في بغداد والكرادة والاعظمية وكانت شركة عزرة حكاك هي التي استوردت القسم الاكبر منها.

وتنافست الشركات فيما بينها على بيع سياراتها للمواطنين باسعار زهيدة وبأقساط مريحة فكانت السيارات الحديثة الصنع الممتازة جداً لا يتعدى سعرها (150) ديناراً بينما السيارات الاعتيادية المستعملة لا يتجاوز سعرها عند البيع (40) ديناراً فقط.

وقد تفننت الشركات في تقديم الهدايا الى سواق سيارات الوزراء والميسورين واغرائهم بأهمية تبديل سياراتهم سنوياً بطراز جديد [ أي شراء سياراتهم القديمة وبيعهم سيارات جديدة ] بعد الاتفاق على فروقات الاسعار مع احتفاظهم بأرقام سياراتهم القديمة ، فمثلاً كانت سيارة علي جودة تحمل رقم (3) وسيارة جميل المدفعي تحمل رقم (6) وسيارة جلال بابان تحمل رقم (8) وسيارة رشيد عالي الكيلاني تحمل رقم ( 9) وسيارة ناجي السويدي تحمل رقم (12). وفي سنة 1938 أسست مديرية مصلحة نقل الركاب العامة بموجب قانون رقم (38) لسنة 1938ولم تسمح ظروف الحرب بتطبيق هذا القانون.

وبعد قيام الحرب العالمية الثانية قامت بريطانيا بالسيطرة على جميع وسائط النقل والمواصلات ومنها شركة كرنل لبنان . التي كانت تمتلك (30) سيارة من نوع شوفرليت بدون بدن وكانوا قد استحصلوا على امتياز من الحكومة العراقية لتشغيل هذه السيارات في شارع الرشيد لمدة (15) عاماً . الا ان نظام الباصات " مصلحة نقل الركاب " الذي صدر في تلك الحقبة لم ينفذ بسبب ظروف الحرب التي لم تسمح بالتوسع باستيراد وسائط النقل والمواصلات باتاحة الفرصة للشركات الاجنبية للعمل في العراق . وفي عام 1940 تمكن امين العاصمة ارشد العمري من الحصول على موافقة الحكومة ،على الغاء امتياز شركة كرنل وتشغيل سياراتها لحساب امانة العاصمة ،بعد استملاكها وحصلت موافقة الحكومة وعين ابراهيم شندل الموظف في امانة العاصمة مسؤولا عن تلك السيارات . وكانت هذه السيارات هي النواة الاولى " لمصلحة نقل الركـاب " في بغداد وقد واجهتهـا صعوبات كثيرة في بدايتها منها قلة عدد السواق المجازين فبذلت جهوداً كبيرة لتشغيل تلك الباصات وتنظيم عملها وقامت بطبع تذاكر خاصة بها وعرفت هذه الباصات من قبل اهالي بغداد بـ( الامانة ) .

ان النظام الذي وضع لتسيير الباصات في بغداد كان نظاماً تجريبياً قامت مديرية شرطة المرور باختياره وتعديل النواحي غير المفيدة منه . وحصلت عند تطبيقه مشكلات كثيرة من سواق الباصات ، وتذمر الاهالي ، فاخذت الامانة معالجة تلك المشكلات بطرائق شتى ، وقسمت مناطق السير في بغداد وضواحيها الى خطوط عدة . واهتمت مديرية شرطة المرور بالموضوع وعملت من جانبها على تخفيف الازدحام الذي تسببه السيارات عند وقوفها على جانبي الشوارع، وحددت اماكن خاصة للتوقف في كل منطقة ، ومنعت وقوف السيارات الكبيرة لا سيما باصات الكرادة والاعظمية في شارع الرشيد وسمحت لعدد معين من تلك الباصات بالسير بين الباب الشرقي وباب المعظم على ان تعطى ارقام متسلسلة كل يوم ومنعت تسابق اصحاب الباصات او وقوفهم وقتاً طويلاً وان يغادر الباص الواقف حالاً عند قدوم باص اخر. ووضعت في كل موقف لوحاً احمراً مستطيل الشكل في اقرب مكان مدون عليه اسماء المناطق وارقام الباصات التي تمر فضلاً عن الواح اخرى ترشد الراكب الى اماكن الوقوف الاختيارية لكي ينزل في احد هذه المواقف بعد اخبار الجابي بذلك قبل الوصول .

وكانت الأجرة محدودة وحسب نوع الباص ، اذا كان من الدرجة الاولى( 14) فلساً في حين تكون الثانية (10فلوس) والمسافات بين المناطق يحددها السائق في جدول مسافات الباصات في بغداد وحددت اوقات سير الباصات من الساعة السادسة صباحاً الى الساعة الثانية عشر ليلاً.

ظهرت تأثيرات الحرب العالمية الثانية على قطاع النقل والمواصلات بشكل كبير مما أدى الى حدوث ازمة بارزة في النقل والمواصلات . وحظيت باهتمام ابناء الشعب لاتصالها الوثيق بحاجاتهم اليومية فاهتم بها المسؤولون ووضعوا الحلول لها واقترحوا زيادة استيراد سيارات النقل المتنوعة لقدم الموجود منها في بغداد وعدم ملائمتها لتطور البلاد.

تذمر اهالي بغداد لعدم معالجة مشكلة النقل بشكل سريع فضلاً عن سوء تصرف سائقي سيارات الاجرة ومضاعفتهم للاجور وضغطهم على أعصاب الراكب وقيامهم بأنزاله في منتصف الطريق بدلاً من نهايته بهدف الكسب السريع.

حاولت امانة العاصمة اتخاذ اجراءات عاجلة لمعالجة ازمة النقل والمواصلات ، فقامت بتأسيس شعبة النقليات في عام 1942 ، بهدف تنظيم عمل الباصات وتهيئة العدد الكافي من السواق المؤهلين لقيادتها . وكان اول عمل لها في هذا المجال شرائها مجموعة من اللوريات القديمة من مبيعات الجيش البريطاني في منطقة الشعيبة في مدينة البصرة ، وكانت على ثلاثة انواع (الدوج ، الفورد، الشوفرليت) وصنعت لها ابداناً من الخشب في معامل النجارين البغداديين.

سيَّرت امانة العاصمة في عام 1943 (21) باصاً خشبياً في شارع الرشيد ، الذي قسمته على ثلاثة مناطق ، تبدأ الاولى من باب المعظم وتنتهي في سينما الحمراء [ موقعها في ساحة الامين حالياً] وتبدأ المنطقة الثانية من سينما الحمراء وتنتهي عند سينما الزوراء ، اما الثالثة فتبدأ من سينما الزوراء وتنتهي في الباب الشرقي .

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحسن الأوضاع الاقتصادية وزيادة أعداد السكان وتوسع المدينة ، اهتمت امانة العاصمة باستيراد باصات حديثة فعقدت صفقة لشراء (100) باص، قامت بعد وصولها بفتح خطوط جديدة لها ، وبلغ عدد الباصات حتى نهاية عـام 1947 (113) باصاً قديماً و(7) باصات جديدة ، و(27) باصاً عاطلا عن العمل. وفي العام نفسه اعيد تشكيل مصلحة نقل الركاب مرة ثانية وانتقلت اليها ممتلكات شعبة النقليات ، وبقي نوع من الارتباط بين مديرية مصلحة نقل الركاب وامانة العاصمة يتمثل بتعيين امين العاصمة رئيساً لها.

وفي عام 1950 عدل قانون المصلحة السابق رقم ( 38) لسنة 1938بقانون المصلحة الجديد رقم (62) لسنة 1950. وبموجبه توسعت اعمال المصلحة ، وقامت بالتخلص من الباصات القديمة واحلت محلها باصات حديثة بعد استيرادها (100) باص من بريطانيا ، وتبع ذلك توسع ( الكراجات ، ومحلات تنظيف السيارات وتصليحها ) ، وازدادت اعداد الخطوط الى اكثر من (40) خطاً وبلغت اطوالها (300) كم .

وفي بداية الخمسينيات ازداد عدد الباصات في بغداد ، بعد استيراد (200) باص من ذات الطابق الواحد ، فأخذت تعمل في شارع الرشيد ، وفي عام 1953 ظهرت الباصات من ذات الطابقين لاول مرة بعد قيام امانة العاصمة باستيراد 20 منها. ونظرا لحاجتها الماسة لعدد من السواق فقد فتحت دورة لتعليم قيادة السيارات وفي عام 1954 اشترت امانة العاصمة بعد انتهاء المعرض التجاري البريطاني المقام في بغداد ، الباص الوحيد المعروض في المعرض. وبعد منتصف الخمسينيات اهتمت امانة العاصمة بتوسيع اعمالها لتتناسب مع كثافة السكان فاشترت (100) باص عام 1956 واهتمت بتوفير العدد اللازم لها من السواق لقيادة تلك السيارات، وفتحت مدرسة خاصة لتدريبهم واعدادهم بشكل يجعلهم قادرين على القيادة والتصليح في ان واحد وتم تأهيلم وتخرج (25 ) سائقاً منهم وهم الدفعة الاولى .


السكـك الحديـد

كان لتطور طرق المواصلات ووسائط النقل البرية " السكك الحديد والسيارات " اهمية كبيرة في تطور المملكة اقتصادياً واجتماعياً بعد ان كانت اجزاؤها معزولة بعضها عن البعض الاخر ، فأسهمت وسائط النقل المتنوعة في ربطها محلياً ودولياً واختلفت اهمية تلك الوسائط حسب الحقب الزمنية التي مرت بها خلال العهد الملكي .انشأت السكك الحديد قبيل الحرب العالمية الاولى وتطورت بعد الأحتلال البريطاني للعراق لاغراض عسكرية ، ثم اصبحت تستعمل للاغراض المدنية وكانت بغداد المركز الرئيس لمحطاتها ، تطورت بعد انتهاء الانتداب وازدادت اهميتها اثر انتقال ادارتها الى المملكة العراقية سنة 1936. وكانت تتكون من خطوط عدة تتفرع من العاصمة لتربط المدن العراقية الاخرى ومن اهم هذه الخطوط :

1. خط بغداد –البصرة ويمر في منطقة الفرات حيث تكثر المناطق المزدحمة بالسكان ويخرج منه فرعان صغيران احدهما عند سدة الهندية وينتهي عند كربلاء والثاني من ناحية البطحاء وينتهي عند الناصرية.

2. خط بغداد –الموصل تل كوجك ويصل العراق بتركيا ، وربط بالخط السوري في 15 تموز 1940 ويسمى بخط الشرق السريع ، وبذلك اتصلت الخطوط العراقية بالتركية ومنها الى الدول الاوربية.

3. خط بغداد –كركوك ويتفرع منه فرع صغير عند جلولاء يصل الى خانقين وهنالك خط يربط كركوك بأربيل تم مده عام 1949 ، ولم ترتبط المدن العراقية الاخرى مع هذه الخطوط.

وكان معمل الشالجية من اكبر معامل تصليح وادامة مكائن وعربات السكك الحديد في المملكة العراقية.

كانت بغداد مركزاً لمحطات السكك الحديد ، فيها ثلاث محطات رئيسة للقطار الاولى في الكرخ تعرف بمحطة غربي بغداد ، وفي الرصافة محطتان (شمالي بغداد) في نهاية باب المعظم ومحطة ( شرقي بغداد ) في منطقة باب الشيخ وهي محطة متوسطة ، وللكاظمية محطة خاصة قائمة على خط سامراء. كانت المحطة الاولى لنقل البضائع والاشخاص الى جنوب العراق ، اما المحطة الثانية فهي خاصة للنقل الى شمال العراق والى ايران ، ويكون التحميل قليل من المحطة الثالثة لان محطة باب المعظم تقوم بالجزء الاكبر. اسهمت السكك الحديدية في تطور ونمو الكثير من المناطق التي تمر بها فقد حولتها من مراكز سكنية صغيرة الى مدن كبيرة بعد توسع القرى والمناطق المحيطة بها.لكنها لم تستطع منافسة وسائط النقل الاخرى. فالتطور التقني الذي اصاب السيارات من ناحية السرعة وحجم الحمولة وانشاء الطرق المعبدة جعلها المنافس الاول للسكك الحديد في نقل البضائع والمسافرين وحسب ما جاء في التقرير الإداري للسكك الحديد العراقية بين عامي 1947-1948 ( ان بيع السيارات العسكرية التابعة للقوات البريطانية ادى الى منافسة القطار بدرجة كبيرة وبالتالي فقدان السكك الحديد جانباً من ايراداتها).

وفي عام 1950 ارتبطت خطوط النقل بالقطارات بعضها ببعض اذ يذكر عباس بغدادي ان القطارات كانت تعبر نهر دجلة في الصرافية (محل الجسر الحديدي الان) على جنائب ( دُوَب) كبيرة تنقل عربات القطار على مراحل واستمر على هذا الحال حتى انشاء جسر الصرافية الحديدي. الذي ساعد على اتصال خطوط السكك الحديد بين بغداد والبصرة واربيل.

وفي عام 1953 أنشأت المحطة الكبرى للسكك الحديدية في جانب الكرخ. ونظمت في هذه الحقبة خطوط السكك الحديد من جديد وتم بناء العربات الخاصة بنقل البضائع ، فحقق إنشاء المحطة فوائد اقتصادية واجتماعية للمجتمع العراقي عامة ولبغداد على وجه التحديد ، فضلاً عن قيامها بتوفير السكن للعاملين لديها.


النقل الجوي

بعد ان اصبحت السكك الحديد ملكاً للحكومة العراقية سنة 1936 الحقت بوزارة الاشغال والمواصلات. وفي سنة 1945 خولت ادارة السكك الحديد من قبل الحكومة العراقية تأسيس مصلحة عراقية فرعية لها بأسم الخطوط الجوية العراقية وانيطت بها مسؤولية تأسيس خطوط جوية وتسييرها داخل القطر وخارجه. وبعد تأسيسها استعانت بشركة (الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار ) وعقدت معها اتفاقية لتدريب العراقيين لكي يتسنى لها التخلي عن الخبراء والطيارين الاجانب واحلال العراقيين محلهم واستأجرت من بريطانيا طائرتين من نوع (داكوتا) فقامت بأول رحلة جوية بين بغداد والبصرة في 25 كانون الاول 1946 بواقع رحلتين يومياً ، وفي عام 1947 اوفدت ستة طلاب مع طبيب عراقي للتدريب على الطيران ، واعتمدت على الطيارين الاجانب لاسيما البريطانيين لقيادة تلك الطائرات وقامت بتوسيع المطار المدني (المثنى حالياً ) فأصبح عالمياً [ وفق مقاييس ذلك الزمان ].

توسعت مصلحة الخطوط الجوية العراقية عام 1948 وقامت بتأجير ست طائرات ، ثلاث منها من نوع (فيكرزفايسكنك) والثلاث الباقية من نوع (دي هايفيلاند دوف ) وتمكن الطلاب العراقيون الموفدون الى الخارج من الحصول على اجازات الطيران التجاري الدولي ،وفي سنة 1953 وضعت طلبية لدى شركة فيكرز ارمنسترونك لتجهيز المصلحة بثلاث طائرات من نوع فايكنت وهي طائرات ذات اربعة محركات تربينية مكيفة وتتسع لجلوس (40-52) راكباً ، ومعدل سرعتها 220 ميلاً في الساعة.

وفي عام 1954 تأسست شركة الخطوط الجوية العراقية تحت اشراف شركة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار ، وقامت برحلات منتظمة بين بغداد – والبصرة والكويت ، ثم اصبح لها خطوط الى دمشق والقاهرة والبحرين وخط مباشر الى ايران. وكانت شركة الخطوط الجوية العراقية اول شركة اكتسبت شهرة في البلاد جعلتها موضع ثقة العراقيين والاجانب.

عن رسالة (الحياة الاجتماعية

في بغداد)