■ علي أبو الطحين
في قاعات بناية دائرة إنحصار التبغ القديمة في محلة الدنكجية في بغداد أفتتح أول معرض للتصوير الفوتوغرافي والفنون التشكيلية والحرف والصناعات اليدوية البغدادية من الثاني وحتى الخامس عشر من شهر أيلول سنة 1918.
تعود فكرة إقامة هذا المعرض إلىالمصور الفوتوغرافي والرسام الأمريكي هارولد ويستون الذي قدم إلى بغداد في منتصف سنة 1917 متطوعاً للعمل في جمعية الشبان المسيحيين Y.M.C.A. وأسس عند قدومه "نادي بغداد للفنون"، وهو ربما أول نادي من نوعه يقام في العراق قبل أكثر من 97 عاماً. كان يتعلم فيه المشتركون أصول الرسم وتطوير قابليتهم الفنية وهو أيضاً وسيلة ترفيهية للجنود والضباط المقيمين في بغداد من أفراد الحملة العسكرية البريطانية.
أعلنت جريدة العرب البغدادية في 4 نيسان 1918 عن النية في أقامة المعرض وذكرت :
" أن المعرض سيحوي رسوماً وصوراً فوتوغرافية للأماكن المهمة والمناظر والمشاهد في العراق وتصاوير البيوت والجوامع والقرى، إضافةإلىإنموذجات من المصنوعات المحلية."ودعت المواطنين أصحاب الحرف المهرة وأرباب الصنائع في بغداد أن يظهروا مهاراتهم فيحوزوا تقدير مصنوعاتهم ويستردون في المستقبل شهرتهم القديمة بصنع الأشياء الممتازة بجمال شكلها وحسن إتقانها، فأن المعول في تزيين بلدتهم عليهم هم لا على غيرهم فتصبح كما كانت في السابق عاصمة جليلة وبصورة تليق بالشعب العربي.
أطلق على المعرض أسم "معرض الفنون والصنائع البغدادية" وكان الدخول لأهالي بغدادبالمجان ولمرة واحدة فقط لكل شخص. نشر الحاكم السياسي في بغداد إعلان في جريدة العرب الصادرة في 31 من آب 1918، ذكر فيه : " تهيأ عدد من أوراق الدخول مجاناً لآجل زيارة الأهالي المعرض البغدادي الفني، وتعطى ورقة لشخص واحد عن مرة واحدة فقط. أن المعرض الفني يفتح اليوم الثاني من شهر أيلول ويغلق مساء اليوم الخامس عشر منه. أما أوراق الدخول فتطلب من قبل الأشخاص شفاهاً من دائرة نائب مدير البوليس العسكري -وكان حينها في خان دلة-وتعطى هذه الأوراق يومياً من أول شهر أيلول." وقد خصص يوم الخميس 12 من أيلول لزيارة العوائل والسيدات البغداديات للمعرض، تراعى فيه العادات الشرقية المتعلقة بأداب (الحريم).
توزع المعرض على عدة قاعات حسب نوع الفنون، وخصصت باحة المبنى للأعمال من الصناعات المحلية، نماذج للمهيلات والقوارب النهرية، موديلات للمكائن والعجلات الحربية والطائرات العسكرية، وكذلك للأعمال الفنية من النحت والصناعات اليدوية مثل السجاد والزخرفة والمطروقات النحاسية والتراثيات. وزينت قاعات خاصة لأعمال التصوير الفوتوغرافي، وأخرى للوحات المرسومة بالألوان الزيتية، والألوان المائية وكذاك مجموعة من الرسوم التخطيطية والفكاهية والكاركيترية.
شارك في المعرض مجموعة كبيرة من الفنانين الهواة والمحترفين، أغلبهم من جنود وضباط الحملة العسكرية البريطانية في العراق. وأصدرت هيئة أدارة المعرض كراساً خاصاً باللغة الإنكليزية في 32 صفحة، وضع فيه أسماء جميع الفنانين المشاركين والأعمال التي يشاركون فيها. وشكلت لجان لتقييم الأعمال لكل من هذه الأقسام وترشيح أفضل الأعمال من كل صنف.
في الفنون التشكيلية كان هناك ما مجموعه 76 رساماً من المشاركين قدموا 436 عملاً فنياً منوعاً تحاكي البيئة العراقية وتبرز خزين المجتمع العراقي عبر التاريخ من العادات والطقوس والتقاليد. كان اغلبها للوحات المرسومة بالألوان المائية، فكان هناك ما مجموعه 279 عملاً، منها 110لوحة لمناظر طبيعية من مختلف أنحاء العراق، و169 لوحة لمواضيع أخرى مختلفة. أما الرسم بالألوان الزيتية فعرضت 39لوحة أغلبها للفنان الأمريكي هارولد ويستون صاحب فكرة المعرض. الرسوم الفنية الأخرى تنوعت بين الرسم بالحبر والأقلام الملونة وأقلام الرصاص فكان هناك 86 لوحة من هذه الأعمال، وفي الرسوم الفكاهية والكاركتير كان هناك 32 عملاً أخر.
وشارك حوالي خمسون مصوراًمن الهواة والمحترفين في التصوير الفوتوغرافي ، عرضوا 369صورة من الأعمال الفوتوغرافية المنوعة، الكثير منها ينقل مشاهدات من مدينة بغداد والمدن العراقية الأخرى. الشوارع والأزقة والناس، النهر والضفاف والمراكب. أعمال فوتوغرافية حية نابضة جسدت التحولات التاريخية لمدينة بغداد الخالدة. وضمت المجموعة كذلك 58 عملاً من البورتريه لشخصيات محلية وبريطانية.
في الفنون والصناعات البغدادية كان هناك أكثر من 20 مشاركاً من العراقيين توزعت أعمالهم على مختلف الصناعات والفنون الحرفية المحلية، جميعهم من أرباب المهن والحرف من سوق الصفافير وسوق السراي والأسواق الأخرى القريبة. وتمثلت تلك الأعمال بالصناعات النسيجية والحياكة والتطريز والسجاد والأعمال الجلدية من أحذية وسروج الخيل، والصناعات الخزفية والنحاسية.
من المشاركين العراقيين نذكر : عبد الحسين حجي طالب (التطريز والخياطة)، محمد علي كاشي (تصليح السجاد)، ملا جمعة (حياكة الأقطان)، محمد صالح ابن عبد القادر (صناعة السروج)، محمد سلمان هلال (صناعة الاحذية العربية)، سيد محمد (صناعة المزامير)، مهدي جواد (الصفارة)، مهدي ابن حجي صالح (صناعات نحاسية)، وغيرهم.
أما لجنة تقييم الاعمال البغدادية فكانت تتألف من الذوات : البريطاني الملازم كيبل – والعراقيين كل من : محمد قاسم الخضيري – إبراهام حاييم – محمود الاطرقجي – يهودا زلوف – كريكور اسكندر – كورجي حاييم.