فريد الأطرش.. ملك تقاسيم العود

فريد الأطرش.. ملك تقاسيم العود


إلياس سحّاب
قبل أربعين عاماً، في مثل هذه الأيام من شهر ديسمبر/كانون الأول، رحل في أحد مستشفيات ضواحي بيروت (سن الفيل) الفنان فريد الأطرش، بعد أن أتم الرابعة والستين من عمره. ومع أن فريد الأطرش هو سوري الأصل، وتوفي في لبنان بعد أن قضى فيه سنواته الأخيرة، فإنه أوصى أن يدفن في القاهرة، إلى جانب ضريح شقيقته الفنانة الكبيرة أسمهان، فكان له ما أراد.


ظهر الفنانان فريد الأطرش وأسمهان في القاهرة بعد أن ارتحلا إليها مع عائلتهما في عام1923 حين بدأ العصر الذهبي بعد رحيل سيد درويش في العام نفسه، الذي تربع على عرشه كل من أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وزملائه من عباقرة التلحين، مثل زكريا أحمد ومحمد القصبجي ورياض السنباطي.
لكن ظهور أسمهان الفني سبق ظهور شقيقها بفترة قصيرة، إذ إن صوتها هو الذي لفت أولاً أسماع كل من داود حسني وفريد غصن ومحمد القصبجي. لكن براعة فريد في العزف على العود وهو في سن مبكرة، عادت فلفتت إليه أنظار وأسماع كبار الفنانين، فوجد طريقه إلى أشهر المرابع الفنية التي كانت تقدم في تلك الأيام أصحاب المواهب الجديدة، مثل كازينو ماري منصور وكازينو بديعة مصابني، كما أن هذا الظهور المبكر لفريد الأطرش تصادف مع ولادة إذاعة القاهرة في العام،1934 حيث بدأ يقدم فيها بعض وصلاته الغنائية القصيرة. ثم ما لبث أن ازدهر في القاهرة في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات عصر السينما الغنائية، الذي دشنه ولمع فيه كل من عبدالوهاب عام 1933 بفيلم"الوردة البيضاء"وأم كلثوم،1935 بفيلم"وداد".
كان طبيعياً أن يبدأ كل من فريد الأطرش وشقيقته أسمهان طريقهما في السينما جنباً إلى جنب، فقدما فيلماً لاقى يومها نجاحاً جماهيرياً بارزاً، هو"انتصار الشباب"، لكنه كان الفيلم المشترك الوحيد بينهما، إذ قامت أسمهان بعده ببطولة فيلم"غرام وانتقام"أمام يوسف وهبي، ورحلت باكراً.
فريد الأطرش، وبعد استيعاب أحزانه التي لم تنطفئ يوماً على شقيقته أسمهان، عاد فتحول إلى جانب محمد فوزي، نجمين أولين في الأفلام الغنائية، إلى جانب كارم محمود ومحمد أمين وغيرهما، حتى تجاوزت أفلام فريد الأطرش في آخر حياته الثلاثين، بل قاربت الأربعين فيلماً، ظهرت أمامه فيها كبريات نجمات السينما المصريات، وعلى رأسهن فاتن حمامة، في فيلم"لحن الخلود"، وأشهر راقصات العصر الذهبي مثل تحية كاريوكا وسامية جمال.
الإذاعة كان لها حظ من فن فريد الأطرش كملحن ومطرب كبير، حين قدم لها روائعه المطولة مثل"أول همسة"و"يلا سوا"و"عيني بتضحك"، و"ساعة بقرب الحبيب"وسواها.
أدمن فريد الأطرش أيضاً عادة الحفلات الغنائية الموسمية، التي ظل مجلياً فيها، حتى ظهور نجم الغناء الجديد عبدالحليم حافظ في الخمسينات، فاشتد التنافس بينهما في حفلاتهما الموسمية، خاصة مع قدوم فصل الربيع. وقد تحول هذا التنافس رغم حدته وضراوته غير المحببة في بعض الأحيان، إلى موسم غنائي، راح يغني الغناء المسرحي العربي إلى جانب الموسم الدائم لحفلات أم كلثوم، وبرنامج"أضواء المدينة"الغنائي الإذاعي الشهير.
اتخذ عبدالحليم حافظ في هذا التنافس موقفاً متواضعاً في أحد الأيام، فقال إنه لا يستطيع منافسة زميله فريد الأطرش لأنه مطرب فقط، أما فريد فهو مطرب وملحن. لكن ذلك كان مجرد كلام لم يخفف يوماً من حدة التنافس الشرس بينهما.
وكان فريد الأطرش يمارس عادة شهيرة في حفلاته المسرحية، فيجعل ظهور عوده على المسرح قبل ظهوره، ويقدم عليه في كل مرة وصلة من التقاسيم التي تثير الشهية الفنية للجماهير، وبقيت موسماً ثابتاً لآلة العود الأصيلة، فنال لقب"ملك العود"وتقاسيمه.
اشتهر فريد الأطرش بعلاقاته الدافئة مع جميع زملائه الفنانين، كما مع كبار وصغار الصحفيين، وعرف في تلك العلاقات بحالة من الكرم الحاتمي التي ميزته واشتهر بها. لكنه كان يمارس حياته بإقبال شديد عليها، لم يراع فيه صحته، حتى إنه ارتحل عنا في عمر صغير نسبياً، إذ لم يتجاوز الرابعة والستين من عمره، بعد أن تحول إلى واحد من أركان الجيل الثاني من كبار الملحنين العرب مع محمد فوزي ومحمود الشريف وأحمد صدقي، بعد جيل محمد القصبجي الأول ورفاقه عبدالوهاب والسنباطي وزكريا أحمد.
أما في الغناء، فرغم تمتع فريد الأطرش بصوت شديد الحنان، وشديد اتساع المساحات الصوتية، فقد كانت مبالغته في أسلوبه الحزين حتى الاكتئاب، تنفر منه بعض مستمعيه، وإن كانت تجذب إليه الآخرين، لذلك بقي أسلوبه الغنائي فريداً كاسمه، لا يقلده فيه أحد حتى يومنا هذا، مع قدرة من التملك من فنون الطرب العربي.

عن صحيفة النهار اللبنانية