ترجمة/ عادل العامل
روى ستيف كوغان، الكوميدي البريطاني، ذات يوم نكتة حول ديفيد بيكهام، لاعب كرة القدم الذي لم يكن محتملا أن يفوز بجائزة نوبل للفيزياء، وتقارنه النكتة بالعالم الفيزيائي المعروف ستيفن هوكينغ. وعلى كل حال، فإن الشركات الناجحة تشبه وضع بيكهام. فكلاهما متفوق في شيء واحد:
في حالة بيكهام، رفس الكرة؛ أما في حالة الشركات، فتكوين الأرباح. كما أنهما يمكن أن يكونا ماهرين في أمورٍ أخرى، مثل نمذجة نظارات شمسية أو تشكيل حملات لحل مشاكل بيئية. لكن مساهمتهم الرئيسة للمجتمع تأتي من مجالهم التخصصي.
وترى آن بيرنستين، رئيسة مشغل فكري جنوب أفريقي يدعى مركز التطوير والمبادرة، أن مؤيدي المسؤولية الاجتماعية المشتركة يميلون لتجنب هذه النقطة. وهي تؤكد في كتابها الجديد، (قضية العمل في الاقتصادات النامية The Case for Business in Developing Economies)، على الطرق التي تنفع بواسطتها المجتمع عن طريق قيامها بعملها الاعتيادي ليس غير. ففي سوقٍ حرة وتنافسية، تربح الشركات عن طريق بيع السلع أو الخدمات للزبائن الراغبين. وللبقاء في العمل، يجب عليها أن تعرض أسعاراً منخفضة أو نوعية أعلى من نوعية ما تبيعه منافساتها. وأولئك الذين يفشلون في ذلك يختفون.أم أولئك الذين ينجحون فينشرون الازدهار. فيتسلّم حمَلَة الأسهم إيراداتهم المالية. ويحصل المستخدَمون على أجور. ويفوز المجهّزون بالعقود. ويحصل الناس العاديون على مدخلٍ إلى وسائل الترف أو الكماليات التي كانت ستجعل سيسيل رودس (قطب السياسة والمال في القرن 19 قي جنوب أفريقيا) ينبهر بها، مثل التلفزيون، وتكييف الهواء، والمضادات الحيوية.
وهذه ليست مجادلات جديدة، لكن الآنسة بيرنستين تجعلها هكذا من خلال الكتابة من منظور أفريقي. وغالباً ما يغتاظ مواطنو البلدان الغنية من الضرر العَرَضي الذي تسببه الشركات، مع هذا يسلّمون بالازدهار الذي تخلقه. أما الناس في البلدان النامية، فليس لديهم ذلك الترف.
وفي جنوب أفريقيا، حيث أكثر من ثلث القوة العاملة من دون عمل، ليست المشكلة في أن الشركات تفتقر إلى الأخلاق وإنما في عدم وجود عدد كافٍ منها هناك. وأحد أسباب ذلك أن قادة جنوب أفريقيا يراكمون المسؤوليات الاجتماعية بارتياحٍ على أكتافها. والقوانين البيئوية الصارمة تتسبب بتأخيرات طويلة في يناء البيوت. وهذا أمر لطيف بالنسبة لفراشاتٍ متعرضة للخطر، لكنه قاسٍ بالنسبة للجنوب أفريقيين الذين يعيشون في أكواخ. كما أن مثل هذه القوانين تُبطئ في إنشاء محطات الطاقة الكهربائية، فتساهم في حالات التعتيم التي شلت جنوب أفريقيا في عام 2008. وقوانين العمل في جنوب أفريقيا تجعل من الصعب طرد العمال، هذه القوانين التي تعوق الشركات عن استخدامهم في المقام الأول. أما برنامج"التمكين الاقتصادي الأسود"، الذي يضغط على الشركات لتحويل الأسهم إلى السود، فقد جعل قلّةً من الناس المرتبطين جيداً أغنياء بينما هي تُثبط همّة الاستثمار. وتتجنب الآنسة بيرنستين هذا الموضوع الأخير، الذي يُعد حساساً للغاية في بلدها.
وفي بعض الأحيان، فإن الضغط على الأعمال التجارية لحل المشاكل الاجتماعية يأتي، لا من الحكومات، وإنما من منظمات لاحكومية. وتورد الآنسة بيرنستاين مثال خط الأنابيب الذي أقامته إيكسون Exxon في تشاد. فقد قضت شركة النفط العملاقة ست سنوات وهي تحاول التوصل إلى الطريقة الأفضل للاستجابة لـ"المبادئ الاستوائية"، وهي مجموعة من الأهداف الطموحة لتجنب الإضرار بالطبيعة والسكان الأصليين. فشدّت على كل عصب للحفاظ على موطن الغوريلا وتعوّض القرويين المهجّرين من أماكنهم. ومع هذا ما تزال المنظمات الحكومية تواصل حملة إدانتها."ولا بد من أن الكثير من الشركات المدركة قد استنتجت أن الاستثمار في البلدان الفقيرة ليس جديراً بهذا المسعى"، كما تقول الآنسة بيرنستاين.
ويدّعي الناشطون المناهضون للشركات أحياناً أن الشركات الكبيرة أكثر جبروتاً من الحكومات. وهذا أمر غير معقول. فالحكومات يمكنها أن تجيز القوانين، وترفع الضرائب، وتعلن الحرب. وليس لدى الشركات فعلياً قوة الإجبار. فإذا لم يشترِ الناس منجاتها طوعاً، فإنها تُصاب بالإفلاس. وهكذا فإن العمل التجاري حسّاس للغاية تجاه الرأي العام. وهو في الغالب أمرٌ جيد. وتورد الآنسة بيرنستاين هنا مثال الحوانيت التي كان يمتلكها البيض في جنوب أفريقيا أيامَ الأبارثيد أو الحكم العنصري. فحين بدأ المتسوقون السود يقاطعونها،"أصبح من الملحوظ كيف كان معظم أصحاب الحوانيت البيض مستعدين بشكلٍ سريع للتخلي عن الممارسات العنصرية. ومع هذا فإن الشركات يمكنها أيضاً أن تُقدم على ارتكاب الأخطاء.
إن المدافعين عن المسؤولية الاجتماعية المشتركة يؤكدون أن الشركات ينبغي أن تتَّبع"الخط التحتي الثلاثي": ليس الأرباح فقط، بل وأيضاً الحماية البيئوية والعدل الاجتماعي. وهذا المفهوم، إن أُخذ جدّياً،"مبهَم"، كما تقول بيرنستاين. فالأرباح يمكن قياسها بسهولة. أما المطالب الكثيرة والمتنازعة في الغالب للمجموعة المحلية، فليست هكذا. والعمل الذي يكون مسؤولاً بالنسبة للجميع لا يكون هكذا في الواقع بالنسبة لأحد، كما تقول.
وهي لا تأخذ وجهة النظر الاستبدادية القائلة بأن الشركات ينبغي أن تكافح فقط لمفاقمة الأرباح بينما هي تمتثل للقواعد. في البلدان الفقيرة، القواعد في الغالب غير واضحة. وستواجه الشركات المتعددة الجنسية خيارات حيث ما هو مقبول محلياً سيكون جرمياً هناك في الوطن. وهي ستقوم، في المناطق الأكثر جهلاً، ببناء طرق ومدارس أحياناً لكسب ود السكان المحليين. وسوف تتبجّح بمثل هذه الأعمال، لكنها ببساطة ثمن القيام بعملٍ تجاري، وليس مثالاً على الود المشترك.
وتصقل الآنسة بيرنستاين العمل الابداعي الذي قامت به قلّة من الشركات لدمج المسؤولية الاجتماعية المشتركة في ستراتيجياتها، وهي (أي الآنسة) أفضل في إدراك المشاكل من تقديم الحلول. فهي تحث الأعمال التجارية على الدفاع عن الرأسمالية بنفس النشاط الذي تعزز به منتجاتها. وتعتقد بأن الشركات ينبغي أن توفر الحوافز للصحافة، والأفلام، وحتي الروايات، الموجهة بالسوق. وحظها حسنٌ بهذا. فالأعمال التجارية تضغط بحماس من أجل أفضال خاصة من الحكومة، وغرف التجارة تقوم بحملاتها من أجل تنظيم أخف. لكن الشركات التي تكون بارعة جداً في بيع ثمار الرأسمالية نادراً ما تكون جيدة كثيراً في شعبنة popularising النظام الذي يعود عليها بالنفع الوفير.
عن/ The Economist