جوانب من الحياة الاجتماعية في العراق كما تصفها  سيدة بريطانية في الثلاثينيات والاربعينيات

جوانب من الحياة الاجتماعية في العراق كما تصفها سيدة بريطانية في الثلاثينيات والاربعينيات

ابتسام حمود الحربي
كان للسيدة البريطانية فريا ستارك نشاط اجتماعي وثقافي واضح في العراق في الثلاثينيات والاربعينيات، وتعد انطباعاتها في هذا الجانب، وملاحظاتها مصدراً مهماً في فهم العديد من التطورات السوسيولوجية في العراق .


زارت فريا ستارك غالبية مناطق العراق من الشمال الى الجنوب، واختلطت مع طبقات الشعب المتعددة ورؤساء الطوائف الدينية وشيوخ العشائر والنساء والاطفال ، ولم تترك منطقة شعبية الا ودخلتها، اذ كانت هوايتها ومتعتها مراقبة الحياة الاجتماعية والعادات الشعبية في العراق، ودونت ما شاهدته في مجموعة من مؤلفاتها التي اثمرت عن زياراتها المتكررة للعراق. كانت رغبة فريا ستارك لزيارة العراق سبقت زيارتها ، ففي تشرين الاول من العام 1927طلبت من بعض اصدقائها في العراق، التحدث مع جعفر باشا ، وكان حينها رئيسا للوزراء لكي تحصل على تأشيرة دخول، وقد دعاها فعلا للحضور الى
العراق). هذه الخطة تزامنت مع تغير الاوضاع في العراق فاصبح، الباشا وزوجته يمثلان العراق في لندن ، لذا استبدل مكان الدعوة الى هناك ، اذ دعاها جعفر باشا وزوجته لتناول طعام الغداء، ولبت الدعوة بكل سرور . امتاز الباشا بضخامته ولحيته وسرعة بديهيته وخبرته بالقانون الانكليزي ، وكانت زوجته اقل نشاطاً منه، وهي ذات عيون سوداء مستديرة. ومن خلال هذا اللقاء حصلت على تأشيرة دخول عراقية، وحصلت ايضا على خارطة لبغداد ، ثم بدأت بمطالعة كتب عن العراق، ومن بينها كتاب عن بلاد اشور واهم ملوكها. وفي نهاية تشرين الاول 1929 عبرت فريا ستارك الصحراء بواسطة سيارة مع ثلاثة مسافرين، وسائق ارمني.
وعندما وصلت الرمادي كانت ممرات السيارات كثيرة ، اذ ان كل سيارة تمر تترك اثرا لها، وهناك (مكتب جوازات سفر العراق) محاط باشجار النخيل وقطيع الاغنام، والعرب كلهم يبدون هنا اكثر سمرة بكثير من السوريين ، كما انهم اكثر جاذبية منهم . وكان ضباط الجوازات العراقيين يستقبلون المسافرين بابتسامة سريعة وجذابة، وهم كفؤون جدا في عملهم ، اذ حذفت تاشيرة الدخول ولم تعرضها ، ويرتبط ذلك باشارتها الى تناول طعام الغداء مع جعفر باشا . وبعد ساعتين تم التوجه عبر طريق صخري منخفض عند الفلوجة ، وهي قرية تقع على جسر من القوارب عبر الفرات . سارت السيارة بعدها لمدة ساعة عبر اشجار النخيل حتى بغداد. وقد وصفتها فريا ستارك بانها مدينة الغبار الضار "Wicked dust" ، فكل خدش في الجسم يمكن أن يتلوث اذا لم يكن الشخص حذرا، كانت دائرة الكمارك في بغداد مليئة بحمالين اكراد يرتدون عمامات حمراء وصفتهم بكونهم اناساً طيبين ونظرتهم حادة ، ثم جاءت عبر نهر دجلة الذي يربط جانبيه جسر من الزوارق شبيه بمدينة البندقية بناءا وماءا.
ان عدم جاذبية الفنادق المحلية في ذلك الوقت ، اضافة الى الحالة الاقتصادية المتردية التي تعاني منها فريا ستارك والتي لا تساعدها حتى على السكن في اردأ الفنادق، دفعها لقبول السكن في النادي البريطاني، لكن بعدما علمت انه لا يسمح للعرب بدخوله رأت ان من الحماقة على شخص يقطع كل هذه المسافة لتعلم اللغة العربية ويبقى منعزلا عن المجتمع العربي. فقررت السكن في احد الاحياء الشعبية ، اذ استأجرت بيتا ذا جدران من الطابوق والنوافذ الكبيرة . وفي باحة الحديقة الصغيرة قرب المنزل كان هناك عشرون او ثلاثون طفلا يتعلمون دروسهم على يد الملا الذي يجلس بينهم ، ووضعت بينهم عشرة كتب ، وهم يجلسون على شكل مجموعات من ثلاثة الى اربعة حلقات، ويرتلون آيات القران الكريم ، وكان بالقرب من المنزل محل الصائغ والبقال، ومحل القصاب، وجامع ملون بالقرميد الازرق ، ويقع بالقرب من الدار شجرة النبق التي تضرب على شبابيكه الجديدة والمصبوغة باللون الابيض . وايجار الدار اليومي من سنت الى ثلاثة سنتات.
تقع بغداد في أرض منخفضة ومنبسطة كثيراً، بحيث لا يوجد مجال لتصريف المياه الزائدة ، لذا كان كل بيت في بغداد يبني على جزء معبد صغير أو كبير وفي وسط الساحة يوجد سرداب لتصريف المياه الزائدة ، لذا تكون هناك رائحة كريهة في الدار طوال اليوم، وتكون حالتها اسوا في ايام الشتاء بعد المطر، اذ ترتفع المياه الاسنة. لان نظام التصريف كان بدائيا جدا ، وعلى الرغم من ذلك احبت فريا ستارك السكن في هذه المنطقة رغم ما سمعته من الخدمة المدنية البريطانية التي عدت السيدات اللواتي يسافرن الى الشرق للمتعة شاذات، وانها لا تشجع النساء للذهاب اليه. وعدت السلطات البريطانية فريا ستارك جاسوسة ومتمردة. وان النساء البريطانيات الشابات لم يكن متعاطفات معها، وغير مرغوب بها من ازواجهن ، لكنها لم تابه لذلك كله لانها عدت بغداد قريبة الى منظر حدائق عدن، واعتقدت بمرارة ان الجنة التي يديرها مكتب المستعمرات البريطاني اذا لم تكن هناك فرصة على الاطلاق لدخولها فانها سوف تشكر الله على ذلك. وانها ستستغني عن تلك الجنة بمشاهدة بغداد عن كثب .
بعد مدة انتقلت فريا ستارك الى مسكن جديد، وكان غرفة في بيت نجار يدعى الياس، وزوجته تدعى نجلاء، كان المنزل في الجزء الغربي لنهر دجلة ويضم خمس نوافذ تشرف على النهر باتجاه مقر المندوب البريطاني، كان النهر يبدو منخفضا ثم يرتفع وقت الربيع، ويحيط بالبيت اشجار النخيل، وكان لالياس وزوجته طفلان، وقد شاركتهم فريا ستارك بالسكن في المنزل والمصاطب التي تشرف على النهر، ومعها خادمتها الارمنية ماري.

تعليم الإناث في العراق
حاولت فريا ستارك جعل النساء اكثر معرفة بانفسهن واكثر ادراكا للرجال ، الذين جعلوا التشريعات اكثر فوضى ، كما تظن ، ولكنها دعت الى تعليم اكثر للنساء بحيث يستطعن احتلال مكانهن اللائق في المجتمع . وعلى الرغم من عزلة النساء الشرقيات فان ذلك لم يعوقهن ابدا. عندما بدأ عالم جديد للانتشار قرب شواطئ الجليل ، فأنهن قمنّ بدورهن على احسن وجه، وفي مكة كانت الارملة الثرية (خديجة) اول من تبع عقيدة محمد.
ارادت فريا ستارك تحسين لغتها العربية بالذهاب الى مدرسة عراقية حكومية للبنات ، وهو مكان مغلق بأسوار عالية في الحيدر خانة في بغداد ، اعتادت الذهاب اليه سيرا على الاقدام على طول الطريق الضيق الذي يطل على نهر دجلة عبر الاسواق المظلمة للضفة الغربية على طول الشارع ، ودخلت الازقة الملتوية وسارت مع فتيات يرتدين السواد، والجميع مسرع بنفس الطريق لا يميز الفرد بينهن الا بعد عبورهن حارس البوابة ذو اللحية البيضاء ،اذ يرفعن براقعهن فتظهر الوجوه المبتسمة لزميلاتها ، وكان عدد التلميذات في المدرسة خمسمائة تلميذة ، يدرسن صباحا . قسم منهن يسكن في القسم الداخلي واعمارهن تتراوح بين الخامسة والثلاثين عاما وكانت غالبيتهن مسلمات مع القليل من المسيحيات واليهوديات، اما المعلمات فكن سوريات او عراقيات وكانت مديرة المدرسة سورية الاصل ، والتعليم سطحيا بسبب ان اغلبهن غير مدركات للمستويات العلمية للطالبات.
كان التعليم في العراق ، مثل التعليم في الاراضي العربية ، يبلور ثقافة خاصة ولدت في الغرب ، اذ اختلط الجانب العربي الاسلامي بالجانب الغربي في التعليم ، هذا التمازج بين الشرق والغرب لم يكن جديدا في تاريخ العراق ، اذ ان كُتابْ المأمون ترجموا المخطوطات اليونانية قبل الف سنة مضت ، مما يوضح هذا التحيز الكبير لفريا ستارك لثقافة الغرب ومقارنتها بالاسلام .
اصبحت فريا ستارك في الصف الثالث ، وكان يضم ستة وعشرين فتاة شابة اندفعن الى فريا ستارك لاعارتها كتبهن واقلامهن واوراقهن، وقمن بمساعدتها والاستماع اليها عندما تقرأ بصورة بطيئة ، وكانت اعمارهن تتراوح بين (12-25) سنة ، وكن يدرسن في الساعة الاولى قواعد اللغة العربية والقراءة وتخصيص (3-4) دروس كل يوم.
لاحظت ستارك معاناة الطالبات بسبب اعمارهن الكبيرة وعدم قدرتهن على التعلم السريع ، مما كان يشعرهن بالحزن ، وخصصت فريا ستارك وقتا لدراسة التاريخ، وكانت مسرورة لدراسة (التاريخ الاسلامي) الذي تناول حياة الخلفاء الراشدين، واجتازت الامتحان بنجاح، فانتقلت بعدها الى الصف الرابع. وبعد بضع سنوات ، ولادراك فريا ستارك لواقع التعليم في العراق، بذلت جهودها لتحسين التعليم، وخاصة تعليم الاناث الذي شبهته بمد البحر ، فالفتيات الشابات يلعبن في رغوته بين الحطام والانقاض التي تتداور في حلبة صغيرة من الامواج، وتزيلها بعيدا.
تعرفت ستارك على واقع هذا التعليم وماضيه بصورة جلية من خلال رسالة وصلتها من احدى صديقاتها العربيات المسيحيات (لم تذكر اسمها) ، التي سبق لها ان تعلمت في الهند واصبحت مديرة، لاحدى مدارس البنات في العراق عام 1922 ، وكتبت لها بعد عودتها من الهند ووصولها الى بغداد، فذكرت في رسالتها : " ان بغداد كان فيها مدرسة بنات حكومية واحدة مسجل فيها اكثر من مئة مسلمة ويهودية ومسيحية ، لكن الغالبية مسلمات، وكان موقف المعلمة حرجاً ، مقارنة بالمعلمات المسيحيات من البعثات الامريكية والفرنسية، اذ كان تعليمهن اكثر تطورا مقارنة مع زميلاتهن المسلمات والاتراك والعرب والزنوج ، اذ كانت المسلمات التركيات بارعات في اعمال الابرة والزنجيات في تلاوة القران".
وقد توسع الطاقم لمجاراة الزيادة السريعة في تسجيل الطالبات، واصبح ذلك يشكل مشكلة خطيرة مما ادى الى قبول بعض التركيات الباقيات من النظام القديم، وبعض النساء العربيات الصغيرات اللواتي قدمن لوظائف التدريس ، وكانت مؤهلاتهن لا تتعدى معرفة تلاوة القران واعمال الابرة والعربية غير الصحيحة، ومسائل حسابية بسيطة كالجمع والطرح، تجنبا للزخم الفائض جدا من الطالبات ، وكان ذلك محزناً جدا ، فقد كان هناك اطفال اذكياء جدا يدرسون على يد هؤلاء المعلمين ، وظهرت برامج تعليم جيدة، لكنها اقتصرت على مدارس الذكور فقط ، اذ كان المسؤولون عن التعليم من المحافظين تماما. فتذكر صديقة فريا ستارك أن وزير المعارف في ذلك الوقت قال لها : "علموا بناتنا القرآن الكريم والطبخ وغير ذلك من واجبات المراة في البيت" ، واستمر هذا الوزير في الوزارة لعدة اسابيع فقط، وبقيت الوزارة تعاني من نقص حاد في المعلمين الكفوئين ، مع استياء خفي من المسلمين نحو الكادر المسيحي المؤهل ، وذكرت صديقة ستارك ان واجبها كان صعبا، وكانت تأمل القليل من المستشار الايرلندي لوزارة المعارف في ذلك الوقت الذي لم يكن مهتما بتعليم الاناث ، على العكس من الانسة غرترود بيل التي لخصت موقفها بهذه الكلمات : " ان هذا عمل رائع واعملي ما تستطيعين عمله ولا تاخذي بكلام الوزراء بصورة حدية جدا، كانت هذه نصيحة غرترود بيل الى مديرة احدى مدارس البنات وهي صديقة فريا ستارك" ، لذا عملت بنصيحتها وقدمت برنامج قراءة للمعلمين، ولبت حضورهم، وتم اختيار الاذكى من بين البنات الاكبر سنا واللواتي اظهرن الرغبة في مهنة التعليم، وتم حصرهن في صف ، كانت تلك هي الخطوة الاولى نحو دار المعلمات ، بعدها " تم فتح مدارس جديدة في اجزاء متعددة من المدينة.
وفي الوقت نفسه كانت وزارة المعارف قد اصبحت اول وزارة هيئتها التنفيذية عراقية منذ العام 1923 ، لذا تضاعف عدد المدارس الحكومية الابتدائية والمتوسطة ،وفتحت دور للمعلمين ، والمعلمات لاعداد الطواقم التعليمة للمدارس التي افتتحت بمختلف مدن العراق. فعندما زارت فريا ستارك العراق عام 1929 كان هناك مدارس متوسطة ، اذ ان المعلمين يصلون من أي مكان ممكن وجودهم فيه من مصر وفلسطين وسوريا. وفي زيارة فريا ستارك الثالثة للعراق عام1941 كان هناك مدارس ثانوية، وليس هناك مدينة من أي حجم ليس فيها مدرسة متوسطة للبنات، والعديد من القرى فيها مدارس ابتدائية، وان المعلمين يتم تدريبهم في بغداد، ومن ثم يرسلون الى المدن ومن المدن الى القرى.

رمضان في العراق
شهدت فريا ستارك شهر رمضان في العراق لسنوات عديدة ، واشارت الى انه في شهر الصوم(رمضان) ، من الاجدى ان تشاهد بغداد ليلا ، اذ تكون غارقة في النهار باسواقها الفاترة، وغروب الشمس يعطي الاحساس بالراحة ، وتعود فجأة الى الحياة فتظهر المرطبات من كل نوع ، يجلس بائعو الحلويات خارج اكشاكهم في زوايا الشارع، وبائعو الفواكه يبيعون بضاعتهم ويعلن بائعو التبغ عن بضاعتهم بصوت عال بعد يوم من الصوم.
ان اول جزء من المساء يخصص للفطور ، وباقي الوقت يكون للزيارة حتى الساعات المتأخرة من الليل او السحور ، اذ تنتهي كل مراسيم الليل، وان البريطانيين المقيمين الذين يأكلون في بيوتهم، او يرقصون في النادي يشاهدون الناس في الشارع بشكل اكثر وضوحا بسبب الانوار الاكثر من المعتاد . وفي هذا الشهر اعتادت فريا ستارك على زيارة بعض النسوة العربيات اللواتي تعرفت عليهن ، وكانت الاحاديث تدور غالبا حول الازواج وانتصاراتهم البيتية . والى جانب تناول الشاي والمرطبات والبرتقال والكيك تستمع الى بعض الفتيات وهن يعزفن على البيانو والعود، وكان ذلك يتم في عدد محدود من البيوتات البغدادية المثقفة والميسورة . وعند الساعة الحادية عشرة مساءا ، تقوم بزيارات اخرى لاصدقاء آخرين حتى منتصف الليل ، اذ تترك فريا ستارك صديقاتها وتتجه نحوبيتها ، وتسير بمفردها تحت ضوء النجوم في الازقة الضيقة التي منحها رمضان جمالا خاصاً ، فمعظم الناس يسيرون فيها ويهمسون مع بعضهم كخلية نحل مزدحمة في الظلام، والفرد لايستطيع التمييز بين الوجوه، وان الناس الذين يتكلمون كانوا ينحدرون في طريقهم مثل الماء المتدفق، وبدون اهتمام لفريا ستارك بوصفها الاوربية الوحيدة التي تسير وسطهم في هذه الساعة المتأخرة من الليل. كانت وحدة الاسلام غير العادية في نظر فريا ستارك قد سحرتها ، وامتدت هذه الوحدة عبر كل المدن من المشرق الى المغرب ، ومن أفغانستان وتركيا الى جاوة.
الفلاحون في العراق
في بداية الربيع، وقبل ظهور البراعم على الاشجار فان نوعاً من الشفافية المضيئة تغلف المدن البعيدة عن بغداد، ويملأ حدائقها هديل الحمام ، وان الاراضي التي تبدو ميتة قبل الربيع يملؤها الفلاحون الجالسون القرفصاء على حافات القنوات لاخراج جذور البنجر والخس ، وهم اناس متحفظون لايندمجون في صداقات مثل الفلاحين في فرنسا وايطاليا ، كما انهم مشغولون بكدحهم القديم الازلي، بحيث لا يلتفتون للنظر الى أي غريب وهو يمر ، ونساؤهم مرتديات السواد مثل البدويات، مع فيروزة صغيرة على احد جانبي الانف والحجول في اقدامهن ، وهن يحملن الحاصل الى السوق على رؤوسهن اذا كانت المسافة قصيرة ، اما اذا كانت طويلة فيحملنها معلقة على طرفي حمار ، واذا تم التحدث الى الفلاحين فانهم يفيقون من حلم أشغالهم ويجيبون باسلوب ودي بشكل كاف ، يجيبون عن كل شيء عدا الطقس، لان تقواهم لا تسمح لهم بالتنبؤ به حتى وان هددهم الفيضان ، لانهم متزمتين بالدين، وليس لهم استقلال ذاتي كالبدو.
وفي احد الايام دعيت فريا ستارك من قبل احد اصدقائها، وهو ايفان جست Evan Gust الذي كان يدير مزرعة في الرستمية على ضفاف نهر ديالى ، لمشاهدة الفلاحين المحتفلين بوليمتهم السنوية حول النار المشتعلة ،وكان ذلك في الايام الاخيرة من شهر رمضان ، وعند وصولهما شاهداً حشداً من الفلاحين قد تجمع في انوار الغسق الاولية، وان تحضيرات كبيرة تجري للطبخ في الجزء النسوي في اكواخ القرية ، وكان الجزء الحيوي في المنظر كله الزاوية اليمني بجانب الجامع، حيث تجمع الاولاد الصغار تحت امرة الملا.
ان الجامع صغير ومليء بالحصران المفروشة فوق الارض ، وهو مكان الوليمة التي امتازت بالصواني الكبيرة المحمولة على الاكتاف مع اكوام الرز الساخن ، وقد جلس حول كل صينية على شكل دائرة مجموعة من الاشخاص الذين خصصت لهم ، وحل الصمت عندما بدأ تناول الطعام . في هذه الاثناء راود فريا ستارك سؤال مفاده : لماذا نصف العرب يموتون بسبب سوء الهضم ، ففي رمشة عين فرغت تلك الأواني الكبيرة من الطعام، وحل محلها البرتقال.
خرجت فريا ستارك وايفان الى ساحة الجامع ، و شاهدت النسوة يأكلن ما تبقى من الوليمة ، اذ لايوجد لهن جزء رسمي ، بعدها تم اشعال النار التي كانت فريا ستارك تعشقها لانها تذكرها بأيام طفولتها عندما كانت تذهب مع اختها فيرا الى دارتمور بعد العشاء للرقص حول النار المشتعلة ، واصطف الرجال الشباب حول ألسنة اللهب المرتفعة بارتفاع الشجرة التي اعطت خشبها، وبدأ الشباب يغنون ويرقصون ويلوحون بالسيوف ، واخرج الافندية مسدساتهم وأطلقوا عيارات نارية في السماء ، وبدأ الاستعراض لرقصة حرب . ومع هدوء النار في رمادها وقرع الطبول ، تركت فريا ستارك وايفان الوليمة حيث وجدوا طريقهما بعيدا.

عن رسالة ( فريا ستارك واثرها السياسي والجتماعي ... )