ألبرتو مورافيا حدقة المبدع المنتجة للدهشة

ألبرتو مورافيا حدقة المبدع المنتجة للدهشة

خليل قنديل
بعد مئة عام على ولادته، ما زال الكاتب الايطالي الراحل ألبرتو مورافيا قادراً على اقتيادنا إلى ذاكرة قرائية تتسم بدسم الاقبال الأول على قراءات في الأدب العالمي، ذاكرة كان فيها القارئ العربي المختنق برومانسية النتاجات السردية، يذهب إلى مساحة قرائية طلقة ومعافاة تجعله يتنفس هواء القراءة المتخلصة من لوثة المثاليات اللغوية والانشائية،

ذلك الهواء الذاهب نحو تلمس أدق التفاصيل السيكولوجية للانسان المعاصر..
إن الأعمال الروائية التي قدمها الروائي الايطالي البرتو مورافيا كانت وحينما تُترجم إلى العربية تفقد فرقها الزمني في تاريخ كتابتها، لتصبح حال قراءتها وكأنها وليدة اللحظة التي يعيشها الانسان العربي والعالمي عموما.ً.
ذلك ان النهج الكتابي لالبرتو مورافيا في سرده الروائي لم يكن خاضعاً للآني الإنساني ومضارعة القابل للاندثار والتآكل حال انتهاء صلاحيته الزمنية.. بل ظل يحافظ على ذاك البهاء الذي يستنهض فعل التأمل والتأويل في كل قراءة جديدة..
وألبرتو مورافيا المولود عام 1907يؤكد مثل كل المبدعين على ضرورة أن تكون المرجعيات الانتاجية لولادة المبدع لها علاقة بالخروج عن الاعتيادي والسائد..
فألبرتو مورافيا المولود لأب يهودي وأم كاثوليكية، ومن طبقة ثرية وميسورة بعض الشيء، تعيش في عاصمة مثل روما التي تكاد تكون من العواصم الأبدية. وعانى من تقاعده المبكر عن الدراسة وجلوسه في البيت لخمس سنوت بسبب اصابته بمرض السل. كان عليه أن يحمل كل هذا الاختلاف في التلاقح كنتاج ويدخل بمبضعه الكتابي إلى أدق التفاصيل النفسية لطبقته وحراكها الاجتماعي ليقود كل ذلك إلى مساحة البوح الجارح..
ومن يعاود قراءة نتاجات البرتو مورافيا الروائية لابد وأن يلحظ تلك الحنكة في البحث عن أدق تفاصيل الروح الانسانية، والعمل على تثويرها وانهاضها من جديد بتأثيثات وتسميات جديدة..
وقد كانت عناوين بع رواياته تكفى كي تكون مفتاحاً للدخول إلى عوالم سيكولوجية ثرية. فمن يقرأ عنوان روايته"الاحتقار"لابد وأن يذهب إلى تلك الحالة الموجعة التي يواجهها الإنسان المحتقر من قبل أنثى، والتي تجعل من القارئ ذاته يبحث وتحت قسوة حفر مورافيا، عن الجهة القابلة للاحتقار في ذاته، وخصوصاً في الجانب العلائقي بين الرجل والمرأة في الحياة الزوجية..
والحال فإن نهج العنوان ومفتاحه ينطبق ايضاً على رواية"السأم"التي تجعل القارئ يرغب في مغادرة الحدود اللحمية لجسده تحت وطأة القهر الوجودي والحياتي..
وفي روايته الأولى"زمن اللا مبالاة"التي اتسمت بالنهج الوجودي كشف مورافيا عن تدميرات الحرب التي تقود عائلة إلى التعاون مع الفاشية الايطالية..
وقد اعتمد مورافيا في مجمل نتاجاته الروائية والقصصية على البحث الحافر والعميق في المسألة الجنسية وتعيدات دوافعها. .
وربما تكون روايته"أنا وهو"من أهم الروايات العالمية التي استطاعت محاورة البدن الجسماني الإنساني في أدق تعقيداته الجنسية..
ولم تتسم كتابة الروائي الايطالي الراحل مورافيا بذلك الأسلوب اللغوي الانشائي السميك، بل كانت لغته السردية متدفقة في خفتها ورشاقتها بأسلوب يكاد يقترب احياناً من لغة الريبورتاج الصحفي..
وربما هذا النهج العفوي في الكتابة عند مورافيا هو الذي جعل معظم اعماله تتحول إلى أفلام سينمائية، قادرة على ما أراد مورافيا ايصاله إلى جمهوره..
وقد كان يقابل هذا الدفق الكتابي لمورافيا حياة خصبة عاشها في روما وفي عواصم عالمية عديدة..
حياة استطاع فيها مورافيا ان يمتلك تلك الحدقة القادرة على اصطياد العادي الانساني العبر وتحويله إلى مشاهدة جديدة اقل ما يقال عنها، انها مشاهدة مثيرة ومدهشة..
عن المصري اليوم