فيلم ليلى البدوية أمام القضاء العراقي

فيلم ليلى البدوية أمام القضاء العراقي

■ كمال لطيف سالم
كانت السيدة بهيجة حافظ صاحبة شركة فنار فلم المصرية لإنتاج الأفلام قد اتفقت مع التاجر العراقي المعروف عبد الكريم الخضيري سنة 1945 على أن تؤجر له فيلم (ليلى البدوية) لمدة خمس سنوات ببدل إيجار قدره (6000) دينار لعرضه في دور السينما في العراق وقد تم التعاقد في مصر بين الطرفين وسلم الخضيري البدل وتسلم الفلم في العراق فوجد بان نسخة ثانية من هذا الفلم موجودة بحوزة مير زعرور وحسقيل داود مديري السينما البغدادية (سينما الرافدين)


وحيث أن صاحبة الفلم لم تؤجر أو تبع آية نسخة إلى إي شخص أو جهة في العراق عدا النسخة التي تعاقدت عليها مع عبد الكريم الخضيري الامر الذي حملها على السفر والحضور الى بغداد لملاحقة الموضوع واتخاذ ما يلزم لإثبات كون هذه النسخة من الفلم إما أن تكون مسروقة او مزورة وتعمل على استعادتها.
وقبل أن تغادر بهيجة حافظ مصر راجعت المفوضية العراقية لترشدها إلى محام عراقي تراجعه ليتولى الوكالة عنها فأعطاها خالد الجوريجي سكرتير المفوضية العراقية أسمى وعنواني في بغداد لتتصل بي ونتفق على الأسلوب الذي نتبعه في هذه القضية وفعلا عند وصولها إلى بغداد اتصلت بي فاجتمعت معها بالفندق وشرحت لي الموضوع وأطلعتني على الوثائق والأوراق المؤيدة لوجهة نظرها واتفقنا على أن تكون القضية جزائية أتقدم بموجب وكالتي عنها بالشكوى على مير زعرور وحسقيل داود إلى حاكم التحقيق باتهامها بسرقة نسخة من الفلم وطلب سوقهما إلى محكمة الجزاء.
وفي الموعد المعين للمرافعة حضرت بهيجة إلى المحكمة وكانت الساحة ممتلئة بالمستمعين والمتفرجين لرؤية هذه الممثلة الفنانة لما عرف عنها بكونها أول سيدة من عائلة مصرية ارستقراطية والدها باشا وزوج أختها رئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا تمتهن التمثيل وتجيده هذا بالإضافة إلى جمالها وحسن هندامها.
جرت المرافعة في محكمة الجزاء وكانت بهيجة حاضرة في موقع الادعاء، أوضحت للمحكمة بإسهاب الأدلة والوثائق التي تثبت تهمة السرقة وقد استمرت المرافعة أكثر من أربع ساعات ثم أصدرت المحكمة قرارها المتضمن الإفراج عن المتهم الثاني مير زعرور وتسليم الفلم إلى موكلتي ولدى استئنافنا القرار أصدرت المحكمة الكبرى قرارها بتجريم المتهم حسقيل داود بموجب المادة 273 من قانون العقوبات والحكم عليه بغرامة قدرها 150 دينار وتأييد قرار الإفراج بحق مير زعرور وإعادة الفلم إلى موكلتي وقد تم تصديق هذا القرار تمييزاً. تسلمنا عن طريق المحكمة الفلم وأودع إلى القنصلية المصرية. ولأجل نفاذ العقد المبرم بين بهيجة حافظ وعبد الكريم الخضيري ينبغي أن يصدر قرار من لجنة مراقبة وفحص الأفلام بالسماح بعرضه في العراق.
تقدمنا عبد الكريم الخضيري وأنا بطلب إلى اللجنة لإصدار قرارها بالسماح بعرضه الا ان اللجنة تأخرت او تباطأت متعمدة عن فحص الفلم واصدار القرار.
بقيت بهيجة في بغداد بانتظار صدور القرار بالسماح بعرض الفلم وكانت طيلة هذه المدة تقيم في فندق (تايكرس بلاس) وتقضي اغلب اوقاتها في المفوضية المصرية حيث كان ابن اختها يشغل وظيفة القائم بالاعمال فيها. كنا نقضي بعض الامسيات في فندق زيا مع بهيجة والقائم بالاعمال المصري وعبد الكريم الخضيري. وكنت الاحظ ان بعض المسؤولين الذين اعتادوا التردد على هذا الفندق يحاول الاتصال والتعرف على بهيجة كما كان بعضهم يتصل بها لدعوتها الى حفلة خاصة وحيث انها كانت محافظة في سلوكها وتصرفاتها فانها كانت ترفض باعتذار لطيف مثل هذه الدعوات.
لقد تأخر اصدار القرار حول عرض الفلم فأخذ عبد الكريم الخضيري يعقب الموضوع لدى وزارة الشؤون الاجتماعية وامانة العاصمة فاقهم بان من الضروري حضور صاحبة الفلم الى الوزارة للاستيضاح منها عن بعض مقاطع ومناظر الفلم وحواره حتى تتمكن اللجنة من اصدار القرار الا انها رفضت ذلك بالنظر الى ان كل الافلام المصرية تصل العراق ويتم فحصها من غير ان يحضر اصحابها كما انها رفضت الذرات الذين اتصلوا بها ناصحين بان تقيل الحضور في وليمة يقيمها احد الشخصيات المهمة من المعجبين بها تكريما وتقديراً لها حيث سيكون من ضمن المدعوين وزير الشؤون الاجتماعية وامين العاصمة وغيرهم من الشخصيات التي ستتعرف عليهم والتحدث معهم واكد لها ان حضورها هذا الحفل سوف يؤدي حتماً الى صدور القرار بالسماح للفلم غير انها رفضت ذلك اذ تصورت ان هؤلاء الاشخاص ينظرون اليها كنظرتهم الى العديد من الفنانات المصريات اللاتي زرن العراق واستجبن لدعوات امثال هؤلاء الذرات وقد انتشرت اخبار هذه الاتصالات في مصر والعراق.
ولما تأخر اصدار القرار اقدمت المفوضية المصرية على التدخل في الموضوع بناء على تعليمات وصلتها من القاهرة فكتبت الى وزارة الشؤون الاجتماعية مبدية رغبة ورجاء الحكومة المصرية للسماح بعرض فلم ليلى البدوية في دور السينما العراقية علماً بانه يعرض حاليا في مصر وفي بعض الأقطار العربية إلا أن الجواب كان صدور قرار اللجنة يمنع عرض الفلم. وربما كان السبب هو امتناع بهيجة حافظ عن مقابلة المسؤولين ورفض الاجتماع بهم وعدم تلبية دعواتهم.
عادت بهيجة حافظ الى مصر ومعها الفلم وقد اضطرت إلى إعادة المبلغ الذي تسلمته من عبد الكريم الخضيري بسبب منع عرض الفلم في العراق بموجب القرار الصادر بذلك.

مجلة فنون 1983