تحقيق/ ليث محمد رضا
شكل انتشار السلع التركية في الاسواق المحلية ظاهرة جديرة بالتحقق والبحث مع الاوساط الاقتصادية وتناول ابعاد ها المختلفة، سيما اذا ما ربطنا الموضوع بظاهرة المسلسلات التركية وما نتج عن التأثر بالثقافة ونمط الحياة التركي، الأمر الذي انعكس على ذوق المستهلك العراقي وميله باتجاه السلع التركية.
(المدى الاقتصادي) ناقشت هذه الظاهرة مع جملة من المختصين عبر التحقيق الآتي:
هيمنة لافتة للنظر
بحسب نيويورك تايمز فإن القنصل التركي في اربيل أيدن سيلسن، ذكر ان دولته ستندمج مع العراق، حيث سيكون تدفق المواطنين والبضائع عبر الحدود حرا، وكذلك سيكون تدفق النفط والغاز الطبيعي.
صاحب محل الملابس في السوق العربي فاضل ماجد قال: ان اقبال اغلب المستهلكين على السلع التركية، بشكل اساسي هو بسبب المسلسلات فالشباب يشترون البدلات المشابهة لتلك التي يرتديها ابطال المسلسلات.
واضاف ماجد: ان سعر السلع التركية مناسب جداً رغم جودتها اذ انها نافست السلع الصينية الرديئة التي يأتي بها التجار العراقيون.
وتابع ماجد: الملابس التركية انواع فمنها باب اول ومنها باب ثان هكذا وكل باب له سعره لكن حتى آخر باب تركي هو افضل من الصيني الموجود في العراق.
تاجر الملابس عمار حميد قال ان تأثر الناس بالمسلسلات التركية كبير وسريع حيث يسعى الشباب والبنات الى تقمص ادوار الابطال والبطلات فمثلاً بعد ان عرض مسلسل (دموع الورد) الذي تميز بطلها"كوسوفي"بملابسه السود ازداد اقبال الشباب على البدلات والقمصان السود لدرجة جعلتنا نستورد ملابس سوداً فقط لتلبية حاجة السوق.
واضاف حميد: ان تلك الملابس كانت من تركيا لانها ذات الملابس المطلوبة وبأسعار مناسبة.
وتوقع حميد: ان تكون ثمة علاقة بين الشركات الاستثمار ومن يقوم بإنتاج تلك المسلسلات.
وقال صاحب محل الموبيليات علي جلال: ان تأثر الناس بالحياة التركية من خلال المسلسلات انعكس على ميلهم لاستهلاك السلع التركية.
واضاف جلال:انا مختص ببيع الاثاث التركي بسبب ارتفاع الطلب عليه من قبل المستهلكين.
فيما اكد تاجر السيارات علاء احمد: ان المسلسلات التركية احدثت تأثيراً كبيراً في الأسواق المحلية بما فيها اسواق السيارات.
واضاف احمد: ان السيارات المستخدمة من قبل ابطال الشخصيات اصبحت الاكثر رواجاً رغم ارتفاع اسعارها بعد زيادة الطلب.
وتابع احمد:رغم كون تلك السيارات من مناشئ غير تركية، الا اني لا استبعد كون استثمار من قبل تلك الشركات في تلك المسلسلات كدعاية لها.
المستهلكة سارة سالم قالت: لقد تأثرنا كثيراً بالحياة الجميلة في تركيا من خلال المسلسلات الامر الذي جعل الجميع (على حد قولها) يحاول تقليد نمط الحياة التركي من خلال اقتناء السلع التركية.
واضافت سالم:ليست الملابس التركية هي التي تشهد إقبالاً من قبل الناس بل حتى الاواني المنزلية ذاتها التي تعرض في المسلسلات موجودة في الاسواق والناس تقبل عليها بشكل كبير.
الخبراء
بشأن تأثير الدراما التركية على ذوق المستهلك واذا ماكان الامر مدروسا، أم لا قال الخبير في الشؤون التركية الدكتور علي دريول: بعد التطور الجديد في العالم في ثورة المعلومات والاتصالات لايمكن فصل الجانب الاقتصادي عن السياسي ولاحتى الثقافي او الرياضي، فالطبقة السياسية في كل العالم تحاول ربط هذه الامور بالاتجاه الذي يعزز مصالحها وبالتأكيد ان الانفتاح الثقافي التركي على دول المنطقة صاحب الانفتاح الاقتصادي والسياسي والعلمي.
وذكر دريول: ان الدور الجديد لتركيا في العراق والمنطقة العربية بدأ عندما اقتنعت تركيا بصعوبة المهمة الاساسية التي كانت تبحث عنها وهي الانضمام الى الاتحاد الأوروبي فاتخذت طرقاً جديدة لم تكن بديلة عن الهدف الاستراتيجي لكن بتحفيز أوروبا للمضي في عملية قبولها في الاتحاد الأوروبي من خلال المكانة الاقتصادية السياسية في الشرق الاوسط.
وقال دريول:ان الميزان التجاري التركي مع المنطقة سيما مع العراق أخذ يرتفع وكذلك مع اقليم كردستان العراق، اضافة الى اهتمامات تركيا بالقضية الفلسطينية واهتمامها بالملف النووي الايراني وموضوع المياه والآن لديها ملفات اقتصادية جديدة.
واضاف دريول: ان دور تركيا عمق علاقاتها مع دول المنطقة التي كان لها انعكاس كبير على الجانب الاقتصادي وبعد ايام ستكون زيارة لرئيس الوزارء التركي رجب طيب اردوغان وسيكون بمعيته وفد اقتصادي رفيع المستوى وهذا سيكون بوابة لفتح فرص مع العراق وبالتالي تعزيز ذات الاتجاه.
وتابع دريول ان:تركيا وجدت ان منطقة الشرق الاوسط سوقها الاكبر او مجالها الجديد فرأت ان تدخل بكل ثقلها بما في ذلك الاعلامي والسياسي والاقتصادي.
ذوق المستهلك
الخبير الاقتصادي الدكتور ماجد الصوري قال:ان اهم اسباب هيمنة البضاعة التركية هي الجودة والسعر اضافة الى قرب المسافة، فالاستيراد الان يتم من مسافات قريبة ورغم ان الصناعات الصينية رخيصة الا ان ما يأتي منها رديئة، وبسبب السياسة الجديدة في الغرب لبلدان الشرق الاوسط والعراق بالذات باعتباره سوقاً كبيراً للبضائع.
وعن انعكاس التأثير الثقافي للمسلسلات التركية قال الصوري ان الانعكاس كان على ذوق المستهلك.
وقال الصوري: والواقع هو ان السياسة التركية من الناحية الاقتصادية والسياسية تعتبر نموذج الدول المجاورة فلحد الآن تم تحقيق تطور اقتصادي واجتماعي وفكري وهذا بالتأكيد سيؤثر على نمط التأثير والاستهلاك والامتثال والتوصل الى هذا النموذج فالمسألة اذا ما اخذت من جميع النماذج فهي تؤثر على توجه البلدان العربية خصوصاً أنّ العراق لديه تأريخ وترابط كبير مع تركيا ويوجد ميل الى البضائع التركية.
التأثير الدرامي
نائب محافظ البنك المركزي العراقي الدكتور احمد ابريهي تحدث عن تأثير الاعمال الدرامية التركية (المسلسلات) على ذوق المستهلك العراقي قائلاً: رغم اني لا اتابع الاعمال الفنية التركية والاعمال الفينة بشكل عام بإستثناء رمضان، لكني متأكد ان الجاذبية الثقافية لاي بلد تسهم في ترويج منتجاته الصناعية ولها دور كبير برسم صورته في اذهان الناس في المجتمعات الاخرى.
واضاف ابريهي: أتوقع أيضاً وهذا هو المهم ان مايعرض في فضائياتنا عن المجتمع العراقي وانماط سلوكه هو ايضاً قد كان له الدور البليغ في رسم صورة العراق لدى المجتمعات الأخرى، لذا أرجو من المعنيين جميعاً الاهتمام بهذه القضية والمفروض ان تكون لدينا سياسة ثقافية وطنية وهذا الكلام ليس موجهاً للحكومة فقط وانما لمنظمات المجتمع المدني والاحزاب والمؤسسات.
واضاف ابريهي: ان ما يحسب ايجابياً للاتراك تعاملهم الراقي مع العراقيين وتسهيل سفرهم وحسن استقبالهم في مقابل العوائق التي تضعها دول اخرى ازاء العراقيين وإساءة معاملتهم لذلك اثر هذا في موقف المواطن العراقي وشجع التجار على التعامل مع الشركات التركية ولايخفى وجود عوامل سياسية قوية لامجال لتوضيحها الآن.
وتابع ابريهي:ان العلاقات التجارية الدولية ومهارات الاتصال هي ضعيفة في العراق لعدة اسباب منها: الحاجز اللغوي فضلاً عن ان القطاع الخاص تقليدياً يتحاشى توظيف المختصين في اعماله لذلك درج على الاستيراد إما من الدول المجاورة او من وسطاء في الدول المجاورة للوصول الى المناشئ البعيدة وان هذا الطراز من العلاقات الاقتصادية الدولية يحتاج الى مراجعة وزارة التجارة بالذات فنحن نرحب بالعلاقة مع دول الجوار في اطار التنافس المشروع في ما بين جميع المناشئ القريبة والبعيدة لمصلحة الاقتصادي.
العامل الاقتصادي
خبير العلاقات الدولية الدكتور احمد سعيد تحدث عن علاقة النشاط الاقتصادي في العراق بالسياسة الخاريجة التركية قائلاً:ان العامل الاقتصادي من ابرز العوامل تأثيراً في العلاقات الدولية، فأغلب الدول تستخدم الوسائل الاقتصادية للسعي من اجل تحقيق اهدافها وان القدرة الاقتصادية في عالمنا المعاصر هي التي تحدد باقي القدرات.
واضاف سعيد: باعتبار تركيا دولة متطورة اقتصادياً وباحثة عن اسواق خارجية فإن منطقة الشرق الاوسط ذات الدول النامية فرصة كبيرة لتصريف البضائع التركية للحصول على نقد اجنبي لدعم الاقتصاد التركي فهي تنافس دولاً أخرى كإيران والصين اضافة الى ان الصناعة التركية جيدة باعتبارهم دولة تتطلع للانضمام الى الاتحاد الأوروبي.
ولفت سعيد الى ان تركيا واجهت مشاكل في الانضمام الى الاتحاد الاوربي والان تتضمن ستراتيجيتها التوجه نحو الغرب باتجاه آسيا الوسطى ونحو الجنوب بأتجاه الشرق الاوسط.
وقال سعيد: ان تركيا تلعب دور الوكيل في المسائل الامنية والسياسية والاستراتيجية والاقتصادية واحياناً تلعب دور الوسيط في قضايا الاهتمامات الاستراتيجية والامنية.
واضاف سعيد:رغم ان التبادل التجاري الدولي يشكل جزءاً من كلية العلاقات الدولية اذ لايوجد في العالم دولة تعتمد على انتاجها المحلي بصيغة مطلقة في اشباع حاجات سكانها من السلع والخدمات بمقابل دول تنتج سلع تفيض عن حاجتها من الاستهلاك المحلي وهكذا حصل التبادل الدولي.
ان اهم مسألة تعنينا في هذا المضمارمدى رغبة الاقتصاد الوطني في تحقيق الاكتفاء الذاتي، فالعيب في عدم الاكتفاء وقد عانت بريطانيا من هذه المشكلة في زمن الحرب اذ كانت تنتج اقل من نصف ماتحتاجه من الغذاء.
وتابع سعيد: ينبغي ان تهدف التنمية الاقتصادية الى الانتقال من الاقتصاد التقليدي الى اقتصاد الاكتفاء وهو احد الاهداف المركزية للمجتمعات الحديثة وان الدرجة المطلوبة للتحديث تختلف بين الدول.
الرأي التركي
المستشار التجاري لسفارة جمهورية تركيا في العراق متين كركن قال: نحن نعتقد بتأثيرظاهرة المسلسلات على رواج البضائع التركية وعلى نسبة الصادرات وهذه المسلسلات كان تداولها يتم بشكل محلي داخل تركيا، لكن بسبب التطور الحاصل في الاتصالات بدأ الاهتمام من قبل الدول المجاورة لتركيا وهي العراق وايران وسوريا، وبعد ان اتضح الاهتمام بتلك المسلسلات اصبحت العملية منظمة وأصبح هناك توسع في القضية اذ اعتقدت تركيا بتأثير الموضوع على الصادرات والتعرف على البضاعة التركية واصبحت تركيا تتعامل مع المسلسلات كبضاعة وطنية.
وذكر كركن لـ (المد الاقتصادي) ان صادرات تركيا للعراق بلغت 6 مليارات دولار في 2010.
وقال كركن: ان تركيا تطمح الى ان تصل الصادرات الى 20 ملياراً خلال السنوات القادمة.
واضاف كركن: شهد عام 2010 ايضاً ارتفاعاً في الصادرات العراقية الى تركيا نسبياً حيث بلغت ملياراً و211 مليون دولار بنسبة زيادة 30% عن 2009.
واوضح كركن ان اكثر الصادرات العراقية كانت من الاحجار الكريمة والنفط الخام والمواد البلاستيكية ومنتجاتها والمواد الكيمياوية ونسبة قليلة من المنسوجات وورق الكارتون، اذ بلغت الصادرات النفطية 1,1 مليار دولار والكمية الباقية كانت لباقي السلع.