صوت بيتهوفن وصورة موتر على الشاشة الموسيقية

صوت بيتهوفن وصورة موتر على الشاشة الموسيقية

فوزي كريم
هذه هي المرة الاولى التي اختبر فيها العالم الموسيقي في اسطوانة DVD المرئية والمسموعة. انها وريثة الفيديو من دون شك ولكن بقفزة نوعية في الصورة والصوت معاً. كلاهما مدهش الوضوح والدقة بصورة يصعب وصفها من دون تجربتها. وهي مدهشة في استيعاب الوقت، لأن الاسطوانة الواحدة تسع اوبرا بكاملها لثلاث ساعات، واذا ما قصرت الاوبرا أوالكونسيرت عن ذلك فإن الفراغ عادة ما يعبأ بتوثيق حول المؤلف او العازف او قائد الاوركسترا.

فتكون المتعة والفائدة مضاعفة كما ان هذه الـDVD يمكن ان تسمع من دون صورة شأن الـCD. ولا تكلف المستهلك ما تكلفه تلك.

هذه فضائل التقنية، التي تجعل مستمعا مثلي، بين عشية وضحاها، يقدر ان يجلس امام الشاشة الصغيرة ليعبر محيط سوناثات بيتهوفن العشرة لآلة الفايولين مع البيانو، بالاضافة الى فيلم توثيقي حول السوناثات من دون ان يشعر بانه قطع قرابة ست ساعات في بحر غير ارضي، باستثناء الدقائق التي تمليها الحاجات الارضية، من شربة شاي الى آخره.
اصدارات الـDVD للموسيقى الكلاسيكية بدأت مؤخرا، واجتاحت بفترة قصيرة عالم الفيديو، الذي يتوقع انقراضه عام 2005، وهي مثل موجة اسطوانات الـCD سرعان ما بدأت تستحوذ على مجالات العروض الموسيقية النقدية الطابع، لأنها بدأت تزاحم اصدارات الـCD لدى الشركات الكبرى مثل «دويج غرامافون"الالمانية. ساعات الاختبار لهذه الاسطوانة بدأت، كما قلت مع سوناثات بيتهوفن العشرة التي اصدرتها Deutche Grammaphon مؤخرا في اسطوانتين تمتد الاولى الى 176 دقيقة والثانية 160، وتتضمن فيلماً وثائقياً تحت عنوان «عش مع بيتهوفن"يدور حول تجربة عازفة الفابولين الالمانية الشهيرة «آن ـ صوفي موتر» مع سوناثات بيتهوفن على امتداد سنوات عشر، ومع كونشيرتو الفايولين البيتهوفني قبل ذلك.
كانت صوفي موتر صغيرة السن حين قدمها في السبعينات قائد الاوركسترا الشهير «كارايان"الى العالم. انها تتحدث عن أول لقاء اختباري معه حين عزفت امامه لدقائق، صرفها بعدها ووعدها بلقاء اختباري آخر بعد سنة. وتتحدث عن نشوة النجاح بين يديه مع كونشيرتو الفايولين الذي رفعها الى مصاف النجوم. بعدها عُرفت موتر بتوقها الدائم الى الكمال ومزيد من الجدية. في عام 1998 كرست جهدها الموسيقي لبيتهوفن، فبدأت جولة عالمية لعزف السوناثات مع عازف البيانو لامبيرت اوركس، لا على مسارح العالم بل في استوديوهات التسجيل الصوتي والصوري ايضا. وفضلا معا تسجيل هذه السوناثات بتتابعها التاريخي لكي يلقيا ضوءا على تطور مسار بيتهوفن في هذا الفن عبر خمسة عشر عاما من عمره، منذ كان تلميذا لهايدن، ثم عبر مرحلته الوسطى الثائرة ذات الهوى الايقاعي المتميز، حتى مرحلته المتأملة الاخيرة (سوناثا مصنف 96) ان ثمرة هذه الرحلة التطورية رائعة المذاق، لأن المستمع ـ على حد قول موتر ـ بعد قطع مراحل السوناثات التسع يكون على درجة عالية من الاستثارة والاجهاد، بعدها يبدو احوج ما يكون الى السوناثا العاشرة والاخيرة، حيث هدأة السلام والراحة، تماما بشأن متسلق الجبل لاستراحة القمة.
في مرحلة موتسارت وبيتهوفن كانت هناك سيادة واضحة لآلة البيانو، حتى في العمل الثنائي مع آلة الفايولين التي تعزف على يمينها، او الثلاثي مع آلة التشلو على يسارها. واشارة موتسارت الى ثنائياته على انها سوناثا البيانو بصحبة الفايولين، دليل على ذلك ولكن بيتهوفن ثائر مغير على عادته كسر هذا القيد وجعل الآلتين متكافئتين ورفع من شأن الحوار بينهما، حيث لا تبعية.
ما عزز هذا التكافؤ بين عازفي هذا الفن هو ريادة عازف بيانو مثل شنابل مع عازف فايولين مثل كارل فليش، او رودولف سيركن مع ادولف بوش مطلع النصف الاول من القرن العشرين.

كل لحظات بيتهوفن الجدية وكل مداعباته تستحق اكثر من استعادة، ولكن بين هذه السوناثات العشر تبقى الخامسة «الربيع"والتاسعة «كروتزر"اكثرهن شهرة فالخامسة مع انها وضعت مع الرابعة في مزاج تأليف واحد، تبدأ بلحن على الفايولين شديد الاضاءة والنقاهة، وبسببه سميت السوناثا باسم «الربيع»، وهي مبهجة ومداعبة (في الحركة الثالثة، حيث ادخل بيتهوفن حركة «سكيرتسو لأول مرة، وتعني الدعابة) في السوناثا التاسعة «كروتزر"(اسم عازف فايولين اهداها بيتهوفن اليه بعد ان كانت مهداة الى عازف آخر هو برج تاور) ندخل نسيجا يتطلب مهارة عزف عالية ـ كمهارة موتر ـ بالحركة الاولى ذات اللحن الغامض، الذي سرعان ما يتفجر حيوية، ثم يختلط بلحني اغنية عذبة وبالحركة الثانية البطيئة التي تعتمد فن التنويع.. الخ.
السوناثا العاشرة تنفرد بالخصيصة الرفيعة مثل ثلاثية «الأرسيدوف» الشهيرة. اكمل بيتهوفن صياغتها عام 1816 تحت تأثير عازف الفايولين الفرنسي «بيير رود"وشأن اعمال مرحلته الباطنية الاخيرة، تبدأ الحركة الاولى بلحن هادئ يتسع شبحه ليشمل الحركات الاربع التالية، ومن ضمنها حركة الاداجيو الثالثة التي ينفرد بها البيانو باللحن الفريد.
العازفة الالمانية «آن صوفي موتر» تبدو هنا صنيعة عالم بيتهوفن. رشاقة يدها واستقامة جسدها وتقطيبة ملامحها تنتسب اليه جملة، ولا يهن «اوركس» عازف البيانو عن الملاحقة.
عن صحيفة المدى