طرح جريء لأهم القضايا الانسانية

طرح جريء لأهم القضايا الانسانية

بغداد/ أوراق
نصوص سردية تتميز كل واحدة منها عن الأخرى بالمحتوى والاسلوب وطريقة رسم الشخوص، للكاتب الروسي تولستوي. قام بترجمتها الروائي الراحل غائب طعمة فرمان في كتاب بعنوان (ليف تولستوي - قصص مختارة) والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر.. النصوص عبرت عن مصداقية كاتبها في سبر الأغوار تاركة انطباعاً يتفاعل مع روح القارئ وخلجاته،

فقد تضمن النص الأول (غارة) الحوادث المميزة لحرب القفقاس التي امتدت لعشرات السنين وكان تولستوي من بين المشاركين فيها متطوعاً، لذا نجده يلعب دور البطل الذي يكتشف خلال الاسابيع الأولى من وجوده في الجيش اشخاصاً ليست لديهم شجاعة حقيقية، بل هي تظاهرية نابعة من الغرور والطمع والرغبة في كسب الحظوة وغيرها من الصفات الوضيعة. بينما هناك اشخاص كثيرون يمتلكون الشجاعة الحقيقية النابعة من صفات مختلفة تماماً تجعلهم اهلاً للاحترام الرفيع. ويتحدث تولستوي عن شخصية الرائد العجوز خلوبوف الذي قضى ثمانية عشر عاماً في خطر الحرب، واصفاً سلوكه اثناء المعركة: لقد كان في شخص الرائد القليل جداً من الغموض،الا انه ينطوي على الكثير من الصدق والبساطة، حتى أذهلني تماماً فوجدني أقول لنفسي دون ارادتي ذلك هو الشجاع حقاً.. وفي نصه (ثلاث امنيات) يضعنا امام ثلاث مخلوقات في طور الاحتضار: سيدة وفلاح وشجرة. مبيناً ان الذي يحتضر بكرامة من بين المخلوقات الأحياء هو الذي لا يكذب ولا يتظاهر ولا يأسف، ذلك ان السيدة عاشت تكذب طوال حياتها، والفلاح لديه معرفة يقينية بقانون الحياة والموت من خلال ممارسة عمله كفلاح يحرث ويزرع ويحصد ويربي الماشية وينحرها. اما الشجرة فهي اكثر الكائنات هدوءاً عند موتها لأنها لا تعرف غير النقاء والجمال. وفي نص (بوليكوشكا) يمس تولستوي ايضاً موضوعة الموت، ولكن هذه المرة موت الفلاح الخادم بوليكي المستعبد المنسي الذي عانى الكثير من أنظمة القنانة. لذا فهو موت لا ينطبق على واحدة من الميتات الثلاث في النص السابق، فقد كان موته بسبب طيبة سيدة اشفقت علية من الخدمة العسكرية الاجبارية كونه اباً لخمسة أولاد، فعهدت اليه بمهمة لا يقوى على ادارتها رجل أمي مثله. فانتهى به الحال الى انه اضاع اموالها، ولم يجد طريقة للخلاص من مأزقه الا ان يشنق نفسه. وبدت حكاية (أسير القفقاس) امتدادا حقيقيا لحياته اثناء الحرب بين الضباط والجنود الروس الذين وقعوا في الأسر، فيروي حال ضابط روسي يدعى (جلين) يأسره أهل القرية الذين ينظرون الى الأسير على انه وحش يعض، لكن الحال مع جلين قد بدا مختلفاً بعض الشيء من قبل البسطاء لطبعه المرح المحب للعشرة. ومن بينهم الشابة دينا التي بدت أول الأمر تخشاه، لكنها بعد ذلك سعت لانقاذ حياته من الاعدام لكونه حاول الهرب. واستطاعت عاطفة الشفقة والحب إزاء انسان طيب غير مهتم بشيء ان تقهر الرعب في نفس دينا التي اطلقت سراحه مجازفة بحياتها. وفي نصه الأخير (الذراع) وهي حكاية حصان عداء شهير يدعى بالذراع، وفيها يعترف تولستوي ان انقلاباً حدث بداخله كانت تعيش رموزه في نفسه. فيقول: ما حدث معي ان حياة وسطنا وسط الأغنياء والمتعلمين ليست فقط نفرتني بل وفقدت كل معنى. وأفعال الشعب العامل البسيط الذي يصنع الحياة، هي عندي القضية الحقيقية الوحيدة. لقد تخليت عن وسطنا بعد ان عرفت انها ليست حياة. يقول (الذراع) وهو يحكي عن نفسه لخيول الرعيل:"كنت اقبع مخصياً والناس لا يتصورونني ملك نفسي مثل أي كائن حي". وفي الصيغة النهائية يشدد بشكل حاد على الأصل الفلاحي الموجيكي للذراع وهو يواصل كلامه:"نعم انا ابن مهذب، القروي الأول في شجرة النسب، وليس هناك حصان ارفع مني في العالم". وفي كلمات الذراع وأفكاره تتجسد الكراهية الموجيكية وعدم الادراك الساذج المتأصل في وعي الفلاحين البطريقيين للأسباب الحقيقية في ان يكون بين العالم الذي يعيش فيه الذراع من كتب عليهم الكدح والذلة، وآخرون يعيشون حياة مبتذلة لا هم فيها ولا عوز.
تولستوي في سطور
ولد الكاتب الروسي ليف نيكولا يافيتش تولستوي عام 1828. ومنذ طفولته بدأ يضمر احتراماً خاصاً للثقافة الأدبية العربية والموروث الشعبي فقد قرأ حكايات علاء الدين والمصباح السحري وألف ليلة وليلة وعلي بابا وقمر الزمان. وكان يعتبر حب الانسان لوطنه لا يقتصر على الدفاع عنه بل يتعداه الى حب السلام ورغبته في تكوين صداقة ووئام مع جميع شعوب العالم، منطلقاً من كونه فيلسوفا اخلاقيا اعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف، اضافة الى انه يعد واحداً من اعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، فيما يعده البعض أعظم الروائيين على الاطلاق. توفي عام 1910 ومن كتبه: مملكة الرب داخلك ـ الحرب والسلام ـ آنا كاريننا ـ البعث. ويقول عنه الباحثون ان قوة ابداعه الرئيسة تتركز في رواياته المتضمنة خصائص الكلمة وقوتها. وقد قال تولستوي في يومياته: يقتطع الشاعر من حياته افضل ما لديه ويضعه في ابداعه، وكتابتي هي أنا. ويؤيده الروائي بوشكين فيقول: هذه حقيقة تنطبق على تولستوي الذي ظل يتحدث ويكتب باخلاص متناه لما توصل اليه بضروب الاستقصاء الروحي المجهد والمعاناة المضنية، وستظل كتبه لقرون عدة تذكاراً لعمل دؤوب قام به عبقري.