مقابلة  مع اورهان باموك: لم اندب سقوط الإمبراطورية العثمانية.. أنا غربي النزعة

مقابلة مع اورهان باموك: لم اندب سقوط الإمبراطورية العثمانية.. أنا غربي النزعة

ترجمة:احمد الزبيدي
الصحفي
الرواية هي اسلوب ادبي غربي تماماً. هل يوجد له نظير في الموروث الثقافي الشرقي؟
باموك
اذا اخذنا الرواية الحديثة، خارج اطارها الملحمي، فهي في جوهرها شيء غير شرقي. لأن الروائي هو شخص لا ينتمي إلى جماعة او مجتمع معين، و لاينساق الى السلوك الجماعي لها، بل هو يفكر بالاشياء ويحكم عليها استنادا الى ثقافات مختلفة وليست تلك التي يعايشها فقط.

وما دام وعيه يختلف عن ذلك المجتمع الذي ينتمي إليه، فهو منعزل، ومنفرد. وثراء نصوصه ينبع من رؤية لشخص متفرد يراقب المجتمع وافراده.
بمجرد ان تنمي لديك عادة النظر إلى العالم بهذا الشكل والكتابة عنه بهذه الطريقة، ستكون لديك الرغبة في النأي عن المجتمع. هذا هو النموذج الذي كنت أفكر فيه في روايتي (ثلج).
الصحفي
(ثلج)هي أكثر رواية من رواياتك التي صدرت حتى الآن فيها محتوى سياسي. ماهو تصورك لها؟
باموك
عندما بدأت أصبح مشهورأ في تركيا في منتصف 1990، في وقت كانت فيه الحرب ضد المقاتلين الأكراد على اشدها، فأن قدامى المؤلفين اليساريين والليبراليين المعاصرين الجدد ارادوا مني مساعدتهم، بتوقيع العرائض، وبدأوا يطلبون مني فعل أشياء سياسية لا علاقة لها بكتبي.
بعد فترة وجيزة تم شن هجوم مضاد مع حملة لاغتيال عدد من الشخصيات. بدأوا يشتمونني. كنت غاضبا جدا. بعد حين تساءلت، ماذا لو كتبت رواية سياسية استلهم فيها مأزقي الروحي حيث كنت أنحدر من عائلة من الطبقة المتوسطة العليا وكنت اشعر بالمسؤولية لأولئك الذين ليس لديهم تمثيل سياسي؟ آمنت بفن الرواية. إنه لأمر غريب كيف يجعلك ذلك منعزلا. قلت لنفسي بعد ذلك، سأكتب رواية سياسية. فبدأت بالكتابة حالماانتهيت من رواية(اسمي أحمر).
الصحفي
لماذا قمت باختيار بلدة صغيرة مثل كارس؟
باموك
من المعروف انها واحدة من أبرد المدن في تركيا. وسكانها من أشد الناس فقرا. في بداية الثمانينات، خصصت الصفحة الأولى باكملها لواحدة من الصحف الكبرى للحديث عن الفقر في كارس.وقام احد الاشخاص باجراء حسابات بينت أنك يمكن أن تشتري المدينة بأكملها بحوالي مليون دولار. وكان المناخ السياسي صعبا عندما رغبت في الذهاب إلى هناك. محيط البلدة ومعظم سكانها من الأكراد، ولكن مركزها كان يضم خليطا من الأكراد، والآذريين، والأتراك، وجميع الأنواع الأخرى.وكان هناك عادة الروس والألمان أيضا. وكانت هناك اختلافات دينية كذلك، الشيعة والسنة. كانت الحرب التي تشنها الحكومة التركية ضد المقاتلين الأكراد شرسة بحيث كان من المستحيل أن تذهب كسائح. كنت أعرف أنه لا يمكنني ببساطة الذهاب إلى هناك كشخص روائي، لذلك طلبت من رئيس تحرير صحيفة كنت على اتصال معه ان يحصل لي على اذن مرور كصحفي لزيارة المنطقة. كان شخصا مؤثرا واتصل شخصيا برئيس البلدية وقائد الشرطة ليعلمهم بقدومي.
وحالما وصلت قمت بزيارة رئيس البلدية وتصافحت مع قائد الشرطة بحيث انهم رافقوني الى الشارع. في الواقع، بعض من رجال الشرطة الذين لم يكونوا يعلموا أنني كنت هناك قبضوا علي واختطفوني، ربما بقصد تعذيبي. لكني على الفور ذكرت لهم الأسماء، أنا أعرف رئيس البلدية، وأنا أعرف رئيس... كنت شخصية مشبوهة. لأنه حتى وإن كانت تركيا من الناحية النظرية بلدا حرا، فأن اي أجنبي كان مشتبها به عادة،واستمرت الامور هكذا الى حوالي عام 1999. و نأمل ان تكون الامور أسهل بكثير اليوم.
معظم الاشخاص والأماكن في الكتاب لها نظيرها الحقيقي. على سبيل المثال، الصحيفة المحلية ألتي تبيع 252 نسخة هي حقيقية. ذهبت الى كارس مع كاميرا ومسجل فيديو. كنت أصور كل شيء، ثم اقوم بعد ذلك بالذهاب إلى اسطنبول وأجعل أصدقائي يطلعون على ذلك. واعتقد الجميع أنني اصبت بالجنون نوعا ما. كانت هناك أشياء اخرى حدثت بالفعل. مثل المحادثة التي وصفتها مع رئيس تحرير الصحيفة الصغيرة التي يخبر فيها كا ما فعله في اليوم السابق، وكا يسأل كيف عرف، فيكشف له انه كان يستمع الى جهاز اتصال لاسلكي الشرطة وكانت الشرطة تتابع كا باستمرار. كان ذلك حقيقيا. وكانوا يلاحقونني انا أيضا.
قدمني مذيع محلي من على شاشة التلفزيون، وقال ان كاتبنا الشهير يكتب مقالات في الصحيفة القومية و كان ذلك شيء مهم جدا. كانت الانتخابات البلدية على الابواب لذلك فقد فتح الناس في كارس أبوابهم لي. كانوا جميعا يريدون قول شيئ للصحيفة القومية، ان تعرف الحكومة حالة الفقر التي كانوافيها.
لم يكونوا يعرفوا انني سوف اكتب ذلك في رواية. ظنوا أنني ساكتبها في مقالة. يجب أن أعترف، لقد كان ذلك مضحكا وقاسيا بالنسبة لي. على الرغم من أنني كنت أفكر فعلا في كتابة مقال عن ذلك أيضا.
مرت أربع سنوات. اذهب واعود من والى البلدة. وكان هناك مقهى صغير حيث كنت في بعض الأحيان استخدمه لكتابة وتدوين الملاحظات. وقد دعوت صديقا لي كان يعمل مصورفوتوغرافي، ليأتي معي لأن كارس كانت مكانا جميلا عندما تتساقط الثلوج فيها، بعد سماعهم للمحادثة في المقهى الصغير. كان الناس يتحدثون فيما بينهم بينما اكتب بعض الملاحظات، ويقولون: ما هو نوع المقال الذي يكتبه؟ لقد كانت ثلاث سنوات، وكانت وقتا كافيا لكتابة رواية. وجعلتني معروفا.
الصحفي
ماذا كانت ردود الفعل على الكتاب؟
باموك
في تركيا، كان كل من المحافظين- أو الإسلام السياسي- والعلمانيين منزعجين. ولكن ليس إلى درجة حظر الكتاب أو الاساءة لي. ولكنهم كانوا منزعجين وكتبوا عن ذلك في الصحف اليومية. كان العلمانيون مستائين لأنني كتبت أن ثمن ان تكون علماني راديكالي في تركيا هو أن تنسى أنك يجب أن تكون ديمقراطيا. قوة العلمانيين في تركيا تأتي من الجيش. وهذا يدمر الديمقراطية التركية وثقافة التسامح. فمادام الجيش يشترك بشكل واسع في الثقافة السياسية، يفقد الناس الثقة بالنفس ويعتمدون على الجيش من أجل حل جميع مشاكلهم. يقول الناس عادة، البلد والاقتصاد في حالة من الفوضى، دعونا ندعو الجيش لتخليصنا. ولكن عندما يفعلون ذلك، فإنهم يدمرون ثقافة التسامح. يتعرض للتعذيب الكثير من المشتبه بهم. يسجن مئات الألاف من الاشخاص. وهذا يمهد الطريق لانقلابات عسكرية جديدة.واصبح عندنا حوالي كل عشر سنوات يحصل انقلاب عسكري جديد. وهذا هو سبب أنتقادي من قبل العلمانيين. كما لم يعجبهم أنني صورت الإسلاميين كبشر.
وكان الإسلامي السياسي مستاءً مني لأنني كتبت عن أحد الإسلاميين الذين كان يستمتع بالجنس قبل الزواج.. الإسلاميون دائما ما كانت تأخذهم الريبة مني لأنني لم انشأ في ثقافتهم، ولأنني امتلك لغة، وسلوك، وحتى ايماءات لشخص غربي أكثر ومتميز.انهم لديهم مشاكلهم الخاصة بالتعبير ويتسائلون، كيف يمكن له أن يكتب عنا على أي حال؟ فهولا يفهمنا. وقد ذكرت ذلك ايضا في أجزاء من الرواية.
لكنني لا أريد أن أبالغ.لقد نجوت. الجميع قراءوا الكتاب. ربماكانوا غاضبين، ولكنها علامة على تنامي المواقف الليبرالية كونهم قبلوا بي وبكتابي كما هو. ورد فعل الناس في كارس كان منقسما. البعض،قال نعم، هكذا كانت الامور. و الآخرين، وعادة القوميين الأتراك، كانوا غاضبين مني لاني أتيت على ذكر الأرمن. فمعلق التلفزيون، على سبيل المثال، وضع كتابي في حقيبة سوداء فيها رمز معين وارسلها لي وقال في مؤتمر صحفي إن ما أفعله هودعاية للأرمن وهذا، بطبيعة الحال، منافي للمنطق. لدينا مثل ضيق الافق هذا، وكذلك لدينا ثقافة متعصبة قوميا.
الصحفي
وهل اصبح للكتاب قضية شهيرة مثل ما حدث مع سلمان رشدي؟
باموك
لا على الاطلاق.
الصحفي
انه كئيب بشكل رهيب، وكتاب متشائم. الشخص الوحيد في الرواية كلها الذي يكون قادرا على الاستماع إلى جميع الأطراف-كا-يصبح، في نهاية المطاف، محتقرا من قبل الجميع.
باموك
ربما يكون قد تم تهويل وضعي كروائي في تركيا. كان كا بطل الرواية وعلى الرغم من انه كان يعرف انه محتقر من الجميع، فانه كان يستمتع بقدرته على التواصل مع الجميع. كما أن غريزة البقاء عنده قوية جدا. وقد احتقر كا لأنهم كانوا يعتبرونه جاسوسا غربيا، وهو شيئ قيل عني أنا مرات عديدة.
حول الكآبة، أنا أتفق معك. لكن النكتة لا مفر منها. عندما يقول الناس ان الكتاب كئيب، أسألهم، ألم يكن فيه مواقف طريفة؟ أعتقد أن هناك الكثير من الفكاهة في الكتاب.او او على الأقل كانت تلك هي رغبتي.
الصحفي
التزامك نحو الرواية جلب لك المتاعب. ومن المرجح أن يجلب لك المزيد من المتاعب في المستقبل. وقد يعني ذلك قتل مشاعرك واحاسيسك. انه ثمن باهظ عليك دفعه.
باموك
نعم، ولكن هذا شيء رائع. عندما أسافر، وليس عندما اكون لوحدي في مكتبي، اشعر بالاكتئاب بعد فترة من الوقت. أنا سعيد عندما أكون وحيدا في غرفة واكتب. أكثر من الالتزام بفن أو حرفة، والذي انا مخلص له، بل هو التزام كونك وحيدا في الغرفة. أنا لا أزال محافظا على هذه الطقوس، مؤمنا أن ما أقوم به الآن سيتم نشره في يوم ما، إضفاء الشرعية على أحلام يقظتي. أحتاج ساعات انفرد فيها في المكتب مع ورقة جيدة وقلم حبر مثل بعض الناس الذين بحاجة الى الحبوب للحفاظ على صحتهم. أنا ملتزم بهذه الطقوس.
الصحفي
اذا، لمن تكتب؟
باموك
كلما اصبحت الحياة أقصر، فأنت تسأل نفسك هذا السؤال في كثير من الأحيان. لقد كتبت سبع روايات. أحب أن أكتب سبع روايات أخرى قبل أن أموت. ولكن بعد ذلك، الحياة قصيرة. ماذا عن الاستمتاع بها أكثر من ذلك؟ أحيانا لا بد لي من ان اجبر نفسي حقا. لماذا أفعل ذلك؟ ما معنى كل ذلك؟ أولا، وكما قلت، انها موهبة او غريزة أن تكون لوحدك في غرفة. ثانيا، هناك غالبا جانب التنافس الصبياني عندي والذي يرغب بمحاولة لكتابة كتاب لطيف مرة أخرى. أومن أقل وأقل في مسألة خلود المؤلفين. نحن نقرأ قليل جدا من الكتب التي كتبت قبل مئتي سنة. الأمور تتغير بسرعة كبيرة لدرجة أن من المحتمل أن يصيب النسيان كتب اليوم بعد مائة عام. عدد قليل جدا سيتم قراءته. في مائتي سنة، ربما خمسة كتب مكتوبة اليوم سوف تبقى. هل أنا على يقين من أنني أكتب واحد من هؤلاء الخمسة؟ و هل هذا معنى الكتابة؟ لماذا يجب أن أكون قلقا من قراءتي في وقت لاحق بعد مئتي سنة؟ الا يجب أن أكون قلقا حول ان أعيش أكثر؟ هل أنا في حاجة إلى عزاء بأنني سوف أُقرأ في المستقبل؟ أعتقد أنني مع وجود كل هذه الأمور فأنا مستمر في الكتابة. لا أعرف لماذا. ولكني لن أستسلم. هذا الاعتقاد بأن كتبك سوف يكون لها تأثير في المستقبل هو العزاء الوحيد لديك للحصول على متعة في هذه الحياة.
الصحفي
انت المؤلف الأكثر مبيعا في تركيا، ولكن كتبك التي تباع في الداخل اقل من مبيعاتك في الخارج. ترجمت اعمالك الى أربعين لغة. هل تفكر الآن بالعدد الكبير من القراء على المستوى العالمي عندما تكتب؟ هل تكتب الآن لجمهور مختلف؟
باموك
أنا أدرك أن قرائي لم يعودوا في بلدي فقط. ولكن حتى عندما بدأت الكتابة، ربما أكون قد وصلت لمجموعة أوسع من القراء. والدي كان يقول من وراء ظهر بعض أصدقائه من المؤلفين الاتراك أنهم (يخاطبون فقط القراء في بلادهم).
هناك مشكلة تتعلق بادركك نوعية القراءة، سواء كانت محلية ام عالمية. لا يمكنني تجنب هذه المشكلة الآن. وبلغ متوسط قراء كتابيّ الاخيرين اكثر من نصف مليون قارئ في جميع أنحاء العالم. لا أستطيع أن أنكر أنني أضعهم في الحسبان. ومن ناحية أخرى، لم أكن أشعر ابدا بأنني أفعل أشياء لأرضائهم. وأعتقد أيضا أن القراء سوف يشعرون بذلك إن انا فعلت. لقد جعلت من ذلك شغلي الشاغل، منذ اللحظة الاولى، وحين أشعر بتوقعات القارئ. فاني اتجنبها،حتى في تكوين الجمل،فانا اهيئ القارئ
ومن ثم افاجئه. ولعل هذا هو السبب في أنني أحب الجمل الطويلة.
الصحفي
لمعظم قراءك من غير الاتراك، فأن أصالة الكتابة لديك لها الكثير من الخلفية التركية. ولكن كيف تميز عملك عن تلك الخلفية؟
باموك
هناك مشكلة يسميها هارولد بلوم ب"القلق من التأثر."ومثل كل الكتاب كانت عندي عندما كنت شابا. في أوائل الثلاثينات من عمري ظللت أفكر أنني قد اكون تأثرت كثيرا بتولستوي أو توماس مان- ورغبت بذلك النوع من النثر اللطيف و الأرستقراطي في روايتي الأولى. ولكن حدث لي في نهاية المطاف أن على الرغم من أنني قد أكون قد شططت في أسلوبي، فان الحقيقة أن كوني كنت اعمل في هذا الجزء من العالم، بعيدا عن أوروبا -أو هكذا كان يبدو لي على الأقل في ذلك الوقت،- وأحاول جذب مثل هكذا جمهور مختلف في مثل هذا المناخ الثقافي والتاريخي المختلف، فإنه سيمنحني أصالة، حتى لو كان ذو مردود قليل. ولكنها أيضا مهمة صعبة، لأن مثل هذه التقنيات لا تترجم أو تنقل بسهولة.
صيغة الأصالة بسيطة جدا، تضع معا اثنين من الأشياء التي لم تكن معا من قبل. أنظر الى كتاب(اسطنبول)، مقال حول المدينة وحول كيف -ينظر إلى المدينة، بعض المؤلفين الاجانب امثال فلوبير ونرفال وغوته وكيف اثرت آرائهم على مجموعة معينة من الكتاب الأتراك. جنبا إلى جنب مع المقال حول اختراع المناظر الطبيعية الرومانسية في اسطنبول وتكون عندك سيرة ذاتية. لم يكن أحد قد فعل هذا من قبل. جازف وسوف تأتي بشيء جديد. حاولت مع(اسطنبول) لاجعله كتاب أصيلاً. أنا لا أعرف ما إذا كنت قد نجحت. كان (الكتاب الاسود)، فهو يجمع بين عالم مشابه لذلك ايضا الحنين البروستي مع الرموز الإسلامية، والقصص، والحيل، ثم يضعها كلها في المكان الملائم في اسطنبول ويرى ما يحدث.
الصحفي
كتابك(اسطنبول) ينقل ايحاءً أنك كنت دائما وحيدا جدا. أنت بالتأكيد وحيدا ككاتب في تركيا الحديثة اليوم. انت كبرت واستمريت في العيش في عالم جعلته قائم بذاته.
باموك
على الرغم من أنني نشأت في أسرة كثيرة العدد، وتعلمت أن احب الانخراط في الجماعة، لكني في وقت لاحق اصبح عندي دافع لكي انفصل. حدث لي تدمير للذات وفي نوبات من الغضب ولحظات من الغضب أفعل الأشياء التي تفصلني عن متعة مصاحبة المجتمع والناس. في وقت مبكر من الحياة أدركت أن المجتمع يقتل مخيلتي. أنا في حاجة إلى آلام الوحدة لاصنع عملي وابداعي. ثم أنني سعيد. ولكن ان تكون تركياً، فبعد حين انت في حاجة إلى حنان المواساه من المجتمع، والتي قد اكون قد دمرتها. دمرت اسطنبول علاقتي مع والدتي، ونحن لا نرى بعضنا البعض حاليا. وبالطبع أنا نادرا ما أرى أخي. وعلاقتي مع الجمهور التركي، بسبب تعليقاتي الأخيرة، فيها صعوبات أيضا.
الصحفي
كيف تشعر بنفسك كيف ستكون تركيتك اذاً؟
باموك
أولا، أنا ولدت في تركيا. وأنا سعيد بهذا. وعالمياً، أنا اشعر ومدرك انني تركياً أكثر مما كنت أرى نفسي في الواقع. أنا معروف كمؤلف تركي. عندما يكتب بروست عن الحب، ينظر اليه كشخص يتحدث عن حب عالمي. بالنسبة لي وخصوصا في بداياتي، عندما كتبت عن الحب، كان الناس يقولون: إنني كنت أكتب عن الحب التركي. وعندما بدأت اعمالي تترجم، كان الأتراك فخورون بها. يعتزون بي باعتباري ملكا لهم. وكنت أكثر من شخص تركي بالنسبة لهم. حالما تشتهر عالميا، فان هويتك التركية ستتعزز عالميا، ومن ثم تتأكد هويتك التركيةعن طريق الأتراك أنفسهم، الذين يتملكوك. احساسك بالهوية القومية يصبح شيئا له آثار ومعطيات اخرى. يفرض عليك من قبل أشخاص آخرين. الآن هم أكثر قلقا بشأن التمثيل الدولي لتركيا من قلقهم بشأن ابداعي. هذا يسبب مشاكل أكثر وأكثر في بلدي.و من خلال ما يقرأون في الصحافة الشعبية، فان كثير من الناس الذين لا يعرفون كتبي بدأوايقلقون حول ما أقوله للعالم الخارجي عن تركيا. الأدب مصنوع من الخير والشر، من الشياطين والملائكة، لكن قلقهم يزداد يوما بعد يوم من شياطيني فقط
:الصحفي
وهل كانت روايتك الثانية أكثر سهولة وسرعة؟
باموك
كان الكتاب الثاني كتابا سياسياً. و ليس دعائياً. كنت قد كتبته بينما انتظر ظهور كتابي الاول. كنت قد انتظرت ذلك الكتاب فترة عامين ونصف العام.و فجأة، في احدى الليالي حدث انقلاب عسكري. و كان ذلك في عام 1980. في اليوم التالي اخبرني الناشر المفترض لكتابي الأول، رواية(جودت بيك)انه لن ينشرها، حتى ولو كان هناك عقد بيننا. أدركت أنه حتى إذا انتهيت من كتابي الثاني -الكتاب السياسي- في ذلك اليوم، فلن أكون قادراًعلى نشره بعد خمس أو ست سنوات لأن الحكم العسكري لن يسمح بذلك. فكانت أفكاري على النحو التالي: في سن الثانية والعشرين اعلنت انني ساصبح روائياً وبقيت أكتب لمدة سبع سنوات على أمل الحصول على شيء ينشر في تركيا... ولم ينشر لي شيء. و الآن فانا اقترب من الثلاثين وليس هناك إمكانية لنشر أي شيء. ولا زالت عندي مائتين وخمسين صفحة من تلك الرواية السياسية التي لم تنته في واحدة من أدراج مكتبي.
ومباشرة بعد الانقلاب العسكري، ولأنني لم أكن أريد أن يصيبني اليأس، بدأت كتاب الكتاب الثالث الذي أشرتم إليه، (البيت الهادئ). والذي كنت أكتبه عام1982 عندما نشر أول كتاب لي في نهاية المطاف. وقد استقبل استقبالا حسنا، وكان يعني هذا أنني سأتمكن من اصدار كتابي الذي كنت أعمل عليه في ذلك الحين. لذلك كان الكتاب الثالث الذي كتبته هو الثاني الذي يصدر لي.
الصحفي
لماذا لم تنشر روايتك ابان الحكم العسكري؟
باموك
كان ابطال الرواية شباب ماركسيون عائلاتهم تنتمي الى الطبقات العليا في المجتمع. فكان آبائهم وأمهاتهم يذهبون إلى المنتجعات الصيفية، وكانت لديهم منازل كبيرة وفخمة و واسعة، و مستمتعين بكونهم ماركسيين. ويمكن ان يتقاتل و يغار بعضهم من البعض الآخر، و قد خططوا لاغتيال رئيس الوزراء.
الصحفي
تقصد الحلقات الثورية المتطرفة؟
باموك
كان اولئك الشباب لديهم عادات الناس الاثرياء، ويتظاهرون بكونهم الاكثر مثالية، لكنني لم اضع حكما اخلاقيا، لقد جعلتهم رومانسيين بطريقة ما،لكن فكرة رمي قنبلة على رئيس الوزراء كانت كافية بحد ذاتها لمنع الرواية.
لذلك فلم اكمله. انت تغيرفي اثناء ما تكتب،. فلا يمكنك افتراض نفس الشخصية مرة أخرى. و لا يمكنك أن تستمر كما كان الامر من قبل. كل كتاب يكتبه المؤلف يمثل فترة في تطوره. ويمكن لرواية واحدة ان تكون
احدى المعالم في تنمية روح واحدة. لذلك لا يمكنك أن تعود. وبمجرد أن تتلاشى المرونة من الرواية، فلا يمكنك ان تحركها مرة أخرى.
الصحفي
بعد ان تختبر الأفكار، كيف كنت تختار شكل رواياتك؟ هل تبدأ مع الصورة، مع الجملة الاولى؟
باموك
لا توجد عندي صيغة ثابتة. لكن ما يهمني هو ان لا اكتب روايتين في وقت واحد. وأنا أحاول أن أغير كل شيء. وهذا هو السبب الذي يجعل الكثير من قرائي يقولون لي، لقد أحببت روايتك هذه، انه من المخجل أنك لم تكتب رواياتك الأخرى على نفس الشاكلة، أو،اخر يقول أنني لم اكن أستمتع أبدا باي من رواياتك الى أن كتبت هذه الرواية-ولقد سمعت ذلك كثيرا خصوصا حين صدور،رواية (الكتاب الأسود). في الحقيقة أنا أكره أن أسمع ذلك. انها متعة، وتحدي، ان تجرب الشكل والأسلوب واللغة والمزاج والشخصية، وان تفكر في كل كتاب بشكل مختلف.
موضوع الكتاب قد أ ستمده من مصادر مختلفة. في رواية(اسمي أحمر)، أردت أن أكتب عن طموحي في أن أصبح رساما. كانت بدايتي خاطئة فقد بدأت كتابا يركز على رسام واحد. ثم تغير ذلك إلرسام الى مجموعة رسامين مختلفين يعملون معا في مرسم.فتغيرت وجهة النظر، لأنه اصبح الآن هناك رسامين آخرين يتحدثون. في البداية كنت أفكر في الكتابة عن رسام معاصر، ولكني حينذاك فكرت بان هذا الرسام التركي قد يكون مستنسخا عن اخرين الى حد بعيد،او يكون، متأثر جدا بالغرب، لذلك عدت في الوقت المناسب للكتابة عن المنمنمات. هكذا أجد مواضيعي.

كما ان بعض المواضيع تتطلب ابتكار اشكال معينة أو استراتيجيات للسرد. في بعض الأحيان، على سبيل المثال، قد ترى شيئا، أو تقرأ شيء ما، أو تذهب للسينما أو تقرأ مقالا في جريدة، وحينها تفكر، سوف اجعل البطاطا تتكلم، أو الكلب، أو الشجرة. بمجرد حصولك على الفكرة ستبدأ في التفكير في التناظر والاستمرارية في الرواية. وتشعر حينها، بروعة ما كتبت،وتقول لنفسك: لم يفعل أحد مثل هذا من قبل.
أخيرا، فانا افكر بالاشياء لعدة سنوات. ربما تكون عندي أفكار فحينها أخبر بها أصدقائي المقربين. انا احتفظ بالكثير من الدفاتر والمسودات للروايات التي من المحتمل أن أكتبها. وأحيانا ليس بالضرورة أكتبها، ولكن إذا قمت بفتح اي واحد منها وبدأت بتدوين ملاحظاتي، فمن المرجح أنني سأكتب تلك الرواية. لذلك فاني عندما انتهي من كتابة رواية ما اجد قلبي يتوثب على واحد من مشاريع الروايات تلك؛ وبعد شهرين من الانتهاء من واحدة أبدأ بكتابة الآخرى.
الصحفي
كثير من الروائيين لا يناقشون ابدا مراحل التقدم في عملهم. هل انت أيضا تبقي الأمر سرا؟
باموك
انا لا اناقش اعمالي ابدا. في المناسبات الرسمية، وعندما يسألني الناس ماذا تكتب، فجوابي جملة واحدة ثابتة: رواية تجري احداثها في تركيا المعاصرة.، انا منفتح على قلة قليلة من الناس وفقط من أعرف أنهم لن يؤذوني. –احيانا اقول على سبيل المثال كلاما غير معقولا،. واراقب كيف هي ردود افعال الناس. انه شيء طفولي.وقد فعلت هذا كثيرا عند كتابة روايتي(اسطنبول). فعقلي مثل عقل طفل صغير لعوب، يحاول ان يظهر لابيه مدى ذكائه.
الصحفي
النقاد غالبا ما يصنفون رواياتك بانها تنتمي الى ما بعد الحداثة. يبدو لي، مع ذلك، أنك تستمد الحيل السردية الخاصة بك في المقام الأول من المصادر التقليدية. تقتبس، على سبيل المثال، من ألف ليلة وليلة وغيرها من النصوص الكلاسيكية في الاداب الشرقية.
باموك
ذلك الامر بدأ مع روايتي(الكتاب الأسود)، على الرغم من أنني قد قرأت بورخيس وكالفينو في وقت مبكر. سافرت مع زوجتي إلى الولايات المتحدة في عام 1985، وهناك اصطدمت للمرة الاولى بالثراء الهائل والمكانة العالية للثقافة الأميركية. وكمواطن تركي قادم من الشرق الأوسط، يحاول ان يصنع من نفسه مؤلفا، شعرت بالخوف. لذلك تراجعت، وعدت إلى "جذوري". أدركت أن على جيلي ان يخلق أدبا وطنيا عصريا.
بورخيس وكالفينو حرراني. كانت دلالات الأدب الإسلامي التقليدي رجعية جدا، وسياسية للغاية، وتستخدم من قبل المحافظين بطرق قديمة الطراز وحمقاء، و لم أكن أعتقد ابدا أنني يمكن أن أفعل أي شيء مع ذلك الامر. ولكن عندما كنت في الولايات المتحدة، أدركت أنني يمكن أن اعالج الامر من خلال البناء العقلي لبورخيس وكالفينو. كان يجب ان ابدأ بالتمييز الشديد بين الدلالات الدينية والأدبية للأدب الإسلامي، لدرجة أنني يمكنني بسهولة ان استثمر ثروتها من الألعاب، والحيل، والأمثال. وكانت تركيا تمتلك تقاليد عريقة لادب مزخرف ومنقح للغاية. ولكن الكتّاب ولاغراض اجتماعية افرغوا أدبنا من محتواه التجديدي.
هناك الكثير من الرموز التي تتكرر في تقاليد القص الشفوي من الصين والهند وبلاد فارس. وقررت استخدامها ووضعها في(اسطنبول).. انها عمل تجريبي،ولكنيي جمعتها سوية، مثل كولاج المدرسة الدادائية.
كان(الكتاب الأسود) يمتلك مثل هذه النوعية. في بعض الأحيان تنصهر كل هذه المصادر معا، ويظهر شيء جديد. لذلك أنا وضعت كل هذه القصص إلمعاد كتابتها في (اسطنبول)، وأضفت حبكة المحقق، وخرج (الكتاب الأسود). ولكن مصدره كان كامل قوة الثقافة الأمريكية ورغبتي في أن أكون كاتبا تجريبيا حقيقيا، أنا لا استطيع أن أكتب تعليقا اجتماعيا حول مشاكل تركيا.وقد تملكني الخوف من ذلك، لذا اضطررت ان اجرب شيئا آخر.
الصحفي
الم تكن ابداً مهتما بالتفسير الاجتماعي من خلال الأدب؟
باموك
كلا،لقد كان عندي رأي بالجيل القديم من الروائيين، وخاصة في الثمانينات. أقول ومع كل الاحترام الواجب لهم، ان الموضوعات التي تناولوها كانت ضيقة الافق ومحدودة جدا.
الصحفي
دعنا نعود إلى ما قبل رواية(الكتاب الأسود). ما الذي دفعك لكتابة (القلعة البيضاء)؟ انه أول كتاب تستخدم فيه الموضوع الذي يتكرر في بقية رواياتك-التقمص. لماذا برأيك تظهر كثيرا فكرة: تقمص شخصيات آخرى في رواياتك؟
باموك
انه شيء شخصي جدا. لدي أخ منافس لي بشدة وهو يكبرني فقط بثمانية عشر شهرا. وبطريقة ما، كان والدي، والدي الفرويدي، إذا جاز التعبير. وكان هو الذي أصبح بديل الأنا خاصتي، وكان يمثل السلطة. ومن ناحية أخرى، كنا في صحبة تنافسية وأخوية. انها علاقة معقدة للغاية. لقد كتبت كثيرا عن هذا في (اسطنبول.) كنت صبيا تركيا نموذجيا، ماهر في كرة القدم ومتحمس لجميع أنواع الألعاب والمسابقات.و كان اخي ناجحا جدا في المدرسة، وأفضل مني. شعرت بالغيرة تجاهه، وكان يغار مني ايضا. وكان شخصا عاقلا ومسؤولا، وكان هو المسؤول الاعلى. فبينما كان اهتمامي منصبا الى الألعاب، كان اهتمامه منصبا إلى القوانين والانضباط. كنا متنافسين طول الوقت. وكنت مولع بان اتقمص شخصه، وصار مثلي الاعلى. بالنسبة لموضوعي الحسد والغيرة، فانها من الموضوعات الأثيرة بالنسبة لي. أنا قلق دائما حول مدى تأثير قوة أخي أو نجاحه عليّ. هذا هو جزء أساسي من روحي. أنا على بينة من ذلك، لذلك فقد وضعت بعض المسافة بيني وبين تلك المشاعر. وأنا أعلم أنها سيئة، كنت أملك عزيمة و تصميم الشخص المتحضر على محاربتها. أنا لا أقول أنني ضحية الغيرة. ولكن هذا هو كوكبة من النقاط الحسية التي أحاول التعامل معها طوال الوقت. وبطبيعة الحال، في النهاية، يصبح هذا الامر موضوع كل ما عندي من القصص. في(القلعة البيضاء)، على سبيل المثال، تقوم علاقة(سادي مازوخية) تقريبا بين اثنين من الشخصيات الرئيسية مستوحاة من علاقتي مع أخي.
من ناحية أخرى، فان موضوع التقمص هذا يجد له انعكاسا في شعور التركي بالهشاشة عندما يتواجه مع الثقافة الغربية. بعد كتابة (القلعة البيضاء)، أدركت أن هذه الغيرة،- والقلق من التأثر بشخص آخر-، يشبه موقف تركيا عندما تبدو اوربية. انت تعرف، حينما تطمح لتصبح اوربية فانها تتهم بانها ليست أصيلة بما فيه الكفاية. تحاول الاستيلاء على روح أوروبا ومن ثم تشعر بالذنب حول نزعتها لتقليد الاخرين. الصعود والهبوط في هذا المزاج مشابه للعلاقة بين الإخوة المتنافسين.
الصحفي
هل تعتقد أن تحل المواجهة المستمرة بين النزعة الشرقية لتركيا ونزعتها الغربية سلميا؟
باموك
أنا متفائل. ان تركيا يجب ألا تقلق بشأن وجود نزعتين روحيتين فيها،تنتميان إلى ثقافتين مختلفتين، وبشأن امتلاكها لشخصيتين.انفصام الشخصية يجعل المرء ذكيا. قد تفقد علاقتك مع الواقع-أنا كاتب روائي، لذلك فلا أعتقد أن هذا شيء سيئ- ولكنك يجب أن لا تقلق حول انفصام الشخصية التي عندك. إذا كنت تقلق كثيرا من ان جزء واحد منك يقتل الآخر، فسوف تمسي بروح واحدة. وهذا أسوأ من وجود مرض انفصام الشخصية عندك. هذه هي نظريتي. وأنا أحاول الترويج لها في السياسة التركية، بين الساسة الأتراك الذين يطالبون بأن البلاد يجب أن يكون لديها انتماء واحد متفق عليه فاما أن تنتمي إلى الشرق أو الى الغرب أو أن يكون الانتماء قوميا. أنا ضد تلك النظرة الأحادية.
الصحفي
وكيف يمكن أن تقلل من ذلك في تركيا؟,
باموك
كلما اتسعت فكرة تركيا الديمقراطية والليبرالية اكثر، كلما تم قبول رؤيتي أكثر. تركيا يمكن أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي فقط مع هذه الرؤية. انها الوسيلة لمحاربة القوميين، ومحاربة خطابهم الاجوف باننا نعمل ضدهم.
الصحفي
وحتى في روايتك(اسطنبول)، وبالطريقة الرومانسية التي صورت فيها المدينة، كنت تبدو وكأنك تندب سقوط الإمبراطورية العثمانية.
باموك
أنا لم اندب سقوط الإمبراطورية العثمانية. أنا غربي النزعة، وانا مسرور لان عملية التغريب تجري في البلاد،انا فقط انتقد محدودية وقصورفهم النخبة الحاكمة،(واعني بها كلا من البيروقراطيين والأغنياء الجدد) لعملية التغريب. فهي تفتقر إلى الثقة اللازمة لخلق ثقافة وطنية غنية برموزها الخاصة وطقوسها. انهم لا يسعون لخلق ثقافة لاسطنبول من شأنها أن تكون اندماج عضوي ما بين الشرق والغرب. أن ما يفعلونه هو فقط جمع الأشياء الغربية والشرقية معا. كان هناك، بطبيعة الحال، ثقافة عثمانية محلية قوية، ولكن هذه الثقافة تلاشت شيئا فشيئا. ما كان عليهم القيام به، وربما ما لم يستطيعوا أن يفعلوه بما فيه الكفاية،هو خلق ثقافة محلية قوية، ثقافة ستكون مزيجا،- وليس تقليدا-بين ماضي الشرق وحاضر الغرب. وأنا أحاول أن أفعل نفس الشيء في كتبي. وربما ستفعل الأجيال الجديدة ذلك، و دخول الاتحاد الأوروبي سوف لا يدمر الهوية التركية بل يجعلها تزدهر ويعطينا المزيد من الحرية والثقة بالنفس لخلق ثقافة تركية جديدة. التقليد الاعمى للغرب أو التقليد الاعمى للثقافة العثمانية المحتضرة و القديمة ليس هو الحل. علينا أن نفعل شيئا مع هذه المواضيع، وينبغي ألا نقلق حول مسألة الى من ننتمي أكثر.
الصحفي
مع ذلك فانك في كتابك(اسطنبول)، تبدو وكأنك تتماهى مع، النظرة الغربية والأجنبية لمدينتك.
باموك
ولكنني فسرت أيضا السبب الذي يجعل المفكرين الاتراك ذوي النظرة الغربية يتفقون مع نظرة الغرب،عملية صنع اسطنبول هي عملية تماهي مع الغرب. هناك دائما مثل هذا الانقسام، ويمكنك ايضا و بسهولة ان تتفق مع الغضب الشرقي أيضا. الجميع أحيانا غربيين وأحيانا
شرقيين،-وفي الواقع فان اسطنبول مزيج دائم من الاثنين. أنا أحب فكرة إدوارد سعيد عن الاستشراق، ولكن بسبب ان تركيا لم تستعمر أبدا، فان جعل تركيا رومانسية لم تكن أبدا مشكلة بالنسبة للأتراك. الرجل الغربي لم يذل الاتراك بنفس الطريقة التي إذل بها العربي أو الهندي.اسطنبول تعرضت للغزو لمدة عامين فقط وزوارق العدو عادت من حيث اتت وحتى هذا لم يترك جرحا عميقا في نفسية الأمة. ما ترك جرحا عميقا كان فقدان الإمبراطورية العثمانية، لذلك فانا ليس عندي قلق، من الشعور بأن الغربيين ينظرون لي بتعالي. على الرغم من انه بعد تأسيس الجمهورية، كان هناك نوع من الترهيب لأن الأتراك يريدون التغريب ولكنهم لم يستطيعوا أن يذهبوا بعيدا بما فيه الكفاية، مما ترك شعورا بالنقص الثقافي الذي علينا معالجته و هذا النقص تراه موجودا عندي في بعض الأحيان.
من ناحية أخرى، فإن الندوب ليست عميقة كتلك التي في الدول الأخرى التي احتلت لمدة مائتي سنة، واستعمرت. الأتراك لم يتعرضوا أبدا للقمع من قبل القوى الغربية. كان القمع الذي عانى منه الأتراك ذاتيا. لقد محونا تاريخنا و كان ذلك ضروريا وعمليا. في ذلك القمع هناك شعور من الهشاشة. لكن ذلك التغريب الذي فرضناه على نفسها جلب لنا أيضا العزلة. رأى الهنود مضطهديهم وجها لوجه. الأتراك كانوا معزولين بشكل غريب عن العالم الغربي الذي كانوا يقلدوه،وعندما كان يأتي شخص اجنبي في الخمسينات وحتى في الستينات للاقامة في فندق اسطنبول هلتون فان جميع الصحف تنشر الخبر
الصحفي
هل تعتقد أن هناك مصنف للنصوص الكبيرة او أن من الضروري أن يكون هناك واحد موجود؟ لقد سمعت عن مصنف النصوص الغربية الكبرى، ولكن ماذا عن الاداب غير الغربية؟
باموك
نعم، هناك نصوص كبرى. ينبغي استكشافها، تطويرها، وتقاسمها، وانتقادها، ومن ثم قبولها. بصراحة ما يسمى بالمصنف للادب الشرقي هو في حالة خراب. النصوص الكبرى في كل مكان ولكن ليس هناك إرادة لجمعها معا. من الكلاسيكيات الفارسية، وصولا إلى كل النصوص الهندية والصينية واليابانية، ينبغي تقييم هذه الأشياء بشكل نقدي. كما هو حاصل الآن، فالمصنف هو في أيدي الباحثين الغربيين،وهم مصدر التوزيع والاتصال.