مواد البناء وحملة الإعمار

مواد البناء وحملة الإعمار

محمد صادق جراد
أفرز الواقع العراقي الجديد جملة من المستجدات في مجالات البناء والعمران أدت الى زيادة الطلب على مواد البناء بجميع أنواعها ومناشئها نظراً لوجود بعض التطورات التي استجدت منذ 2003 ولحد الآن.
حيث شهدت العديد من المحافظات حملات إعمار وحتى تلك التي تسمى ساخنة بدأ سكانها

بترميم بيوتهم التي طالها الإرهاب او العمليات العسكرية الأمريكية إضافة الى التحسن الملحوظ في رواتب بعض الموظفين والعسكريين والذي ساهم في زيادة حملات البناء وكل هذا ساهم بدوره بارتفاع أسعار المواد الإنشائية بغياب التوافق بين العرض والطلب ولعجز القطاع الحكومي في توفير هذه المواد نظرا لتعطيل الكثير من المعامل التي كانت تزود السوق بهذه المواد كمعمل الحديد والصلب ومعامل السمنت والطابوق الأمر الذي جعل الحكومة العراقية تفتح المجال للمستوردين العراقيين من إدخال المواد من خارج العراق وبمناشئ مختلفة إلا إن غياب الرقابة الحكومية عن هذه المواد ساهم في ارتفاع أسعارها إضافة الى استيراد بعض المواد من مناشئ غير جيدة.
وحسب ما تقدم يمكننا ان نلخص أهم أسباب ارتفاع أسعار المواد الإنشائية بما يأتي
1-توقف المعامل الأهلية والحكومية على حد سواء والتي تنتج هذه المواد نظرا لسوء الأوضاع الأمنية على مدى السنوات الماضية وخاصة 2006 ما شكل نقصا مهما في الإنتاج المحلي الذي كان يساهم بدرجة كبيرة في سد الحاجة وينافس المناشئ الأخرى وخاصة في مادة السمنت حيث عرف السمنت العراقي بالجودة إضافة الى أسعاره التنافسية على مدى السنوات التي سبقت سقوط النظام.
2-زيادة الطلب على مواد البناء أدى الى ارتفاع أسعارها لان الطلب كان اكثر من المعروض بكثير ولم تتحقق الجدلية الاقتصادية المعروفة العرض والطلب وذلك لان حملات الإعمار على المستوى الحكومي والأهلي تزامنت مع شحة المواد في الأسواق نظرا لتوقف إنتاج المعامل كما ذكرنا في الفقرة (1) ولان الكثير من المواطنين بدأوا ببناء وحدات سكنية بعد التحسن الحاصل في الوضع الأمني وفي مستوى دخلهم.ويمكن ان نلاحظ ان البعض من العائلات بدأت تتطلع لاستغلال كل المساحات التي تمتلكها في بيوتهم بما فيها الحدائق لبناء بيوت صغيرة تستفيد من إيجارها كدخل جديد يعين الأسرة على مواجهة الظروف المعيشية، وان زيادة أسعار مواد البناء التي يتحملها المواطن ستؤدي بالتالي الى ارتفاع الإيجارات التي تقع على عاتق المؤجرين من الذين لا يمتلكون وحدات سكنية أصلا ويواجهون صعوبات كبيرة في مواكبة الارتفاعات المستمرة في بدل الإيجار الذي يرتبط طرديا بزيادة أسعار مواد البناء.
3-غياب الرقابة الحكومية عن المواد التي دخلت العراق عن طريق استيراد التجار العراقيين لها من دول أخرى ما جعل المستورد يتحكم بالسعر والنوعية التي تتناسب مع حصوله على الربح الوفير.
4-ارتفاع أسعار الوقود الذي يؤدي بدوره إلى زيادة أجرة النقل التي يدفعها المواطن جراء نقل المواد الى موقع العمل وشمل ذلك جميع المواد بما فيها الحصو والرمل وحتى تراب الحدائق المتوفر في مدننا.
من الأهمية بمكان أن نذكر هنا ان الحكومة لديها العديد من المعالجات الا انها لم تكن كافية لمعالجة الأسباب التي أدت الى ارتفاع الأسعار، حيث سعت الحكومة إلى تزويد المواطنين ببعض المواد الإنشائية عبر وزارة الصناعة وخاصة مادة السمنت والحديد إلا ان نسبة ما تقدمه لا يشكل اي مستوى من الفائدة نظرا لقلتها ولعدم مواكبتها لأسعار السوق فجاءت في معظمها متساوية مع أسعار السوق وربما أغلى منه أحيانا ما جعل المواطن يترك هذا الجانب ولا يعتمد عليه في مواجهة الغلاء في الأسعار.
من جانب آخر سمحت الحكومة للمستوردين استيراد المواد الإنشائية من الخارج إلّا ان هذه العملية تحتاج إلى مراقبة حكومية من قبل هيئات خاصة تجعل من هذه المواد واستيرادها حلا للازمة وليس عاملا مساعدا على تفاقمها حيث نلاحظ ان استغلال البعض من التجار الجشعين ساهم في زيادة أسعار المواد خلال السنوات الأخيرة.
والاهم من كل ذلك يجب إعادة العمل في معامل المواد الإنشائية العراقية وتوفير كل مستلزمات النجاح لها من اجل ان تنتج ما يساهم في توفير هذه المواد في الأسواق لتوازي الطلب الكبير عليها.كما يجب إدخال هذه المعامل ضمن الخطة الاستثمارية القادمة، وبالفعل جرت في مقر وزارة الصناعة والمعادن مراسيم توقيع عقد استثماري بين الشركة العامة للسمنت الجنوبية من جهة وشركتي لافارج الفرنسية والرواد العراقية من جهة أخرى لإعادة تأهيل وتشغيل معمل سمنت كربلاء وفق مبدأ المشاركة بالإنتاج والصعود بالطاقة الإنتاجية له من (300) ألف طن سنوياً الى (1.8) مليون طن سنوياً..
ونعتقد انها خطوة بالاتجاه الصحيح ونتمنى المزيد من العمل الجاد لمعالجة المعوقات في هذا الميدان لنساهم في اعمار العراق ونساعد الناس على بناء وترميم احلامهم التي يحاولون تحقيقها منذ عقود طويلة.