■ علي أبو الطحين
عمل القائد العسكري الكبير والسياسي اللامع المرحوم جعفر باشا العسكري وكيلاً دبلوماسياً ثم وزيراً مفوضاً للعراق (بمثابة سفير) لدى بلاط سنت جيمس في لندن لما يقارب السبع سنوات بشكل متقطع من سنة 1922 وحتى سنة 1934. في خلال تلك الفترة إنضم العسكري إلى إحدى كليات لندن الجامعية لدراسة القانون وتخرج فيها محامياً في مطلع سنة 1930.
وفي فترة إقامته في لندن أعد جعفر العسكري محاضرة باللغة الإنكليزية ليلقيها في مقر الجمعية الآسيوية في لندن في 17 من شهر تشرين الثاني سنة 1926، عن التقدم الحاصل في العراق في السنوات الخمسة السابقة، أي منذ تأسيس المملكة العراقية واعتلاء الملك فيصل الأول عرش العراق في 23 من شهر آب 1921 وحتى ذلك اليوم، وهيأ مع المحاضرة صور فوتوغرافية من العراق للعرض في جهاز الفانوس السحري.
صادف في تلك الأيام أزمة سياسية كبيرة في بغداد حول المعاهدة العراقية البريطانية، وسببت تلك الازمة ببعض التجاذبات بين الملك فيصل الأول ورئيس الوزراء عبد المحسن السعدون ودار الأعتماد البريطانية تحت هنري دوبس، كانت نهايتها تقديم عبد المحسن السعدون استقالته من رئاسة الوزارة لتفادي التوقيع على المعاهدة المذكورة، فأسرع الملك فيصل الأول بإستدعاء جعفر العسكري من لندن لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة تشكلت من جميع الأطياف السياسية لتمرير تلك المعاهدة. وهكذا عاد جعفر العسكري الى بغداد ليشكل وزارته الثانية في 18 تشرين الثاني من تلك السنة، وبالتالي لم تسنح له الفرصة لتقديم المحاضرة المذكورة. لكن لحسن الحظ قامت الجمعية الآسيوية بنشر نص المحاضرة على شكل مقالة في إصدارها التالي من ذلك العام.
ونحن أذ نقدم ترجمة لهذه المقالة المطولة التي نشرت في الأصدار الفصلي الأول لسنة 1927 من دورية الجمعية الآسيوية، نود التأكيد على ان المرحوم جعفر العسكري لم يلقي هذه المحاضرة بشكل مباشر للحضور كما يبدو من النص، ولم يكن هناك مناقشة بالطبع لهذه المحاضرة، فهي أساساً لم تلقى على الجمهور.
يستهل العسكري المحاضرة بمقدمة قائلاً : قضية التقدم في العراق هي مهمة جسيمة، وهي لا تقل عن تشكيل إدارة علمية حديثة في بلاد كانت سابقاً جزءاً مهملاً من إمبراطورية بالية. كان الهدف الذي سعت إليه جهودنا خلال السنوات الخمسة الماضية وما زالت، هو بناء مؤسسات حكومية في بلاد يستطيع أبنائها القيام بأعبائها وبمساعدة بسطية على قدر الإمكان. وبالرغم من إن خبرتي محصورة بالإمور العسكرية، لكن من الممكن أن أدعي بأني علي صلة قريبة بموضوع تطور الإدارة بالعراق. ولهذا غامرت بقبول دعوتكم الكريمة للحديث على موضوع التقدم الذي حصل في العراق خلال تلك السنوات المبكرة كدولة مستقلة.
دعوني أبدأ ببعض الأرقام، لا أريد إزعاجكم بالإحصائيات، لكن ليتضح لكم عندما نتحدث عن التقدم في العراق، فنحن مازلنا نفكر بالمستقبل. فمساحة البلاد مثلاً، هي 150 ألف ميل مربع، اي حوالي ثلاثة أضعاف مساحة إنكلترا وويلز سوية، بينما لا يزيد النفوس في العراق عن ثلاثة مليون نسمة. في وادي النيل، من مدينة أسوان وحتى البحر المتوسط، يعيش حوالي 13 مليون من السكان في الأراضي الإروائية على ضفاف النهر. والأراضي الإروائية في العراق لا تقل عنها في مصر. لهذا يمكن القول من البدء أن ما يحتاجه العراق قبل كل شئ هو المزيد من البشر، وهذا شرط ضروري للتطور، وبالطبع سنحتاج بعض الوقت لتحقيق ذلك.
توفير طرق المواصلات بين المدن المختلفة هو أمر أساسي لأي بلد، وقد عملنا على تحسين طرق المواصلات بشكل كبير مقارنة لما كان عليه قبل الحرب. فلم يكن هنك سوى سكة حديد واحدة في تلك الأيام بين سامراء وبغداد بطول 72 ميلاً وهي جزء من مشروع سكة حديد بغداد-برلين. في تلك الفترة كان السفر بين بغداد والبصرة بطريق النهر يستغرق بين ثلاثة إلى سبعة أيام، حسب الموسم. الآن، لا تستغرق الرحلة أكثر من اثنتين وعشرين ساعة في القطار. مازلت أذكر بكل التفاصيل رحلاتنا في ذلك الوقت بالكلك من الموصل إلى بغداد حيث ننحدر بنهر دجلة، وهي رحلة شاعرية بالفعل، لكن ليست وسيلة سريعة بالتأكيد حين تصل باسبوع. حين يتم إكمال سكة الحديد بين كركوك والموصل، سيكون الوصول إلى مدينة الموصل أقصر من الوصول بين بغداد والبصرة. هنالك أيضاً سكك الحديد من بغداد إلى خانقين، ويتفرع منه قره غان إلى كنجربان، ومن هناك أنجز الطريق الرابط إلى كركوك الذي أفتتح للنقل في شهر كانون الأول من سنة 1925. وهناك كذلك سكك الحديد من بغداد إلى ديإلى، وسكة الحديد من بغداد إلى سامراء تم تمديدها إلى الشرقاط. وهناك فرع لخط أخر يسير من سدة الهندية على خط بغداد-البصرة، إلى كربلاء. العديد من الجسور تم بنائها على نهر الفرات ونهر ديإلى، في بربوطي، وإمام عبد الله، والرميثة، والجربوعية، وفي بعقوبة وقره غان. وفي بغداد لدينا عبارة نهرية يمكنها نقل 720 طناً في اليوم. وبالإجمال، هناك ما يقارب 816 ميلاً مفتوحة للنقل، وتقوم سكك الحديد بنقل نصف مليون مسافر و 400 ألف طن من البضائع في السنة. أظن أن لنا كل الحق بالرضى عن ما تم أنجازه كما اتضح.
وبالرغم من أن سكك الحديد هي الضرورة الأولى لمواصلات جيدة، لكن لها في العراق منافساً قوياً، أو ربما حليفاً جيداً هو طرق السيارات. نظراً لطبيعة أرض العراق المنبسطة فليس هناك صعوبة للوصول إلى أي مكان بالسيارة. كل ما نحتاجه في الحقيقة لبناء تلك الطرق هو تشييد الجسور، لذلك في أي بقعة من البلاد يمكن الوصول أليها باقامة الجسور للقنوات وما شابه. في العهد العثماني، كان هناك عدد بسيط من السيارات، وكان يتم السفر بالعربات إلى اماكن محدودة، مثل عربات النقل من بغداد إلى كربلاء والنجف، إلى الحلة، وإلى سامراء وتكريت، وكذلك إلى بعقوبة وخانقين. وكان من النادر إستعمال العربات في أماكن أخرى في البلاد، ربما بإستثناء العربات الصغيرة في أنحاء الموصل. أما الآن، فأصبحت البلاد كلها مفتوحة للنقل بالسيارات بعد بناء العديد من الجسور، فهناك اليوم تقريبا 2.627 ميلاً من الطرق الترابية و 124 ميلاً من الطرق المبلطة لإستخدام السيارات.
قبل الإنتقال إلى موضوع آخر، أود أن أعطيكم بعض التفاصيل على حجم العمل الضخم الذي أنجز في بناء الجسور. العديد من الجسور الثابتة ومعظمها من الحديد والكونكريت تم إنشائها في أنحاء البلاد، ولم يبقى سوى أماكن قليلة لا تصل إليها السيارات الثقيلة. لقد قامت الحكومة ببناء حوالي 300 جسراً، لها إمتداد لأكثر من ستة أقدام. في الوقت الحاضر نقوم ببناء جسر ثابت على الفرات في الفلوجة لطريق النقل عبر الصحراء. بالطبع في بعض الأماكن لا تصلح الجسور الثابتة في الوقت الحاضر، فتم بناء جسور عائمة. في العهد العثماني كان هناك تسعة من هذه الجسور العائمة لا تحتمل سوى مرور العربات وبصعوبة، في الوقت الحالي لدينا سبعة عشر جسراً تتحمل السيارات الثقيلة. وإن كنا نتحدث عن إنجازات دائرة الأشغال العامة، يجب أن لا ننسى من ذكر بإن الأنوار الكهربائية تتوفر الآن في ثمانية مدن، إضافة بالطبع إلى مدينة بغداد والبصرة. وبينما لم يكن بشكل عملي، قبل الحرب، إية إسالة لتوفير الماء في المدن، أصبحت اليوم منشأت للإسالة في ثمانية مدن. وتتمتع بغداد بخدمة ممتازة، وهناك في الوقت الراهن اتساع لهذه الخدمات في بغداد والبصرة. وبالإجمال لهذه الأعمال، هناك قناعة بالرضى التام لما أنجز، ومن الواضح سيكون هناك بناء المزيد من سكك الحديد والطرق، فنحن في بداية التقدم والبناء وليس في نهايته.
وفي غضون ذلك علينا أن ندرك أن الحجر الأساس الذي يرتكز عليه مستقبل العراق، هو بالطبع، الزراعة. ولا أبالغ أذا قلت فرضياً أن العراق اليوم هو أغنى قطعة على سطح الأرض تنتظر الزراعة العلمية المنهجية. وبسبب إختلاف المناخ في العراق من الممكن زراعة مختلف المحاصيل الزراعية. فالبصرة مشهورة بتمورها، وزراعة النخيل في العراق هو المثال الأفضل لزراعة المحاصيل بطرق علمية حديثة. وزراعة النخيل تنتشر أيضاً في أنحاء بغداد وأطراف الحلة والعمارة. لقد وجد العديد من الفلاحين في مصر منذ القدم بأن الزراعة في التربة الخفيفة تعطي تجارة مربحة، وبدون شك، بتوسع الري في العراق يمكن الحصول على نفس النتائج.
وبالمرور لابد من ذكر بإنتاجنا من أرقى الفاكهة، فالبرتقال عندنا لا يضاهى، العنب والتين وكذلك الرمان كان على الدوام موضع إلهام لشعرائنا عبر القرون.
ينتج العراق محاصيل أخرى بشكل وفير مثل الرز والحنطة والشعير. يحتاج الرز بالطبع إلى الري، لكن محاصيل الحبوب يمكنها أن تنمو في الأماكن الممطرة وسفوح الهضاب في شمال العراق وفي المناطق الجبلية على طول الحدود الفارسية، فزراعة الحبوب من الحنطة والشعير تنتج اليوم بكميات تجارية. فمثلاً، في سنة 1923 تم تصدير 206 ألف طن من الحنطة والشعير. وللأسف لم تكن سنة 1924 و 1925 جيدة في الإنتاج، وهذا تراجع نسبي بسيط. فهناك توسع في زراعة الحنطة والشعير في الوقت الحاضر في الأراضي المروية في جنوب العراق. ولسوء الحظ إن إنتاج الحبوب، وخصوصاً الشعير، وهو من النوعيات الجيدة، لا يحصل إلا على أسعار منخفضة، بسبب الطرق البدائية في التنظيف وهذه يتحملها الوسطاء أكثر مما يلام عليها الفلاحون.
تحسين البذور وتحسين طرق الزراعة كلاهما ضرورة لتحسين الإنتاج الزراعي في العراق. الفلاحين في العراق كما في كل مكان أناس محافظون، على الحكومة أن تعي أهمية هذه الإمور، في سنة 1925 تم تجريب أثنان وعشرين سلالة من القمح الأسترالي والهندي تحت إشراف الحكومة. ولابد من ان أضيف إن الحكومة في حقولها التجريبية تقوم بفحص إمكانية إدخال المكننة الزراعية وتوضيح إستعمالها للفلاحين.
التقدم الذي حصل في زراعة الكتان لم يعطي حتى اليوم النتائج المرجوه، فالهبوط بالأسعار وأحتمال المزيد من الهبوط بسبب عودة الإنتاج الروسي لم يشجع المضي قدماً بالمزيد من الإستشمار في هذه الصناعة.
وهناك موضوع مهم جداً أخر وهو زراعة القطن. فالتربة والمناخ ملاءمان لزراعته في العراق، فهناك كميات وفيرة من المياه، وبعد تطور مشاريع الري سيكون العراق في يوم ما أكبر الأماكن لإنتاج القطن في العالم. لقد أعد السير ويليم ويلكوكس مسوح دقيقة في بلاد الرافدين قبل الحرب، وقدم مشاريع لجعل حوض دجلة والفرات حدائق غناء كما كانت في عهد البابليين والعصر العباسي. وقد تم حساب كميات تصدير العراق من القطن، عندما تتوفر الأيدي العاملة، بحوالي ثلاثة ملايين بالة في السنة. ولم تبخل جمعية منتجي القطن البريطانية منذ البداية بتقديم المساعدة المستمرة لما لمسته من الإمكانيات الكبيرة للعراق لإنتاج القطن.
قامت الحكومة بإختبارات عديدة لإيجاد أفضل أنواع القطن ملائمة للنمو في العراق. المسألة بالطبع تقنية ولا أريد أزعاجكم بتفاصيل ربما بعيدة عن جوهر هذه المحاضرة المختصرة. لكن ربما من المفيد أن أذكر، بأننا مازلنا نبحث عن أفضل سلالة من القطن ملائمة للتربة والمناخ في العراق، والتي هي كذلك توفر الأفضل للحلج. في الوقت الحاضر حققنا أفضل النتائج مع القطن نوع ويبر. وآمل، بالرغم من بعض الصعوبات الكبيرة التي تواجهنا في هذا الأمر، بأن يصبح إنتاج القطن في يوم ما هو المصدر الرئيسي من صادرات العراق. ورغم التقدم البطئ المتوقع في هذا المجال، إلا أن إهتمام العديد من ملاك الأراضي وبشكل فعال في تطوير زراعة القطن هو بشرى سارة لمستقبل هذه الزراعة. ولهذا يمكننا القول، وإن لم يحصل التقدم الذي كنا نتمناه، بإننا على الأقل أصبحنا نعرف ما هي المعوقات التي تقف في طريقنا في هذا المضمار.
لا يمكن أن يكون حديثنا مهما كان مختصراً عن الزراعة متكاملاً دون أعطاء بعض التفاصيل عن ما قمنا بإنجازه على صعيد الري. في عهد الأتراك لم يكن هناك مؤسسة متخصصة للري، وأن تم بناء سدة الهندية على التوجهات التي قدمها السير ويليم ويلكوكس. فكانت جميع قنوات الري معرضة للفيضان. حينما أستلمت الإدارة الجديدة مشروع سدة الهندية وجدته في حالة يرثى لها، لعدة أسباب، منها طريقة البناء –التي تأثرت بسبب نقص الأموال المخصصة- وكذلك سوء العمل والسبب الأخر هو عدم الصيانة. لقد كلف الحكومة العراقية حوالي ستة لكات (اللك يستعمل للروبية الهندية وهو يساوي مئة ألف) من الروبيات في السنوات الستة الماضية لوضع المشروع على أسس صحيحة. وقامت الحكومة كذلك ببناء أربع قنوات كبيرة دائمية للسيطرة على المناطق الإروائية لمساحة أكثر من نصف مليون فدان. وتم إنجاز أعمال كبيرة في قنوات الري القديمة، وتسليك مجرى نهر دجلة السفلي لتحسين الملاحة بشكل كبير في المناطق الضيقة عند قلعة صالح، فأصبح عمق المياه الضحلة الآن 18 بوصة أعلى مما كانت عليه. وتم تحسين السدود الترابية الضرورية لحماية البلاد من خطر الفيضان. لذلك بأكتمال مشاريع الري الكبرى، شكراً لجهود دائرة الري، ستصبح التحضيرات جاهزة لمزيد من التطور عندما تحين الفرصة.
وبعد كل هذا، وبغض النظر عن مواردنا الزراعية، هناك مسألة النفط. ولكثرة الأهتمام الذي أعطي لهذا الموضوع، سوف أتحدث بأقتضاب عنه في الوقت الحاضر. لكن مع ذلك، في أية دراسة عن التقدم في العراق لابد أن يكون النفط شاخصاً فيه. وخصوصاً إن العراق هو مولد صناعة النفط في العالم. فالقير أستخدم كملاط منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد في مدينة تل العبيد، كما أستخدم كبطانة للحمامات والأرضيات في مدينة كيش. لقد أستعمل كملاط في برج بابل وكذلك في تسديد سفينة نوح كما ورد في الكتاب المقدس. وعرفت طبيعة الأشتعال للنفط منذ عصر الإسكنر. بعض الطرق البدائية لتصفية النفط كانت قد أستخدمت في كركوك ومناطق أخرى منذ زمن بعيد. وكان العالم الفرنسي البارز، جاك دي مورغان، من أوائل العلماء الأوربيين الذين أشاروا إلى أهمية حقول العراق النفطية في سنة 1895، وبدأت شركة دارسي للتنقيب المحدودة بالعمل بشكل مكثف على الحدود العثمانية-الفارسية في منطقة جاي سوركه بين السنوات من 1903 وحتى 1913، لكن بدون نجاح.
في السنوات القليلة الماضية أستخرج النفط من قبل شركة النفط البريطانية-الفارسية المحدودة في "الأراضي المنقولة"، وهي الأراضي التي أنتقلت ملكيتها من إيران إلى تركيا بعد ترسيم الحدود التركية-الفارسية سنة 1914، وتم الآن نصب مصفى للنفط في خانقين ليوفي بالحاجة المحلية. وسيتم عاجلاً أم آجلاً مد أنابيب النفط أما إلى الخليج الفارسي أو إلى البحر المتوسط من هذه الأراضي المنقولة، وسيعتمد الطريق بالتأكيد بشكل كبير على امكانية استخراج النفط من قبل شركة النفط التركية في أماكن أخرى في العراق. لقد منحت شركة النفط التركية امتيازاً سنة 1925 للتنقيب عن النفط في ولايتي بغداد والموصل، وفي خلال الثمانية عشر شهراً القادمة ستحفر الشركة، كما أُخبرت، ستة آبار للإختبار في مناطق مختلفة أختيرت بعد مسوحات جيولوجية دقيقة، وعلى نتيجة هذه الاختبارات ستعتمد التطورات القادمة. فأذا ثبت وجود النفط بكميات تجارية مجزية، فيتم الحفر لمزيد من الآبار، وأذا أعطت هذه نتائج مرضية، سيتم كما أظن بناء خط الأنابيب إلى ميناء على البحر المتوسط. وحين يتحقق ذلك ستجزي الشركة بدون شك ثمرة العمل الشاق والأموال الكبيرة التي صرفت لانجازه بتوزيع أرباحها على المساهمين. وسيحصل العراق بالنتيجة على العوائد من حقوقه حسب شروط الامتياز بأربعة شلنات مقابل كل طن من النفط المستخرج. وسيكون الدخل من هذا المصدر موارد إضافية للحكومة العراقية. وستجعلنا في موضع غبطة كحال الحكومة الفارسية التي تتلقى عوائد النفط منذ أكثر من عشر سنوات مضت.
لقد بينت بعض المشاكل التي على العراق تجاوزها ليضمن مستقبل زاهر. قد يبدو كلامي كأنه أمنيات أكثر مما هو إنجازات حقيقة، أذا كان كذلك، فلإن للعراق إمكانيات هائلة، ونحن على دراية أذا كان ما تم تحقيقه كثير فهناك الأكثر ما ينتظر تحقيقه وإنجازه.
أسمحوا لي الآن أن أنتقل إلى موضوع أو موضوعين ذات طبيعة إدارية بحته. هنا يمكن أن نشير إلى تقدم متين وواضح. الأول والأبرز يأتي موضوع الدفاع. فمن غير الممكن أن نعمل على تقدم وتطوير بلدنا أذا لم نكن جاهزين وقادرين على حمايته من أية تهديد خارجي. من المفرح أنه في السنة الماضية تحسنت علاقاتنا مع أغلب جيراننا الكبار، والعراق اليوم في علاقات ودية مع جميع البلدان المحيطة. وبالرغم من ذلك، نحن ندرك بأن الجيش، جيش كفوء، هو ضرورة قصوى لمستقبل العراق والسلام في ربوعه. وأظن بإننا قطعنا أشواط كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية في تكوين هذا الجيش. وبمساعدة الضباط البريطانيين وعلى رأسهم الجنرال ديلي، عمل الضباط العراقيون المحترفون بجد لبناء جيش العراق الفتي. وأن كنا في هذا كما في الأمور الأخرى نعمل ببطء نظراً لاعتبارات المصاريف والكلفة، لكننا مع هذا حققنا إنجازات كبيرة. لقد أثبت الصغار من الضباط، ومنهم من تدرب في بريطانيا، كفاءتهم العالية، ولم أسمع عنهم سوى الأطراء من جميع الجهات. وكان برنامجنا هو انشاء جيش صغير على أسس سلمية، يمكن أن يزداد باستدعاء الاحتياط إلى الحد الكافي ليضمن الدفاع عن البلد ضد أي عدوان محتمل. وحين نستحدث نظام معتدل للتجنيد بالقرعة، سنكون إلى حد ما قد حققنا الهدف المنشود. قواتنا العسكرية ستكون مدعومة في حالات الطوارئ برجال القبائل وهم مقاتلون جيدون. وقد تم منحهم التسهيلات للحصول على الأراضي الزراعية، هذه المنح يمكن أن تزداد مع توسع مشاريع الري. في الوقت الحاضر يتشكل الجيش من متطوعين من مختلف شرائح الإجتماعية في العراق. فهناك حوالي 40 بالمائة منهم قادمون من المدن والقرى العربية، و 35 بالمائة من رجال القبائل والـ 25 بالمائة الباقية تتكون من الأكراد والتركمان. وبينت التجربة القتالية لهذا الجيش الناشئ في كردستان قدرات ومهارات عسكرية يشاد بها. وأظهرت روح التضامن العالي بين الضباط، وأبرزت العلاقة الودية والتعاون التام مع زملائهم من ضباط البريطانيين. ورغم عدم كفاية نظام التطوع لبناء جيش متكامل من الاحتياط الذي يجعل الجيش على مقدرة واستعداد في حالة دخول البلاد في حرب، لكن لا نعاني من فتور في اعداد المتطوعين. لهذا، في موضوع الدفاع بشكل عام، لا أظن هناك أي سبب ليجعلنا غير راضين عن التقدم الذي تم إنجازه، ويمكن أن أتحدث بالتأكيد في هذا الأمر من تجربتي الشخصية، لقد عملت منذ ستة سنوات كوزير للدفاع في أول حكومة وطنية عراقية، حينها وضعت مذكرة تستعرض وجهة نظري في الشكل الذي يجب عليه أن يكون الجيش العراقي. في بعض النواحي كانت مقترحاتي، خصوصاً فيما يتعلق بأمور ليست بسيطة مثل رواتب الضباط وإمتيازاتهم، ظهرت أنها متواضعة للغاية، لكن على العموم أخذت معظم اقتراحاتي موضع التطبيق. فكان هناك موافقة على جعل قوة الجيش بحدود 15 ألف عنصرا في أوقات السلم، وأن يكون تطوع الجنود لفترات قصيرة، فبعد الخدمة لمدة سنتين في الأصناف، يتم تحويلهم إلى الاحتياط. في الوقت الحاضر تم التوقف عن نظام التجنيد بالقرعة الذي كان يعمل به في زمن الأتراك، ولم نعمل حتى اليوم على نظام بديل للتجنيد. وهذه بالطبع مسألة سياسية وهي بحاجة اليوم إلى حلول.
يرتبط بموضوع الدفاع وبشكل مباشر ووثيق قضية الأمن الداخلي، وهذه في العراق لها معضلات إستثنائية، نتيجة لمساحة بلادنا الواسعة من جهة، والتوزيع المتشظي للسكان في أنحاء البلاد من جهة أخرى. وهنا كذلك خطونا خطوات جيدة، فتمكنت الشرطة من فرض النظام العام في طريقة لم نكن نحلم بها قبل بضعة سنوات. فهيبة الشرطة والحضوة التي تتمتع بها بين العشائر في تصاعد مستمر، وأصبح طلب المعونة من الجيش للتدخل في بعض الخروقات نادر الحدوث. تتألف قوات الشرطة من حوالي 6000 عنصر، نصفهم تقريباً من الخيالة. وهنا كذلك لا نعاني من أية صعوبة في المتطوعين، وبمساعدة المفتشين البريطانيين يتعزز بإطراد تدريب ضباط الشرطة العراقيين على الإنضباط العالي وابداء روح التعاون والتضامن لهذه القوات. وتقوم مدرسة الشرطة في بغداد بتعليم قوات الشرطة المحلية بالأساليب والتقنيات الحديثة التي تمارس في الغرب بشكل طبيعي لضمان الأمن العام. أزدادت مراكز الشرطة في مدن المحافظات المختلفة لفرض هيبة القانون ؛ ولابد أن أشير هنا بشكل خاص إلى مركز شرطة الرطبة في الصحراء الذي يحمي الطريق عبر الصحراء. والذين يعرفون بغداد منكم سيتفقون معي بأن الشرطة تقوم بعمل جيد في المدينة، على الأقل فيما يخص تنظيم حركة المرور في الشوارع.
أظن أن أفضل وسيلة لتبيان مدى التقدم الكبير الذي حصل في سلطة الدولة هو مقدار ما تحقق من العدالة الإجتماعية والشعور بالأمان لدى المواطنين باللجوء إلى القضاء على حساب الطرق القديمة البالية في الأخذ بالثأر والانصاف من المظالم عن طريق "العرف" و "رجل المعرفة" باعتباره وسيط أو الحاكم في فض الخلافات التي ما زالت تسود بين قبائل البدو. لقد أزدادت بشكل مطرد أعداد القضايا في محاكم الصلح نتيجة تحسن وكفاءة عمل الشرطة من جهة، وبزيادة رغبة المواطنين بتقديم الشكاوى إلى السلطات من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال كان عدد القضايا التي رفعت إلى القضاء في سنة 1925 هو 18152 قضية مقارنة مع 14662 قضية في سنة 1924.
ليس هناك الكثير لأقوله عن تنظيم وعمل المحاكم في العراق، وربما يكفي الإشارة بأن هذه المحاكم تعتبر كفؤة سواء للعراقيين أم للأوربيين، ولا أظن أن العراق سوف يتعرض في يوم ما إلى أية معوقات قضائية وادارية مثلما تعانيه بعض الدول في الشرق الأدنى و الأوسط.
لقد حققنا تقدما كبيرا في مسألة مهمة جداً إلا وهي الصحة العامة. فالكوليرا، وهي كما يعرف البريطانيون بشكل جيد بانه المرض الذي قضى على الجندي الكبير، الجنرال مود، كانت في الماضي خطرا كبيرا يهدد العراق. لكن شكراً لجهود ويقظة دائرة الصحة العامة، وبالأخص قسم الحجر الصحي، فقد تصدت لتلك المخاطر عند زيارتها الأخيرة في سنة 1923. فبدأت في البصرة في هذه المرة حيث دخلت، كما أظن، عن طريق باخرة قادمة من الهند وأستطاعت الزحف إلى بغداد عن طريق النهر. وتوقفت هنا ولم تكن الاصابات بالاجمال أكثر من 184 حالة. هناك أمراض غدارة أخرى لكنها أقل تأثيراً من الكوليرا وهي على الدوام بيننا، فالطاعون الخفيف من الأمراض المتوطنة، ويصاب بها بضعة مئات كل عام في العراق، لكنها لا تصيب الأوربيين. وبوسائل التطعيم نأمل أن نقضي على هذا المرض قريباً. الملاريا التي تظهر في بعض أجزاء العراق هي أكثر من مشكلة، والبلهارزيا والأنكلستوما السائدة في بيئة مماثلة مثل مصر، فبالتأكيد ليست غريبة عندنا، والزحار الأميبي له حصة كذلك على الخصوص في البصرة. لكن يجب أن لا تفهموا من هذه القائمة للأمراض بأن المستوى الصحي سئ في العراق. بعض الحاضرين هنا في هذه الأمسية من أعضاء الجمعية الآسيوية سبق لهم زيارة العراق ويعرفون طبيعة المناخ هناك، فبالرغم من شدة الحرارة في الصيف إلا أنه مناخ صحي، وبجهود أطبائنا الفاعلة في مواجهة تلك الأمراض كما بينت لكم، فنحن على قناعة بتلاشي تأثير تلك الأمراض مستقبلاً. في الوقت الحاضر لدينا أربعة عشر مستشفى في مدن المحافظات، في بغداد والبصرة والموصل هناك أثنان في كل منهما، وهناك مشروع لتأسبيس كلية طبية في بغداد عندما يحين الوقت. وربما علي أن أضيف بأن الحكومة متيقظة لمسألة أمراض العيون، وكذلك مكافحة داء الكلب بطريقة عالية الكفاءة، جرت من خلال معهد باستور في بغداد، ولدينا كذلك معهد ممتاز للأشعة السينية، وكلا المعهدين من المنشأت الحكومية.
يجب أن أقول شئ بخصوص التعليم وأنا أعلم أن أغلب الإنكليز ينظرون إلى الموضوع بريبة. نحن العراقيون، من الطرف الاخر، نعرف ماذا يعني عدمه، وعلى قناعة بأنه العلاج لكافة مشاكلنا. أذا تسمحوا لي أن أقول، أنا معجب بالإنكليز لا لشئ إلا في الطريقة التي أدركوا بها بأن التعليم هو الذي يمنح الإنضباط الشخصي كما يمنح العلم والذكاء الذهني. وإلا فأنه يكون أسوء من لا شئ. ولهذا، وعلى هذا النحو آمل أن تتذكروا بأن ما أقصده بالتعليم هو أكثر من مجرد قراءة الكتب التعليمية أو القابلية والنجاح فى إجتياز الامتحانات الحكومية.
أذا نظرنا إلى احصائيات وزارة التعليم العثمانية التي نشرت في سنة 1915، نجد أن الولايات الثلاث التي تكون اليوم العراق، هي أكثر الولايات العثمانية تخلفاً. في ذلك الوقت لم يكن في الولايات الثلاث سوى 160 مدرسة أبتدائية يأمها 6470 طالباً. اليوم هناك 228 مدرسة أبتدائية يحضرها 22712 طالباً. هذا وحده كافياً ليبين مدى اهتمامنا الحي في الحاجة إلى تهيئة وتدريب أجيالنا إلى المستقبل. وربما يكون هذا التقدم أكثر وضوحاً عندما تعلموا ما أنجزناه من الأعداد المتكامل لهذه المدارس، وأن التعليم لم يعد باللغة التركية كما كان في السابق، وهي بالطبع لغة أجنبية في العراق، وانما أصبح باللغة العربية، وكذلك باللغة الكردية في الولايات الكردية. في التعليم الثانوي كان هنالك أيضاً زيادة وتحسن في الإمكانيات، وقد اتخذنا خطوات كذلك في تعليم الكبار من الأميين الذين يقطنون المدن، بحضورهم إلى الدروس المسائية. هنالك حوالي 2400 من الرجال الذين يتعلمون هذه المدارس المسائية. وبالطبع هناك أكثر أهمية من تعليم الرجال إلا وهو تعليم المرأة. أعتقد، ويمكنني أن أقول ذلك بالنيابة عن جميع العراقيين، بأننا نفتخر بالأنجازات التي تم تحقيقها في تعليم البنات. عندنا الآن مدارس بكفاءة عالية للبنات في بغداد (والمديرة هي سيدة أمريكية)، وفي الموصل والبصرة والعمارة، وأعداد الطالبات الراغبات في الدراسة يحددها فقط الحاجة إلى الأبنية اللازمة ووجود المعلمات. على العموم هناك اليوم، وهنا أقتبس من أحصائية حديثة، 31 مدرسة للبنات يتعلم فيها ما مجموعه 4055 طالبة. أحد الجوانب المهمة في الأرشاد والتعليم في هذه المدارس قد خصص إلى اساليب النظافة ورعاية الأطفال. وربما يجب أن أضيف بأن سيدات من المجتمع البغدادي، بأحساسهن أهمية تحسين وضع المرأة، قمن بتأسيس جمعية تعمل على العديد من النشاطات النسوية بالأضافة إلى أعطاء الدروس المسائية لتحسين تعليمهن. ومع كل هذا ومن آجل منح الفرصة لبعض العراقيين المتميزين، فقد أختير منهم للدراسة العليا في الخارج، في هذه السنة تم أبتعاث ثلاثة وعشرين طالباً للدراسة العليا في مختلف الكليات والجامعات. عشرة منهم إلى بريطانيا وثلاث إلى الولايات المتحدة، منهم أثنان لدراسات الزراعية، وثمانية ذهبوا للدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت من آجل أعدادهم ليكونوا مدراء في المدارس الثانوية.
تواجهنا بعض المشاكل في مجال التعليم، فهناك على سبيل المثال، تعليم أبناء القبائل. يمكن القول بأن ليس هناك حاجة ملحة للتعليم بالنسبة لرجال القبائل مثل ما هو الحال للرجال في المدن. وبالطبع هناك صعوبات واضحة في الطريقة التي يجمع فيها هؤلاء للحضور إلى المدارس، حتى وأن كان ذلك جغرافياً ممكناً من الجهات الأربعة لتوجهات القبائل العربية. ويسرني أن أعلم بأن أولاد شيوخ العشائر قد انضموا أخيراً إلى الكلية الملكية العسكرية في العراق. وهؤلاء سيخضعون إلى تدريب خاص يتناسب مع تأهيلهم، وتشكل نسبتهم اليوم حوالي ثلث طلاب الكلية العسكرية والتي تضم حوالي مئة طالب. وأخيراً، لابد من الإشارة إلى أن مستقبل العراق يكمن في أدراك جميع الطبقات بالأهمية الكبرى للدراسات المهنية، فلا يمكن تنمية الموارد الوطنية في العراق دون تعليم الناس استخدام المكائن والنظم الآلية الحديثة. وحتى يتحقق ذلك، لا يمكن للعراقيين من الوصول إلى استقلالهم الأقتصادي.
سوف لا أطيل عليكم في موضوع الأدارة المالية، لقد سمعتم عن هذا بما فيه الكفاية ولا يسعني أن أضيف على ذلك. لكن هناك بعض المسائل التي تحتاج إلى توضيح. ربما لا تدركون بأن الإدارة المدنية في العراق لها أكتفاء ذاتي وهذا أيضاً يتضمن المساهمة بنصف مصاريف الإدارة البريطانية في العراق. في الحقيقة، ليس فقط أن الميزانية المالية تحقق توازن منذ سنة 1923، بل عندنا فائض كبير إلى حد ما، وهذا بالتأكيد مصدر سعادة وعدم قلق لوزارة المالية. فعلى سبيل المثال، أن ميزانية سنة 1923 كانت 509.41 لكاً من الأيرادات يقابلها 424.27 لكاً من المصاريف، هذا جعل فائضاً قدره 85.14 لكاً من الروبيات. وفي سنة 1924، أزداد الدخل إلى 527.03 لكاً، وترك لنا فائضاً ذلك العام مقداره 65.47 لكاً. في هذه السنة المالية تقدر الإيرادات بحوالي 551 لكاً، والمصاريف أقل 2 لكاً من ذلك. يجب أن أوضح أن هذه الأرقام لا تشمل الأيرادات من ميناء البصرة ومن خطوط السكك الحديدية، فكلاهما مؤسسات بأدارة وتمويل ذاتي. حجم التجارة الخارجية أظهر توجه بزيادة ايجابية، وسجلت الصادرات الإجمالية نمواً من 1.079 لكاً من الروبيات في سنة 1922 الى 1.420 لكاً في سنة 1924. هناك بعض القلق من قضية زيادة الأستيرادات الأجمالية على الصادرات الإجمالية، وحسب الإحصائيات التي أملكها لسنة 1924 فقد بلغت 492 لكاً، لكن الخبراء أوضحوا أن " الصادرات غير المرئية " للعراق حجمها كبير جدا، وهي تتضمن مجمل الانفاق النقدي للقوات البريطانية في العراق والأنفاق على العمالة المحلية والمشتريات من رأس المال الأجنبي، مما لا يدع الى التفكير بأن مصاريف البلد تتجاوز قابليته المادية. هناك بعض المديونيات الباقية والمطللوب تسويتها فيما يتعلق بحصة العراق من الدين العثماني. والتي تبلغ ما قيمته حوالي 5.5% من الدخل القومي. ومن القضايا المهمة جداً في هذا المجال والتي على الحكومة تسويتها هي قضية ملكية الاراضي. فيما يتعلق بشقيها، بفرض الضرائب على الاراضي وتوزيع الاراضي السنية. وهي تخضع الآن الى أهتمام وعناية فائقة. ولابد من ان اضيف كلمة حول السياسة النقدية التي نأمل بأتخاذها. كما تعرفون، تم اعتماد الروبية الهندية في العراق في خلال الحرب العامة، ومن ذلك الوقت أصبحت الروبية هي العملة الرسمية للتبادل التجاري في العراق. ومن الواضح ان اعتماد الروبية له مساؤي اقتصادية، ونحن قررنا الآن مبدئياً اتخاذ التقسيم العشري للجنيه الاسترليني كنموذج للعملة العراقية المقبلة. كان وزير المالية العراقي في لندن في الصيف الماضي لمناقشة هذه القضية مع السلطات المالية البريطانية. وتم الأقتراح على تقديم التشريعات المطلوبة بهذا الخصوص في وقت قريب لتأسيس مجلس العملة العراقية، الذي سيشرف على اصدار النقد العراقي حسب الأصول، مقابل ضمانة الاحتياط الاسترليني. آمل أن تنال هذه الخطوات، ضمان موافقة البرلمان العراقي، لنرى العملة العراقية في وقت قريب في التداول.
في هذه الدراسة الوجيزة لما انجز في العراق في السنوات الخمسة الماضية، كنت مضطراً بعدم التطرق الى كثير من الامور. لكني أظن، أنكم تتفقون معي، بأنه بدأنا العمل بشكل مُرضي لبناء دولة متقدمة في العراق. فالأسس على اية حال قد مدت، وعلى هذا الانجاز ينبغي ان نكون شاكرين. وقبل أن أختم، ربما من واجبي أن اتطرق ببعض الكلمات عن الحياة النيابية في العراق. فبعد صدور الدستور واجراء الانتخابات للمجلس النيابي أبدى الشعب العراقي اهتماما حيويا ومتفاعلا في الامور العامة. وأظهر البرلمان العراقي في العديد من الجلسات نشاطا جديا، واعتدال في المناقشات، تكللت بانجاز العديد من التشريعات الرائعة، التي تحسب له. وفوق البرلمان يقف الملك، وهو رمز للوحدة الوطنية، وبادارته السياسية المحنكة، كسب احترام وود جميع الاطراف. وليس مبالغة في القول بأن في الملك فيصل يملك العراق مفخرة وطنية. فطموحه، الذي يعمل له دون توقف، هو ان يرى العراق، ينعم بالتقدم والازدهار وتأمين السعادة لشعبه.
وأخيراً، لابد لي من تقديم الشكر الخالص، للمساعدات التي تقدمها بريطانيا العظمى للعراق وللموظفين البريطانيين العاملين في الحكومة العراقية، الذين يعملون بكفاءة وحماس في مختلف الدوائر الحكومية. فبدون مساعدتهم، لم يكن لي أن أقدم هذه الصورة المشرقة عن العراق في الوقت الراهن. وأذا كان ممكن أن أضيف كلمة، لهؤلاء منكم، الذين يرغبون بزيارة العراق ومشاهدة بنفسهم ما تم انجازه، باننا على الرحب والسعة. يستطيع السواح والزائرون الآن التنقل بكل راحة وأمان، يتمتعوا بأشعة الشمس والجو الصحو، لينتعشوا بهواء الشتاء في بلدنا، بينما تنتشر حولهم المواقع التاريخية للحضارات القديمة، حيث يزخر العراق بأشهر المعالم التاريخية في العالم
أجمع.