أناييس نِن في مختارات من يومياتها عاشت الحياة بامتلاء وإيثار

أناييس نِن في مختارات من يومياتها عاشت الحياة بامتلاء وإيثار


شكيب كاظم
وانا اقتني كتاب (اناييس نن اليوميات. مختارات) الذي نقلته الى العربية، الروائية والقاصة والكاتبة العراقية المغتربة لطفية الدليمي، والصادرة طبعته الاولى عن دار المدى للثقافة والنشر سنة 2013.
اتوقع ان اقرأ شيئا من تلك اليوميات التي اشار اليها هنري ميللر في الكتاب الذي حوى اعترافاته والذي ذكرته آنفا، فضلا عما قرأته عنها واذ كنت اعلم ان يوميات اناييس نن،

اضاءت عقود عمرها السبعة، ولاسيما سنوات عقود الثلاثينات وحتى السبعينات، وهي التي تمثل سنوات وعيها وتأثيرها، وتقع في مجلدات عدة، او كما تصفها المترجمة لطفية الدليمي في مقدمتها للكتاب بـ(جبل من الكراسات التي اودعتها اناييس في احد بنوك (بيركلي الشهيرة) لكن صفحات الكتاب التي تقترب من مئتي صفحة، جعلتني احدس ان الدليمي اختارت خلاصة الخلاصات من هذه اليوميات، وهو ما تأكد عندي وانا اقرأ مقدمتها للكتاب تاركة الاحاديث المنفلتة، التي قد لا تأتلف مع ذوق المجتمعات العربية، واقفة عند خصيصة من خصائص هذا المجتمع التي لا تفصل بين حياة الكاتب وما يكتب، او بين المترجم وما يترجم، وجعله متماهيا مع كتاباته.
نظرة قاصرة
لذا فان الكاتبة المترجمة لطيفة الدليمي، ومن اجل النأي بنفسها عن هذه النظرة القاصرة لمجتمعاتنا لنتاجات المبدعين قررت ترجمة اليوميات التي تعد جزءا من توجهات تلك العقود، وارهاصاتها ورأيها بالعديد من المبدعين والسياسيين الذين التقت بهم وعقدت صداقات معهم، واضعين في الحسبان ان اناييس نن، كانت اشبه بصاحبة صالون ثقافي يؤمه المبدعون فضلا عن انها كانت تقترب من سلوك الشاعر ازرا باوند، الذي عرف عنه سعيه لتقديم المعونة والمساعدة، لمن يطلبها من اصدقائه الادباء، والمساعدة في نشر مخطوطاتهم وهو يشعر بالسعادة حين يكتشف كاتبا عبقريا مجيدا، ولم يتردد ان يلجأ الى الاغواء او الضغط بهدف ان يكتب اولئك الذين يعنونه بطريقة جيدة، كما كان مسكونا بالرغبة الحارة في ان يكتب هو ايضا شيئا جيدا، وهذا ما كان يقوله صديقه الشاعر ت. اس. اليوت، وقد قرأت ذلك في كتاب جميل عنوانه (متاهات. نصوص وحوارات في الفلسفة والادب) ترجمه الاديب التونسي حسونة المصباحي وراجع الترجمة العبقري العراقي الدكتور قدامة الملاح، ونشرت طبعته الاولى في بغداد سنة 1990، وهذه اناييس نن، وقد هرب اصدقاؤها قبل نشوب الحرب، هنري ميللر الى اثينا، والشاعر الثوري غونزالو مع زوجته هيلبا الى سان ترويز، فقد كانت تتجول بين مكاتب البريد بعد ان تلقت اموالا عن حقوق نشر كتبها كي ترسلها اليهم، لم يكتف هنري بالحصول على مساعدات من اناييس، بل انه يكلفها ان تأخذ اشياءه الثمينة ومخطوطاته من المطبعة، لان بقاءها في باريس مجازفة كبرى (...) المخطوطات ذات قيمة عالية مذكرا اياها بانه يرغب في ترك هذه الاشياء لها، وموصيا اياها اذا ما غادرت باريس نحو امريكا، بسبب ظروف الحرب، بأن تأخذ مخطوطاته وكتبه معها.
اسلوب بدائي
رأيها بالروائي هنري ميللر، انه يحب باسلوب بدائي، يستمتع، يأخذ، ينتفع، من غير ان يمنح شيئا من نفسه، كل الاشياء يجب ان تكون من اجله ومن اجل عمله ولفائدته الشخصية ومهنته وشهواته ومباهجه، في حين كانت تحدس ان اندريه بريتون (المتوفى خريف سنة 1966)، هذا الاديب السريالي، بل موجدها وقد جاء لزيارتها، انه سيغمرها باجواء شاعرية ويثير حساسيتها وحدوسها، وينشط اجواء حياتها، لكنها وجدته رجلا عقلانيا، يروي اقواله بنوع من القدسية والمهابة، اشبه بملك يتحدث الى الرعية وليس كزميل فنان يتحدث الى فنان مثله.. تراجع ص186 وتصف (ادموند ويلسون) بانه ناقد تقليدي غير ملهم.
تصف الشاعر الشيلي بابلو نيرودا الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1971، الذي توفي بسبب اصابته بالسرطان سنة 1973، واستغل اعداد الانقلابيين الذين وثبوا على السلطة بانقلاب عسكري قاده الجنرال اوغستينو بينوشيت في الحادي عشر من ايلول سنة 1973، وازال حكم المدني الذي وصل الرئاسة عن طريق صناديق الانتخاب (سلفادور اللندي) استغل اعداء الانقلابيين موت نيرودا، زاعمين قيام الانقلابيين بقتله، هذا الامر الذي ظل يعتمل في الصدور حتى صدر امر في نيسان 2013، باستخراج الجثة وفحصها للتأكد من اسباب موته ظهرت النتائج انه توفي بسبب استفحال المرض الخبيث الذي اودى به. اناييس نن تصفه بالبدانة وشدة الشحوب، ثم القى قصائده بصوت باهت واهن، وفي موضع آخر تصفه بالشحوب والترهل والاضطراب، كانوا يلقبونه (يوغرت) (اي اللبن) بسبب شحوب لونه، تراجع ص95 – ص120 في حين تبدي اعجابها بالاديب البريطاني (لورنس داريل) صاحب روايتي (حقل الحيوان) و(1984) وزوجته (نانسي) ما ادهشتني لاول وهله.. عيناه.. كانتا حادتين متوقدتين نبوئيتين، كان طفلا في اهاب رجل عجوز (...) كان التواصل بيني وبين داريل فوريا – شعرت بالصداقة منذ النظرة الاولى مع حاجة ملهوفة للحديث. ص127 فضلا على رأيها بالعديد من الادباء والكتاب والسياسيين، الذي لم تصل نتاجاتهم الينا ولم نتعرف اليهم.
ان الاديبة لطفية الدليمي، وقد نقلت الينا مختارات من يوميات اناييس نن، نائية بنفسها عن نقل يومياتها الصريحة فاننا لنطمح ان يتولى المغامرة بترجمة يومياتها وذكرياتها الصريحة، احد مترجمينا الحذاق للتعرف عن كثب على خلجات ونوازع هذه الكاتبة التي جاءت شهرتها من خلال نشر هذه اليوميات.