هروب الوصي عبد الاله الى البصرة عام 1941 حقائق وطرائف

هروب الوصي عبد الاله الى البصرة عام 1941 حقائق وطرائف

■ د . زينب كاظم احمد العلي
امل الوصي حين هرب من بغداد الى البصرة سنة 1941 ان يشكل حكومة فيها بعيدة عن العسكريين ، ولعل الاسباب التي دفعته الى اختيار البصرة كملجأ ومقر له . 1 ـ ان البصرة هي المدينة الثانية في العراق بعد بغداد من حيث الاهمية فأنها فضلاً عن كونها ميناء العراق الذي من خلاله يتصل العراق بالعالم الخارجي

تقع على الخليج العربي الذي هو من ضمن مناطق نفوذ البريطانيين حلفائه .2 ـ اعتقاد الوصي بان البريطانيين ومعسكراتهم في البصرة في ( المعقل والشعيبة ) ستدعمه للقيام بحركة مضادة لحكومة الدفاع الوطني في بغداد .3 ـ وجود المطار الدولي في البصرة وهو الوحيد الذي كان في العراق آنذك .4 ـ وجود صالح جبر متصرفاً وهو من العناصر المشهورة في دعمها للوصي ولسياسته .
توقع الوصي ضم عشائر المنطقة الجنوبية اليه ومساعدتها له ضد قادة الجيش .
وعلى اية حال فبعد مغادرته بغداد اصدر امين زكي رئيس اركان الجيش في 3 نيسان 1941 بياناً الى الشعب العراقي اوضح فيه تطور الاحداث واهداف حكومة الدفاع الوطني واسباب تكوينها ثم اتهم الوصي " باحداث الانقسام في صفوف الشعب وتحطيم الجيش الحارس لكيان الامة والوطن " ، وقد اعقبه رشيد عالي الكيلاني الذي اذاع بياناً على الشعب العراقي اوضح فيه سياسة حكومته التي خلاصها " عدم توريط البلاد باخطار الحرب والقيام باداء رسالتها القومية والمحافظة على تعهداتها الدولية " .
ووفقاً لذلك فقد اوعزت وزارة الداخلية الى متصرفية لواء البصرة بضرورة نشر البيانين المذكورين في الصحف المحلية ، كما اكدت الوزارة المذكورة على ضرورة نشر البيانين بالطرق المناسبة في المناطق التي لا تصدر فيها صحف مع
التعليق عليها بالعبارة التالية " بارتياح الشعب العراقي وثقته بمستقبله وبحكومته الوطنية الضامنة لسلامة العرش المفدى والوطن العزيز".
اما بصدد وصول الوصي الى البصرة فقد ورد في تقرير لمديرية شرطة لواء البصرة انه وصل في الساعة الثامنة من مساء يوم 3 نيسان قادماً من الحبانية بطائرة بريطانية الى الشعيبة ومنها الى البصرة بصحبة كل من علي جودت الايوبي والرئيس ( النقيب ) عبيد عبد الله المضايفي وحلوا في فندق شط العرب في المعقل ، وطلب الوصي حضور بعض المسؤولين للالتقاء بهم ، وكان صالح جبر متصرف البصرة اول من حضر ، كما زاره كل من قائد قوات شط العرب احمد رشدي وآمر حامية البصرة العقيد رشيد جودت وكذلك زاره الكولونيل وارد مدير الميناء والكابتن ميلنك ضابط الاستخبارات البريطاني، كما شوهد قائد القوة الجوية والبريطانية في قاعدة الشعيبة في فندق شط العرب ايضاً ، ويذكر العقيد عامر حسك مقدم اللواء السابع يومئذ في كتابه (احداث البصرة في ثورة 2 مايس 1941) بان الوصي طلب من آمر حماية البصرة العقيد رشيد جودت تهيئة اللواء السابع للتقدم نحو بغداد للقضاء على حكومة الدفاع المدني لان " بقية الضباط في بغداد وقطعات الجيش في المناطق الاخرى " حسبما اوضح الوصي " غير راضين على تصرفات اولئك الضباط المتمردين وانهم سوف ينضمون الينا " .
واضاف عامر حسك ايضاً بان الوصي قد ذكر بان " قوات انكليزية كثيرة ومزودة بالاسلحة الحديثة على وشك الوصول الى البصرة وسوف تنضم الينا عند تقدمنا نحو بغداد ".
اما آمر حماية البصرة العقيد رشيد جودت فأنه لم يذكر هذا الامر في تقريره الذي رفعه هو الى رئاسة اركان الجيش في 6 نيسان 1941 ، سوى ما ذكره الوصي من شرح للموقف الذي حصل في بغداد وكيفية مجيئه الى البصرة ، الا انه (اي العقيد رشيد جودت) ذكر بان صالح جبر اخبره عن خطة الوصي ووعود الانكليز بالمساعدة " فأيقنت ان هذه لعبة انكليزية محظة يتوخى منها تدمير البلاد ".
ومما يجدر ذكره ان العقيد رشيد جودت بصفته آمر لحماية البصرة قد تسلم برقية من رئاسة اركان الجيش تقضي " بضرورة السيطرة على الموقف في البصرة " ، لذا فقد عقد اجتماعاً عسكرياً حضره قادة البصرة العسكريون آمروا الافواج وهم المقدمون مهدي صالح ويوسف عمر وعزيز حكمت والرئيس ( النقيب ) نوح عبد الله آمر القوة النهرية واخبرهم بمضمون برقية رئاسة اركان الجيش السابق ذكره ، كما اخبرهم بالوقت نفسه بوصول الوصي الى البصرة واوصاهم بضرورة العمل على مقاومة تحركاته ، ومعنى ذلك ان امراء الافواج لم يكن لهم علم بوجود الوصي في البصرة الا ان رشيد جودت اكد صحة وجوده وانه التقى به في فندق شط العرب وشرح لم ما حصل .
وبعيداً عن كل التفصيلات الاخرى فقد كانت الرؤيا واضحة لدى امراء الافواج فيما يتعلق بتولي رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة زمام المسؤولية وهروب الوصي وعدم المتلاكه اية سلطة تنفيذية خلال وجوده في البصرة ، وان السلطة الشرعية الآن بيد الحكومة الرسمية في بغداد ، وقد توصل هؤلاء الامراء بعد المناقشة الموقف الى قرار مفاده " ان عمل الوصي خلافاً لمصلحة المملكة " كذلك اتفقوا على عدم السماح بتشكيل اية حكومة او ادارة مدنية او عسكرية في البصرة لان هذا سيؤدي حسبما اعتقدوا الى" عدم استتباب الامن باعتباره ضد الحكومة الشرعية في بغداد " ، وقد حاول الوصي
بعد ان استدعى هؤلاء الامراء التاثير عليهم وطلب اليهم ان يستمعوا لمنشور قرأه صالح جبر عليهم واخبرهم انه سينشر في جريدة الثغر ( لصاحبها شاكر النعمة ) لاضهار سخط البصريين على حكومة الدفاع الوطني، ثم اخذ علي جودت الايوبي بالكلام وذكر لهم بان حكومة الدفاع الوطني مخالفة للدستور وان البلاد التي لا يحترم دستورها لا يمكن المعيشة فيها ، وطلب منهم العمل الجاد لدعم الوصي وتأييده .
الا ان الامراء بدلا من الانصياع للوصي ولمنشور صالح جبر اتخذوا ما يالي من الاجراءات :
1 ـ السيطرة على المطابع وعدم نشر اي شيء يصدر من الوصي او المتصرف صالح جبر .
2 ـ السيطرة اعلى الهواتف والبرق ومراقبة الاتصالات الهاتفية .
3 ـ منع المتصرف وحاشيته من الاتصال مع اية جهة كانت.
وهذا يعني ان القادة العسكريين في البصرة بالرغم من علمهم بقوة الانكليز ودعمهم للوصي الا ان ايمانهم العميق بوطنيتهم دفعهم لاتخاذ تلك الاجراءات لدعم الحكومة الشرعية في بغداد .
اما بالنسبة الى الوصي فقد تعقد موقفه بعد قطع الخطوط الهاتفية الخاصة بفندق شط العرب للحيلولة بينه وبين الاتصال باية جهة كانت ، وقد اشر تقرير لمديرة البصرة بان هذا الاجراء مع عملية القاء القبض على المتصرف وسوقه الى بغداد قد اثارت الوصي وسببت استاء له ولمرافقيه وتوقعوا
ان هنالك اخطار تنتظرهم لذا تركوا فندق شط العرب وتوجهوا بصحبة الكولونيل وارد مدير الميناء الى مقر القوة الجوية البريطانية في الشعيبة ، ثم هناك تم الاتفاق على نقلهم الى احدى البواخر الراسية في شط العرب ، اما اجراءات السلطة الرسمية في بغداد اتجاه ذلك فانها اوفدت بعد يومين من وصول الوصي الى البصرة كلاً من الرئيس (النقيب) محمود حسن الدرة والرئيس الاول (الرائد) محمد حسن الطريحي الى البصرة ( فوصلاهما يوم 5 نيسان 1941) وقد اوضحا ان الغرض من ارسالهما الى البصرة كان لاطلاع مقر حاميتهما على التطورات التي حصلت في بغداد اولاً ، وتنفيذ ما جاء من قرارات مجلس الدفاع الاعلى ( التي سيرد ذكرها) ثانياً ، ومعرفة موقف حامية البصرة ومدى استعدادها للمحافظة على امن البصرة ومنع الفوضى ثالثاً ، وبعد انتهاء مهمتهما ورجوعهما الى بغداد قدم الطريحي تقريراً الى قائد الفرقة الثالثة في 7 نيسان 1941 اوضح فيه تفاصيل المهمة التي ارسلا من اجلها.
وفي حديث لي مع محمد حسن الطريحي قال كلفت من قبل قائد الفرقة الثالثة صلاح الدين الصباغ بالذهاب الى البصرة والقاء القبض على الوصي وجلبه الى بغداد لاعتقاله او تسفيره الى الاردن ، وقد ارسلوا معي محمود الدرة ، وقبل سفري اتصلت هاتفاً بعامر حسك لتنفيذ الامر ، ويظهر ان المخابرة سرقت من قبل الاستخبارات البريطانية وهذا الاحتمال هو الارجح ، اذ عندما وصلت الى البصرة مع الدرة علمنا بان الوصي هرب من فندق شط العرب قبل ذهاب عامر حسك اليه ، فأشعرت الصباغ هاتفياً بذلك فأمرنا بالعودة ، وقد تأخر رجوعنا بالطائرة بسبب الظروف الجوية الرديئة في اثناء وجودنا في البصرة أخبرنا طارق الزهير ضابط الاستخبارات العراقي بمشاهدته للوصي على البارجة البريطانية في شط العرب ، وقد اجتمعنا في مقر اللواء بصالح حمام وكيل المتصرف (الذي كان قائممقام لقضاء ابي الخصيب) ورشيد جودت ومهدي العاني وعامر حسك ومحمود الدرة وطارق الزهير لنبحث ماذا نعمل وقبل ان نتخذ اي شيء جاءت الاوامر بمنع الوصي من الاتصال بأي شخص في البصرة.
ويبدو مما تقدم ان هناك تناقضاً واضحاً في ما جاء بالمصادر التاريخية وما ذكره الطريحي في المقابلة .
لقد كان موقف صالح جبر من البداية مؤازراً للوصي ضد حكومة الدفاع الوطني ، وكانت الاخيرة قد علمت ان صالح جبر بالتنسيق مع جميل المدفعي حاولا اثارة الفتن ودعوة متصرفي الالوية الجنوبة لمناصرة الوصي والتمرد على الحكومة الشرعية في بغداد، لذلك انعقد مجلس الدفاع الاعلى برئاسة الكيلاني وحضره وكيل رئيس اركان الجيش امين زكي ومدير الحركات نور الدين محمود وقادة الفرق باستثناء قائد الفرقة الثانية قاسم مقصود لبعده عن العاصمة وأتخذ المجلس القرارات التالية :
***
1 ـ تقديم مذكرة الى الحكومة البريطانية على الفور بضرورة احترام نصوص المعاهدة وعدم التدخل في شؤون العراق الداخلية واحترام الحقوق الدولية .
2 ـ ايفاد قوة عسكرية اضافية لتعزيز حامية البصرة من اجل قمع اية حركة من حركات العصيان التي يثيرها عملاء بريطانيا هناك .
3 ـ اطلاق الحرية للوصي على ان لا يسمح له بالاتصال مع العشائر .
4 ـ القاء القبض على صالح جبر وارساله مخفوراً الى بغداد لمحاكمته ، وقد نفذ الامر الرئيس الاول ( الرائد ) مهدي العاني .
كما تم الايعاز الى صالح حمام بتولي منصب متصرفية البصرة وكالة لحين اتخاذ الاجراءات اللازمة بتعيين متصرف جديد .
اما الوصي قفد بدء من مقره الجديد في احد البوارج الراسية في شط العرب محاولاته اليائسة بأثارة الناس ضد حكومة الدفاع الوطني عبر سلسلة من الحملات الدعائية كان ابرزها انه أذاع في 4 نيسان 1941 بياناً الى الشعب العراقي طلب فيه من الجيش العراقي العمل على اسقاط حكومة رشيد عالي الكيلاني .
وقد اذاع البيان مرتين كما ان وقت اذاعته انحصرت بين الساعة التاسعة والعاشرة مساءاً.
وقد اشار في بيانه هذا الى ان استقالة وزارة طه الهاشمي كانت استقالة غير شرعية لانها حصلت بدون موافقته ، ثم هاجم رشيد عالي الكيلاني وصحبه واسند اليهم التهم المختلفة وشكك في اخلاصهم ووطنيتهم ، وأضاف بأنه اضطر لمغادرته بغداد الى البصرة بعد ان احاط اتباع رشيد عالي الكيلاني بقصره وانه اراد ان يخاطب الشعب العراقي قبل الآن الا ان الظروف لم تسمح له ، واختتم بيانه بالطلب من الناس الى ان يدعموه ويسندوه والتمرد على حكومة الدفاع الوطني. قد استلم مدير شرطة البصرة امراً من وكيل المتصرف صالح حمام باجراء التحقيق عن الاذاعة التي اذاع الوصي فيها بيانه السابق، وكانت نتيجة التحقيق هي ان الوصي ما يزال على ظهر البارجة البريطانية ، اما البيان الذي اذاعه فقد كان من محطة لاسلكية عائدة الى مديرية الميناء وقد عمل على تهيئتها مدير الميناء الكولونيل وارد نفسه.
اضافة الى ما تقدم عثر مدير ناحية الفاو على مظروف ضمن بريد الناحية ولما فتحه وجد فيه نسختين من بيان الوصي ، وقد ارسل نسخة منه الى وكيل متصرف البصرة موضحاً في كتاب الارسال بأن البيان قد طبع في دوائر ميناء البصرة، وهذا طبيعي جداً لان الكولونيل وارد قد وظف امكانات الميناء لخدمة البريطانيين والوصي، كما ان السفارة البريطانية في بغداد هي الاخرى طبعت مئات النسخ من بيان الوصي ووزعتها في انحاء مختلفة من العراق .
ومع ذلك فلم يكن للبيان أي تأثير على السكان ولم يتجاوبوا معه كما لم يصدر اي شيء يدل على ان الناس قد استجابوا لنداءات الوصي وهكذا ايقنت بريطانيا والوصي بعدم استطاعتهما كسب التأييد سواء من اهالي البصرة او المناطق الجنوبية الاخرى ، فضلاً عن القطعات العسكرية العراقية المرابطة فيها .
وعلى اثر ذلك ارسلت متصرفية لواء البصرة تقريراً مفصلاً الى وزارة الداخلية حول الاوضاع في البصرة اوضحت فيه ان الحالة العامة هادئة وان اهالي البصرة يساهمون بكل قواهم لعناصر حكومة الدفاع الوطني ، كما ان الاجراءات الحازمة قد اتخذت من قبل الجيش والشرطة معاً للحيلولة دون اتصال الوصي بالاهالي .
لقد كانت حكومة الدفاع الوطني قد دعت الى عقد اجتماع لمجلس الامة وقامت وزارة الداخلية بأرسال برقيات بهذا الخصوص الى كافة الالوية ومنها البصرة وحين عرف الوصي بذلك حاول عبثاً بمساعدة الانكليز ، منع عقد الاجتماع ومن ذلك انه ارسل برقية بتوقيعه الى رئيسي مجلس الاعيان محمد الصدر والنواب مولود مخلص يدعوهما الى عدم دعوة المجلس للانظمام ، الا ان البرقية ضبطت في دائرة البريد والبرق بيد حارس القنصلية البريطانية في البصرة، وهكذا فشلت جهود الوصي وحينما توافد على بغداد اكثرية اعضاء المجلس التئم شمله ، وقد مثل البصرة فيه مندوبيها وهم كل من السادة الشيخ صالح باشا اعيان ومحمود النعمة والسيد حامد النقيب وعبود الملاك ومصطفى الحاج وطه السلمان ، ومحمد سعيد العبد الواحد وقد تقرر بعد بالاجماع تنحية عبد الاله من وصاية العرش وتنصيب الشريف شرف مكانه، وعلى ضوء هذه التغيرات ابرقت وزارة الداخلية الى متصرفية البصرة امراً بأقامة معالم الزينة في كافة الدوائر الحكومية وفي عموم مدينة البصرة وكانت استجابة اهالي البصرة واضحة في التعبير عن تأييدها لحكومة الدفاع الوطني واجراءاتها بتنحية الوصي .
وفضلاً عن ذلك فأن الانكليز اثاروا اهالي البصرة ببعض الاعمال التي قصد بها ابتزاز الناس وأثارة مشاعرهم ، فمثلاً استفزت وحداتهم العسكرية قطعات الجيش العراقي المرابط في البصرة عبر عمليات قصد بها التحدي والتهديد، كذلك لم ترد بوارجهم الحربية في شط العرب على مراسيم التحية لاحدى البواخر العراقية القادمة من الهارثة حسب الاصول المتبعة، كما ان المصفحات العسكرية البريطانية كانت تمر بين البصرة والعشار باستمرار دون الاهتمام بمشاعر السكان ، كذلك قام الطيران البريطاني بعمليات اسطلاع جوي ليلاً ونهاراً فوق قطعات الجيش العراقي المرتابطة في الزبير وفتح الانوار عليها ، وقد ادت هذه الاعمال حسبما اشار تقرير متصرفية البصرة الى استنكار الاهالي وانهم ينظرون اليها بكل ازدراء، ويلاحظ هنا ايضاً ان عملاء بريطانيا في البصرة من يهود وايرانيين قد نشطوا في العمل الدعائي العدواني عبر نشر الراجيف والمعلومات المزيفة والاشاعات المختلفة عن العراق وعن حكومته ، كما ان المستر
لويد رئيس جمعية التمور في البصرة عندما التقى ببغداد بنواب البصرة وببعض الشخصيات البغدادية قد تعرض بسوء لضباط الجيش العراقي وبكلمات تمس مشاعرهم ، ومارس الاسلوب نفسه مع بعض الشركات التجارية ومع اصحاب الاموال واثار في انفسهم الخشية من التطورات السياسية الخاصة في العراق .
ويبدو ان متصرفية البصرة كانت تخشى من نشاط المستر لويد هذا لذا طلبت من وزارة الداخلية ابقاءه في بغداد ، وفعلاً بقي في بغداد لفترة قصيرة ، الا انه عندما عاد الى البصرة اعتماداً على تقارير مديرية الشرطة فيها فأنه سرعان ما عاود نشاطه المعادي ضد العراق من خلال اتصاله بالمؤسسات الادارية والدوائر الحكومية والشركات حتى قيام الحرب في 2 مايس 1941 .
ومما يلاحظ انه بالرغم من سوء نوايا بريطانيا ورجالها في البصرة نجد ان وزارة الداخلية ومتصرفية البصرة لم تقدما على اي عمل حازم وحاسم بأستثناء الالتجاء الى المناورات الرسمية عبر المراسلات والمكاتبات الاصولية ، اما بالنسبة الى عبد الاله فأنه بالرغم من خلعه من الوصاية ، لم يغادر البصرة بل بقي فيها متخذاً من البارجة البريطانية مقراً لاقامته ، وقد زاره في مقره هذا السفير البريطاني الجديد المستر كورنواليس وديكوري المقيم السياسي في الكويت والقنصل البريطاني في البصرة ، كما ان الكولونيل وارد مدير الميناء كان يتردد بصورة مستمرة الى البارجة للغرض نفسه .
ويستدل من تقارير مديرية شرطة البصرة ان عبد الاله خلال مدة بقائه في البصرة والتي بلغت ثلاثة عشر يوماً لم يغادر البارجة البريطانية سوى مرة واحدة وكان ذلك يوم 9 نيسان عندما اصيب بمرض نقل على اثره الى مستشفى المعسكر البريطاني في المعقل.
ويبدو من دراسة بعض وثائق مديرية شرطة البصرة ان عبد الاله كان قد سخر بعض الناس كي ينقلوا له اخبار الوضع في البصرة وأراء الناس في التطورات الراهنة حينذاك ، ولا يستبعد ان اتصل به بعض الشخصيات البصرية التي لم تحدد موقفها بعد من التطورات التي حصلت في بغداد ، وكان الكولونيل وارد واسطة هذا الاتصال ، مع ذلك لم تكن تلك الاخبار التي وصلته مشجعة .
وهنا لابد من التطرق الى بعض الاحداث التي حصلت خلال وجود عبد الاله في البصرة ومنها مجيء بعض الشخصيات العشائرية الى البصرة كمحمد العريبي وشبيب المزبان وشواي الفهد وكاطع العوادي الذين كانوا نواباً عن العمارة في المجلس النيابي ، وقد اشارت تقارير شرطة البصرة الرسمية بان السيد كاطع العوادي شوهد في دائرة البرق والبريد وهو يحاول الاتصال بالسيد يونس السبعاوي مما يوحي بانه كان موفد من قبل حكومة الدفاع الوطني للوقوف عن قرب على اوضاع البصرة ولذا فقد احيطت جولته بالكتمان الشديد ، علماً بان العوادي كان من المحسوبين على رجال ثورة مايس وانه اعتقل ، فيما بعد ، في معتقل الفاو بتهمة التحريض على اثارة الرأي العام ، ثم نقل الى معتقل العمارة وقد وافاه الاجل عندما خرج من الاعتقال.
وفي مقابلة شخصية مع الاستاذ المحامي رجب بركات ذكر فيها ان كاطع العوادي جاء الى البصرة لاستطلاع الموقف فيها موفداً من قبل حكومة الدفاع الوطني ، وقد اتصل ببعض العاملين في الحقل القومي في البصرة آنذاك منهم عبد القادر السياب صاحب جريدة الناس وطه الفياض صاحب جريدة السجل ، كمااجتمع ايضاً مع نخبة من الشباب سواء أكانوا من مجموعات الحزمة القومية او جماعة العروة الوثقى ، وبخاصة أولئك الذين أبعدوا من الكويت امثال محمد البراك وعبد الله الصقر وغيرهم .
اما الاجتماعات فكانت تعقد في المكتبة الاهلية لصاحبها السيد فيصل حمود واحياناً في بعض البيوت.
اما الآخرون ، فلم توضح الوثائق التي تم مراجعتها سبب وجودهم في البصرة في تلك الاوقات الحرجة ، هل كانوا في البصرة لصالح حكومة الدفاع الوطني ؟ ام للاتصال بعبد الاله؟ ام لمتابعة بعض مصالحهم التجارية والزراعية في البصرة والاطمئنان على مستقبلها ؟
وعلى اية حال يبدو مما تقدم ان عبد الاله خلال وجوده في البصرة قد فشل في استمالة قادة العشائر والشخصيات المهمة فضلاً عن القيادات العسكرية ، واشار كورنواليس الى وضع عبد الاله السيء حينما ذكر ان الاحداث قد خيبت آماله في ان ينشيء عبد الاله مركز ولاء قوي له في البصرة يتحدى من خلاله القوى المعارضة له في بغداد.
وعليه تقرر نقله مع مرافقيه يوم 15 نيسان 1941 الى القدس التي وصلوها يوم 16 نيسان 1941.
وهكذا يتضح مما تقدم ان عبد الاله يتحمل المسؤلية الكبرى في تأزم الوضع ، فهو بهروبه من بغداد واعتماده على الانكليز قد عمق التنافر والتباعد بينه وبين قادة الجيش ، كما ان فشله في بذل اي جهد مكثف وجدي لحل المشاكل التي نجمت من اختلاف الآراء بين القوى السياسية وقادة الجيش قد ساعد بريطانيا بالتالي على استغلال ثغرة الخلاف هذه للتدخل المباشر في شؤون العراق .