كلمات الصوفية..الرؤية والمجاز وتجليات الحياة الروحية للتجربة الإشراقية

كلمات الصوفية..الرؤية والمجاز وتجليات الحياة الروحية للتجربة الإشراقية

بغداد/ أوراق
مختارات من القصص الإشراقية تقترب في بنيتها من حكايات القرون الوسطى الرمزية، نطلع عليها من خلال كتاب"كلمات الصوفية"لمؤلفه شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي، والصادرة عن دار المدى للثقافة والنشر بتحقيق وتقديم قاسم محمد عباس.. وفيه نجد الرمز يمثل أحد مفاصل الرؤيا والمجاز في التجربة الروحية الاسلامية بحسب تعبير السهروردي المعروف بسعة اطلاعه وعمق معرفته بالعلوم الدينية والفلسفية.


إلا إن جرأته وصراحته جعلتاه في صدام مباشر مع الفقهاء الذين ظهروا في موقع لا يحسدون عليه، في المناظرات التي كان يدعو إليها الملك الظاهر بن صلاح الدين الايوبي. مما أوغر صدورهم حقدا عليه وراحوا يحوكون له تهمة الخروج عن الدين..

وفي مناظرة علنية خطط لها الفقهاء سأله أحدهم: هل يقدر الله إن يخلق نبيا آخر بعد النبي محمد (ص)؟ فأجاب السهروردي: بأنه لا حد لقدرته. وكان التأويل جاهزا بان السهروردي يجيز خلق نبي آخر بعد النبي محمد (ص) وهو خاتم النبيين. وطالب الفقهاء بإعدامه بتهمة الخروج عن الدين. إلا إن الملك الظاهر رفض ذلك. فالتمسوا ذلك إلى صلاح الدين الذي استعاد سورية حديثا من الصليبيين، وكان بحاجة للفقهاء، ويكره الفلاسفة، فأمر بسجنه في قلعة حلب، وأحرقت كتبه، وأعدم عام (587 هجري-1191م)، وهو في سن الثامنة والثلاثين.. تعددت الروايات حول طريقة إعدام السهرودي، بقطع الرأس، أو الشنق، أو تركه ليموت جوعا وعطشا في القلعة. ومن الروايات التي مازالت تتناقلها أجيال مدينة حلب حتى الآن، هي انه تم إعدامه بقطع رأسه أمام القلعة، فتدحرج الرأس إلى أن استقر في منطقة تسمى الآن بوابة القصب، وهناك تم فيما بعد تشييد جامع السهروردي، الذي مازال قائما حتى الآن. وتزيد مؤلفات السهروردي عن خمسين كتابا يمكن تصنيفها بحسب هنري كوربان بالنظر إليها كمؤلفات متجانسة، وذات وحدة جوهرية إلى أربعة أقسام: المؤلفات العقائدية الكبرى: التي تبحث في الفلسفة المشائية كما عاشها شيخ الإشراق، والحكمة الإشراقية وهي: التلويحات، المقاومات، المطارحات، حكمة الإشراق. والمؤلفات الصغرى التي تتناول الأفكار بلغة أبسط. والرسائل الرمزية التي كتبت باللغتين العربية والفارسية وتتضمن شرح الأفكار الإشراقية الصرفة. والواردات والتقديسات التي تتضمن مجموعة من الابتهالات والمناجيات. حيث كان السهروردي قد خصص لكل يوم من أيام الأسبوع ابتهالاً على نحو أدعية الصوفية وروادهم. يتضمن الكتاب ملحق رسالتين للسهروردي في الرؤيا والمجاز هما: عقل سرخ، وحفيف أجنحة جبرائيل. وهي قصص تقترب في بنيتها من حكايات القرون الوسطى الرمزية، لا ينزع شيخ الإشراق فيها إلى الكشف عن الحقيقة بكل تجلياتها وحسب، وإنما يميط اللثام في كل قصة، عن تجلٍ من تجليات الحياة الروحية في تجربته الإشراقية، ويكشف عن تجربة جوانية عن طريق الاستفادة من مجموعة معينة من الرموز التي تقدم للقارئ صورة من صور العالم الإشراقي وتلامس روح السهروردي شخصيا. ومن ناحية ثانية هي رسائل نادرة من رسائل الإشراق، وهي إحدى عيون النثر الصوفي الجميل.. وتشمل"رسالة كلمات الصوفية"25فصلا قال المحقق إنها الرسالة الوحيدة التي خصصها للسهروردي لشرح الاصطلاحات الصوفية واصفا اياها بأنها احدى عيون النثر الصوفي.. ففي فصل عنوانه"النبي"يرى أن وجود نبي ضرورة لتذكير الناس بربهم"فيجب من العناية الالهية وجود شخص في كل عصر مأمور بالإصلاح ومؤيد بآيات تدل على أنها من عند الله فيفرض عليهم التقرب من الله حتى لا يكونوا كالبهائم يأكلون ويتمتعون فيكونوا كالأنعام بل هم أضل سبيلا."كما يقدم شرحا لبعض مصطلحات الصوفية ومنها الوجد والسكينة والمعرفة والإنس والزهد والمكاشفة والفناء والمشاهدة.
وفي فصل"لذة التفكير في الملكوت"يقول: من أدام فكره في الملكوت وذكر الله خضوعا وتفكرا في العالم القدسي وقلل طعامه وشهواته وسهر لياليه خاشعا لربه لا يلبث زمانا طويلا حتى تأتيه خلسات لذيذة كالبرق تلمع وتنطوي ثم يلبث فتغيبه وتبسطه وتطويه.. وكتب المحقق مقدمة عن السهروردي"كما رسمته المصادر التاريخية"، مشيراً الى ندرة الروايات عن طفولته وعائلته وظروف إعدامه.
ولد شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي الملقب بشيخ الإشراق في قرية سهرورد بشمال شرق ايران عام 1153 ميلادية ودرس الفقه والفلسفة وكان مولعا بالترحال فتنقل بين ايران والعراق وسوريا ومنطقة الاناضول ثم استقر في مدينة حلب تلبية لدعوة الملك الظاهر بن صلاح الدين الايوبي.. وقال عباس ان حلب شهدت محاكمته وإعدامه حيث دعا الملك الظاهر الفقهاء الى مناظرة السهروردي وأفحم الفقهاء الذين ناظروه وأظهرهم في موقع لا يحسدون عليه مما أوغر صدورهم حقداً عليه، وبدأوا يخططون لاتهامه بالخروج على الدين.
وفي مناظرة أخرى علنية في مسجد حلب سأله بعضهم هل يقدر الله أن يخلق نبيا اخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم.. فأجاب السهروردي لا حد لقدرته"فعمدوا الى تأويل كلامه وأعلنوا كفره وطالبوا بإعدامه بحجة ترويجه لما يتنافى مع العقيدة الاسلامية.. وقال المحقق ان الملك الظاهر رفض طلبهم فلجأوا الى صلاح الدين الايوبي في مصر وكان معروفا بكراهيته الشديدة للصوفية والفلسفة"فضغط على الملك الظاهر حتى ينفذ رغبة السلطات الدينية الهائجة على الحكيم الشاب، فأودع السجن وأعدم عام 1191 ميلادية وأحرقت كتبه.. وأشار الى أن احدى الروايات تذهب الى أنه سجن في قلعة حلب ليهلك جوعا وعطشا في حين تقول أخرى انه أرسل إلى القاهرة حيث أمر صلاح الدين بقطع رقبته.. وقال: مهما اختلفت روايات اعدامه فانه من الثابت أن الذي أمر باعدامه هو صلاح الدين الايوبي. لاقى السهروردي في سن الثامنة والثلاثين المصير الذي لاقاه سلفه العظيم الحلاج. وكان الحسين بن منصور الحلاج قد اتهم بالزندقة وصلب في بغداد عام 922 ميلادية بقرار من الخليفة العباسي المقتدر بالله الذي تولى الحكم بين عامي 907 و932 ميلادية تقريبا. وتقول المصادر التاريخية ان الحلاج ضرب حوالي ألف سوط ثم قطعت أطرافه وصلب وظل معلقا على جسر ثم ضربت عنقه وحز رأسه وأحرقت جثته وألقي رماده في نهر دجلة.. وسبق أن قام عباس محقق هذه النصوص الاشراقية للسهروردي بجمع وتوثيق الاعمال الكاملة للحلاج.
وقال عباس ان السياق الذي أدى الى مأساة الحلاج بعد سلسلة من المحاكمات يشبه كثيرا السياق الذي قاد إلى اعدام السهروردي.. ووصف موت السهروردي بأنه نادر واستثنائي. وقال: يذكرني أبدا بموت الحلاج وهو موت واحد ومتفرد لم يكن نتيجة عادلة لطبيعة الصراع بين فكر الجماعة وفكر فردي ما فوق الشخصي يؤسس لحياة أشخاص قلائل من الصوفية لا تنطبق عليهم المحادثات الاخلاقية الشائعة فيما لو اعتمدناها كمقياس لمعرفة ما اذا كانوا يمثلون حقيقة خطرا على الشريعة في جوهرها بقدر ما نكتشف أنهم يشكلون سؤالا حقيقيا يقوم على اعادة قراءة جوهر الشريعة.. ومن أعمال السهروردي مؤنس العشاق وهياكل النور والبارقات الالهية والمناجيات وحكمة الاشراق واعتقاد.