قراءة / قحطان جاسم جواد
في هذا الكتاب،الذي أصدره بيت الحكمة،ينزع مؤلفه د. إياد إلى اتخاذ الجوانب الروحية عند السيد المسيح (ع) مشروعا لبحثه. من اجل تبيان معالم هذه النزعة الإلهية. معتمدا على نصوص الكتاب المقدس (العهد الجديد)،بالإضافة إلى عدة دراسات وبحوث متعلقة بفهم هذا الموضوع. كما اتخذ من المنظور التاريخي التكاملي الجامع بين العقل والنقل في إطار من التحليل والتركيب،منهجا من دراسته معتمدا الأناجيل الأربعة للوصول إلى حقيقة هذه النزعة الإلهية.
يعد السيد المسيح (ع) من الشخصيات الإلهية التي لم تسلط الأضواء عليها كغيرها من الشخصيات في البعد الباطني الروحي بدراسة أكاديمية مستفيضة في العراق.
وتأتي دراسة الدكتور إياد باعتبار أن النبي عيسى(ع) هو نبي بارز في تاريخ الفكر المسيحي والإسلامي، بل يعد احد الأعلام في الحضارة الإسلامية لوجود آراء كثيرة تدلل على نزوله في آخر الزمان مع المهدي المنتظر (ع). إذ أن قدرته المتمثلة بمقامه عند الله –تعالى – لها الأثر البالغ في بقائه لذلك الزمان، كل ذلك مكنه من جذب القلوب إليه،وإحاطته الشاملة - بإذن الله - بثقافة زمانه وعلومه من طب وغيره، فضلا عن ذلك، فقد كانت له معرفة لدنيا كلية بالعالم الباطني للأرواح، وإحاطته بالجانبين ألعرفاني،والأخلاقي. لقد خدم المسيح (ع) الإنسانية أعظم خدمة , كما أشار إليها القرآن الكريم في الكثير من سوره. أن هذه الدراسة هي ذات نزعة صوفية في الكتاب المقدس- العهد الجديد- للوقوف على أهم مفاصل الموضوعات الروحية والأخلاقية عنده في دائرتي الفكر المسيحي والإسلامي، بعده أساسا في مشروعي بحث هذا الكتاب. وقد تناول المؤلف النزعة الصوفية لدى المسيح (ع) في الأناجيل الأربعة من اجل فهم الكثير من مبادئه التي جاءت متخالفة في الأناجيل مع بعضها. فقام د. إياد بقراءة النصوص وفرزها بالشواهد الروحية. وكان الهدف من الكتاب هو تبيان محاولة اكتشاف المعالم الأخلاقية الصوفية في ذات المسيح (ع).
وقد جاءت الدراسة في مقدمة وتمهيد بالإضافة إلى ثلاثة فصول وكل منها يتضمن العديد من المباحث. الفصل الأول خصص لدراسة الإنجيل والقرآن في قراءة معرفية في حياة السيد المسيح (ع).وضم الفصل الأول المبحث الأول الذي تناول قراءة إسلامية لولادة السيد المسيح (ع). والمبحث الثاني تناول ولادة السيد المسيح (ع) كما وردت في القرآن الكريم. وكذلك ولادته لدى الصوفية.ومن المبحث الثالث اليهود قبل مجيء السيد المسيح.والمبحث الرابع عيسى في المجتمع اليهودي.والمبحث الخامس خصص لدراسة تلامذة السيد المسيح (ع).وفي الفصل الثاني كانت هناك قراءة تاريخية ومعرفية في أناجيل السيد المسيح. وفيه المبحث الأول درس الإنجيل في معاجم اللغة العربية، والمطلب الأول الإنجيل في اللغة، في حين تناول المطلب الثاني الأصل اللغوي في الفكر اليوناني، والمطلب الثالث الإنجيل في الاصطلاح، والمطلب الرابع الأناجيل الأربعة واضعيها وأصول نسبتها، المطلب الخامس أسفار العهد الجديد، المطلب السادس قائمة بترا جيم الكتاب المقدس ورموزها الاصلاحية. المطلب السابع الأناجيل، المطلب الثامن الإنجيل في القرآن الكريم. والمبحث الثاني تناول عدة مطالب للأناجيل في الفكر المسيحي - تعدد واختلاف- المطلب الأول تعدد الأناجيل وفقا للعهد الجديد. المطلب الثاني الأناجيل تعدد واختلاف. المطلب الثالث الأناجيل بين التدوين وفقدان الحقيقة.المطلب الرابع تاريخية الأناجيل.المطلب الخامس التفسير والتقنين وأزمة النص الإنجيلي. المطلب السادس تدوين الأناجيل أيام المحن. المبحث الثالث قراءة معرفية في مصادر الأناجيل. المبحث الرابع بولس شاؤول تعريف وتحريف. المطلب الأول حياة بولس.المطلب الثاني تحريف المسيحية. بولس له الدور الرئيس في تحريفها. المبحث الخامس درس المجاميع المسيحية.
في حين تضمن الفصل الثالث والأخير الأفكار الروحية في شخصية السيد المسيح (ع). المبحث الأول الحب عند المسيح والحب في اللغة والإصلاح. المطلب الأول الحب: لغة.المطلب الثاني في الحب اصطلاحا. المطلب الثالث المحبة في لغة الكتاب المقدس. المطلب الرابع المسيح والمحبة الإلهية. المبحث الثاني تضمن المعجزات عند السيد المسيح(ع) وفيها المطلب الأول المعجزات كما وردت في القرآن الكريم. المطلب الثاني المعجزات كما وردت في الأناجيل، المطلب الثالث الرهبنة المسيح والمسيح الإله.المطلب الأول فكرة الثالوث قراءة تاريخية.المطلب الثاني الالوهية في المسيحية, المطلب الثالث الناسوت واللاهوت. المبحث الرابع الجانب الأخلاقي عند السيد المسيح(ع).المطلب الأول الأخلاق دراسة دلالية تاريخية. المطلب الثاني الجانب الأخلاقي لدى المسيح. المبحث الخامس الجانب الروحي في الرمز الباطني قراءة تأويلية في أناجيل السيد المسيح. المطلب الأول ملكوت الله والطفل الصغير. المطلب الثاني الولادة الجديدة من الروح.المطلب الثالث الصليب والمعنى الرمزي. المطلب الرابع التجربة مع الشيطان.
من اجل أن يسود السلام بين الناس ليعيشوا بهدوء أرسل الله – تعالى- بعدة شرائع متعاقبة كل منها تكمل الأخرى، لأجل أن تطمئن القلوب وتحدوهم نحو الخلاص والنجاة من الهلاك والغواية والدعوة للحفاظ على النظم الإلهية،حتى يصل الإنسان إلى درجة عالية من التكامل الروحي والمعرفي العالي،وتساعده على تمشية وتنظيم حياته.
والشرائع حسبما أنزلت – كما يشير المؤلف – هي:ـ
أولا:ـ الشريعة الفاتحة لآدم:
ادم، شيت، هابيل، فينال، مبسم، قادس، قيدق، لينح، اينوخ، ادريس، دينوخ، ناخور.
ثانيا:ـ الشريعة الثانية لنوح:
نوح – سام، يافث، ارشخ، فرشخ، فاتو، شالخ، هود، ديمح، معدل، دريخا، هجان.
ثالثا:ـ الشريعة الثالثة لإبراهيم:ـ
ابراهيم، اسماعيل، اسحاق، يعقوب، يوسف، ايلون ايتم، ايوب، زينون، دانيال الاكبر، اينوخ، اناخا، ميدخ .
رابعا:ـ الشريعة الرابعة لموسى:
موسى، يوشع، عروف، فيدوق، عزير، أريسا، داود ، سليمان، اصف، انواخ، منيقا، أردن، وأعث.
خامسا:ـ الشريعة الخامسة لعيسى:
عيسى، شمعون، عروف، عبير، زكريا، يحيى، اهدى، مشحا، طالوت، قس، استين، بحيرا الراهب.
سادسا:ـ الشريعة الخاتمة لمحمد (ص):
علي، الحسن، الحسين، علي، محمد، جعفر، موسى، علي، محمد، علي، حسن، محمد .
وقد جاء هدف المسيح الوحيد ودعوته هو الإصلاح... إصلاح بني إسرائيل الذين تملكتهم الضلالة والفساد على الصعد كافة. وكان المسيح لا يلغي الشرائع التي جاء بها الأنبياء السابقون, بل جاء ليكملها ويضيف إليها ما أمره الله – تعالى - وقد بدأ المسيح تعاليمه بالأمثال حتى يقرب الصورة لأهله.
في الفصل الأول يبحث عن تاريخ ميلاد السيد المسيح (ع) وكان أول من عمل على جعل تقويم للنصارى رجل اسمه(دينيسيوس) الذي اعتمد حساب التقويم الروماني. وقد وضع تقويمه في بداية القرن السادس وجعل من رأس بداية السنة عيدا يحتفل به. وبذلك تكون ولادة المسيح (ع) سنة بدء لتاريخ النصارى ومنذ ذلك الحين أي في سنة 532 ميلادية بدأت الاحتفال ومازال لغاية اليوم.
ولا يتفق أنجيل (متي ولوقا) مع هذا التاريخ حيث يعتبر أن المسيح لم يولد في السنة الأولى للميلاد. ويذكر لوقا أن السيد المسيح ولد قبل السنة الأولى للميلاد بأربع سنوات! والاختلاف الأخر هو أن القرآن الكريم أكد انه لم يصلب بل رفعه الله – تعالى – (ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لغي شك منه مالهم به من علم إلا تباع الظن وما قتلوه يقينا) في حين أن نص الإنجيل يؤكد على حدوث الصلب.
كذلك يوضح المؤلف الاختلاف في نسب المسيح (ع) ففي الوقت الذي يؤكد فيه القرآن انه ولد روح القدس وأمه مريم بينما يذكر أنجيل متي ولوقا انه ابن يوسف خطيب مريم العذراء.
في خاتمة الكتاب يشير المؤلف إلى انه عانى من صعوبات جمة بسبب الاختلافات في النصوص التي تتغير بتغير الطبعات،بالإضافة إلى الاختلاف الجذري في وجهات النظر. أن هناك انحرافات حدثت في المسيحية بعد رفعه, أدت إلى ظهور أربعة أناجيل مختلفة في النص والتواريخ والمضامين.وهذا يشكل صعوبة على المؤلف أو الباحث. أن الفعل الإنساني لأشخاص غير معصومين ساهم في بلورة أفكار لا تتماشى مع الأمر الذي جاء من اجله عيسى (ع). أن عملية الاضطهادات التي حصلت على المسيحيين ساهمت بظهور عدة أناجيل كتبت أيام المحن. ضياع النسخة الأصلية للإنجيل الحقيقي ا,لذي دون في زمان المسيح ويعد كتابا سماويا تجلى على مرآة قلب عيسى الطاهر. وجود عدة نسخ من الأناجيل ساهم على اختفاء النسخة الأصلية بين هذه الأناجيل. ويؤكد المؤلف د. أياد أن الموجود من الأناجيل الأربعة يمثل بعض حقيقة النص الأصلي بسبب تشابه العديد من الشواهد الدالة على وجود حقائق معنوية صادرة عن السيد المسيح (ع). وان رفض الإنجيل جملة وتفصيلا يعد مصادرة لما مطلوب.أما المنهج الذي سار عليه السيد المسيح فيتمثل بالأسلوب التوضيحي البياني من خلال المنهج التعليمي الذي عمل عليه في الكثير من الآراء , التي وضحها في قيامه بزرع التعاليم الحقة في نفوس المريدين له من الناس. اعتماد السيد المسيح على الجانب العاطفي في الاستشعار الروحي تجاه الرب والمجتمع بشقيه المؤلف والمخالف. حاول السيد المسيح أن يجعل للطريق رجالا يكملون مسيرته الروحية من خلال اتخاذ مجموعة من الأفراد, الذين لهم قابليات عالية لمواصلة السير في طريق الروح أطلق عليهم الحواريون. ربط النبي عيسى (ع) بين رسالته والأنبياء في عصر متجانس لان الشرائع واحدة، وان تعدد الأنبياء القائمين على هداية البشرية نحو طريق الرشاد وسبل النور في العباد. كذلك يؤكد المؤلف في خاتمته على وجود جوانب صوفية في حياة المسيح من خلال التقشف وهجران الأوطان الأرضية وإيثار محبة الله على كل مأنوس به عند الناس.
هناك شكوك حول واضعي الأناجيل الأربعة ومدى صدق نسبة الأناجيل إليهم وهي منقطعة السند بصورة جلية. هناك اتفاق كبير بين الباحثين عن وجود أنجيل حقيقي إلا انه فقد. وجود تعارض وتناقض في الكثير من مضامين الأناجيل الأربعة، كذلك وجود جوانب تاريخية غير صحيحة فيها. ثبت للباحث أن هناك رواسب تاريخية في الأناجيل وجدت في تراث الهند والفرس بل وحتى بابل.