الإرث المشترك للعرب والإسبان في النسخة العربية لكتاب  ابن خلدون  الصادر عن مكتبة الإسكندرية

الإرث المشترك للعرب والإسبان في النسخة العربية لكتاب ابن خلدون الصادر عن مكتبة الإسكندرية

متابعة / أوراق
الإسكندرية في 13 تموز- يعتبر ابن خلدون نتاجا طبيعيا للحضارة الإسلامية العربية، التي توهجت وبلغت ذروتها في القرن الرابع عشر، ونموذج للعولمة والكونية التي نعايشها الآن. فقد تخطى الستار الزمني الذي يفصله عنا وأحدث خرقا أبستمولوجيا فيه وكأنه ينتمى إلي عصرنا هذا ويبحث لنا عن حلول لقضايانا كمفكر حداثي. وانطلاقًا من دورها في إحياء التراث،

قامت مكتبة الإسكندرية بإصدار النسخة العربية لكتاب: "ابن خلدون .. البحر المتوسط في القرن الرابع عشر ، قيام وسقوط إمبراطوريات".
صدر هذا الكتاب أول ما صدر في إسبانيا ليوثق لمعرض أقيم تحت رعاية الملك خوان كارلوس الأول والملكة صوفيا ، تحت عنوان " ابن خلدون .. البحر المتوسط في القرن الرابع عشر ، قيام وسقوط إمبراطوريات " وذلك على أرض القصر المدجن أو القصر الملكي في إشبيليه ، ما بين شهري أيار وأيلول 2006 .
وتأتي ترجمة هذا الكتاب إلى لغة الضاد، لتبعث الإرث المشترك للعرب والإسبان حيث ينفض الغبار عن عدة جوانب من حياة ابن خلدون ومحيطه المكاني في حوض البحر المتوسط خلال القرن الرابع عشر ؛ أكثر القرون تحولاً، نحو التفكك والاضمحلال في العالم العربي .. وتحول وازدهار نحو النهوض والانبعاث في العالم الغربي، أي تحول وانتقال بين ضفتي المتوسط ، المكان و المجال الذي تنقل من خلاله ابن خلدون ما بين تونس والمغرب والأندلس ومصر.
ورغم رحيل العلامة العربي المنحدر من أصول أندلسية- منذ 6 قرون - إلا أن شعوب العالم تتزاحم للاحتفاء به عرفانا بما خلفته أطروحته الفلسفية من كنوز لن تجد من يثمنها ويجزل لها الشكر المستحق. لقد أثبت أنه عالم الاجتماع الأول بلا منافس وشهدت بذلك الماركسية المعاصرة . بل هو أهم مؤرخ؛ فقد أصدر أحكامه في الخبرات البشرية التي عايشها، وانتهج نهجاً علمياً في التصدي للتاريخ البشري عاكفا علي بحث العوامل الموضوعية لتقدم المجتمعات . لقد حاولت أعمال أدبية وأكاديمية وتراجم متنوعة تناول الأفكار الخلدونية بيد أن هذا الكتاب يعد دعوة للتمحيص في أفكار هذا العبقري من خلال التركيز علي بن خلدون الإنسان وتحليل أعماله التي اختلطت فيها فلسفة التاريخ بفلسفة المعرفة وفلسفة الحضارة.
يأخذنا هذا السفر النفيس بما يشتمل عليه من مقالات في رحلة تاريخية عبر الزمان والمكان ..وبالأخص إلى القرن الرابع عشر مستعرضا أهم الأحداث والظروف السياسية التي عاصرها ابن خلدون، وما كان يعتري حوض البحر المتوسط من تقلبات سياسية واجتماعية واقتصادية كانت المخاض لولادة عصرنا الحديث . ولعل الفكر الخلدوني كان ومضات النور التي قهرت السديم وانبثقت عنه كل الحركات الإصلاحية العربية والإسلامية.
فقد انكب بن خلدون على دراسة الظواهر الاجتماعية من خلال اختلاطه بشعوب البحر المتوسط، وكشف القوانين التي تخضع لها الظواهر الاجتماعية الكبرى، سواء في نشأتها أو في نموها وتطورها. وقد تجلى فكر ابن خلدون في "المقدمة" التي وضح فيها مغالط المؤرخين وتحدث فيها عن فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه، معلنا تأسيس علم جديد أطلق عليه علم العمران، ورسخ مبدأ المطابقة أي التأكد من إمكانية أو استحالة وقوع حدث معين فمنطق الضرورة الاجتماعية لكل مرحلة تاريخية هو الذي يفترض قبول خبر متوارث أو رفضه، أمّا الأحداث الفردية الخارقة التي قد تتجاوز هذه الضرورة فهي أمر عارض لا يقدم صورة عن مسيرة المجتمع بأكمله كما دافع عن الدولة المركزية. وانتبه لأهمية المجتمعات البدوية وأهميتها للإنسانية، وقارن بينها وبين المجتمعات الحضرية واعتبرها كلا منهما شكل من أشكال العمران، وقد لخص كل ذلك في مفهوم العصبية.
يجمع الكتاب بين طياته 50 مقالاً علمياً فريداً تمضي بنا إلي عصر هذا العلامة المنحدر من أصول أندلسية بهدف تحليل الجوانب الإيجابية والسلبية بين الشرق والغرب وصولاً إلي خلاصة مؤداها أن الأندلس بما تحمله من عبق الخبرة تمثل السيناريو المثل لتعزيز الحوار بين الحضارات ، بعيداً عن دعوات الفرقة والتنابذ التي تسعي للتفريق بين بني البشر. وقد توجت هذه المقالات بمجموعة من الوثائق وصور المقتنيات ذات القيمة الفنية والتاريخية.
لقد حاول هذا الكتاب الإجابة على العديد من الأسئلة المتشابكة، التي توصي بها سيرة حياة وأعمال مؤلف كتاب "المقدمة " في ذكرى مرور ستة قرون على وفاته مبرزاً الدروس المستفادة من خبرته التاريخية ، وحاول التأكيد على المقاربة الإنسانية التي كانت من سمات العلامة بن خلدون في رؤيته للأحداث وفي التدليل عليها بالبرهان؛ وذلك من خلال 9 أجزاء هي : ابن خلدون وعصره ، القرن الرابع عشر: الزمان والمكان، أحوال الدولة، والحروب والدبلوماسية والتوسع ، التجار والطرق والبضائع، علم السكان ونهاية العالم والعلاج ، لمحة عن حياة ابن خلدون ( 1332 – 1406 )، اشبيليه في القرن الرابع عشر، وأخيراً الخاتمة والمصادر والمراجع .
تقول ماريا خيسوس فيجيرا مولينز من جامعة كومبليتنزي بمدريد " ينتمي هذا الكتاب إلي أربع من حقب البحث في الينابيع التي لا تنضب لابن خلدون. المرحلة الأولى هي مرحلة الكشف والتقدير والتي بدأت من القرن الرابع عشر وحتى القرن التاسع عشر ، أما الثانية : فهي جهود المستشرقين في معاودة الكشف عن " التاريخ العالمي " ، و " المقدمة " من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ، والحقبة الثالثة والتي تتمثل في نشر أعمال ابن خلدون ؛ وتأكيد قيمته في حقول التخصص ،وهي مرحلة بدأت من منتصف القرن العشرين ، أما الحقبة الرابعة فهي ما يطلق عليها عالمية ابن خلدون وهي التي نعيشها في القوت الحاضر" .
ويطرح الكتاب فرصة للتأمل في أفكار ابن خلدون الإنسانية حول التاريخ والحضارة ، بما تنطوي عليه هذه الأفكار من نظريات ودلالات علمية واقعية الأمر الذي يلهم ضمائرنا بمثال فريد عن صلابتها. انه بانوراما تعرض تاريخ مصر ، والجزائر ، وتونس ، والمغرب ، وأسبانيا ، والممالك المسيحية ، وتاج أراغون ، وجزر البحر المتوسط، وفرنسا، والمدن الإيطالية ، والإمبراطورية العثمانية ، جنباً إلي جنب مع ماركو بولو، وابن بطوطة، ودانتي، وبترارك، وأرثيبيستي دي هيتا وأخيراً، ابن خلدون، وسيرته، وأعماله، وأسفاره، والعالم الذي عاش فيه .
ففي مقاله للدكتور عبد السلام الشدادي من جامعة محمد الخامس بالرباط ، حول " عالم ابن خلدون " والتي ترجمها خالد عزب ، يري أن علمي التاريخ والاجتماع عند ابن خلدون تمتعا بخاصيتي الكونية والعالمية. وهو من خلال عدة صفحات يعطي ملخصا بسيطاً حول ما يسمى النظرة الشاملة والعالمية عند ابن خلدون . هذه النظرة تستند إلي فكرة الروابط القومية ( الأممية ) التي كانت معروفة في عصره. محاولاً الإجابة علي سؤالين ، هما : ما هي الأسس النظرية لعلم الاجتماع في فكر ابن خلدون؟ وما هي العناصر الاجتماعية والتاريخية التي بنى عليها نظريته؟