خبراء: إمكانات وطاقات هائلة من الضروري الاستفادة منها لتطوير الاقتصاد الوطني

خبراء: إمكانات وطاقات هائلة من الضروري الاستفادة منها لتطوير الاقتصاد الوطني

بغداد/ علي الكاتب
تباينت آراء عدد من الاقتصاديين بمستقبل قطاع الصناعات المحلية بين امكانية تأهيله او تحويله نحو الاستثمارات الاجنبية على وفق رؤيتهم للطريقة المثلى لاستخدام في النهج الرامي الى تطوير الاقتصاد الوطني والنهوض به.

ويرى البعض ان توجيهه نحو الاستثمار السبيل الامثل للنهوض بواقع الصناعة الوطنية فيما يرى معارضون لهذا الرأي ان ذلك يعد هدراً للمال العام وتدمير للبنى التحتية وضياعا للامكانيات والكفاءات الصناعية المحلية.
وقال الدكتور صلاح عبود استاذ الاقتصاد الصناعي في جامعة بغداد: ان نظرية الاستثمار في قطاع الصناعات المحلية العراقية ضمن مبدأ اقتصادي وصناعي معروف عالميا ومتداول في معظم الدول الصناعية المتطورة في العالم ستحقق نجاحات باهرة في هذا المجال مطالباً القائمين على هذا الموضوع العمل على وفق هذه النظرية، وهي تمثل ركناً اساسياً من اركان النهج الاستثماري في قطاع الصناعة وهو مبدأ مهم من مبادئ السياسة الاقتصادية الناجحة في ادارة دفة المشاريع الصناعية الكبيرة.
وبيّن ان ذلك يعد من افضل الحلول المطروحة للنهوض بواقع الاقتصاد العراقي خلال المرحلة الراهنة، وذلك لأن المشكلة الحقيقية التي تعرض العمل بأي مشروع من المشاريع الكبيرة ليس عدم توفر الاموال الكافية بل انعدام وجود الآليات الحديثة والمعدات المطلوبة للعمل بأي مشروع من المشاريع وتوفر الخبرات البشرية ووجود التقنيات الحديثة ووسائل التكنولوجيا الحديثة، ومن هنا يأتي دور الاستثمار ضمن مبدأ المشاركة لإكمال العمل بتلك المشاريع وانجازها ضمن المدة الزمنية المحددة وخلاف ذلك يعني بقائنا ندور في دائرة أو حلقة مفرغة.
ولفت الى ان الدليل على ذلك بقاء الكثير من المصانع المحلية تعمل لغاية الان بمعدات قديمة وقابليات بالية ومستهلكة وقدرات متواضعة وبسيطة وعدم اطلاعها على التطورات الحاصلة في العالم وابتعادها عن المشاركة في الدورات التطويرية داخل وخارج العراق والاحتكاك بمنشآت صناعية عالمية متطورة في هذا المجال، وعدم وجود كوادر فنية او هندسية جديدة والاقتصار على الكوادر القديمة وعدم قيامها بتوظيف كوادر جديدة واستيعاب قوى العمل الموجودة في البلاد والتخفيف من حدة البطالة المنتشرة حاليا.
ورأى الخبير الصناعي في وزارة الصناعة لؤي البيضاني ان الاستثمار هو الحل الوحيد للنهوض بواقع الصناعة المحلية كونه يعد المجال الاوسع في استيعاب قوى العمل الموجودة حاليا والقضاء على البطالة ونقل التقنيات الحديثة في العمل الى الكوادر والملاكات الفنية والهنسية المحلية وزيادة مستويات الانتاج.
وقال ان توجه الدولة نحو الاستثمار في قطاع الصناعات يجعلها تضع جهودها كاملة نحو قطاع الخدمات وتطويره في عموم المحافظات كونها لا تحتاج الى اموال طائلة كما هو الحال في تأهيل قطاع الصناعات المحلية، والاستثمار من افضل الحلول خاصة للمصانع التي تمتلكها الدولة لكون المستثمر يقدم خطة لتطوير المصنع وتأهيله وبالتالي زيادة طاقاته الانتاجية مع توفير جميع مستلزمات العمل وتشغيل الأيدي العاملة الوطنية من دون ان يكلف الدولة مبالغ تذكر لكونها متعاقدة معه في هذا الجانب ومتعهدة بتوفير البنى التحتية لهذا القطاع بالكامل وهو لايمتلكه اي مستثمر الذي سيسهم في تطوير المنشآت الصناعية والتي ستؤول بعد انقضاء مدة العقد الى الدولة مجددا وهي في افضل حالتها ومحققة لانتاج يفوق قدراتها لسنوات طويلة.
واوضح ان قطاع الصناعة الوطنية من اهم القطاعات الاقتصادية والاكثر حيوية من دون القاء الغبن على القطاعات الاخرى الزراعية والخدمية وغيرها، بدلالة ان قطاع صناعة النفط لا يزال يحتل المرتبة الاولى والوحيدة في مجمل القطاعات المكونة للاقتصاد العراقي الرافد للميزانية المالية العامة للدولة العراقية، وهذا لا يعني البقاء ضمن هذه السياسة الاقتصادية لوجود مخاطر كبيرة تضر بالاقتصاد الوطني من جراء اعتماد مصدر قطاعي وحيد للميزانية المالية وموارد الدولة المادية.
وأكد ان الاستثمار لا يفهم منه خصخصة المصانع الحكومية بل اعادة تأهيلها وادامتها لتصبح قادرة على المنافسة محليا وعالميا، لاسيما ان العراق مقبل على مرحلة جديدة من الانفتاح التجاري والصناعي والاقتصادي والانضمام لمنظمة التجارة العالمية خلال السنوات المقبلة، خاصة ان الكثير منها اصبح لا يواكب التطور الصناعي العالمي ورداءة المنتج وعدم وجود العامل التشجيعي والحافز لدى العامل في المصانع الحكومية الذي اصبح اشبه بموظف اداري يقبض راتبه في نهاية الشهر من دون الرغبة في العمل الحقيقي والابداع في الانتاج، وعدم ادخال الطرق العلمية في وسائل الانتاج واعتماد الطرق التقليدية القديمة في العمل.
وبيّن ان الكثير من مصانع وزارة الصناعة والمعادن تعرضت الى الدمار والاضرار الكبيرة التي لحقت بها من جراء الاحداث في السنوات الاخيرة الماضية مما جعلها تصبح خارج العملية الانتاجية والصناعية الامر الذي يتطلب سرعة تأهيلها وعودتها الى سابق عهدها، وهو ما يبرر التوجه نحو الاستثمار والاعتماد عليه في عملية تأهيل تلك المصانع والشركات، خاصة امتلاكها لأموال كبيرة تمكنه من اعادة تأهيلها وعودتها الى مجال المنافسة مع القطاع الخاص من جهة والشركات الصناعية الاجنبية من جهة اخرى.

الاستثمار لا يتعارض مع خطط التنمية..
فيما قال احمد حسين البهادلي الخبير المالي في شركة السحاب للتحويل والتأمين المالي ان الاستثمار لن يؤثر كثيرا في خطط التنمية ولا يتعارض معها بل هو مكملا لها وجزءا اساسيا في اجندة عملها للمرحلة المقبلة، لاسيما انه سيعمل على اعادة الوجه الحقيقي للصناعة المحلية ويضعها في مصاف القطاعات الحيوية في الاقتصاد المحلي وركنا اساسيا ضمن خططها التنموية في جميع المجالات، من خلال تشغيل الايدي العاملة والقضاء على البطالة بكل انواعها واستخدام للتقنيات الحديثة المعمول بها عالميا، على ان يتم ذلك من خلال آليات معينة وسياقات محددة للقيام بمشاريع استثمارية تسهم في النهوض بقطاع الصناعات المحلية.
بينما يقول مدير التنمية الصناعية بوزارة الصناعة والمعادن عباس نصر الله ان هناك عدة مقترحات من الواجب اتخاذها للنهوض بالقطاع الصناعي الخاص وتطويره للقيام بدوره الحقيقي وممارسة دوره المطلوب والمساهمة الفعالة في الاقتصاد الوطني وقيادته، والتي تتمثل في توفير مصادر التمويل وبشروط ميسرة واعادة بناء المجمعات الصناعية الحالية وبناء مجمعات صناعية جديدة في بغداد والمحافظات وتأهيل البنى التحتية بشكل متكامل وانشاء مجمعات ومدن صناعية انموذجية في البلاد، وأخذ الامر بجدية من خلال تخصيص ميزانية لتلك المشاريع، كما يتطلب ذلك وضع السياسات والتشريعات الخاصة بمنع التدفق العشوائي للسلع والبضائع من خارج العراق والاستيراد غير المنضبط من خلال تفعيل دور الجهات الرقابية كالجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية والهيئة العامة للكمارك والرقابة الصحية ودوائر الأمن الاقتصادي، وكذلك تشريع وتنفيذ قوانين ذات الصلة بالموضوع.
واضاف ان هناك حلول سريعة من الضروري امداد تلك المجمعات الصناعية بالطاقة الكهربائية وكذلك استثنائها من القطع المبرمج خاصة خلال ساعات العمل اليومية على اقل تقدير، بهدف دعم القطاع الصناعي وتخفيف بعض العبء عنه وتحقيق الهدف العام من وراء ذلك وهو النهوض بواقعه ليأخذ مكانته الحقيقية من جديد، كما ان الصناعة العراقية بشكل عام والقطاع الصناعي بشكل خاص تعرض لنكسات متعددة ابتدأت بقرارات التأميم في بداية العقد السبعيني من القرن الماضي مرورا بالحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن ذاته وفرض الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي في تسعينيات القرن العشرين في اعقاب غزو الكويت وانتهاءا بالظروف الصعبة التي تلت سقوط النظام السابق والتي ادت الى تدهور قطاع الصناعات العراقية بشكل كبير.
وتابع لقد تبنينا مشروع قانون السماح للمستثمر الاجنبي للاستثمار في القطاع الصناعي، اضافة الى القانون الحالي، والسماح بزيادة الاعفاءات الضريبية من ضريبة الدخل، والمديرية معنية بذلك من خلال متابعة المشروع الصناعي في العراق ودور القطاع الخاص فيه ابتداءا من منح الاجازة لممارسة مشروعه الصناعي المطلوب، مرورا بالتشغيل والتنفيذ بعد استحصال شهادة التأسيس والعمل ضمن النطاق التجاري والاستمرار بذلك طيلة عمر المشروع بالتنسيق مع الجهات القطاعية الاخرى ذات الصلة بالموضوع والتي لها علاقة بإنشاء وتشغيل القطاع الصناعي مثل الدوائر البلدية وعقارات الدولة لتخصيص الارض المناسبة لإقامة المشروع الصناعي ودوائر البيئة والوحدات الادارية الخاصة لمطابقة المشروع الصناعي للشروط الواجب توفرها مع دوائر الكتّاب العدول لتسجيل المشروع باسم صاحبه والتوثيق ومع الدوائر الصحية فيما يخص الصناعات الغذائية والكيمياوية مع وزارات الدولة الاخرى فيما يتعلق بتجهيز المشاريع الصناعية المجازة بمتطلبات عملها وتجهيزها بالمواد الاولية ومساعدتها في ذلك في حال توفرها لدى الجهات الحكومية على سبيل المثال تقوم دوائر وزارة النفط بتجهيز المحروقات لاصحاب المشاريع الصناعية لصناعات البلاستيك وكذا الحال بتجهيز مواد البتروكيمياويات وتجهيز مادة الامونيا لمعامل الثلج ايضا.
فيما يقول الخبير الاقتصادي ضياء الرفيعي ان عرض المنشآت الصناعية امام الخصخصة والاستثمار برغم وجود الكثير من الكفاءات والامكانيات الوظيفية والقدرات الفنية في تلك المنشاءات الصناعية ممن لها خبرات وقابليات في اعادة تأهيل تلك المصانع ومسيرة حافلة بالعمل الدؤوب الذي شهد الكثير من الانتكاسات في العمل والتي تم التغلب عليها من دون اللجوء الى الخصخصة او الاستثمار، بدلالة ان المنتجات والسلع الموجودة في الاسواق لا تحمل المواصفات العراقية القياسية بل انها ذات مواصفات ردئية على خلاف المنتجات التي كانت تصنعها المصانع العراقية الذي كان ينافس المنتج العالمي ويتغلب عليه في بعض الاحيان والذي كان يخضع لشروط جهاز التقييس والسيطرة النوعية، وما خروجه من دائرة المنافسة مع المستورد الردئ الا بسبب رخص قيمة الاخير والذي لا يحمل اية مواصفات جيدة.
ويضيف ان الحكومة لو استطاعت توفير ميزانية مالية وتخصيصات مناسبة لوزارة الصناعة مع الاعتماد على الكفاءات والخبرات الصناعية المحلية لتمكنت الاخيرة من النهوض بواقع مصانعها وشركاتها الانتاجية وتأهيلها بالشكل المطلوب من دون الحاجة الى الاستثمار او التوجه نحو خصخصة القطاع الصناعي الحكومي وتسليمه الى القطاع الخاص، خاصة اذا كانت الميزانية الخاصة بوزارة الصناعة لا تنسجم مع امكانيتها وحجم شركاتها ومصانعها المنتشرة في عموم المحافظات ودورها المطلوب في العملية الاقتصادية للبلاد وتوفير موارد مالية كبيرة للعراق خلال المرحلة الراهنة والمستقبلية.