عن رواية     سيرة الناطوري     للروائي / مصطفى البلكي

عن رواية سيرة الناطوري للروائي / مصطفى البلكي

كتب جمال الطيب:
من بداية قراءتك للرواية، تشعر أن هناك ما يشدك إليها و تتمنى أن تلاحق أحداثها، التي برع المؤلف في أن يجعلك أسير عباراتها بلغته التي تتقافز حروفها أمامك و جمله البليغة، و هو يغوص بك في أغوار الصعيد بعاداته و سمات شخصياته سواء لرجاله أو لسيداته، و يطالعك على ما قد يكون خافيا عنك حتى تجد نفسك و قد تحولت إلى شخص فاعل من شخوص الرواية.


- تبدأ الرواية في صباح الذكرى السنوية لوفاة"الناطوري"ابن صابر الناطوري عميد العائلة و التي تحرص بنته "سكرة" على إحيائها كل عام و الإشراف على كامل التجهيزات من العشاء إلى الفراشة و حبال الكهرباء و حتى المقرئ و إخراج الشال المبقع بدمه و جلبابه القديم و تعليق صورته و كأنهم من مقومات الذكرى.
تدور أحداث الرواية حول"حسين"ابن سكرة و حفيد الناطوري و الذي نلمس من خلال السرد أنه محور الارتكاز في البلدة و جميع شخوص الرواية مشدودة إليه و تدور حوله، كما نلمس أنه كان رجلا يحمل أفكارا تقدميه، فهو لا يؤمن بتفضيل الولد على البنت مخالفا لعادات الصعيد الذي يتباهى بالأولاد فهم العزوة و السند و لكنه كان يرى أن بنته سكرة"بألف راجل"، ويتبين ذلك في موافقته على زواجها من الغريب نزولا على رغبتها و رفضه لزواجها من ابن عمها مخالفا للأعراف.
كان معروفا عنه الصراحة و أنه يقول للأعور صفته في عينه، و هو يشتهر بالشجاعة منذ صغره و التي تتبدى في موقفه أمام الكبير"هي آهة واحدة أطلقها ثم عقد لسانه و حافظ على عدم ظهور أي تعبير يشي بالألم "، وكان يتميز بالحكمة و العقل الراجح الذي استطاع بهما إنقاذ أهلة من المجاعة"و فات على الجدار و طالب من الذين يضعون خدودهم على راحات أيديهم بزرع نصف ما يملكون من أرض بالبرسيم المخلوط ببذور القريللا و النصف الآخر يزرع قمحا"، و كان من صفاته العدل و مناصرة المظلوم حين حكم برد مال المرأة و التي كانت من الأغراب الذين يسكنون الشطر الثاني من السوق و الذين قاموا رجالها فيما بعد بالغدر به حين تأكد أن زوجها أبو فريج و كان من أهل بلدته قد قام بعد زواجه منها بالاستيلاء
اعتمد المؤلف من خلال السرد على أسلوب"الفلاش باك" بلغة السينما فهو أعتمد على القطع و العودة للوراء، فكل شخصيات الرواية تعود بذاكرتها إما إلى يوم الحادث المشئوم أو إلى الأحداث و المواقف التي ربطتها بالناطوري فهو كما ذكرنا من قبل يمسك بجميع خيوط شخصيات الرواية و التي جميعها أيضا تدور و تلتف حوله.
و لكن من القراءة المتعددة للراوية لم نتبين حقيقة موت الناطوري، فهل كانت نهايته إثر المعركة التي دخلها منفردا مع الأغراب؟، أم كانت نهايته بالسجن بعد أن قبض عليه صاحب النجوم؟ و إن كان كذلك ما سر احتفاظ ابنته بالشال المبقع بالدم و جلبابه القديم و نحن نراه بعدها جالسا أسفل الشجرة حين هجم عليهم صاحب النجوم بحثا عن السلاح؟؟!!
كثير من الأسئلة تتصاعد إلى رأسك حين تنتهي من قراءتها و لا تجد لها الإجابات الشافية مما يوقعك في حيرة أمام هذه النهاية.