سيكولوجيا العلاقات الجنسية

سيكولوجيا العلاقات الجنسية

بغداد/ أوراق
العلاقة الانسانية العاطفية التي تربط الذكر بالأنثى هي بالأساس نوع من الجنسية النفسية، تتحقق بموجبها السعادة شرط ان تتوفر جميع عناصرها: الجنس والحب والحنان والصداقة، وِإلا ستفقد الكثير من نكهتها وطعمها. دراسة تكشف عن مجاهل هذه العلاقة ضمنها الباحث ثيودور رايك في كتابه (سيكولوجيا العلاقات الجنسية) والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة ثائر ديب.

مبيناً ان الدراسات والبحوث التي عالجت مشكلات الجنس تراكمت حتى وجد الباحث نفسه عاجراً عن تحقيق ما يصبو اليه.. وتبرز الصعوبة الكبرى عندما يحاول المرء أن ينسى في البداية كل ما قرأه أو سمعه من قبل، وينظر في الظواهر كما لو أنه يواجهها للمرة الأولى، دون أفكار سابقة. ومن هذا المنطلق يباشر ثيودور رايك مقاربته سيكولوجيا العلاقات الجنسية، دون أن تستعبده، كما يقول، علاقته السابقة الوثيقة بمدرسة التحليل النفسي الفرويدي، بل على العكس، فإن مقاربته هذه تقوم، أساساً، على نقده الصارم لهذه المدرسة مقيماً صرح ما يطلق عليه اسم التحليل النفسي-الجديد، والذي يعدّه رايك ثورة في الثورة. وبصرف النظر عن صوابية رايك أو فرويد، فإنه يبقى مثيراً ومثقفاً أن نرى تلميذاً لامعاً آخر من تلاميذ فرويد المقرّبين يخرج على مدرسته مطوّراً ما يعتبره صائباً في هذه المدرسة، وناقضاً ما لا يراه كذلك. ففي القسم الأول من هذا الكتاب نرى رايك ينهال بالنقد على نظرية اللبيدو الفرويدية بجرأة وإقدام نادرين، وذلك من خلال مراجعة شاملة لكتاب فرويد الشهير (ثلاث مقالات في النظرية الجنسية). ولكن النقد عند رايك لا معنى له إن لم يكن بنّاءً وإنْ لم يقدم شيئاً أفضل يحلّ محلّ المفهوم الخاطئ، ولذلك فإننا نرى في هذا الكتاب تفسيراً آخر للجنسية الطفلية والانحرافات والتصعيد والعصاب، وعقدة أوديب. غير أن موضوع رايك الرئيس، الذي يشيده بحجارة النقد، هو التفريق بين الرغبة الجنسية والحب الرومانسي. وهكذا نراه يغوص في مجالات معقدة من الغرائز والانفعالات البشرية، متتبعاً تيارات ثلاثة إلى منابعها المختلفة: الدافع الجنسي، دوافع الأنا والحب، ومتقصياً إدغام هذه التيارات في دفق واحد من السعادة، أو انفصالها وتعارضها. وفي سياق بحث رايك المثير في دوافع الأنا والدافع الجنسي والحب، نجد أنه يجيب عن الكثير من الأسئلة التي تواصل زرع الحيرة والبلبلة لدى رجال ونساء اليوم ما هي علاقة الحب بالثقافة وتطورها؟ أيمكن أن يكون ثمة إشباع جنسي دون حب هل نتغاضى عن العلاقات الجنسية غير الشرعية ونعتبرها ميلاً سويّاً عادياً؟ هل ثمة ما يمكن أن ندعوه جنساً أحادي الجانب. وليست هذه، بالطبع، إلا بعض الأسئلة التي يناقشها ويحللها المؤلف. ويمكن قول الكثير عن اسلوب رايك الحواري وزخرفته في حقول الأدب والفكر والتاريخ. فيقول: من الواضح ان علاقة الحب لا تكون ممكنة عندما يستعمل احد الشريكين تفوقه لقهر الآخر، بل ان تحقق احدهما من ان الآخر يمارس عليه جوراً يخلف لديه أثراً باقياً، وان لم يكن غير واع يعبر عن نفسه بنقمة خفية. ومنبه الحقد قوي أيضاً وعلى نحو مدهش لدى من يقران ان احدهما يحب الآخر. والضغينة والمرارة يمكن ان تبقى حية لزمن طويل بعد ان يكون قد تم نسيان باعثها. ودليلاً على ذلك يروي لنا هذه الحكاية: تزوجت فتاة من رجل كان يبدو لفترة طويلة وكأنه غير مبال باعجابها الصريح به. وبعد فترة بدأت تشعر تجاهه بنقمة ثابتة خفية. صارت تكرهه ولم تستطع ان تغفر له لشعورها بالاذلال الناجم عن انقلابه.. مشيراً الى ان تجريد المرء من احساسة بقيمته ككائن بشري يماثل إلقاءه في الظلمة الحالكة للنفور من الذات، وتلك الظلمة هي نفسها التي انقذه الحب منها. وعندما يتبين الرجال والنساء فجأة انهم كفوا عن ان يكونوا محبين لمن أحبهم يقولون انهم يشعرون كما لو انهم يموتون، وهذه ليست مبالغة مفرطة، فذلك يعني انهم عرضة لقلق يشابة خطر الموت، وهم لا يعلمون ان هذا الخطر آت من الداخل من نزعات تدمير الذات في الطبقات العميقة من العقل اللاواعي.. ومن الواضح انه ما من شخص يمكنه ان يثير جنسياً وبشكل متعمد شخصاً آخر لفترة من الزمن مهما تطول ويمكث هو نفسه ساكنا على الرغم من ذلك. كما ان التماهي اللاواعي للشخص المهيج مع المهيج يمتلك قدرة انفعالية أعظم تمثل القدرة غير الواعية التي تحوزها استجابة الشريك عنصراً جديداً في ديناميات الجنس. لقد أراد رجل الكهوف اشباع الحافز الجنسي الضاغط وحده، ولم يكن يبالي بما تشعر به المرأة. اما الرجل المثقف من زمننا فقد اصبحت استجابة المرأة ضرورة انفعالية، وغيابها يضر باشباعه الجنسي والانفعالي الخاص. ونحن منساقون الى نتيجة مفادها ان بعض التغيرات السيكولوجية التي نجهل طبيعتها هي التي ايقظت هذه الحاجة الجديدة.