في رواية      فكتوريا      الطبيعة والحب في قصيدة شاعر فقير

في رواية فكتوريا الطبيعة والحب في قصيدة شاعر فقير

بغداد/ أوراق
فتاة لم تتجاوز العاشرة من عمرها يتعلق بحبها الصبي ابن الطحان يوحنا وهو في الرابعة عشرة من عمره، ومن خلالها يرى الطبيعة تزهو أمامه.. فكتوريا تلهمه كتابة الشعر حالماً بمستقبل سعيد معها، ولكن هل ستحقق الايام ذلك في رواية (فكتوريا) للكاتب (كنوت هامسون) والصادرة عن دار"المدى"بترجمة الدكتور خالد أقلعي. ومن فرط حبه لها تصعب عليه رؤيتها تسير حافية فيفكر بحملها على ظهره،

ويبني لها كوخاً من الأوراق اليابسة. وعلى هذا الحال وفي خضم تلك العلاقة البريئة يأتي قرار سفر ابن الطحان لمواصلة دراسته بعيداً عن البلدة، وبالتأكيد لم يكن ذلك بالأمر السهل عليهما، لكنه غادر واستمر الغياب لسنوات طويلة، واصل خلالها يوحنا دراسته وتدرج بمراحلها حتى صار كبيراً قوياً وأمكنه ان يرى شفته العليا تتزين بزغب ناعم.. وذات ربيع ابحر يوحنا وهو في العشرين من عمره على متن سفينة بخارية باتجاه البلدة.. استقبله والداه باهتمام كبير بينما هو بدا متأثراً ينظر الى الاشياء من حوله بلهفة وشوق، وأبواه لا يكفان عن الترحيب به.. ثم قام بجولة لزيارة المواقع التي اعتاد ان يرتادها من قبل، الطاحونة والمقلع وهو يرهف السمع بكآبة الى انشاد العصافير التي تشيد اعشاشها في حضن الاشجار، فيقول مندهشاً: لم أعد أميز شيئاً هنا. حتى الغابة تبدّلت، اجتثوا منها أشجاراً كثيرة. حياة ايقاعها لحظات توحد عذبة وثرية بذكريات الطفولة. عودة للالتحام بالأرض والسماء، وبالهواء الطلق والصخور، لكنه يشعر بتبدل العناصر من حوله، يذعن ولا يتذمر. كلها عابرة مقارنةً بحب فكتوريا، لحظة الاعتراف بالمشاعر تتخذ ايقاعاً متصاعداً (ليتني كنت حطباً في مدفأتك).. صارت امرأة فعلاً واجمل بكثير مما كانت عليه في طفولتها، لكن فكتوريا لم تعد له، ارتبطت بآخر، لأن أباها أراد زواجها من أوطو الملازم الأول في الجيش، وفضله على يوحنا بن طحان الذي يمارس مهنة البؤساء الكتابة، وهي في لحظة ضعف توافق اباها. لذا يكون خطاب يوحنا"اعرف جيداً انني لم اكن غير ابن طحان بينما انت... وبطبيعة الحال لم يكن بالمستطاع ان تسير الأمور بشكل آخر، حتى انني اتساءل كيف اجرؤ على الجلوس بالقرب منك، كان عليَ ان ابقى واقفاً وانا احدثك، او ربما من الأفضل ان اجلس عند ركبتيك، ذاك هو مكاني الطبيعي، لكن سنوات الغياب أكسبتني شجاعة.. اعرف انني لم اعد طفلاً وانك لن ترضي الزواج بي في السجن، لأجل هذا اتجرأ على البوح بكل هذه الأمور، لا تؤاخذيني".. ومن جانبها تحاول ان تبرر موقفها"انت تعلم جيد انني احبك اليس كذلك؟. افتقدك طوال هذه السنوات الأخيرة لدرجة لا يمكن لأحد ان يتخيلها. اعبر هذا الطريق وأقول لنفسي سوف اتوغل في الغابة، لأنه يمر دائماً من هناك".. وتُكتب قصائد الحب ثم تتمزق، ويتساءل المؤلف على لسان الشاعر العاشق الولهان يوحنا: ما الحب على وجه الحقيقة؟.. ريح تداعب الورود؟ لا.. انه حمم تسيل عبر أحشائنا. نغم جهنميّ يعيث حتى بقلوب العجائز. وها إن الإنسان يُهزم ثم يُرفع من جديد ويُحرق بنار لا تُطفأ حتى الموت. أنا مملوء بك فكتوريا. الحب وحيد، ميال الى العزلة والى النهاية غير المتوقعة.. ثمة نخلة لا تزهر أكثر من مرة واحدة، على الرغم من أنها تعيش زهاء ستين سنة تقريباً: انها زهرة"التاليبوت". يقول يوحنا: أنا مثلها. أزهر الآن فكتوريا.. هو ابن الطحان وهي سيدة القصر. صراع الطبقات في الرواية، أقل حدة من النظريات الغاضبة. الأغنياء والفقراء ينظرون الى العالم كمعتوه ثمل. ليس مهماً إن كان ثملا من فرط السعادة أو من فرط الألم.. ترتبط فكتوريا بآخر، ويرتبط يوحنا بكاميلا التي ينقذها من الغرق فتصل أخبار بطولته الى فكتوريا التي في لحظات سردية مضطربة تصارحه بأن حبها الآخر أقوى من حبها له، وتشكره على التفهم. ومن خلال موت الملازم الأول (أوطو) يتولد لنا أمل باجتماع الحبيبين، ولكن هناك رسالة من فكتوريا تقول بانها لن تبصر النور غداً.. فماذا يبقى من الحياة عندما يصبح الموت أمراً واقعاً"يوحنا لو تعلم كم احبك، لم استطع كشف ذلك، اشياء كثيرة كانت تعيق حبنا، اولها طبعي الشخصي، وأبي ايضاً كان عدو حبنا الأول، وانا ابنته بطبيعة الحال، والآن ازفت لحظة الوداع لم اعد ابصر شيئاً.. عش حياة طيبة وسامحني على ما سببته لك من ألم. ولا تؤاخذني لأنني لم ارتم على قدميك وأطلب منك الصفح، اني أفعل هذا الآن بفكري."