في الأدب وما إليه..مدينة العلم والسخرية والتناقض أنجبت رموزاً ثقافية مهمة

في الأدب وما إليه..مدينة العلم والسخرية والتناقض أنجبت رموزاً ثقافية مهمة

بغداد/ اوراق
مجموعة مقالات أدبية وتراثية وتاريخية يحتل الشعر فيها مساحة كبيرة، جمعها كاتبها محمد حسين الأعرجي في كتاب بعنوان"في الأدب وما اليه"والصادر عن مؤسسة المدى للثقافة والنشر، مشيراً الى انه يفتتح كتابه بالنجف مدينة العلم والسخرية والتناقض كما يصفَها، مبينا انه يحبها ليس لكونها مدينته ومسقط رأسه وانما لأنها مدينة تاريخية أنجبت رموزاً أدبية وعلمية مهمة،

من بينهم محمد باقر ومحمد رضا والجواهري وجمال الدين والصافي النجفي، ثم يذكر الدكتور ابراهيم السامرائي ومكتبة الحكيم والشاعر يفتشنكو والمتنبي وشوقي ورباعيات الخيام وبعض شعراء العصر العباسي وشيء عن قضية فلسطين والأهوار وأهداف الاستشراق وتستمر الى ثياب الإمبراطور واخوانيات الصكار حتى قصيدة النثر ومواضيعَ عديدة أخرى في السياسة والفكر.. ويقول: هذا الاعتداد بالعلم والعلماء ورموز العدل لم يعرف الا في مدينة النجف، وليس ذلك بغريب عليها فمنذ عرفت مدينة النجف نشأتها الحقيقية على يد الإمام الشيخ أبي جعفر الطوسي المتوفي سنة 460 هـ كانت مدينة موقوفة على الفقه، وعلى الفرار من جور السلاجقة الطائفي وما اليه. ويكشف ان النجف تغار من مدينتي الكوفة والحلة غيرة الضرائر، وذلك لكونها ورثت مجد الكوفة العلمي والتاريخي فلا تريد ان يعود اليها. واما الحلة فقد انتزعت مكانة النجف الفقهية في زمن العلامة الحلي وصارت هي مقر الحوزة العلمية. كما انجبت الى جانب الحلي ابن طاووس والمحقق الحلي وعشرات سواهما.. وعن أستاذه ابراهيم السامرائي يذكر انه قصده لتسجيل مباشرته الوظيفية في الدولة العراقية. فيقول: هالني منه ان أخذ الكتاب ووضعه في درج مكتبه.. وانتظرت ستة اشهر من دون جدوى، وقلبت الأمر على وجوهه فلم أجد سبباً معقولاً لتصرفه.. وبقي ضغن التلميذ على استاذه لم يتغير وان لطفت منه سنون الغربة.. ومن جملة ما ذكرهم الأعرجي بين فصول كتابه الدكتور صلاح خالص الذي تم تناسيه في الوسط الثقافي. ويعده من أعلام النضال العراقي في القرن العشرين ومن ابرز الباحثين على قلة ما كتب. مشيراً الى الهمس الذي كان يدور حوله كونه شيوعيا، والشيوعية ترتبط في اذهانهم بكثير من الرومانسية ومعاداة السلطة والمساواة بين الناس ومحاربة الاستعمار والصلابة.. وفي موضوع رباعيات الخيام والشعر العربي يذكر ان ترجمة الشاعر احمد الصافي لها تعد من احسن الترجمات الى العربية بما وجه به الصافي الدارسين العرب من بحث في تأثر الخيام بالشعر العربي، ويعقد هذا التأثر على المعري مما جعل توجه الدراسات الأدبية المقارنة تركز حول هذه المسألة. فيقول الأعرجي: وأزعم ان تأثر الخيام في رباعياته بالشعر العربي أوسع من هذا، بل ان بعض المعاني التي أخذها من المعري لم تكن من فلسفة المعري نفسه، وانما أخذها المعري من شعراء آخرين أعجب بهم فطورها. أما في فصل"رأي في قصيدة النثر"يذكر انه لم يتذوق منها سوى قصائد الماغوط لكونها تعنى بما نسميه الضربة الشعرية التي تمس شغاف القلب وتستفز العقل.. ومن طراف ما يتضمنه الكتاب يذكر في موضوع"العودة الى الذات ـ العودة الى الأهوار"بان الإعلام الرسمي العراقي كثيراً ما يصف أهوارنا بفينيسيا العراق. ويقول: يوم زرت فينيسيا في أواسط السبعينات وجدتني أهزأ وأنا في ساحة سانت ماركو بتلك التسمية، وإذ وقفت امام منزل اللورد بايرون الذي سكن فيه مع عشيقته الايطالية ضحكت من فتنة وحسن وصورة الشيلة والجرغد والعصابة وما اليها وصولاً الى الوشم. ويخصص فصلاً يتحدث فيه عن كتاب الشاعر والفنان الخطاط محمد سعيد الصكار والذي صدر عن دار المدى للثقافة والنشر 2001 مشيراً الى ان اهميته لا تأتي من كونه يتناول أدبا راقيا ساخرا فحسب وانما لأنه يؤرخ لما لم يؤرخ من أدب العراقيين.. مبيناً انه كتاب فريد من نوعه لا في أدب الاخوانيات فحسب، وانما في حياة الأدباء غير المرئية والمعروفة. وقد بلغ عدد الذين تناولهن مائة وخمسين أدبياً منهم الجواهري والطاهر وبلند الحيدري ومصطفى جمال الدين ورشدي العامل والبياتي وعشرات سواهم.. وفي مقالة"تجمعات ثقافية عراقية ولكن للتفريق"ينوه الى ان هناك الكثير من التجمعات الثقافية المهمة والتي كان من الممكن ان تسهم كثيراً في بناء صرح الثقافة العراقية سواء داخل البلد او خارجه، ولكن احياناً يفضل المثقف مصلحته الشخصية على العامة. فيقول: في دمشق كان لنا في أوائل الثمانينات تجمع كنت أؤمل فيه خيراً كثيراً هو رابطة الأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين العراقيين، يصدر مجلة"البديل"، ولكن حين هجر المثقفون العراقيون الشام الى منافيهم الأوروبية انفرط التجمع.. ثم جرت محاولة لملمة اطرافه في لندن، وانتخب الشاعر فاضل السلطاني سكرتيراً له على امل بعثه من جديد، فضربت الحمية الوطنية في عروق الشاعر سعدي يوسف ان يؤسس برلماناً ثقافياً في المنفى. ودعيت الى هذا البرلمان فاعتذرت عن الحضور متسائلاً أليس من شأن هذا البرلمان ان يعلن وفاة الرابطة واسبابها؟. ثم يشير الى عدم انبعاث الرابطة من جديد، ولم يتم تأسيس البرلمان في لندن، مشبهاً اياه ببرلماننا التشريعي في بغداد. وأخيراً يقول: هذا نموذج من حال ثقافتنا العراقية فهل نحن سائرون الى بديل؟، ان الحالة تدعو الى تأمل، ولعل مفتاح حلها ان نتدبر من أمثال العامة العراقيين في القرن العاشر الميلادي قولهم: الإمارة ولو على حجارة.