هل كانت الخلافات السياسية بينه وبين المعارضين سبباً رئيساً لانتحاره؟أم هناك أسباب أخرى ؟

هل كانت الخلافات السياسية بينه وبين المعارضين سبباً رئيساً لانتحاره؟أم هناك أسباب أخرى ؟

جواد عزيز جواد
كان عبد المحسن السعدون في شبابه يعمل بوظيفة شرفيه في اسطنبول وهي الياوران او التشريفات ، وكانت هذه الوظيفة يمنحها السلطان العثماني الى ابناء الرؤساء والامراء في الامبراطورية العثمانية ، وهي ارتهان بأبناء الأمراء والشيوخ كي لا يثوروا على السلطة ،

فيبقى الابناء في اسطنبول باسم الياوران ، ومن الرؤساء الكبار ذوى النفوذ والثائرين دوما هم رؤساء قبيلة المنتفك (السعدون) وقد اعدم وسجن كثير منهم. وكان عبد المحسن السعدون ضعيف البنية، عصبي المزاج، وحين قدم إلى العراق ، اعتمده الملك فيصل الاول كسياسي محترم واختاره رئيسا للوزراء ومجلس النواب عدة مرات .
وكان يلقي معارضة من بعض المتنفذين الذين يسعون الى المنافع الشخصية كما اعتادوا ، وهو يرفض ذلك حفظا لسمعته وكرامته ، وكانوا يتربصون به ليوقعوه في مشكلة ، ويقال ان الموظف المتقاعد الذي طعن السعدون بالسكين حين صعوده إلى مجلس الوزراء، كان بتحريض من بعض السياسيين الذين استغلوا حاجة هذا المتقاعد إلى عون غير قانوني، ولكن السعدون عفا عنه وتنازل عن دعواه..
وكانت المشكلة السياسية الكبرى بين العراق وبريطانيا هي مشكلة تعديل المعاهدة العراقية ـ البريطانية، وأراد السعدون تعديلها بما يفيد العراقيين ويخفف من قيودها ، واصر الانكليز على الرفض، وفي احدى جلسات مجلس النواب اتهمه بعضهم بكلمات جارحة بالخيانة واهدار حقوق البلاد ، لكي يثور ويستقيل .
وكان السعدون يرتاد نادي حزب التقدم الذي يضم الوزراء والنواب وصائدي الوظائف والمنافع ، وأعاد بعضهم ذكر مناقشة مجلس النواب ، وهاجمه النائب (معروف جياول) بكلمات جارحة. وكانت اعصاب السعدون ثائرة منذ الصباح ، علاوة على انه وصل النادي وهو منزعج عائليا بصورة افتقدته توازنه ، فترك النادي هائجا وقرر الانتحار .
يقول المرحوم مدير الشرطة مطشر عجمي باشا السعدون لمؤلف كتاب (بغداد في العشرينات) الاستاذ عباس بغدادي:( يعتقد الكثيرون ان انتحار السعدون كان سببه الرئيسي هو الخلاف السياسي بينه وبين النواب والسياسيين والمعارضة، ولكن هذا ليس السبب الاساسي ، بل ان السبب هو مزاج السعدون كان عكرا ، وكان عصبي المزاج بطبيعته، وزاد على ذلك شقاؤه داخل بيته ، فلم يكن مرتاحا بعلاقاته الزوجية).
بعد ان كتب السعدون وصيته باللغة التركية التي كان يحسنها أكثر من العربية بسبب إقامته الطويلة في اسطنبول ، اطلق على نفسه الرصاص في البيت الذي كان يستأجره في شارع ابو نؤاس (كرد الباشا ).. وهب الناس صباحا عند سماع الخبر غير مصدقين ، فلم يسبق أن انتحر وزيرا او موظف كبير او رئيس وزراء في دولة من دول الشرق الاوسط ، وجرى تشييع السعدون بشكل مهيب وعلى عربة مدفع ، دفن في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني ، وخوفا من تشكيك الناس في الحادث الانتحاري فقد وقع الوزراء تحت الوصية بتواقيعهم وشهاداتهم ، وملا الحزن والأسى جميع الناس وبقوا طويلا يتذكرون هذه المأساة التي ضحى فيها رجل كريم بنفسه في سبيل فكره ، وتجدد حزنهم بعد أن مات ابنه الوحيد (علي) منتحرا أيضاً، وماتت ابنته في حادث اصطدام دراجة بخارية.
وإكراما للسعدون قدمت الحكومة لعائلته بيتا يقع على نهر دجلة مقابل مخزن (حسو اخوان )، وأفرزت قطعة من الأرض وسمتها محلة السعدون (المعروفة الآن ) وهب الناس لجمع التبرعات لصنع تمثال للسعدون ينصب في إحدى ساحات بغداد ، وقد تم عمل التمثال في ايطاليا من قبل نحات المشاهير والشخصيات السياسية (كونكا) .. ولكن التمثال الحالي هو ليس نسخة من
سابقه ، وهو ليس من مادة البرونز ، بل هو مصنوع من مادة (الريزنة) الفايبر كلاس ..
يقول النحات العراقي طه وهيب الذي صنع التمثال الحالي للسعدون ، انه بعد ان تعرض التمثال إلى السرقة، اتصل بنا ولدا أخ عبد المحسن السعدون وهما د.خالد ود.عبد الحميد وطلبا عمل التمثال ،ولعدم وجود قالب للتمثال فقد عملت التمثال الحالي على صورة فوتوغرافيةٍ،ولكن هذه المرة من مادة الفايبر كلاس ،وكان العمل مقصودا لحمايته من السرقة،ولكن السراق قاموا بكسر قدمه اليمنى وسرقتها لغرض فحصها ...ومعرفة ما إذا كانت من مادة البرونز ام لا، فخاب ظنهم!!