حضيري أبو عزيز.. بلبل الغناء

حضيري أبو عزيز.. بلبل الغناء

علي ناصر الكناني
حظي المطرب الريفي الراحل حضيري ابو عزيز بمكانة كبيرة قل نظيرها كونه امتلك موهبة فريدة في الغناء منذ أيام صباه الأولى حتى صار ذلك الصوت الجنوبي الشعبي الممتلئ عذوبة في الاداء لالحان واغنيات كانت بالأمس وما زالت تشكل البدايات الأولى للاغنية الريفية في العراق يوم كنا نفتقد لابسط مستلزمات التوثيق والتسجيل الصوتي الحديثة،حتى انتشار جهاز الگراموفون او (صندوق اليغني) كما يحلو للبعض تسميته وذلك في بدايات القرن الماضي.


الولادة والنشأة
ولد الفنان الراحل حضيري حسن ارهيف المعروف بـ(حضيري ابو عزيز) في عام/1909 وفي مصادر اخرى في عام/1904.
وفي العشرينيات من القرن الماضي توجه للعمل مع خاله منذ صباه بعد وفاة والده في مهنة الخياطة، وفي تلك الفترة كان يتميز بإجادته لترديد الاغنيات التي كان يسمعها من كبار المطربين والمشهورين آنذاك كالملا منفي والملا شنين والملا جادر.

الخطوة الأولى نحو الشهرة
في عام/1925 سجل صديق عمره الفنان الراحل ناصر حكيم مجموعة من اغانيه على الاسطوانات لشركة (بيضافون) في البصرة، ثم دعته الشركة لتسجيل عدد آخر من اغانيه في بغداد حيث كان مقرها الرئيس فما كان من المطرب ناصر حكيم إلا ان يدعو صديقه وزميله حضيري لتسجيل عدد من اغانيه للشركة نفسها وكذلك لشركة (بيلفون) مقابل أجر مقداره (100) روبية لكل منهما وقد رافقهما أيضاً المطرب خضير حسن ناصرية، والروبية الواحدة كانت تعادل (75) فلساً آنذاك.وفي عام/1927 دخل ابو عزيز سلك الشرطة وحصل فيه على رتبة نائب عريف لكن ذلك لم يمنعه من المشاركة في الحفلات الغنائية التي كانت تقام في مدينة الناصرية وقضاء سوق الشيوخ وهو يرتدي الملابس العسكرية وقد ذكر لي الفنان الرائد عازف القانون سالم حسين خلال لقاء صحفي أجريته معه اثناء زيارتي قبل سنوات الى العاصمة السورية (دمشق) بانه تعرف على حضيري للمرة الأولى في عام/1932 خلال حضوره احدى الحفلات الشعبية في سوق الشيوخ وقد شارك في تلك الحفلة مطربون مشهورون مثل الشاعر الملا جادر والملا شنين وآخرين فلفت انتباهه وانتباه الجميع شخص يرتدي زي الشرطة ويحمل بيده بندقية فجلس في الصف الامامي بعد ان وضع بندقيته وسدارته الى جانبه وبدأ يغني بصوت جهوري جميل وكان مطلع الاغنية يقول (لا طاير ولا حاط خلاني أحومي) فعرفته فيما بعد كما يذكر الفنان حسين انه المطرب حضيري ابو عزيز الذي اشتهر بأجادته لـ(طور غناء الحياوي).

بين ((تستور)) في الاندلس وسوق الشوخ
لعل من الجدير بالذكر هنا ان نذكر الى ان حفلات الغناء تلك التي كانت تقام في سوق الشيوخ وأريافها آنذاك اوقات موسم جني التمور وكبسها كون هذه الحالة مشابهة لما كان يقام في مدينة (تستور) في الاندلس التي فيها الكثير من اوجه الشبه بينها وبين مدينة سوق الشيوخ من حيث الطراز المعماري لابنيتها ومعالمها..

دخوله الاذاعة
في عام/1936 وبعد افتتاح دار الاذاعة العراقية، دخل حضيري ابو عزيز اليها لتقديم مجموعة من اغانيه على الهواء مباشرة بشكل حي لعدم وجود أجهزة تسجيل حديثة آنذاك.وكان الناس يتجمعون في المقاهي والمحال قرب المذياع للاستماع لصوت حضيري،مما حفز العديد من شركات الاسطوانات لتسجيل اغانيه كشركة كولومبيا وذلك في عام/1945 التي سجل لها ما يقرب من (27) اسطوانة بمختلف الاطوار الغنائية، إضافة الى اغنيات اخرى كان قد سجلها على الاسطوانات في الثلاثينيات من بينها (شريفة الواجفة وظليت انا حيران، وروحي الوطن، وبيش بلشت يابو بشت، ويحضيري بطل النوح، وراحت) التي غناها مع المطرب داخل حسن،وقد سجل حضيري تميز آخر في أداء الاغاني التي لها طابع ونكهة سياسية من خلال انتقاده للواقع الاجتماعي والقهر والتسلط الذي كان يعاني الناس من الحكومة في حقبة الاربعينيات من القرن الماضي ومنها (عمي يبو التموين مشي العريضة واغنية شيريد مني المختار ودّ الي شرطي) وغيرها. وفي عام/1977 غادرنا هذا الفنان المبدع الى بارئه سبحانه وتعالى بعد احالته الى التقاعد مع زميله ناصر وداخل حسن عام/1972،بعد ان ترك خلفه عطاءً فنياً ثراً من الاغنيات الرائعة التي لا تنسى والتي ما زال صداها خالداً في ذاكرتنا الغنائية..مثل (عمي يبياع الورد، وهلي يظلام،وحمام يلي على روس المباني، وسلم عليّ،وعلى درب اليمرون،وعيني يلسمر مالك) وغيرها الكثير من تلك الاغاني التي طالما رددها الناس في الماضي وما زالوا يستذكرونها في افراحهم ومسراتهم كونها تحمل اجمل واصدق المعاني في كلماتها وأشجاها في عذوبة الحانها وعمق اصالتها.