مع شاكر خصباك وقصصه

مع شاكر خصباك وقصصه

غائب طعمة فرمان
الذي أعرضه على القارئ الكريم الآن هو (صراع) لقصّاص عراقي شاب ولا أكون مغالياً إن قلت إنه خطا خطوة رائعة في مضمار القصة العراقية. بعض المآخذ يبرز بين القصة العربية الناجحة عالي الرأس.


والمؤلف شاب له أحلامه ونزعاته وميوله ونفس متوقدة حساسة تستلهم الحياة فيبرز لنا نواحي خير ما يقال فيها إنها تقع في محيطنا ولكننا نتغاضى عنها لأننا نحفل دائماً بالحوادث والمفاجآت.. بأقاصيص البطولة والشجاعة. أما الحوادث الصغيرة الساذجة الغنية بالأحاسيس والانفعالات النفسية فإننا نضرب كشحاً عنها ولا نعيرها أي التفات. لكن الأستاذ شاكر خصباك يدرك تمام الإدراك هذه الحقيقة في فن القصص فنراه لا يحفل بالحوادث والمفاجآت بل يخلق من الحوادث الصغيرة عملاً فنياً بإطار من التحليل النفسي، ويخلق الجو المشوّق الذي يدفعك إلى الاعتراف بأن للكاتب موهبة فنية ووعياً عاماً في جميع الأمور.. وأغلب أقاصيص الأستاذ شاكر حافل بهذا النوع من التحليل النفسي. وتلك فضيلة أسجلها للمؤلف من غير إجحاف. ففي الكتاب أقاصيص أول ما يطالعك فيها تحليل نفسي موفق وجو قصصيّ كامل وموهبة فنية رائعة وحياة عامرة بالمشاعر وحركة في نبض الحس وفيض الشعور. وخلاصة المطاف أن هذا الكتاب نصر جديد للقصة العراقية ومحاولة موفقة لإنشاء قصص عراقية ناجحة في رأي الفن ورأي الحقيقة».
ولقد كتب غالب طعمة فرمان مقالاً آخر عن (صراع) في مجلة (العالم العربي) المصرية دافع فيه عن الكتاب ضد هجوم شنّه عليه فؤاد الونداوي، وهو الكاتب الوحيد الذي هاجم الكتاب، ومما قال فيه: «لا ريب في أن الأدب العراقي الحديث يحتاج إلى كثير من الرعاية وإلى كثير من نكران الذات وإلى كثير من الإخلاص لكي يستكمل شخصيته ويكوّن كيانه ويصبح ذا طابع قومي صادق. والمعلوم أن النقد الأدبي -في معناه المتداول- يقف حكماً عادلاً ومرشداً موجهاً للأدب يقوّم معوجّه ويحكم عليه حكماً لا يميل مع الهوى ويوجّه الكاتب إلى مواضع الضعف فيه وينبّهه إلى مواقع الجودة والبراعة. وفيما عدا تلك الأحوال لا يعتبر الكلام المتحامل المهدم المفتري نقداً أدبياً بل هو معول للهدم يورث الحقد ويزرع بذور الشقاق والنفاق ولا يكسب الأدب منها شيئاً. وأعيذ الأدب العراقي الحديث بالحق من شر هذه الآفة.
إذا سلمنا بذلك كانت كلمة السيد فؤاد الونداوي في عدد مجلة (النفير) الصادرة في 15/1/1949 عن كتاب (صراع) لشاكر خصباك ما هي إلا تحامل لا مبرّر له وهدم لا يورث إلا الحقد. وكل منصف قرأ تلك الكلمة رأى أثراً مما يبعث في الصدور المخنوقة المهشمة من الغيظ. ولا يقف أمام أعيننا إلا معنى واحد لهذه الكلمة وهو أن الكاتب يحمل للمؤلف ضغناً وحقداً وموجدة.. والأدب يأبى أن ينحط إلى درك التقاذف والسباب والتحامل والحقد. وقد ساءني كثيراً أن أقرأ هذه الكلمة لاسيما وأننا في بدء نهضتنا الأدبية. وإن طبيعة الدور الذي يمرّ به أدبنا يستلزم منّا الصدق في القول والإخلاص في الحكم والالتجاء إلى مقاييس شريفة عادلة حين نحكم على الأشياء. ولكن بعضنا من أمثال الونداوي يضرب صفحاً عن تلك البدهيات ويلتجئ إلى ما في قلبه من حقد وبغض ويجعلها مقياساً للحكم والنقد. فكيف نعلل وجود مثل هذا التحامل؟ فإما أن يكون المتحامل جاهلاً أو أن يكون حاقداً وكلا الأمرين بليّة وآفة. فليس للجاهل الحق في الكتابة وليس للحاقد الحق في إلقاء الأحكام. وعندي وعند كل الناس أن الحاقد جاهل وليس أدل على ذلك من إبراز حقده في مواضع مقدسة. والحقد ينشأ من أن يكون الحاقد أدنى مرتبة من المحقود عليه أو ذو مواهب لا يستطيع أن ينالها الحاقد. وكل تلك الأشياء تقف أمام قارئ تلك الكلمة.
ولست بصدد إلقاء حكمي على الكتاب فلي مقالة فيه ستنشرها مجلة (الرسالة) وهناك أضع محاسن الكتاب ومعايبه. ولكنني أمام كلمة آلمتني فأجرت على قلمي هذه الكلمات وكل شيء لا يبررها أبداً. بل إنها أوقفتني أمام شيء ممقوت وهو الكراهة. فالسيد الونداوي ألقى أسدالاً على قلبه ووجدانه وخط هذه الكلمة الشوهاء وأبرز هذا الحقد المقيت. فإذا بذلك الإنتاج المبارك الذي يستحق كل تشجيع وتقويم ورعاية (مفاجأة سيئة)... لماذا؟! لا لسبب، فالأديب المتحامل لم يعلل لنا ذلك ولم يقنعنا بل حاول تحطيم الكتاب وتمزيقه إذا صح أن مثل تلك الكلمة تحطم كاتباً وتمزق كتاباً.. إن مثل أحكامك الجائرة هذه يا سيدي الكاتب لا يجوز أن تنشر لأن القارئ يقرأ الكلمة ولا ينتهي إلى شيء، بل كل ما هنالك بعض الألفاظ التي أعتقد أن الأديب المتحامل لم يفهمها بل جاءت على لسانه لا لشيء إلا لأنها متداولة شائعة على ألسنة الأقلام. ولأنها لا تكلف جهداً ولا تشتري بطاقة بل هي خلاصة (الموضة) العصرية في اصطناع النقد.. فالحقيقة أن معظم القصص التي اشتمل عليها الكتاب تنمّ عن موهبة عظيمة وتبرز جهداً مشكوراً، ولكن المتحامل لم يقل هذا بل راح يتحامل من غير سبب.. وقد لاحظت التكلف الوارد في آخر الكلمة ظاهراً جلياً. ولست أدري ما الصلة بين الحكم على الكتاب وبين نقد ناجح للمؤلف لبعض الكتب. إن كل ذلك يبرهن على أن كلمة الونداوي عبارة عن تحامل لا مبرر له».
مجلة الرسالة المصرية1950