في ذكرى الرصافي..اوراق وقصائد لم تنشر

في ذكرى الرصافي..اوراق وقصائد لم تنشر

عبد القادر البراك
بانصرام النصف الاول من شهر اذار الحالي يكون قد مر على وفاة الشاعر الكبير المرحوم معروف الرصافي اربعون سنة، لم يقصر الادباء العراقيون في استقبال كل ذكرى وفاة سنوية له عن كتابة المقالات والتعليقات في الاشادة بادبه وشعره وعلمه وكفاحه ضد الاستعمار واعوانه، وما ينبغي للاجيال القادمة ان تفيد مما ترك الشاعر الخالد من روائع الاشعار والافكار.


على ان كل ما نشر في هذا الشان لا يتجاوز التمجيد والتخليد في حين كان المأمول، وقد زالت الظروف التي تحول دون نشر كل ما يتعلق بحياة هذا الشاعر. ان تصدر الدراسات الواسعة عنه.
ولقد حالت ظروف راوية الشاعر وصديقه المرحوم الاستاذ مصطفى علي دون ان يضيف الى عمله المشكور في تحقيق النصوص الكاملة لديوان الشاعر وشرحها التعريف بظروف القصائد التي اشتمل عليها هذا الديوان، او الاعلام الذين لهم علاقة به، خاصة وهي قصائد قيلت في ظروف تعتبر من اهم ما مر بالازمة العربية من ظروف الكفاح منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم الذي جنحت فيه حياة الشاعر الى الغروب.
وقد كان المامول من المسؤولين عن الدراسات الجامعية في القطر ان يوجهوا طلابهم الى كتابة رسائل عديدة عن الجوانب المتعددة لهذا الشاعر قبل ان تزول المعالم والاثار وقبل ان يغادر الحياة معاصروه ممن يعرفون عن الشاعر الشيء الكثير.
اقول لقد كان المأمول ان يستفيد الجامعيون من الفرصة المتاحة لهم في اكثر من مجال – لوضع دراسات عن هذا الشاعر تتكفل بالوفاء له على ما اسداه من ماثر لهذه الاجيال التي عاصرته واستفادت من اثاره. ولكن ما هو مامول ما يزال قائما اذا ما اثارت هذه الاهابة وغيرها همة ابنائنا لتلافي ما قد فاتهم من عمل مفيد لهم ولبلادهم ولتراث شاعر من اكابر شعراء امتهم العربية.
وبعد فاني اهيب بمن يملكون القدرة على البحث ان يسارعوا الى جمع ما هو متناثر من اوراق ورسائل واحاديث تتعلق بهذا الشاعر من معاصريه الاحياء فان جمع هذه المواد المتناثرة كفيل بان يتيح للاجيال الطالعة الوقوف على دراسات جديدة جادة عن هذا الشاعر تخرج من دائرة التبجيل والتمجيد الى دائرة البحث والتمحيص.
وبوسعي ان اقرر ان لدى الاحباء من اصدقاء الرصافي الكثير مما يساعد طلاب الجامعة على كتابة رسائل جامعية عن حياته في جميع جوانبها.
فلقد كان الشاعر يحتفظ باصدقاء كثيرين اودعهم الكثير من اوراقه واسراره واخباره. ولعل ما وقفت عليه مؤخراً بشكل جزءاً قليلا من تراث الرصافي المبدد لدى اصدقائه وعارفيه. وهذا الذي وقفت عليه لا يستهان به، بل ان اقل ما يوحيه هو ان حث الاخرين من الباحثين على السعي للوقوف على امثاله مما يؤلف - لو جمع ووحد – احد اصدقاء الشاعر الحميمين حيث كان الرصافي يودع لديه الكثير بما يعتز به من اثاره، حتى لقد كانت (الوصية) التي اذيعت بعد وفاة الشاعر مأخوذة من المرحوم السنوي.
وكان من بين ما اودع الشاعر صديقه قصائد عديدة بخطه حالت بعض الظروف دون نشرها، وقصائد اخرى تهيات لها ظروف النشر كما ترك لديه تصحيحات لقصائد منشورة في الصحف تختلف عما نشر في الديوان.
وها اني اقدم نموذجين من القصائد المخطوطة مما احتفظت به الفاضلة (ناهدة محمود السنوي) كريمة الرجل الكريم الذي كان موضع ثقة الرصافي في حفظ ما كان يعتز به من تراث. عسى ان اقدم في وقت قريب بعض هذه الاثار التي قد تساعد الشباب الجامعي على ما ادعوهم الى الاضطلاع به من واجب تجاه شاعر العراق الخالد.
وهذا اضعف الايمان.
هذه القصيدة واحدة من عشرات القصائد التي نظمها الشاعر الكبير الرصافي في دار سكناه الموقت الذي اختاره في الاعظمية بعد ان دك المستعمرون البريطانيون دار سكناه في (الفلوجة) بقنابلهم خلال احتلالهم الثاني للعراق بعد اجهاضهم ثورة الجيش والشعب ضدهم في مايس 1941 بقيادة المرحوم السيد رشيد عالي الكيلاني.
ومعاني القصيدة تعرب عما كان يدور في نفوس الشعب من حقد وغضب وثورة ضد المستعمرين الذين خانوا بعهودهم ووعودهم للعرب وتنكروا لحقوقهم في الحرية والاستقلال والتقدم والتطور في جميع مضامين الحياة.
وقد نهج الشاعر في نظمها نهج اسناده الخالد الذكر (المعري) في (لزوم مالا يلزم) مع صعوبة ممارسة هذا النهج على من كان في حالة الرصافي يومذاك حيث كان يكابد الى جانب الفقر والمرض والتشرد ملاحقة الاعداء والرقباء لمن كانوا يرتادون بيته من الاصدقاء والمعجبين.
هذه المقطعات ليست هذه المقطعات جميعاه مما نظمه الرصافي اثر هجرته الى الاعظمية الا ان الشك لا يساورني في ان الاولى مما نظمه في تلك الفترة واما الثانية فانها مما سبق له نظمه قبل هذه الهجرة على انه دون هذه المقطعات مع قصائد ومقطعات مماثلة كثيرة مثلها ليودعها لدى صديقه العزيز المرحوم السيد محمود السنوي.

جريدة الجمهورية 1985