حقي الشبلي.. بداية صائبة وعطاءات مثمرة

حقي الشبلي.. بداية صائبة وعطاءات مثمرة

حمدي قدوري
فارقنا حقي الشبلي يوم الخميس 19 حزيران لتبقى ذكراه في عالم الفن.. لدرجة ما عاد للماضي الا الذكرى.
يعرفه الجميع رئيسا لنقابة الفنانين لفترة تجاوزت عقدا من الزمن انتخبت لها مباشرة بعد تقاعده عن التفتيش الفني في وزارة التربية ورئاسة الفرقة القومية للتمثيل، والاذاعة والتلفزيون وعمادة معهد الفنون الجميلة،

ومعاونية العمادة في المعهد المذكور ورئيس قسم المسرح في المعهد ايضا واستاذ التمثيل، ومدرس النشاط المدرسي في الاعدادية المركزية وطالب البعثة في باريس ومدير فرقة مسرحية وممثل.. منذ العشرينات وحتى اخر دور له في السينما العراقية، و، و...

عرفت حقي الشبلي لاول مرة عام 1939، حينما كنت عازفا صغيرا في فرقة وزارة المعارف الموسيقية وكنا نعزف في فعاليات واستعراضات الفتوة والكشافة والاشبال. كما وتشارك فرقتنا الموسيقية العسكرية الطابع في مرافقة الحفلات التي تقيمها الوزارة في مسارحها. دار المعلمين والاعدادية المركزية، وفي قاعة الشعب عند افتتاحها في نهاية الثلاثينيات، وكان فريق حقي الشبلي المدرس يقدم احدى التمثيلات.. وكان رحمه الله دائم الحركة يدير وينسق كل مشاركة فيها، وياتي مشجعا وطالبا حيث كنا نجلس، لنعزف ونملا اي فاصلة او موسيقى تصويرية يطلبها منا.
كان منصبه، بعد رجوعه من البعثة الحكومية للتمثيل مسؤول النشاط في الاعدادية المركزية ومن هذا المنطلق كان مساهما في كل فعالية، حتى ولو كانت العاب الساحة والميدان التي تنظمها وزارة المعارف، فكل شيء بحاجة لاخراج، وهو المخرج المسرحي الاول عندنا في ذلك الوقت.. وقد سعى ونجح في مسعاه في انشاء قسم للمسرح في المعهد الموسيقي في مطلع الاربعينات، والذي اصبح يعرف بعد ان كملت اقسامه الثلاثة، الموسيقى، والتشكيلية، والمسرحية، باسم معهد الفنون الجميلة وكان حقي محط انظار كل من يرى في نفسه موهبة للمسرح او من الممثلين القدماء، الذين كان البعض منهم زملاء له في فرقته التي حلها قبل سفره لباريس في منتصف الثلاثينات.
وكان يملك اسرار المهنة التي تعلمها في باريس من خلال تمرينه في مسارح باريس، خاصة في مسرح شارل دولان والكوميدي فرانسز ومعايشة الحركة المسرحية الراقية لباريس ما بين الحربين العالميتين. وكان طموح العشرين طالبا الاوائل تقريبا، تعلم الاصول النظرية والعملية للمسرح، والتعرف على تاريخ المسرح، والصوت والافاء، والتشريح والانارة، والمكياج، والديكور، بجانب اللغة والادب العربي، وكان هذا كثيرا على بعض المتقدمين في السن، من كان لهم باع في التمثيل حتى قبل ان يدخلوا المعهد.
ومع ذلك صبروا، ولم يتغيبوا عن دروس حقي الشبلي، فهي العلاج لتكوينهم الفني، ليصبحوا مكتفين ذاتيا في اعمالهم المسرحية.. ومن الصعوبات التي لاقاها حقي الشبلي، كانت الحصول على عنصر نسوي، يقوم بالتمثيل مع الرجال، بقدر من الكفاءة والشجاعة، وليواجه الجمهور المحافظ، والبعيد نسبيا عن المسرح في تلك الايام وكان ينجح احيانا في التعاقد مع واحدة، من خارج المعهد، لتقوم بدور نسوي بعد ان يبذل جل جهده لتلقينها اصول دورها.. وبما انه كان بحاجة لاكثر من ممثلة فقد كان يلجا الى تغيير شكل بعض تلامذته ليقوموا بدور المرأة. ولولا حب الفن واحترام التلامذة لاستاذهم الفذ حقي الشبلي لما قبلوا بهذا الدور.
لقد طرح حقي الشبلي مسرح موليير لاول مرة عندنا، وكان قد رأى في اعمال الكاتب الفرنسي الساخر، خير مادة لتعليم التمثيل لطلبته، وتجاوب الجمهور الذي يعشق النقد والتهكم وخفة الدم.. وفعلا تعرفنا على البخيل.. والطيب رغم عنه، والعامي المتانق وغيرها من مسرحيات موليير الشهيرة، وكان لتحضير لهذه المسرحيات يستمر طويلا، وياتي بثمار حسنة، وكان من ميزات حقي الشبلي المخرج لم يعد ممثلا، منذ ان عاد من دراسته في الخارج، اكتشاف الشخصية المناسبة للدور وتاُيره الساحر على ممثليه لتقمص ادوارهم حتى وان لم يكونوا مناسبين في كثير من الاحيان.
كان هدف حقي الشبلي اعطاء شرعية ووجود للممثل والعمل المسرحي ورفع العيب وقلة الشان عن الممثل، وذلك من خلال تكوينه على اسس علمية صحيحة كما شاهدها في باريس، ويجعل الممثل، عامل ديكور، ومصمم ازياء، وانارة، وجميع ملحقات المسرح بجانب الاخراج والمساعدة فيه والاعمال المكملة من موسيقى تصويرية الى ادارة مسرحية ومكياج.. وكان هذا عونا كبيرا قدمه لفناني المدن والقرى العراقية، حيث كون كل منهم مسرحه بنفسه ونشر رسالة حقي الشبلي خارج بغداد.
وهنا توقف عند جهده الكبير في انشاء الفرقة القومية للتمثيل وكفاحه المستمر لانشاء مصلحة السينما والمسرح والاستوديوهات والمسرح اللائق بعراقنا الحبيب ونجح في جعل نقابة الفنانين نقابة كبيرة ضمت كل العاملين في الفن.
ان البذرة التي بذرها حقي الشبلي نمت وترعرعت غصونا شامخة، تتنوع وتتكاثر بعشرات المسارح لتصبح حديث الناس ولتمتلئ مقاعد المسارح بنظارة يحبون المسرح ويتغذون من غذاء الفن.