الآثار الاقتصادية لقانون التعرفة الكمركية.. مسؤولية من؟

الآثار الاقتصادية لقانون التعرفة الكمركية.. مسؤولية من؟

د. كمال البصري

من المتوقع أن يبدأ العمل بتطبيق قانون التعرفة الكمركية من شهر شباط القادم. وينص القانون على فرض رسم جمركي على البضائع المستوردة غير الواردة في جدول تعريفة الرسوم الكمركية بنسبة لا تزيد على (20 %) من قيمتها، مؤكدا ان العينات والنماذج التي ليس لها قيمة تجارية تعفى من رسم،

كما راعى القانون في تطبيق احكامه التسهيلات الممنوحة بموجب قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 وتعديلاته على السلع المستوردة لاغراض مشاريع الاستثمار حصرا. ان القانون من الناحية النظرية يجب ان تكون له انعكاسات على: توجيه سياسة الاستيراد بالشكل المناسب لجهود التنمية وبما يكفل حماية المنتوج الوطني ورفع ايرادات خزينة الدولة، الا ان له آثار اخرى تتجسد في رفع تكاليف الانتاج وكلفة المعيشة.
ولا جدل في ضرورة ان يكون للعراق قانون للتعرفة الكمركية. الا ان هناك تساؤلات مشروعة تتمثل بما يلي: اذ كان الهدف من القانون هو حماية المنتوج الوطني وتعزيز ايرادات الدولة، فهل تم احتساب وتقدير الاثار الايجابية والسلبية؟. وبغير هذا الاحتساب وفي ظل الظروف الاستثائية التي يمر بها العراق قد نجد انفسنا كاسب الذي يغامر في ظلمات بحر هائج باحثا عن صيد.
الواقع الاقتصادي وقانون التعرفة: سوف نتناول الواقع الاقتصادي من زاوية الانتاج الصناعي والزراعي وانعكاسات قانون التعرفة عليهما وعلى رفاهية المواطن وعلى ايرادات الحكومة.
فمن الجانب الصناعي: انحسرت مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي من 7% إلى 1.5 %خلال المدة 1975-2008، ويهيمن القطاع العام على معظم الصناعة العراقية ونسبة 90%. وان الواقع الحالي لهذه القطاع العام والخاص منه يتلخص:
القطاع العام: وجود 67 شركة عامة تمثل بحدود 40% من إجمالي الشركات العامة في الدولة يعمل فيها بحدود (500) ألف منتسب وتحوي (251) معمل منها (176) معامل عاملة أي ما نسبته (70%)، اما المتوقفة وهي قيد التأهيل حاليا (17) معمل، والمعامل المتوقفة وهي ذات جدوى اقتصادية فهي (23) معمل، والصالحة الا انها متوقفة لعدم جدواها اقتصاديا (10) معامل، والمتوقفة ولا جدوى من اعادة تشغيلها فهي (25) معمل.
وان مشكلة الانتاج الصناعي في الغالب تعود الى: عدم قدرة القطاع العام على استكمال تأهيل الشركات، وان نسبة كبيرة من الصناعات لا جدوى من تأهيلها، واخرى لم تشمل بعد بدراسة الجدوى، ونسبة اخرى تعاني من الترهل والتقادم في الاجهزة والمعدات، وضعف القدرات البشرية. أضف الى ذلك استمرار ضعف البيئة الاستثمارية والتي تقف حائلا دون دخول المستثمرين لتأهيل تلك الصناعات.
القطاع الخاص: فأن واقع حال القطاع الخاص يعاني من الضعف والوهن كنتيجة لآثار الحصار والنقص الحاد بالتمويل والفجوة المعرفية-التكنولوجية بالاضافة الى احتكار القطاع العام بعض الممارسات الاقتصادية، وقد ادت هذه العوامل مجتمعة الى ضعف أدائه واصبح لا يشكل في احصاءات 2007 اكثر من 9% من تكوين الرأسمال. وقاد الواقع الحالي للقطاع الخاص الى تردد الجهات الحكومية في الاعتماد عليه (ونحن نشير بذلك الى محافظة بغداد والبصرة). وفي مجال القدرة التنافسية ضمن نطاق الميزة النسبية التي يتمتع بها العراق في المنطقة، لقد بلغ الامر من السوء ان اصبح سعر قنينة ماء صحي المصنع في المعامل الأردنية او الخليجية اقل بنسبة 10-20% عن سعر مثيله العراقي. ومن الجدير ذكره حاليا لا يتمتع اي من المعامل العراقية بشهادة النوعية العالمية (ايزو)، بل الابلغ من ذلك عدم تمتع معامل تصنيع وتعبئة وتوظيب التمور بشهادة النوعية العالمية (وهي اكثر الصناعات العراقية عراقة). والسؤال هل ان القانون سيعمد على تطور القطاع الخاص في ضوء ما تقدم؟
وتقف بيروقراطية الحكومة امام الصناعات الجديد بصور مختلفة منها عدم توفر الارض لقيام صناعات او نشاطات اقتصادية. يضاف الى ما تقدم ان موضوع الميزة الاقتصادية الانتاجية الذي لم يدرس لحد الآن لكي نستطيع توجيه استخدام التعرفة الكمركية بالشكل المناسب، و لم يدرس تداخل القانون مع التوجهات الخاصة بدخول منظمة التجارة العالمية. وازاء ما تقدم، نتسائل هل ان القانون في الامد القريب سيساهم في تطور سياسة الانتاج الصناعي؟
ومن جانب القطاع الزراعي: انخفضت نسبة مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 8% إلى 3.5 % خلال المدة (1975-2008). وان مشكلة ضعف الانتاج الزراعي تتجسد في عدة عوامل منها: انحسار الارض الصالحة للزراعة (بسبب الملوحة)، ارتفاع تكاليف الانتاج بسبب شحة وارتفاع اسعار الطاقة، وضعف البنى التحتية الساندة (الري والتسويق على سبيل المثال)، وعدم توفر السيولة النقدية الضرورية وبدائية طرق الزراعة والحالة التعليمية المتخلفة للمزارعين.
وخير مثال على تراجع الانتاج الزراعي هو ما حصل لانتاجية النخيل، حيث ان المؤشرات الانتاجية بدأت بالانخفاض منذ منتصف الستينات، بعدها جاءت عوامل الحروب والحصار. فقد انخفض مستوى انتاجية النخلة وعلى سبيل المثال في عام 2007 جاءت محافظتي صلاح الدين وواسط بالمرتبة الاولى بواقع 75 و 74 كغم/نخلة على التوالي في حين جاءت المحافظات الاخرى التي ينمو فيها النخيل كالنجف، ميسان, كربلاء، ديالى بمراتب متأخرة وبانتاجية تتراوح بين 44- 48.5 كغم/نخلة (المصدر: خطة التنمية الوطنية2014). ان هذا التباين يعود الى التغيرات التي تعاني منها البيئة الزراعية والمتعلقة بالمياه والملوحة. ورغم الميزة النسبية التي يتمتع بها العراق فقد خسر العراق موقعه في السوق التجارية لصالح السعودية وتونس والجزائر... الخ. ونستشف من ذلك ان تخلف الانتاج لم يكن بسبب سياسة الإغراق التجاري. وما ذكر عن التمور يمتد الى المنتجات الزراعية العراقية الأخرى (التي تتراوح بين القبول وعدمه) حيث تعاني محاصيل الحنطة والشعير من تدني جودتها بسبب ضعف مواصفاتها الانتاجية وقابليتها للتعرض للاصابة بالامراض. اما بقية المنتجات الاساسية كالشلب، الفواكه، الخضر، اللحوم الحمراء والبيضاء، فهي منتجات ذات قدرة تنافسية، لو تم تحسين العمليات الانتاجية والتسويقية. والسؤال المطروح: هل ان القانون سيعمد على تطور سياسة الانتاج الزراعي آخذين بنظر الاعتبار العوامل المشار اليها؟
ومن جانب رفاهية المواطن: فالعراق حاليا يستورد اكثر من 80% من المواد الغذائية، واكثر من 90% من المواد الرأسمالية. وعلية فان تطبيق القانون يساهم بشكل مباشرة الى رفع تكاليف المعيشة والانتاج وسوف يترتب على ذلك: ضعف القوة الشرائية للمواطن، واتساع رقعة الفقر وعمق الفقر
وارتفاع اسعار المنتجات الصناعية والزراعية، وزيادة الاعتماد على السلع الرخيصة نسبيا ذات النوعية الواطئة. والمستفيد حقا من ارتفاع الاسعار هي الصناعات ذات الانتاجية والنوعية المتواضعة والسلع والمواد ذات المواصفات الرديئة. واذا ما صح هذا التحليل فأن القانون بالتالي سيؤدي الى دعم الصناعة المترهلة على حساب رفاهية المواطن. والسؤال هل ان القانون سيساهم في تطور الرفاهية الاقتصادية في ضوء ما تقدم؟
ومن جانب الايرادات المتوقعة: فأننا نتوقع ان الايرادات سوف ترتفع من 420 $ مليون الى 840 $ مليون وتساهم في زيادة تنوع الموارد المالية للحكومة. الا ان المشكلة الاقتصادية لا تتجسد في نقص الايرادات، بل كشفت الاعوام الماضية عدم كفاءة استخدام الايرادات وفي انحسار دور القطاعات الاقتصادية الاخرى التي تساهم في زيادة قيمة الناتج المحلي الاجمالي. والسؤال ما هي القيمة الاقتصادية للايرادات اذا ما ساهمت في زيادة تضخم الجهاز الاداري الحكومي ومضاعف البطالة المقنعة.
مما تقدم نجد من الضروري التريث في تطبيق قانون التعرفة الكمركية الى ان يتم استكمال دراسة الجدوى الاقتصادية للقانون، والتعامل مع القانون كجزء من كل. والكل هو سياسة الاصلاح الاقتصادي بضمنها متطلبات انظمام العراق الى منظمة التجارة العالمية. ان غياب هذه التقييم قد يدخل الاقتصاد العراقي في متاهات غير حميدة العقبى.