حوار مطوّل مع الروائي ماريو فارغاس يوسا:أنا أكتب لأنني تعيس.. و الكتابة هي  الوسيلة لمحاربة التعاسة

حوار مطوّل مع الروائي ماريو فارغاس يوسا:أنا أكتب لأنني تعيس.. و الكتابة هي الوسيلة لمحاربة التعاسة

هذا حوار طويل مع الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا،اجرته معه مجلة باريس ريفيو الادبية،وفيه يتحدث الروائي عن مواضيع كثيرة،عن قراءاته وعلاقته بكبارالكتاب في امريكا اللاتينية، وعن فن الرواية واسلوبه في الكتابة وطريقة عمله، والروتين اليومي الصارم الذي يلتزم به بشدة،في الحوار دروس مهمة ومفيدة في الكتابة الابداعية

الصحفي:انت كاتب معروف،وقراؤك مطلّعون جيدا على كتاباتك،فهل يمكن ان تخبرنا ماذا تقرأ؟
فارغاس يوسا:لقد حدث شيء غريب لي في السنين القليلة الماضية،فقد لاحظت ان قراءاتي للكتاب المعاصرين تقل شيءا فشيءا،في حين تزداد قراءاتي لكتاب قدامى اكثرفاكثر،فانا اقرأ لكتّاب القرن التاسع عشر اكثر بكثير من كتّاب القرن العشرين،وفي هذه الايام فان اتجاهي نحو الكتب الادبية اقل من ذاك الذي نحو المقالات وكتب التاريخ،وانا لا اعير اهتماما بالسبب الذي يدفعني لان اقرأ ما اقرأ،فاحيانا تكون الاسباب مهنية،مشاريعي الادبية ترتبط بالقرن التاسع عشر،مثل مقالة حول رواية البوساء لفكتور هيجو،او رواية من وحي حياة فلورا ترييستان المصلحة الاجتماعية البيروفية الاب وفرنسية الام، ورائدة الحركة النسوية ولكن اعتقد ان السبب ايضا يكمن في انك عندما تكون في الخامسة عشرة او الثامنة عشرة من العمر،فانك تشعركما لوان كل الوقت الموجود في العالم ملكك وطوع أمرك ولا زال امامك،وعندما تبلغ الخمسين من العمر،حينها تدرك ان ايامك اصبحت معدودة،ويجب ان تحسن الاختيار،وهذاالسبب في اني لا اقرأ كثيرا للكتاب المعاصرين
الصحفي:ولكن هناك من بين معاصريك من تقرأ لهم،فبمن انت معجب بالتحديد
يوسا:عندما كنت شاباً،كنت قارئا شغوفا لسارتر،انا اقرأ للروائيين الامريكان،وعلى وجه الخصوص جيل الراحلين منهم،همنغواي،فيتزجيرالد،دوس باسو-وفوكنر على وجه الخصوص،ومن المؤلفين الذين قرأت لهم ايام شبابي وهو من القلة التي تعني لي الشيء الكثير،هو الكاتب ارنست همنغواي،والذي لااشعر بالاحباط اذا ما اعدت قراءة اعماله،،بالنسبة لسارتر فانا حاليا لا اعيد قراءة اعماله،وبالمقارنة مع ما قرأته من بعده،فان رواياته تبدو قديمة وفقدت الكثير من قيمتها،اما مقالاته،فانا أجد ان اغلبها قد بات اقل قيمة،باستثناء واحد ربما هو كتابه -القديس جينيه -والذي لا زلت معجبا به حتى الان،فاعمال سارتر مليئة بالتناقضات والغموض والتشتت وعدم الدقة،وهذا غير موجود مثلا عند فوكنر،كان فوكنرهو الروائي الاول الذي قراءت له ممسكا بيدي الورقة والقلم،لاني كنت مأخوذا بتكنيكه الفني،وهو الروائي الاول الذي حاولت بوعي ان اعيد صياغة اعماله،محاولا اقتفاء اثره،على سبيل المثال،في تنظيمه الوقت،تداخل الزمان والمكان،التغيرات في السرد،والقدرة التي يمتلكها على رواية القصة من وجهات نظر مختلفة،من اجل ان يخلق غموضامعينا،وليمنحها عمقااضافيا،وباعتباري من امريكا اللاتينية،فانا اعتقد انه كان من المفيد جدا بالنسبة لي قراءة كتبه لانها تمثل ثروة عظيمة من تقنيات الوصف التي تنطبق على عالم ليس مختلفا الى حد ما عن ذلك الذي وصفه فوكنر،وفيما بعد طبعاً،قرات اعمال روائيي القرن التاسع عشر،بشغف شديد،فلوبير،بلزاك،دوستوفسكي،تولستوي’،ستاندال،هوثورن،دييكنز،مييلفييل،ولازلت قارئا نهما لكتاب القرن التاسع عشر
من المدهش ان الامر لم يكن كذلك فيما يتعلق بادب امريكا اللاتينية،، الى ان عشت في اوربا حيث بدأت اكتشفه فعلاً،وبدات اقرأه بحماس كبير،وكان عليّ ان اقوم بتدريسه في الجامعة في لندن،وكانت تلك تجربة غنية جدا،لانهاارغمتني على التفكير بكل ادب امريكا اللاتينية،ومنذ تلك اللحظة، بدأت اقرأ بورخس،والى حد ما كنت واسع الاطلاع على اعماله،كاربنتير،كورتازار،غوميراس روسا،لازاما ليما،ذلك الجيل باكمله ماعدا ماركيز،فقد اكتشفته فيما بعد،وحتى اني ألفت كتابا عنه وبدات اقرأ ايضا ادب امريكا اللاتينية في القرن التاسع عشر،لانه كان ينبغي عليّ تدريسه،فادركت حينها اننا نمتلك كتابا مهمين الى حد كبير،ربما الروائيون اقل شأنا من الشعراء وكتاب المقالات،فسارمينتو على سبيل المثال والذي لم يكتب رواية واحدة،يعد في رأيي،واحدا من اعظم رواة الحكايات اللذين انجبتهم امريكا اللاتينية،فكتابه فاكوندو هو عمل رائع،ولكنني اذا ارغمت على ان أختار اسما واحدا،فيجب ان اذكر بورخس،لان العالم الذي خلقه يبدو لي عالما حقيقيا واصيلا بشكل مطلق،والى جانب اصالته العالية،فانه يمتلك موهبة الخيال الواسع والثقافة التي تعبر عنه بوضوح وبشكل فريد من نوعه،وهناك ايضا توجد لغة بورخس،والتي نوعا ما تكسر تقاليدنا،وتفتح الباب تقاليد جديدة،فاللغة الاسبانية لغة تنحو نحو الاثراء والغزارة والوفرة،وكتابناالعظماء كانوا جميعا يكثرون في الاطناب،من سرفانتس الى اورتيغا غاسيت،من فال انليكان الى الفونسو رايس،لكن بورخس كان على عكس ذلك،يوجز ويقتصد وكان دقيقا،انه الكاتب الوحيد في اللغة الاسبانية يملك افكارا بقدر ما يملك من كلمات،انه واحد من اعظم الكتاب في عصرنا
الصحفي:ما هي علاقتك ببورخس؟
يوسا:رأيته للمرة الاولى في باريس،عندما كنت اقيم في بداية الستينات،كان هناك للمساهمة في ثلاث حلقات دراسية عن الادب الغاوتشي،بعدها اجريت معه مقابلة للمحطة الاذاعية التي كنت اعمل فيها في ذلك الحين،ولا زلت اتذكره بمودة،بعد ذلك،التقينا عدة مرات في اماكن مختلفة من العالم، والتقينا حتى في ليما،حيث دعوته على العشاء،في نهاية العشاء طلب مني ان اخذه الى دورة المياه،وهناك قال لي فجأة هل تعتقد ان الكاثوليك جادون؟من المحتمل...لا
المرة الاخيرة التي رأيته فيها كانت في بيته في بوينس ايرس،قابلته في برنامج تلفزيوني كنت اعده في بيرو وتولّد لدي شعور بانه ممتعض من بعض الاسئلة التي طرحتها عليه،ومن الغريب انه اصبح غاضبا بسبب،انني بعد المقابلة(خلال المقابلة كنت طبعا ماخوذاً الى حد كبير ليس بسبب اعجابي به فحسب،ولكن ايضا بسبب الحب الكبير الذي احمله لذلك الرجل الساحر والرقيق)قلت له انني مندهش من تواضع منزله لحيطانه المتقشرة بفعل الرطوبة والقدم والتشققات في السقف،ولكن ذلك على ما يبدو قد جرح مشاعره كثيرا،رأيته بعد ذلك اكثر من مرة وكان باردا جدا معي،اخبرني اوكتافيو باث انه كان ممتعضا جدا من تلك الاشارة الخاصة بمنزله،كان ذلك هو الشيء الوحيد الذي ربما آلمه لانني عدا ذلك كنت طوال المقابلة لا افعل سوى كيل المديح له،انا لا اعتقد انه قام بقراءة كتبي،وحسب ما ذكر فانه لم يقراء لكاتب واحد على قيد الحياة منذ بلوغه الاربعين،كان فقط يقراء ويعيد قراءة الكتب ذاتها،ولكني كنت معجبا به كثيرا ككاتب،وليس هو الوحيد طبعا،فبابلو نيرودا شاعر استثنائي ورائع،وهناك اوكتافيو باث وهو ليس شاعر عظيم فحسب،بل كاتب مقالات كبير،فهو يكتب ببراعة في السياسة والفن والادب،واهتماماته عالمية،ولا زلت اقرأ له بمتعة كبيرة،اضف الى ذلك ان افكاره السياسية مماثلة تماما لافكاري
الصحفي:لقد ذكرت نيرودا من بين الكتاب الذين اعجبت بهم،وكنت صديقه فكيف كان يبدو؟
يوسا: نيرودا كان عاشقا للحياة،كان مفتونا بكل شيء-الرسم،الفن بشكل عام،الكتب،المطبوعات النادرة،الطعام،الشراب،وكان الاكل والشرب يمثل له تجربة روحية،كان شخصا محبوبا بشكل رائع،ملييء بالحيوية،طبعا هذا اذا تغاضيت عن قصائده في مديح ستالين،فقد عاش في نظام شبه اقطاعي،وحيث كل شيء يؤدي الى بهجته،الى عشقه الكبير لحلاوة الحياة،لقد اتيحت لي فرصة جيدة لقضاء احد عطل نهاية الاسبوع معه في ايسلا نيجرا،لقد كان امرا رائعا،ققد كانت تعمل من حوله ما يشبه المنظومة الاجتماعية،حشود من البشر تطبخ وتعمل،ومئات من الضيوف،كان مجتمعا مرحا جدا،حيوي بشكل لا مثيل له،وليس هناك ادنى أثر للجدية الصارمة،كان نيرودا بالضبط النقيض تماما لبورخس،الرجل الذي لا يبدو عليه ابدا انه يشرب او يدخن او حتى يأكل،الرجل الذي قال انه لم يمارس الحب ابدا،فبالنسبة لبورخس فان جميع هذه الاشياء تعتبر ثانوية تماما،واذا حدث وان مارسها فيكون ذلك بلا تهذيب ولا شيء اكثر من ذلك،وذلك يعود الى ان الافكار والقراءة والتأمل والابداع كانت هي كل حياته،كانت حياة عقلية خالصة، في حين ان نيرودا قد سار على خطى افكار وتقاليد جورج امادو ورفائييل البرتي التي تقول ان الادب هو نتاج التجربة الحسية في الحياة
انا اتذكر اليوم الذي احتفلنا فيه بعيد ميلاد نيرودا في لندن،اراد ان نقيم الحفل على ظهر قارب في نهر التايمز،ومن حسن الحظ ان احد المعجبين به وهو الشاعر الانكليزي الاستير ريد كان يسكن في قارب على نهر التايمز،لذلك فكنا قادرين على تنظيم الحفل،وحل الموعد واعلن نيرودا بدء حفلةالشراب ،،و كانت هناك كمية هائلة من المشروبات لم اتمكن من معرفة عددها،والله وحده يعلم الاشياء الاخرى،والنتيجة كانت طبعا رائعة،فقد كان قدحا واحدا من الشراب كفيل بان يجعلك تسكر،لذلك كنا جميعا سكارى بدون استثناء،ومع ذلك،لا زلت اتذكر ماذا قال لي حينها،شيءا ما برهن على انه حقيقة عظيمة على مر السنين،في ذلك الوقت كانت هناك مقالة -لا استطيع تذكر ما كانت بوجه الخصوص-قد ازعجتني واثارتني لانها كانت تشتمني وتلفق الاكاذيب حولي،فقمت باعطائها لنيرودا،وفي منتصف الحفلة قال لي نيرودا وكأنه يتنبأ،ستصبح مشهورا اريدك ان تعرف ما الذي ينتظرك،فكلما اصبحت مشهورا اكثر كلما تعرضت للانتقاد اكثر،فمقابل كل مديح تحصل عليه سيكون هناك شتيمتان او اكثر،وانا شخصيا تعرضت لكل انواع الشتائم والخباثات والخسه وعندي صندوق مليئ بها،مما لا يستطيع تحمله اي انسان،حتى لم يعد هناك مكان لاي واحدة منها،فقد وصفوني بالسارق،المنحرف،الخائن،البلطجي، الديوث...كل شيء فاذا اصبحت مشهورا فعليك ان تواجه كل ذلك.
نيرودا قال الحقيقة،فقد اثبتت نبوءته صحتها تماما،فلم يصبح عندي صندوق مليء بالشتائم فحسب بل عدة حقائب مليئة بالمقالات التي تحوي كل شتيمة معروفة
الصحفي:وماذا بشأن غارسيا ماركيز؟
يوسا:لقد كنا اصدقاء،وكنا جارين لمدة عامين في برشلونة،كنا نسكن في نفس الشارع،وفيما بعد حدث وان افترقنا لاسباب سياسية وشخصية،ولكن السبب الاساسي في افتراقنا هو مسائل شخصية ليس لها علاقة بمعتقداته الايديولوجية،والتي لم اكن موافقا على اي منها،في رأيي فان كتاباته ومواقفه السياسية ليست بنفس الجودة،ودعنا فقط نقول انني معجب كثيرا باعماله ككاتب،وكما قلت من قبل فقد ألفت كتابا من ستمئة صفحة عن اعماله (ماركيز..قصة محطم الآلهة)،ولكني لا اكن احتراما كبيرا له شخصيا،ولا لارائه السياسية،والتي تبدو غير معقولة بالنسبة لي،انا اعتقد انها انتهازية ولاغراض دعائية
الصحفي:هل المسائل الشخصية التي ذكرتها لها علاقة بحادثة السينما في مكسيكو،حينما زعم انك تشاجرت معه ولكمته؟
يوسا:كانت هناك حادثة في مكسيكو نعم،ولكن هذا موضوع لست معنيا بمناقشته،لقد فسح المجال للكثير من التخمينات،وانا لا اريد ان اعطي المزيد من المواد للمعلقين،اذا كتبت مذكراتي ربما ساتحدث عن القصة باكملها
الصحفي:هل تختار مواضيع كتبك ام هي التي تختارك؟
الوسا:بقدر ما يعنيني الامر،فانا اعتقد ان الموضوع هو الذي يختار الكاتب،كان عندي دائما شعور ان هناك قصصا معينة تفرض نفسها عليّ،ولا يمكنني تجاهلها،بسبب انه وبطريقة غامضة نوعا ما،فان لها علاقة بنوع من الخبرة الاساسية،وحقيقة لا استطيع ان اقول كيف،فعلى سبيل المثال،فان الفترة التي قضيتها في المدرسة العسكرية في ليما حين لا زلت شابا جعلتني في حاجة حقيقية ورغبة ملحة لان اكتب،وكانت تجربة مؤلمة كثيرا،ومن عدة نواحي كانت مؤشرا على نهاية طفولتي،واعادة اكتشافي لبلدي،كمجتمع عنيف،مليء بالقسوة،ومكوناته الاجتماعية والثقافية والعرقية،في تناحر كامل،يصل احيانا الى اقتتال ضار فيما بينها،اعتقد ان تلك التجربة كان لها تأثير عليّ،شيء واحد فقط انا متاكد منه انها خلقت عندي الحاجة الملحة للخلق والابتكار
والى الان،وهذا الامر ينطبق على الاغلب على جميع كتبي،لم اتخلى ابدا عن الشعور بانني قررت بشكل عقلاني وبدم بارد ان اكون كاتب قصص،وبالعكس فهناك احداث معينة او اناس معينين،واحيانا احلاما معينة او قراءات معينة،تفرض نفسها عليّ بشكل مفاجئ،وتثير الانتباه،هذا هو السبب في اني اتحدث كثيرا عن اهمية العناصر الحسية وغير العقلانية تماما في عملية الخلق الادبي،وهذه اللاعقلانية يجب ايضا كما اعتقد ان يدركها القارئ،انا ارغب ان تقرأ رواياتي بنفس الطريقة التي اقرأ بها الروايات التي احبها،والروايات التي تسحرني كثيرا هي تلك التي تصلني عن طريق أقل ما يمكن من قنوات العقل والمنطق وتاخذني الى عالمها،انها تلك القصص القادرة على تدمير جميع ملكاتي النقدية بشكل كامل بحيث اتركها هناك تترقب،ذلك هو النوع من الروايات التي احب ان اقرأها والنوع من الروايات التي احب ان اكتب،اعتقد انه من المهم جدا ان العناصر العقلانية،والذي يكون حضورها حتمي في الرواية،تذوب في الاحداث،في القصص التي يجب ان تفتن القارئ ليس بافكارها بل بالوانها،بالعواطف التي تستثيرها،بعناصر المفاجاءة التي فيها،وبكل الغرابة والغموض القادرة على توليدها،وفي رأيي فان تكنيك الرواية موجود بشكل جوهري لخلق ذلك التأثير،للتقليل او اذا امكن الغاء المسافة بين القصة والقارئ،وبهذا المعنى،انا كاتب من القرن التاسع عشر،فالرواية لا زالت بالنسبة لي هي رواية المغامرة،والتي تقرأ بتلك الطريقة المحددة التي وصفتها
الصحفي:هل يمكنك ان تحدثنا عن عاداتك في العمل،كيف تعمل؟كيف تولد الرواية عندك؟
يوسا:اولا وقبل كل شيء،انه حلم يقظة، نوع من استرجاع ذكرى شخص ما، موقف ما والتأمل والتفكير بهما،شيءا لا يحدث الا في الذاكرة فقط،عندها ابدأ بكتابة الملاحظات،وملخصات لتتابع السرد،شخص ما يدخل المشهد هنا،يغادر الى هناك،يفعل هذا الشيء اويفعل ذاك الشيء،وحين ابدأ بالعمل في الرواية نفسها،فاني ارسم مخطط عام لحبكة الرواية،والذي لم اتبينه ابدا،وقد اغيره تماما اثناءسير العمل،ولكن تلك الخطوة هي التي تمكنني من أن اشرع في كتابة الرواية،ثم ابدأ بجمعها سوية،وبدون ادنى انشغال بالاسلوب،اكتب واعيد كتابة نفس المشهد،واقوم باجراء توافق وانسجام بين مواقف متناقضة تماما
المخططات الاولى للرواية قد تساعدني، وتطمئنني،ولكن ذلك الجزء من مراحل الكتابة هو الذي اقضي معه اصعب اوقا تي،عندما اكون في تلك المرحلة،فانني اعمل بحذر شديد،و اكون دائما غير متاكد من النتيجة، النص الاول يكتب في حالة شديدة من القلق والتوجس،وحالما انتهي من تلك المسودة (والتي يمكن احيانا ان تاخذ وقتا طويلا،فبالنسبة لرواية (حرب نهاية العالم)فان المرحلة الاولى استغرقت سنتين تقريبا)،فان كل شيء يتغير،وعندها ادرك اين تكون القصة، مدفونة في اعماق ما ادعوه عصارة فكري،ومع ان الفوضى تشيع بالكامل في تلك العصارة،لكن الرواية موجودة هناك،مفقودة في وسط فوضى متألفة من عناصر ميتة،ومشاهد زائدة سوف تختفي او مشاهد تتكرر عدة مرات،ومن وجهات نظر مختلفة،من شخصيات مختلفة،انها فوضى شديدة ولكنها تتوضح عندي فقط،ولكن القصة تولد من تحت ذلك كله،وعليك ان تعزلها عن البقية،تزيل عنها الشوائب،وذلك هو الجزء الاكثر امتاعا من العمل،ومنذ تلك اللحظة فصاعدا،اكون قادرا على العمل لساعات طويلة بدون القلق والتوتر الذي يصاحب كتابة المسودة الاولى،انا اعتقد ان ما احبه ليست الكتابة بحد ذاتها،بل اعادة الكتابة،الحذف،التصحيح....اعتقد انه الجزء الاكثر ابداعا في عملية الكتابة،انا لم اعرف ابدا متى انتهي من كتابة قصة،فالقطعة التي اعتقد انها ستاخذ مني عدة اشهر فقط،تاخذ مني احيانا عدة سنين لاكمالها،وبالنسبة للرواية التي تبدو انها اكتملت بالنسبة لي،فعندما ابدأ اشعر بذلك،فان لم اسارع لأنهيها حالاً،فانها ستستولي عليّ وتأخذ بتلابيبي.اما عندما اصل الى حد الاشباع،وحين اشعر بالاكتفاء،وحين لا استطيع ان ستزيد منها اكثر،تكون القصة حينها قد اكتملت
الصحفي:هل تكتب بيديك،ام بالآلة الكاتبة،ام انك تبادل فيما بينهما؟
يوسا: اولاً انا اكتب باستعمال يدي،انا اعمل دائما في ساعات الصباح،وفي ساعاته المبكره،ودائما ما اكتب بيدي،فهذه هي الساعات الاكثر ابداعا،وانا لا اعمل ابدا اكثر من ساعتين،لان يدي تتشنج،ثم ابدأ بطباعة ما كتبته،اقوم باجراء تعديلات على طول ما اكتب،هذه ربما المرحلة الاولى من اعادة الكتابة،ولكني دائما ما اترك سطور قليلة غير مطبوعة الى اليوم التالي،واستطيع ان ابدأ بطباعة نهاية ما كتبت في اليوم السابق،العمل على الالة الكاتبة يعطيك ديناميكية معينة،فهو مثل تمارين الاحماء.

الصحفي:كان همنغواي يستخدم نفس التكنيك فدائما كان يترك الجملة مكتوبة الى النصف،حتى يمكنه جمع خيوطها في اليوم التالي
يوسا:نعم،كان يعتقد انه لم يكتب ابدا كل ما كان يدور في عقله،لذلك فان بامكانه ان يبدأ بسهولة اكبر في اليوم التالي،الجزء الاصعب كما كان يبدو لي دائما هو البداية،في الصباح،اعاود الاتصال مرة اخرى بشخوص واحداث ما كتبت،و يعاود القلق ذاته يتملكني حينها،ولكن اذا كان لديك شيءا ميكانيكيا لتفعله،فهذا معناه ان العمل قد بدأ بالفعل،الآلة بدات بالعمل،وعلى اية حال،انا لدي جدول عمل صارم جدا،فانا ابقى في مكتبي من الصباح حتى الساعة الثانية ظهرا، هذه الساعات مقدسة بالنسبة لي،ولكن هذا لا يعني انني طوال الوقت اكتب،فاحيانا اراجع ما كتبت او ادوّن ملاحظات،ولكني ابقى بانتظام في العمل،وهناك بالطبع ايام جيدة في الكتابة وايام سيئة،ولكني اعمل كل يوم لانني حتى لو لم يكن عندي اية افكارا جديدة،فانني اقضي الوقت باجراء التصحيحات ومراجعة ما كتبت،وتدوين الملاحظات..الخ..احيانا اقرران اعيد كتابة قطعة مكتملة،فقط لكي اغير وضع النقط والفواصل
اعمل في كتابة الرواية من يوم الاثنين حتى يوم السبت،واخصص صباح يوم الاحد لعملي الصحفي،المقالات والابحاث،واحاول ان اجعل هذا النوع من العمل خلال الوقت الممنوح لي صباح الاحد حتى لا يؤثر على عملي الابداعي بقية ايام الاسبوع،احيانا استمع الى بعض الموسيقى الكلاسيكية اثناء كتابة الملاحظات،طالما لا توجد هناك اغاني،وهذا الشيء بدأت افعله عندما كنت اسكن في بيت مليئ بالضجيج الى حد كبير،في الصباح انا اعمل لوحدي، لا احد يأتي الى مكتبي،ولا اقوم حتى باجراء مكالمات هاتفية،فلو اني فعلت،فان حياتي ستتحول الى جحيم،انت لا يمكنك تخيل كم من المكالمات الهاتفية تأتيني وكذلك الزوار،فعنواني لسوء الحظ متاح للجميع
الصحفي:ولم يحدث ابدا انك خرقت هذا الروتين الصارم؟
يوسا:كما يبدو فانا لا استطيع،انا لا اعرف كيف اعمل على نحو مختلف،فلو اني ابقى انتظر لحظات الالهام فلن استطيع الانتهاء من تأليف حتى كتاب واحد،الالهام بالنسبة لي يأتيني من خلال الجهد المنتظم،هذا الروتين يسمح لي بان اعمل سواء كنت مسرورا ام لا
الصحفي:فيكتور هيجو،من بين كتاب اخرين،كان يؤمن بقوة الالهام السحرية،غابريل غارسيا ماركيز قال انه بعد سنين من الصراع اثناء كتابة(مائة عام من العزلة)فان الرواية قد كتبت نفسها بنفسها في رأسه خلال رحلة بالسيارة الى مدينة اكابولكو،انت قلت لتوك ان الالهام بالنسبة لك هو نتاج الانضباط في العمل،ولكن هل حدث وان تعرفت على (ومضة الالهام)المشهورة تلك؟
يوسا:لم يحدث لي ذلك ابداً،فالشروع في الكتابة عملية اكثر بطئا بكثير،في البداية هناك شيء ما ضبابي،حالة من التأهب والحذر والفضول،شيء ما اتبينه في الضباب والغموض الذي يثير اهتمامي ويخلق عندي فضولا وإهتياج، وحينها يترجم نفسه الى عمل،بطاقات ملاحظة، خلاصة حبكة،وحين تجهز عندي الخطوط العريضة،وابدأ بوضع الاشياء بالترتيب،فان شيءا ما شيءا متشتتا جدا،ضبابيا جدا يستمر في الالحاح،(الومضة)تحدث فقط اثناء العمل،واصعب مرحلة في العمل،هو معرفة الوقت المناسب،الذي تستطيع فيه ان تطلق العنان لذلك الاحساس الطاغي لتلك القدرة المثيرة على ان تبوح وتفصّل الاشياء وتدمجها وتنيرها.عندما اصل الى لب الحكاية،والتي كنت قد عملت عليها لبعض الوقت،حينئذ نعم،سيحدث شيء ما،فلن تغدو القصة متسمة بالبرود ولا غريبة عني،بالعكس،فهي تصبح نابضة بالحياة للغاية،ومهمة الى الحد الذي يجعل كل شيء اتعلمه واختبرته موجود فقط في العلاقة مع ما اكتبه،كل شيء اسمعه،اقرأه،أراه يكون بشكل او باخر مساعدا لي في عملي،ولكن لاجل الوصول الى هذه المرحلة،ينبغي عليّ ان اقوم بالتنفيس عن العمل،انا اعيش نوعا من حياة مزدوجة على الدوام،فانا اقوم بالاف الاشياء المختلفة ولكني دائما اسيطر بعقلي على عملي،ولكن من الواضح ان ذلك العقل يصبح احيانا وسواساً وعصبيا،حينها اقرر مشاهدة فلم سينمائي مما يجعلني اشعر بالاسترخاء،وفي نهاية يوم عمل شاق،وحين اجد نفسي في حالة شديدة من الاضطراب،فان مشاهدة الفلم تجعلني في حالة جيدة جدا

الصحفي:الكثير من اعمالك كتبت خارج وطنك بيرو،فيما يمكن ان نطلق عليه تسمية المنفى الاختياري،وقد اعلنت انت ذات مرة ان سبب عظمة رواية البوساء لفكتور هيجو كونه كتبها خارج بلاده،،ان يجد المرء نفسه بعيدا عن(دوار الواقع)هو بطريقة او باخرى،فيه فائدة في اعادة تشكيل الواقع نفسه،هل وجدت ان الواقع يكون مصدرا لذلك الدوار؟
يوسا:نعم،في بعض الحالات لم اكن قادرا ابدا ان اكتب عن ماهو قريب مني،قربي من المكان يكبلني،بمعنى انه لا يسمح لي ان اعمل بحرية،ان من المهم جدا ان تكون قادرا على العمل بحرية كافية تسمح لك بتغيير الواقع،بتغيير الناس،بجعلهم يتصرفون بشكل مختلف،او ان تدخل عناصر شخصية في السرد،تدخل اشياء عفوية واعتباطية تماما،وتلك مسألة جوهرية تماما،هكذا يكون الابداع،اذا كان الواقع ماثلاً امامك،فيبدو لي انه سيكون قيدا يكبلك،انا احتاج دائما مسافة معينة،فترة فاصلة،وهو الافضل، في كل من الزمان والمكان،بهذا المعنى،فان المنفى يصبح مفيدا جدا،لان بسببه،اكتشفت الانضباط،اكتشفت ان الكتابة هي عمل ووظيفة،والجزء الاهم في الموضوع انها التزام،والبعد المكاني،مفيد ايضا لانني اؤمن بالاهمية البالغة للحنين بالنسبة للكاتب،ولنتحدث بصراحة،فان الغياب عن مكان الموضوع يخصّب الذاكرة،فمثلا عندما تناولت بلادي(بيرو)،في روايتي البيت الاخضر،فلم يكن الامر وصفا له ،بل وصفت بيرو كشيء كان يحن اليه رجل محروم من وطنه (بيرو) ويشعر برغبة جارفة نحوه،وفي نفس الوقت،فانا اعتقد ان الابتعاد يخلق رؤية مفيدة،فهو يوجزلنا الواقع ذلك الشيء المعقد الذي يصيبنا بالدوار،انه من الصعب جدا ان تختار او تميز بين ما هو مهم وما هو ثانوي،فالابتعاد يجعل ذلك التمييز ممكنا انه يخلق التصنيف الضروري بين ماهو جوهري وماهو عابر.

الصحفي:وهل جعلك الادب غنياً؟
يوسا :كلا،انا لست رجلا غنياً،اذا ما قارنت ما يحصل عليه الكاتب من دخل بدخل رئيس شركة،او برجل كوّن لنفسه اسما في احدى المهن،او لمصارع ثيران في بيرو،او رياضي مشهور،فسوف تجد ان مهنة الادب ذات دخل منخفض
الصحفي:كنت في احدى المرات قد ذكرت ان همنغواي كان يشعر بالفراغ والحزن،والسعادة في نفس الوقت حينما ينتهي من كتابة احد كتبه،ما الذي تشعر به في مثل تلك الظروف؟.
يوسا:الشيء ذاته بالضبط،حينما انهي كتابا،اشعر بفراغ،وبالضيق،لان الرواية باتت جزءاً مني،ويوما بعد يوم،ارى نفسي قد حرمت منها،مثل مدمن قد ترك شرب الخمر،شيء ما ليس من السهولة اخفائه او التغاضي عنه،الحياة نفسها وعلى حين غرة تقتطع مني،والعلاج الوحيد هو بان انكب حالا في عمل جديد،وهو امر ليس من الصعب فعله ما دام عندي الاف المشاريع اهتم بها،ولكني سرعان ما اعود الى العمل حالابدون وضع انتقالي،وبذلك لا اسمح للفراغ ان يتسع بشكل اعمق بين الكتاب السابق والكتاب التالي.

الصحفي:لقد أتينا على ذكر بعض الكتاب التي نالت اعمالهم اعجابك،والان دعنا نتحدث عن اعمالك انت،لقد قلت عدة مرات ان رواية(حرب نهاية العالم)هي افضل كتبك،هل لا زلت تعتقد ذلك؟
يوسا:انها الرواية التي عملت فيها كثيرا،والتي اعطيتها عصارة جهدي ونفسي،لقد استغرقت مني اربعة سنوات في كتابتها،وكان ينبغي عليّ ان اقوم بابحاث ضخمة لاجلها،واقرأ بكميات ضخمة،واتغلب على صعوبات ضخمة،لانها كانت المرة الاولى التي اكتب فيها عن بلد غريب عني،في عصر لم اعشه،وان اعمل مع شخصيات تتحدث بلغة لم تكن هي لغة الكتاب،بل لم تثيرني ابدا قصة من القصص كما فعلت تلك الرواية،كل شيء في ذلك العمل اعجبني،من الاشياء التي قرأتها حتى رحلتي عبر الشمال الشرقي،هذاالسبب في شعوري الدائم بحنين فريد من نوعه لذلك الكتاب،والموضوع ايضا سمح لي بان اكتب ذلك النوع من الرواية الذي لطالما اردت ان اكتبه،رواية مغامرة،حيث المغامرة جوهرية ليس لمغامرة خيالية تماما،بل لواحدةمرتبطة بشكل عميق بجدالات اجتماعية وتاريخية،وهذا تقريبا السبب في كوني اعتبر(حرب نهاية العالم)كتابي الاكثر اهمية،بالطبع فان هذه النوعية من الاحكام ليست دائما موضوعية للغاية،فالمؤلف غير قادر على رؤية عمله بموضوعية كافية حتى يقيّم مثل هذه الانواع من التصنيفات حسب الاهمية،هذه الرواية مثلّت تحديا مرعبا لي كنت اريد ان اتغلب عليه،في البداية كنت قلقا جدا،فكمية مواد الابحاث الضخمة جعلتني اشعر بالدوار،مسودتي الاولى كانت ضخمة،كان حجمها بقدر حجم الرواية مرتين تقريبا،وسألت نفسي كيف ساتمكن من تنسيق كل تلك المجموعة الضخمة من المشاهد،الالاف من القصص الصغيرة،ولمدة عامين كان يتملكني القلق ولكن عندها،قمت برحلة عبر الشمال الشرقي،على طول سيرتاو(مناطق نائية في الرازيل)وتلك كانت نقطة الانعطاف،وكنت قد وضعت خطوطا عريضة من قبل،كنت اريد ان اتخيل القصة اولا،على قاعدة من مواد بحثية،وبعدها اقوم بالرحلة،الرحلة اكدت عدة اشياء والقت اضواء جديدة على اخرى،وكثير من الناس ساعدوني ايضا،وفي الاساس،فان الموضوع لم يكن مقصودا منه تأليف كتاب،بل كان لفيلم يخرجه روي غوييرا،في ذلك الوقت كان يدير استوديوهات بارامونت في باريس احد الاشخاص الذين كنت اعرفهم،الذي دعاني يوما ما وسألني اذا كنت ارغب ان اكتب سيناريو فلم ينتجوه للمخرج غوييرا،وكنت قد شاهدت احد افلامه،محاربو السفينة،والذي احببته كثيراجدا،لذلك ذهبت الى باريس وقابلته هناك،وقد شرح لي ما الذي يريد ان يفعله،واخبرني ان ما كان يدور في ذهنه هي قصة تدور احداثها بطريقة او باخرى بحرب الكاندوس(انتفاضة الفلاحين في البرازيل عام 1897وفيها اعلنت احدى القرى الفلاحية انها دولة مستقلةوقد قمعت الانتفاضة بقسوة)لم نستطع عمل فلم حول الكاندوس،فالموضوع كان واسعا جدا،ولكن عن شيء ما له علاقة بطريقة ما بذلك الموضوع،لم اكن اعرف اي شيء عن موضوع حرب الكاندوس،بل اني لم اسمع بها حتى،فبدأت باجراء البحوث حولها،واقرأ عنها،وكان الشيء الاول الذي قرأته في البرتغالية هو كتاب (اوسسيرتوس)لاوكليدس دا كونها،كان ذلك من اعظم الاكتشافات في حياتي كقارئ، كان يشبه قراءتي (البعوضات الثلاث)ايام طفولتي،او(الحرب والسلام)او(مدام بوفاري)و(موبي ديك)عندما كبرت،كان بحق كتابا عظيما،وتجربة جوهرية، وكنت مذهولابه تماما،انه من اعظم نتاجات امريكا اللاتينية،انه كتاب عظيم لاسباب عديدة،ولكن السبب الاهم من بينها جميعا،انه مرشد لابناء امريكا اللاتينية،فانت تكتشف للمرة الاولى (ما لم تكنه)امريكا اللاتينية،فهي لم تكن خلاصة استير اداتها،ولم تكن اوربا ولا افريقيا،ولا امريكا ماقبل الاسبان،ولا مجتمعات بدائية،ولكن في نفس الوقت فانها مزيج من كل تلك العناصر،والتي تعايشت بطريقة قاسية واحيانا عنيفة،كل هذا انتج عالما لم تتناوله سوى اعمال قليلة ذكية ورائعة مثل كتاب(اوسسيرتوس)،بكلمات اخرى فان الشخص الذي ادين له بوجود(حرب نهاية العالم)هو اوكليدس دا كونها
اعتقد انني قراءت عمليا كل ما نشر حول حرب كاندوس حتى ذلك الوقت،اولا،كتبت سيناريو الفلم الذي لم ينتج ابدا بسبب مشاكل متعددة،واجهته،وكامنة في صناعة السينما،وقد وصل المشروع الى مراحل متقدمة جدا،وقد بدأ الانتاج بالفعل،ولكن في احد الايام قررت بارامونت ان توقف انتاجه ولم ينتج،كانت خيبة امل لروي غوييرا،ولكني كنت قادرا على الاستمرار في العمل في الموضوع الذي فتنني لفترة طويلة،لاجل نتيجة بائسة،وفوق كل شيء لم يكن السيناريو طويلا،لذلك فقد بدأت اقرأه مرة اخرى، واقوم بابحاث،ووصلت الى قمة الحماس،وان كتبا قليلة الهمتني،وقد تعودت ان اعمل من عشرة الى اثنتي عشرة ساعة في اليوم،والى ذلك ال حين كنت خائفا من رد فعل البرازيل عليه،وكنت قلقا من ان يتم اعتباره تدخلا غير مرغوب فيه في شأن خاص....خصوصا ان الكتاب البرازيليين الكلاسيكيين كانوا قد سبق وان غطوا الموضوع،وكانت هناك بعض المراجعات غير المفضلة للكتاب،ولكن على العموم،فانه استقبل بكرم وحماس،ومن العامة ايضا،والذي اثر في،وشعرت باني كوفئت على الجهود التي بذلتها
الصحفي: في عدة مقالات من السنوات الأخيرة، كنت قد قدمت بعض التأكيدات التي تبدو متشائمة جدا. في عام 1982، على سبيل المثال، كتبت:"الأدب هو أكثر أهمية من السياسة. وينبغي أن ينخرط الكتاب في السياسة فقط في موقف معارضة مخططاتها الخطيرة ووضعها في مكانها."أليس هذا رؤية متشائمة على ما يمكن للسياسة القيام به لإحداث التقدم؟

يوسا: كلا،ما قصدته أن الأدب له الكثير مما يفعله والذي يدوم اكثر من السياسة، أن الكاتب لا يمكن ان يضع الأدب والسياسة على قدم المساواة دون ان يفشل ككاتب وربما أيضا كسياسي. علينا أن نتذكر أن العمل السياسي هو سريع الزوال في حين الأدب يستمر لمدة من الزمن. انت لا تكتب كتابا فقط لاجل يومنا الذي نعيشه. من أجل العمل على ممارسة التأثير على المستقبل، يجب أن يلعب الزمن دوره، وهذا الامر لا ينطبق على الاجراءات السياسية او ينطبق في حالات نادرة،ومع ذلك، حتى وأنا أقول ذلك، فأنا لم أتوقف أبدا عن إطلاق الأحكام على المناخ السياسي أو اشرك نفسي عن طريق ما أكتب وما اعمل. وأعتقد أن الكاتب لا يمكنه تجنب المشاركة السياسية، وخاصة في دول مثل بلدي بيرو، حيث المشاكل الصعبة والاوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيه تتسم بالكثير من التغيرات المثيرة. من المهم جدا أن يتصرف الكتّاب بطريقة أو بأخرى، يتوجيه النقد، وطرح الأفكار، وكذلك باستخدام خيالهم من أجل المساهمة في حل المشاكل. أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يبيّن الادباء (بسبب انهم مثل كل الفنانين، يشعرون بذلك الامر بقوة هذا أكثر من أي شخص آخر) أهمية الحرية للمجتمع وكذلك بالنسبة للافراد. والعدالة، التي نتمنى جميعا ان تسود، لا ينبغي أبدا أن تسود بمعزل عن الحرية. ويجب علينا ان لا نقبل أبدا فكرة أنه لا بد في أوقات معينة من التضحية بالحرية في سبيل العدالة الاجتماعية أو الأمن الوطني، كما يريد منا الشموليون من اليسار المتطرف، و الرجعيون من اليمين المتطرف ان نفعل،الادباء والكتاب يدركون ذلك لانهم في تماس يومي والشعور الى اي درجة تكون الحرية ضرورية،ضرورية للابداع وضرورية للعيش والحياة بحد ذاتها يجب أن يكافح ويدافع الكتاب عن حريتهم باعتبارها ضرورة ملحة مثل الكفاح من اجل اجر عادل أو من اجل الحق في العمل.

الصحفي: كيف امكن لذلك الكاتب الذي أظهر دائما عدم ثقة كبيرة في السياسة ان يصبح مرشحا لرئاسة بيرو في انتخابات عام 1990؟

يوسا: احيانا يمكن أن تجد البلاد نفسها في حالة طوارئ،او في حرب، وعلى سبيل المثال، في حالة ليس هناك فيها بديل. الوضع في بيرو اليوم كارثي. الاقتصاد يتدهور. وقد بلغ التضخم مستويات قياسية. خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 1989، فقد نصف السكان قوتهم الشرائية. وصل العنف السياسي الى ابعد مدى. ومن المفارقات، في خضم هذه الأزمة الهائلة، يبدو أن هناك إمكانية لإجراء تغييرات كبيرة نحو الديمقراطية والحرية الاقتصادية. يمكننا أن نعيد التفكير في النموذج التعاوني و الاشتراكي للدولة الذي استخدم في بيرو منذ عام 1968. ويجب أن لا تفوت هذه الفرصة لاستعادة ما كنا نقاتل من أجله طوال السنوات الماضية: الإصلاح الليبرالي وخلق اقتصاد سوق حقيقي. ناهيك عن تجديد الثقافة السياسية في بيروالتي هي المسؤولة عن الأزمة التي تجتاح البلاد. كل هذه الأسباب جعلتني أتغلب على أي تحفظات كانت عندي وقادتني إلى المشاركة في النشاط السياسي،وفي النهاية فان ذاك هو وهم ساذج جدا،

الصحفي:
ككاتب، ما هو برأيك أعظم ما تتميز وما هي أكبر عيوبك؟

فارغاس يوسا
أعتقد أن أعظم ما اتميز به هو مثابرتي: فأنا قادر على العمل بجد للغاية، واعطي من نفسي أكثر مما كنت اعتقد انه ممكنا. أكبر عيوبي، كما أعتقد، هو فقدان الثقة،الامر الذي عذبني بشكل كبير. قد يستغرق من وقتي كتابة رواية ثلاث أو أربع سنوات – وأنا أقضي جزءا كبيرا من ذلك الوقت أشكك في نفسي. ولا يتحسن الامر مع مرور الوقت. على العكس من ذلك، بل أعتقد أنني اصبح أكثر انتقادا لنفسي وأقل ثقة بها. ربما هذا هو السبب في أنني لست مغرورا:و ضميري متيقظ وقوي للغاية. ولكنني أعلم أنني سوف أكتب حتى يوم أموت. الكتابة هي في طبيعتي. وأنا أعيش حياتي وفقا لعملي. فإذا لم أكتب، فان ذلك من شأنه أن يفجر رأسي، دون أدنى شك. أريد أن أكتب العديد من الكتب وأفضل الكتب. أريد أن اخوض العديد من المغامرات الرائعة والمثيرة اكثر مما فعلت سابقا. وأنا أرفض أن أعترف باحتمال أن تكون أفضل سنوات حياتي هي التي مضت و اصبحت خلفي، ولن أعترف بذلك حتى لو قدمت لي الأدلة.

الصحفي: لماذا تكتب؟
يوسا: أنا أكتب لأنني تعيس. ولأن الكتابة هي الوسيلة لمحاربة التعاسة.