شعوبي و صداقة مع الجوزة

شعوبي و صداقة مع الجوزة

سمير حنا
صداقة عمرها 28 عاما:
حدث ذلك في "سالزبورغ" بالنمسا كان هناك عازفون من مختلف انحاء العالم، مدعوون للعزف على مختلف الآلات الموسيقية، وكنت انا بينهم مع آلتي الصغيرة (الجوزة).
وبعد إنتهاء الحفلة، تقدم مني عازف شهير على (الكونترباس) وهي آلة وترية ضخمة، يكاد طولها يعلوا على قامة عازفها وقال: لي عندما سمعتك تعزف على (الجوزة)،

فكرت بالقاء (الكونترباس) في النهر!
فآلتك الصغيرة إستطاعت ان تخرج جميع الانغام بصورة متكاملة، وهذا ماتعجز عنه آلتي الكبيرة!.
هذه الحادثة الطريفة، رواها لي الفنان شعوبي إبراهيم، عندما التقته (الاذاعة والتلفزيون) ليحكي لنا تاريخ صداقته مع (الجوزة).

* يقال إنك الوحيد الذي يعزف على هذه الآلة؟
- كنت الوحيد فعلا إلى عام 1971 حينما افتتح معهد الدراسات النغمية، وتم اختياري لتدريس الجوزة فيه، خوفا من اندثار هذا اللون من العزف.. ولي الآن تلاميذ يجيدون ذلك، منهم كاظم جاسم وداخل احمد الذي تم تعيينه كمعيد في المعهد نفسه. كما يفرحني ايضاً، ان هناك طالبات في المعهد، إتجهن الى تعلم العزف على (الجوزة).
* لماذا اخترت (الجوزة) دون غيرها؟
- انا لم اخترها.. هي التي اختارتني فانا سابقاً كنت اعزف على العود والكمان وبعد تخرجي في معهد الفنون الجميلة عام 1950 إختارتني المسؤولين في الاذاعة لاعزف على (الجوزة) ، ولم يكن هناك من يعزف عليها، سوى عازف واحد.
فبدأت اتدرب على (الجوزة) حتى اتقنت العزف عليها.
المحرر: "سابقاً، كان تعليم العزف على هذه الآلة، يعتمد على السماع هذا ما يقوله شعوبي".
* والآن؟
- وضعت منهجاً لها، بحيث يجري تعليمها إعتماداً على النوتة، وكان ذلك عندما توليت تدريسها في معهد الفنون الجميلة عام 1958.
لماذا التسمية؟.
وينتقل بنا الحديث الى تاريخ هذه الآلة الصغيرة.
يقول شعوبي : الجوزة آلة قديمة، وقد ذكرها مثلا حسين إبن زبلة، في كتابه المخطوط (الكافي في الموسيقى) ، والذي يعود الى العصر العباسي، بقوله ومن الالات التي تساوي الخلوق الناي والسرناي والرباب، .. والرباب ذوات اوتار تجر بواسطة القوس".
كما ذكرها (إبن سينا) و(الفارابي)، وقد ذكرها ايضا الدكتور صبحي انور رشيد في كتابه (الآلات الموسيقية)، والرباب لا تمت بصلة الى (الربابة) التي نعرفها اليوم، ذات الوتر الواحد.

* لماذا سميت بالجوزة؟
- لأن الصندوق الصوتي لها هو عبارة عن جوزة هند مقطوعة من الجهتين، وتسميتها هذه حديثة.
وتتكون (الجوزة) ايضا من زند خشبي من النارنج طوله قدم ونصف وينتهي باربعة مفاتيح من الخشب النارنج ايضا اما الطرف الاخر فينتهي بالصندوق الصوتي، المتصلة به قطعة من الحديد، ترتبط بالاوتار بواسطة مشط خاص من جهة، وبالمفاتيح من جهة اخرى.
وتوجد على الصندوق الصوتي خشبة صغيرة تسمى (الغزالة)، ترتكز عليها الاوتار الاربعة، وبواسطة هذه الغزالة يرتجف الجلد، وهو جلد السمك (الجري) او السمك البحري عادة!.
اما القوس فيتكون من عصا يشد عليها شعر ذيل الفرس!.
ويعتقد شعوبي ان الكمان الغربي هو تحوير عن (الجوزة)، ثم تطور (الكمان) الى آلة وترية اكبر منه تدعى (الجلو)، التي كبرت ايضا فاصبحت (الكونترباسى) وتبقى الجوزة اقدم من كل هذه الآلات من الناحية التاريخية.
ويشير احد الموسيقيين الى وجود آلة موسيقية، تكاد تماثل (الرباب) في كل قطر عربي، ففي الجزائر مثلا هناك آلة تشبه (الجوزة) وتختلف عنها بالصندوق الصوتي إذ يصنع من ظهر (السلحفاة) ، اما الرباب التونسي فمصنوع من صندوق خشبي مجوف.. وتختلف هذه الآلات فيما بينها بعدد الاوتار ايضا.
مستقبل الجوزة الموسيقي.
* الجوزة آلة رافقت المقام العراقي.. ولكن ما هو مستقبلها في الموسيقى العراقية؟
- لقد ادخلت الجوزة الى بعض الاغاني الحديثة التي سجلت للاذاعة، مثل (على وشواطيء دجلة مر)، وفي اغنية لفؤاد سالم وايضا استخدمت في عزف قطعة موسيقية لعلاء كامل اسمها (احبك يا بلادي). من هذا نجد ان بامكان الملحنين استخدامها بشكل مناسب في الاغاني الحديثة.
* هل هناك صناع متخصصون في عمل (الجوزة)؟
- إعتاد كل عازف على الآلات التراثية ان يصنع آلته بنفسه فانا اقوم بصنع (جوزتي)، وتبلغ كلفة الآلة الواحدة حوالي 30 ديناراً.
وللجوزة اربعة اوتار، الأول يسمى (الحسيني) والثاني (الدوكاء) والثالث (النوى) والرابع (الكردان).
* ألم تفكر بتسجيل اسطوانات تضم عزفاً منفردا على (الجوزة)؟
- سجلت لي منظمة اليونسكو 3 اسطوانات ، تم توزيعها على جميع انحاء العالم، وكل إسطوانة يحمل غلافها صورتي الى جانب (الجوزة).
المحرر: "والطريف ان شعوبي لم يشتر واحدة من إسطواناته المذكورة .. لأنها غالية السعر.. كما يقول!
إذ تباع الواحدة بـ اربعة دنانير ونصف!! تقريباً.
اخيراً.. شعوبي إبراهيم واحد من اوائل مؤسسي (الجالغي البغدادي)، عام 1950، وما زال مستمراً يعزف فيه حتى الآن، ويقول ان فرقته مطلوبة دائماً في الحفلات والافراح البغدادية..
وهذا دليل على أصالة ما يقدمون من موسيقى واغانٍ.

مجلة الاذاعة والتلفزيون
ايلول 1978