قيمة نور الشريف التنويرية

قيمة نور الشريف التنويرية

حمدى عبد العزيز
ربما لم يكن نورالشريف هو أفضل ممثل في تاريخ السينما والدراما المصرية لكنه بلا أدنى شك ظل يتمتع بمكانة رفيعة - يستحقها عن جدارة - بين كل نجوم السينما والدراما المصرية عبر تاريخها الطويل..


بل أنني أستطيع أن أزعم أن نور الشريف يستحق مكانة رفيعة في الثقافة المصرية لما تميز به عن غالب السابقين عليه والمعاصرين له وحتى الأجيال الحالية من نجوم التمثيل المصري ؛
صحيح هناك قامات باسقة من عباقرة فن التمثيل في مصر من أمثال نجيب الريحاني، واستيفان روستي، وصلاح منصور، وثناء جميل، وفاتن حمامه، والرائعة سعاد حسني وعمر الشريف، وحسن البارودي، ومحمود مرسى، وعادل أدهم، وسميحة أيوب، وفريد شوقي ومحمود حميده و عملاقي مدرسة التشخيص و التقمص الراحلين محمود المليجي، وأحمد ذكي وآخرين غيرهم، ولكن نور الشريف كان لديه تفرد خاص به تجلى في الآتي:
1- أن نور الشريف - بالإضافة لكونه ممثلا موهوبا - كان دارسا جيدا للأدوات التعبيرية للسينما ملما بكافة عناصرها إلماما عميقا، واعيا بتاريخ السينما العالمية وبمدارسها ومناهجها المختلفة والمتنوعة وبالتالي لم يكن مجرد ممثل أو منتج في بعض الأحيان فضلا عن تجاربه القليلة في الإخراج السينمائي والمسرحي وهذا مااتضح جليا في منذ أن بدأ مسيرة اختياره لأدواره وافلامه التي أنتجها بنفسه منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي بداية بفيلمه الجرئ (قطة على نار) عن قصة الكاتب الأمريكي الأشهر تينسي ويليامز (عربة اسمها الرغبة) والتي قدم فيها دورا لم يكن أي ممثل من نجوم تلك المرحلة يجرؤ على تجسيده وهو دور لاعب كرة قدم يمارس المثلية جنسية تجمعه بزميله في فريق الكرة (الذي جسده الممثل اللبناني شوقي متى) و فى هذا الفيلم لم تكن جرأة نور في قيامه بهذا الدور الجديد على السينما المصرية بل في مغامرته وهو منتج الفيلم بتقديم مخرج جديد لأول مرة في فيلمين في وقت واحد هما (دائرة الإنتقام)، و(قطة على نار) ذلك هو المخرج (سمير سيف) الذي أصبح فيما بعد من أهم مخرجي السينما المصرية ؛
ثم تقديمه لمخرج آخر شاب هو المخرج (محمد خان) في فيلم من إنتاجه أيضا وهو فيلم (ضربة شمس) وقبل ذلك بخمس سنوات في عام 1972 كان قد قدم المخرج سعيد مرزوق في فيلم (الخوف) بالإضافة إلى مغامرته الكبرى كنجم مع المخرج الرائع عاطف الطيب في أول افلام الشاب عاطف الطيب الذي لم يكن أحدا يعرفه في هذا الوقت بينما نور الشريف هو الفنان الذي دخل مطلع السبعينيات وهو نجم نجوم السينما المصرية ونجم شباكها الأول بعد منافسة مع فتاها الأول في اواخرالستينيات الممثل (محمود ياسين) حسمت لصالح نور الشريف
الذي لم يركن إلى روح الاستقرار في القمة وتحمس لتجارب الشبان الجدد مغامرا بنجوميته لصالح السينما المصرية فعمل مع عاطف الطيب في أول أفلامه (الغيرة القاتلة) عام 1982 ثم تبعه بايقونة من ايقونات السينما المصرية هو فيلم (سواق الأتوبيس) الذي قدم فيه نور واحدا من أروع أدواره ؛
وهذا يدل على أن نور الشريف لم يكن يكتفي فقط بدوره كممثل ولكنه كان في حالة بحث للسينما المصرية عن عناصر إبداعية جديدة تجدد شبابها وتثريها وهكذا فقد ساهم بوعيه وثقافته السينمائية العميقة في تقديم جيل من أبدع مخرجي السينما المصرية في جيل السبعينيات مثل سمير سيف، وسعيد مرزوق، وجيل الثمانينات الذي غير وجه السينما المصرية مثل عاطف الطيب، ومحمد خان، وداود عبد السيد الذي قدم معه فيلمه الأول الصعاليك ؛
2- لم يكن نور الشريف صاحب ثقافة سينمائية رفيعة فحسب بل كان على ثقافة ووعي إنساني أشمل تجلى في اختياراته لأدواره وموضوعات أفلامه فهو عندما بدأ إنتاجه السينمائي بدأه برواية الأديب الأمريكي تينسي ويليامز (عربة اسمها الرغبة) ومثل في العديد من الروايات المأخوذة عن روايات عالمية (الأخوة الأعداء)، (سونيا والمجنون)، (الشياطين)، (الرغبة) وغيرها من أعمال، هذا فضلا عن قيامه بالعمل في غالب الأعمال السينمائية التي قدمت عن روايات نجيب محفوظ مثل (السكرية)، (قصرالشوق)، (السراب)، (الشيطان يعظ)، (قلب الليل)، (أهل القمة)، (عصر القوة)، (دنيا الله) وغيرها من الأعمال الأدبية التي انتقلت إلى شاشة السينما المصرية هذا بالإضافة للحرافيش كعمل درامي في التليفزيون المصرى ؛
عندما جسد نور الشريف لشخصية (جعفر الراوي) في تحفة عاطف الطيب (قلب الليل) عن رواية نجيب محفوظ لم يكن نور الشريف الممثل فقط هو الذي يستطيع تقديم هذه الشخصية بتناقضاتها وأفكارها الشديدة التضارب والتغير وباعماقها النفسية الشديدة التعقيد والتدهلز معا
لم يكن سيقدم تلك الشخصية بهذا الأداء المبدع الرائع إلا لو كان مدركا لطبيعة التيارات الفلسفية والمعرفية التي مرت علي الإنسانية ولاتلك التعقيدات الاجتماعية وتشابكها بالنوازع والدوافع الإنسانية وتأثر النفس البشرية بها،
لقد ظهرت ثقافة نور الشريف ودرايته بالمجتمعات والبشر في أدائه لتلك الشخصية الفريدة التي أبدعها اديبنا الكبير نجيب محفوظ تماما كما أدى شخصية يحيى في (حدوته مصرية) مع يوسف شاهين أو شخصية وكيل النيابة في (يوميات نائب في الأرياف) لتوفيق الحكيم، وهي أدوار لايمكن أن يؤديها إلا مبدع في مثل وعي وثقافة وعمق نور الشريف و إلمامه بقضايا الإنسان السياسية والثقافية والاجتماعية وذلك ماكان ينعكس على بعض آرائه ومداخلاته في النقاش العام حول بعض القضايا بغض النظر عن مبلغ رضانا أو عدم رضانا عنها ؛
3- لقد قدم نور الشريف مايقترب من الثلاثمائة عملا فنيا سواء في السينما أو المسرح أو التليفزيون تنوعت فيها القضايا والتناولات لفترات هامة من تاريخ مجتمعنا منذ الثلاثية ومروراً ب (الأقمر)، (الكرنك)، (حائط البطولات)، (أهل القمة)، (العار)، (زمن حاتم زهران)، (المذنبون)، (سواق الأتوبيس)، (ليلة ساخنة)، (دم الغزال)، (اختفاء جعفر المصري)، (المصير)، (عمارة يعقوبيان) وغيرذلك وانتهاءً بفيلمه الأخير (بتوقيت القاهرة) وكذلك اهتمامه بالقضية الفلسطينية الذي جعله يقوم بعمل ك (ناجي العلي) عن رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي اغتيل بأياد عبرت عن إرادة أنظمة عربية عميلة و إرادات فلسطينية وصهيونية كانت تسعى لتغييب ذلك الرسام الفلسطيني الذي كان معبرا عن الضمير الوطني الفلسطيني والعربي في مرحلة كانت تتم فيها مسارات تفاوضية لم يكن مطلوبا أن يكون ناجي العلي كاشفا لها ولذلك فقد تسبب هذا الفيلم في متاعب كثيرة لصانعيه وعلى رأسهم نور الشريف ؛
لذلك كله فقد استحق نور الشريف مكانة بارزة في حياتنا الثقافية شأنه شأن كبار مبدعي هذا الوطن.

عن المصري اليوم