كتاتيب بغداد قديماً

كتاتيب بغداد قديماً

■ حسين شهيد المالكي
في اوائل القرن الماضي كان التعليم في العراق في مراحله الاولى مقتصرا على التعلم في المساجد والجوامع وبعض البيوت البغدادية وفي الكتاتيب على ايدي المعلمين والمعلمات حيث كان يطلــق عليهــم اسـم (الملا) او (الملاية). وقد كتب الاستاذ المرحوم عبد الستار القره غولي تحت عنوان (كتاتيب محلة القراغول ) يقول فيه : فتحنا اعيننا على عدد كبير من معلمي الصبيان يجتمعون كل اثنين او ثلاثة مع طلابهم في دار او مسجد واغلب هولاء المعلمين من الافغان وبعضهم من العرب يقرؤون للطلاب الف باء

ثم القرآن الكريم ومبادئ الخط العربي ومن اشهر هؤلاء الملالي والكتاتيب هم : الملا رشيد وهو حجازي يعلم الاطفال بمسجد القره غول ، والملا فضل الدين كان يدرس الاطفال بداره شتاء وينقلهم الى دار السيد محمد صبحي الدفتري صيفا لان آل الدفتري يصيفون في قصورهم ويعهدون الى الملا فضل الدين ان يسكن دارهم لغرض حراستها.
والملا غني وهو افغاني وكان محل تدريسه في الجامع المسمى ( بجامع الالات) وكان من معلمي الصبيان المشهورين في ذلك الزمان . والملا ميرزا وهو أفغاني أيضا يجيد عدة لغات الانكليزية والفرنسية والافغانية والتركية والعربية ، اضافة الى ذلك كان يتقن صناعات دقيقة كتصليح الساعات وعمل العصي المزخرفة مثل (الخيزران) ويعرضها للبيع في الاسواق فيربح منها ارباحا طائلة، وكان لم يقبل من الطلاب الا أبناء الاغنياء ويتقاضى اجورا باهظة لانه كان من اشهر الملالي واعلمهم في تلك الفترة، واخر من علم الصبيان بجامع القراغول هو عبد الرحمن .
ومن معلمات البنات ( الملاية بدرية) كانت تسكن الدار التي هي ملك ( عبد القادر) ومن العجب انها كانت تعلمهن القرآن الكريم فقط.
وكان الملا عيسى وهو اسمر اللون مربوع القامة على رأسه عمامة بيضاء ملفوفة حول الفينة ، كما يرتدي الزبون العباءة وبيده ( باسطون ) وهي عصا تحمل باليد اعلاها معكوف يدرس الاولاد في غرفة واسعة بجامع حسين باشا ، ويعاونه احيانا السيد كمال السهروردي ، وكان يعلم الصبيان قراءة القرآن ومبادئ الحساب والخط العربي حيث كان يكتب الطلاب على لوحة من التنك بالقصبة والحبر الاسود ثم يغسلها بالماء للكتابة عليها مجددا ، وكان يتقاضى مبلغا من المال من كل طالب شهريا والطالب الذي يختم القرآن يعملون له ( زفة الختم ) من الملا الى داره. وكان الطلاب يجلسون على حصيرة من القصب مفروشة على الارض ، ثم يبدؤون بكتابة الدرس حيث يكتب لهم الملا السطر الاول بكل دفتر وهم يكملون الصفحة. ومن العقوبات التي كان الملالي يعاقبون بها الطلاب هو ايقاف الطالب على قدم واحدة رافعا القدم الاخرى ويبقى هكذا فترة من الزمن يحددها ( الملا) لتناسب الذنب الذي اقترفه الطالب ، او يضع القلم بين اصابع اليد ويعصرها بحيث تسبب للطالب الما قويا ويبدأ بالصراخ على اثرها ، واقسى عقوبة كانت لدى الملالي هي الفلقة.
وكان معظم الملالي لم يتخرجوا من مدارس او كليات بل كانوا ينحدرون من بيوتات علمية وادبية وبعد انتشار المدارس في بغداد وبقية المدن تقلص في البدء عملهم حتى تلاشى بمرور الوقت ولكنهم وضعوا الاسس الاولى للتعليم في العراق.