الـمـــرصــد الاقتصـادي ..مهنة تصليح الساعات.. في طريقها للزوال!!

الـمـــرصــد الاقتصـادي ..مهنة تصليح الساعات.. في طريقها للزوال!!

بغداد/ علي الكاتب
حرفيون ومهنيون اعتدنا مشاهدتهم في الاسواق التجارية المختلفة سواء كانوا في محال تجارية انيقة او في (بسطيات وجنابر) بسيطة تنتشر هنا وهناك، في صورة لاتبرح من الذاكرة لرجل يجلس على كرسي قديم عاكفا على منضدة تحتوي (جامخانة)

بسيطة تضم ساعات جديدة ومستعملة ولوازم للساعات من النضائد واطواق الساعات وغيرها ومنهمكا في العمل وواضعا مكبرة عين خاصة به على احدى عينيه، هذه المهنة بدأت تنحسر شيئا فشيئا لتكاد تختفي من اسواقنا، اذ لم نعد نراهم الا قليلا هذه الايام.
محمد صبيح مصلح للساعات في سوق الهرج بساحة الميدان وسط بغداد قال ان هذه المهنة يزاولها منذ الستينات من القرن الماضي الكثير من مصلحي الساعات الذين كانوا يصطفون بـ(مسطر) من البسطيات المتخصصة، حيث كان هناك البعض منهم يتخصص بساعات دون غيرها وبمجال من العمل يختلف عن غيره، ولقد حملت هذه المدة الزمنية الطويلة حلوها ومرها وان كانت الفترة الحالية تشهد افول هذه المهنة، فذلك لايعني التخلي عنها والذهاب لمهنة اخرى، لان حال الكثير من المهن الحرفية كحال موج البحر بين مد وجزر.
واضاف انه ليس بمقدوره مزاولة مهنة او حرفة اخرى لكبر سنه وعدم معرفته غير مهنة تصليح الساعات التي اصبح بعد اكثر من 50 عاما بارعا فيها، حيث مرت عليه انواع وموديلات واحجام مختلفة من الساعات الكوك والكوارتز وذات البطارية والالكترونية وغيرها ومن شتى الماركات العالمية والتجارية ومن مختلف البلدان ومر عليه الكثير من الاجيال وقام بتصليح الساعات لمختلف الشرائح الاجتماعية فمن الوزير ورئيس الوزراء الى العامل الفقير والطالب الصغير وغيرهم، وسيبقى يعمل بهذه المهنة وان لم يأته اي زبون لفترة طويلة!!..
فيما قال انور عثمان مصلح للساعات سوداني الجنسية في منطقة الباب الشرقي انه يعمل في هذه المهنة منذ حقبة الثمانينات من القرن الماضي، حيث كانت تزدهر هذه المهنة بسبب وجود ثقافة اقتناء الساعات من عموم الشرائح الاجتماعية فالكبير يقتني الساعة التي توضع في الجيب والشاب يبحث عن الساعة العصرية التي تحمل مواصفات حديثة معينة والصبية يشترون الساعات الالكترونية البسيطة والنساء تشتري الساعات النسائية الجميلة التي تضيف جمالا لهن وغير ذلك، كما كانت هناك ساعات تحمل ماركات عالمية تباع وتشترى باثمان باهظة مما يجعل التداول التجاري فيه يدر علينا ارباحا معقولة.
واشار الى ان سوق بيع الساعات ليس بالمستوى الذي كنا نطمح اليه، فالساعات التجارية والرديئة والمقلدة صناعيا (راس كوك) منتشرة في الاسواق وباثمان زهيدة في كثير من الاحيان، وهو انعكس سلبيا على مهنة تصليح الساعات اذ ان الساعة التي يشتريها الزبون بألف او ألفي دينار تعمل لخمسة او ستة اشهر فيما تكون كلفة تصليحها بخمسة اواربعة آلاف دينار مما تجعله يعزف عن تصليحها واقتنائها مرة اخرى ليشتري ساعة جديدة وبثمن اقل.
واضاف انه يعمل في مجال تصليح الساعات في بلده منذ اكثر من اربعين عاما وهو متخصص في الساعات العالمية من الماركات السويسرية واليابانية كالاوميغا والرولكس والرومانديل والكيو والاوماكس وغيرها، ولقد كان في الماضي يحصل على اجر مناسب لقاء الخدمة التي يقدمها للزبائن، وكنا نبيع الى جانب تصليح الساعات نضائد الساعات ولوازمها واكسسوارات معينة خاصة للساعات النسائية، أما في الوقت الحاضر فتصليح بعض الساعات يتطلب وجود قطع غيار لها اضافة الى الجهد المبذول في العمل والرغبة في تحقيق الربح المادي وهو المقصد وراء كل نشاط تجاري او خدمي لايكاد يتحقق في اجرة تصليح ساعة ما بألف دينار فقط، حيث ان الزبون اصبح لايدفع اكثر من الف دينار لاي اجور تصليح الساعات مدعيا ان سعر الساعة حاليا بألفي دينار فكيف يدفع اكثر من ذلك لتصليحها؟ وهذا ليس حال الجميع بل بقي بعض زبائننا القدماء المقتنين للساعات السويسرية الاصلية وهو يعدون باصابع الكف حاليا يأتون الينا بين الحين والحين، الامر الذي يشجعنا على الصمود بهذه المهنة التي تتلاشى مع مرور الايام لتصبح كغيرها من المهن التي انقرضت من شوارع بغداد ليطويها الزمان في كنفه من دون رجعة.