طبل الصفيح.. كوبولا و شلندروف

طبل الصفيح.. كوبولا و شلندروف

علاء المفرجي
يشدد الكثير على الفصل بين الرواية والفيلم بوصفهما وسيطين مختلفين، والسؤال هنا كيف يتم هذا الفصل؟ هل قدم الفيلم الرواية كما اختمرت بمخيلة مبدعها أو برؤية جديدة؟ وأي الرأيين أصوب، حماسة الكثير من النقاد الذين راحوا يبالغون في قدرة السينما اللامتناهية على احتضان الفنون القديمة، أم أولئك الذين يرون ان السينما تدين في قدرتها هذه الى الأدب الذي لا يجارى في التعاطي مع مخيلة المتلقي.. أسئلة كثيرة تحاول ان تسهم في فك هذا الاشتباك،

ومع كل ذلك لا تستطيع مثل هذه التنظيرات ان تتجاهل العلاقة القديمة بين السينما والأدب أو أن تغض النظر عن أعمال أدبية رفعتها المعالجة السينمائية الى مرتبة الخلود، أو عن أفلام أصبحت شواخص في تاريخ السينما بفضل موضوعاتها الأدبية.
الفترة الأخيرة شهدت عودة لنقل الروايات الأدبية الى السينما مستفيدة من التطور المذهل في التقنية السينمائية نذكر منها (الحب في زمن الكوليرا) لماركيز و(ستكون هناك دماء) لاينون سنكلير و(التكفير) لايان ماكيوان، وأيضاً (شيفرة دافنشي) لدان بروان و(العطر) لزاسكند وغيرها.
لابد ان نشير الى ان ثمة روايات لا يجرؤ السينمائيون الأذكياء على الدنو منها لأنها محرقة لهم، كما يرى الناقد إبراهيم العريس، وان تم ذلك فهو يكون أما على حساب القيمة الأدبية أو على حساب القيمة السينمائية.. ألم يرفض ماركيز أفلمة روايته (مئة عام من العزلة) حتى مع وجود سينمائي كبير مثل انتوني كوين، وهناك روايات أضافت لها السينما نجاحاً جديداً وأعمالاً أدبية خذلتها السينما وأخرى مغمورة رفعتها الى مصاف الشهرة والانتشار.
(الطبل الصفيح) رواية للألماني غونتر غراس عالجتها السينما على يد المخرج الألماني الكبير فولكر شلندروف وقد دخل هذا الفيلم قائمة كلاسيكيات السينما، والمفارقة ان هذا الفيلم انتزع (سعفة كان) الذهبية نهاية سبعينيات القرن المنصرم مع تحفة سينمائية أخرى هي (القيامة الآن) لفرنسيس كوبولا، ووجه المفارقة ان الفيلمين استمدا موضوعيهما من عملين أدبيين مهمين، ولعل ذلك هو العنصر الأهم في نجاحهما.
(الطبل الصفيح) لشلندروف يستمد من رواية غونتر غراس الأهم موضوعه وقد أبدع في معالجة موضوعة الرواية على الرغم من فرض رؤيته الخاصة على النص الأدبي، كان شديد الالتزام بناءً على شرط غراس نفسه بالواقعية الحادة التي ميزت العمل الأدبي.. وتعتمد الرواية- الفيلم على مذكرات القزم (اوسكار) التي يكتبها في مصحة عقلية عن جانب من التاريخ الألماني الذي تميز بصعود هتلر والنازية ثم سقوطهما المدوي من خلال سيرة (القزم) وقراره بإيقاف نموه وهو في سن الثالثة من عمره احتجاجاً على عالم الكبار الذي صنع الحرب وكرس بشاعتها ثم استئناف نموه بعد انتهاء الحرب ليواجه مجتمع ما بعد الحرب المنغمس في السعي الى الثراء والاقتناء والاستهلاك.
اما (القيامة الآن) لكوبولا الذي اختارته مجلة (امباير) المتخصصة كأفضل فيلم في تاريخ السينما على الإطلاق، فقد اعتمد مخرجه فيه معالجة تعد الأهم في المعالجات السينمائية للإعمال الأدبية من خلال تناول رواية الكاتب الإنكليزي جوزيف كونراد (قلب الظلام).. معالجة كوبولا لهذا العمل تمت بنقل أحداثه الى فيتنام خلال فترة الوجود الأميركي هناك، حيث يتابع المشاهد تفاصيل وأهوال هذه الحرب عبر (150) دقيقة استغرق العمل بها خمسة أعوام.
معالجة كوبولا وخلافاً لشلندروف اعتمدت ثيمة محدودة من هذا العمل واشتغلت عليها بوصفها المحور الذي قام عليه البناء الدرامي.