عبد الوهاب مرجان والمعترك الوزاري 1948 ــــ 1958

عبد الوهاب مرجان والمعترك الوزاري 1948 ــــ 1958

حسن احمد المعموري
كانت حكومة محمد الصدر (29 كانون الثاني 1948-16 حزيران 1948م) قد الغت رسمياً اتفاقية بورتسموت مما يعني عملياً عدم امكانية بقائها مدة اطول في الحكم بسبب عدم قناعة الوصي والسفارة البريطانية بها ، لذا قدم الصدر استقالة وزارته في 16 حزيران 1948م بعد ان اكملت الانتخابات السابقة .


وكان لابد من البحث عن شخصية واعية ومحايدة لتأليف وزارة جديدة تأخذ على عاتقها المشاركة في ادارة دفة القتال في فلسطين وتعيد الى العراق أمنه وهدوءَهُ ولهذا دعا الامير عبد الاله اكثر من شخصية سياسية لهذا المنصب ومنهم رؤساء وزارات سابقين امثال توفيق السويدي وجميل المدفعي، ولكنهم فشلوا في تشكيل الوزارة. ولهذا وقع الاختيار على مزاحم امين الباجةجي لرئاسة الوزارة، والعراق والامة العربية يمران باحلك الظروف بسبب احداث فلسطين والحرب القائمة هناك).
وقد بدأ الباجةجي اتصالاته مع الساسة وكانت رغبته ان يؤلف وزارة ائتلافية تضم ممثلي الاحزاب وكبار رجال السياسة في العراق، فقدم قائمتان باسماء وزارته، وكان عبد الوهاب مرجان مرشحاً في القائمة الثانية لوزارة الشؤون الاجتماعية .
وبعد مشاورات استغرقت عدة ايام ، تم الاتفاق على التشكيلة الوزارية فتألفت الوزارة في السادس والعشرين من حزيران عام 1948 . واحتل عبد الوهاب مرجان منصب وزير الاقتصاد فيها). وهكذا توالت اعمال عبد الوهاب مرجان في الوزارات العراقية، فعندما انتخب نائباً لرئيس حزب الاتحاد الدستوري عام 1949م اصبح من المقربين لنوري السعيد وكان السعيد يريد اشراكه في جميع الوزارات التي شغلها.
وبعد ان اشتدت الحاجة الى اجراءات سريعة في السياسة العراقية ودراسة ميزانية الدولة ومعالجة الوضع المالي في العراق، شكلت الوزارة السعيدية الحادية عشرة (15 ايلول 1950-10 تموز 1952م) ، وتم تنصيب عبد الوهاب مرجان وزيراً للمواصلات والاشغال ووكيلاً لوزارة المالية.
وقد اكد منهج الوزارة على امرين مهمين هما البدء بالاعمار والاشغال وتحسين الوضع الاقتصادي في البلد وجعل موظفي الدولة يفهمون انهم موظفون لخدمة هذا الشعب وجعل الحق والعدل فوق كل شيء.
وبعد ان كرس عبد الوهاب مرجان كل جهوده لخدمة شعبه ووطنه من خلال عمله في وزارات متعددة تم اختياره وزيراً للمواصلات والاشغال ايضاً في تشكيلة الوزارة المدفعية السادسة (29 كانون الثاني 1953-5 ايار 1953م) .
كذلك اشترك عبد الوهاب مرجان في الوزارة السعيدية الثانية عشرة (3 آب 1954-17 كانون الاول 1955م)، وشغل منصب وزير الزراعة فيها .ويذكر ان نوري السعيد قد وضع شروط مسبقة امام البلاط لتشكيل وزارته .
كان علي جودت الايوبي قد رفع استقالة وزارته الى الملك فيصل الثاني في 16 تشرين الثاني 1957م، وذلك بسبب الموقف الذي اتخذه ممثل العراق الدائم في الامم المتحدة هاشم جواد. حين وقف الى جانب اليونان في تقرير مصير جزيرة قبرص الامر الذي اساء الى حكومة انقرة ووضع شيئاً من الغبار على العلاقات العراقية التركية). فضلاً عن الحاح الايوبي الى حل المجلس النيابي، ولكن لم يجد اذاناً مصغية، لذلك اراد الملك ارضاء تركيا فاصدر امره بقبول استقالة الوزارة في الرابع عشر من كانون الاول 1957م .
وعلى الفور استدعى الملك فيصل كبار الساسة العراقيين لاستشارتهم في تاليف وزارة جديدة ومنهم رئيس الديوان الملكي احمد مختار بابان الذي كان له دور في اسناد مهمة الوزارة الى عبد الوهاب مرجان، (لانه صديقه الحميم). وجه الملك كتاب الاسناد المرقم 771 في 15 كانون الاول 1957م "وزيري الافخم السيد عبد الوهاب مرجان، بناءً على استقالة فخامة السيد علي جودة الايوبي من منصب رئاسة الوزراء، ونظراً لما نعهدهُ فيكم من دراية واخلاص، فقد قرَّ رأينا على اسناد منصب رئاسة الوزارة اليكم، على ان تنتخبوا زملاءكم وتعرضوا اسماءهم علينا، والله ولي التوفيق.
صدر عن بلاطنا الملكي ببغداد في اليوم الثالث والعشرين من شهر جمادي الاول سنة 1377هـ، الموافق لليوم الخامس عشر من شهر كانون الاول سنة 1957م. (فيصل)".
وهكذا بدأ مرجان اتصالاته مع كبار اعضاء مجلس النواب والاحزاب السياسية لتأليف الوزارة فقد شكل وزارته في 15 كانون الاول 1957م، ولم يكن مرجان حراً تماماً في اختيار زملائه الوزراء حيث كان لنوري السعيد واحمد مختار بابان اراء في ترشيح معظمهم . احتفظ عبد الوهاب مرجان بحقيبة وزارة الدفاع وكالة فضلاً عن رئاسة الوزارة اما بقية الحقائب فقد وزعت بالشكل الاتي: نديم الباججي وزيراً للمالية، عبد الرسول الخالصي وزيراً للعدلية، برهان الدين باش اعيان وزيراً للخارجية، محمد مشحن الحردان وزيراً للاقتصاد، عبد الامير علاوي وزيراً للمواصلات، عبد الحميد كاظم وزيراً للمعارف، اركان العبادي وزيراً للشؤون الاجتماعية، سامي فتاح وزيراً للداخلية، صالح صائب وزيراً للاعمار، جميل الاورفلي وزيراً للزراعة، محمود بابان وزيراً للصحة، علي الشرفي وعز الدين الملا وجواد الخطيب وزراء بلا وزارة .
اعلن عبد الوهاب مرجان الخطوط العامة لسياسة حكومته من خلال خطابه الذي القاه في مجلس النواب ليوم 17 كانون الاول 1957م، واعلن ان سياسته لا تختلف في جوهرها ومضمونها عما سارت عليه الوزارات السابقة وما توخته من اهداف .وقال "لقد اقدمت على تأليف وزارتي هذه، التي اقوم بتقديمها الى مجلسكم العالي، وما اتوسمه بمجلسكم العالي من تأييد لي، فقد تشرفت وتمتعت بثقة حضراتكم بانتخابي رئيساً لمجلسكم العالي مرات متعددة، تلك الثقة التي كانت ولازالت وستبقى موضع افتخاري واعتزازي، لذلك اقدمت على تأليف وزارتي هذه. اما سياسة وزارتي فهي تتلخص بانها سياسة عربية، قومية تستهدف اعادة حقوق العرب في فلسطين، اما ميثاق بغداد الذي اقره مجلسكم العالي سنعمل مع الدول الاعضاء فيه لصالح العراق والدول العربية والدول الاسلامية وكل ما يؤول لحفظ الامن والاستقرار والسلام في الشرق الاوسط .
قوبل تشكيل الوزارة بمعارضة شعبية واسعة على جميع الاصعدة، لما عرف عن رئيسها من انه نائب نوري السعيد في رئاسة حزب الاتحاد الدستوري وان وزراءه من الاعضاء السابقين في الحزب ذاته او من مؤيدي سياسة نوري السعيد.
وعارضت الحركة الوطنية الوزارة الجديدة بشدة ووصفتها جبهة الاتحاد الوطني بانها تمثل الزمرة السعيدية وان نوري السعيد يسيرها من وراء الكواليس، وانتقدت اندفاعها لتنفيذ سياسة الاحلاف العسكرية، وزعمت الحركة الوطنية الى تخوفها من قيام الوزارة باستخدام الشد ضدها .
بينما قوبل تولي عبد الوهاب مرجان رئاسة الوزارة ارتياح مجلس الامة، لكنه تعرض لانتقاد بعض النواب منهم النائب حسن عبد الرحمن الذي تساءل في اجتماع مجلس النواب ليوم 17 كانون الاول 1957م عن سبب عدم عودة نوري السعيد نفسه الى الحكم ليواصل عمله من حيث انقطع في حزيران 1957م. واكد ان الوزارة ليست سعيدية 100% والا لما خلت من خليل كنه وضياء جعفر، وقد طالب بعض النواب باطلاق الحريات والديمقراطية، واعادة الحياة الحزبية، واعطاء الحرية للصحافة وقال توفيق الفكيكي "ان العراقيين كانوا يتمتعون خلال الانتداب بحرية اكثر منها اليوم". وانتقد بعض النواب موقف الوزارة المساند لميثاق بغداد ووصفوه بانه اعتدائي مصوب ضد الاماني العربية، ودعا صادق البصام الى وقوف الوزارة على الحياد ووضع المصلحة العربية قبل كل شيء .
وقد شد رئيس مجلس الاعيان السيد محمد الصدر على يدي عبد الوهاب مرجان مباركاً له التكليف الجديد وواصفاً حكومته بـ(حكومة الجيل الجديد) .
اما موقف البلاط فلم يكن راضياً تماماً من اسناد الوزارة الى عبد الوهاب مرجان وكان الملك فيصل الثاني وولي عهده عبد الاله يران ان الظروف هي التي اجبرتهما لقبول هذه الوزارة ، بسبب الموقف القومي السليم الذي وقفته الوزارة الايوبية الثالثة من محاولة اعتداء امريكا على استقلال سوريا واتخاذها ذريعة للتغلغل الشيوعي فيها بالاضافة الى الحاح الايوبي لحل مجلس النواب –كما ذكر- الذي لم يرغب الملك ووليه بحله مما عجلَّ استقالة الوزارة . فلما حلت الوزارة المرجانية محل الوزارة المذكورة في الحكم ظنَّ الملك والامير عبد الاله ونوري السعيد ان الفرصة اصبحت مؤاتية لاقحام الجيش العراقي في الموضوع وحملهُ على القيام بانقلاب عسكري في سوريا وتمهيد الطريق لضمها الى العراق .
اما موقف السفارة البريطانية من الوزارة فانها نظرت اليها نظرة المترقب بتحملها المسؤولية وذلك من خلال الرسالة التي بعثها السفير البريطاني مايكل رايت الى الخارجية البريطانية في 24 نيسان 1958 والتي ذكر فيها ان عبد الوهاب مرجان الذي يبلغ من العمر 46 عاماً، رئيس مجلس النواب منح الفرصة في شهر كانون الاول ليجرب حكومة من الشباب غير انه ليس اهلاً للظروف المحيطة .
لم يكد رئيس الوزراء عبد الوهاب مرجان يتسلم منصب رئاسة الوزراء حتى باشر بتطبيق منهاج وزارته على الساحة العراقية فقد وضعت الوزارة ميزانية تتلاءم والخطة الجديدة للنهوض بالبلاد واعدت ميزانية الاعمال العمرانية الرئيسة حيث خصصت نسبة 70% منها لمجلس الاعمار(3). وفي تصريح له في جريدة الاخبار ليوم 18 كانون الاول 1957 اكد على ان عوائد النفط في مقدمة الموارد التي يعتمد عليها العراق في تنفيذ مناهجه العمرانية حيث استمر مجلس الاعمار لهذه السنة في تنفيذ منهاجه الاضافي الذي صادق عليه مجلس الامة في شهر مايس 1956م، ولذا تم رصد مبلغ 5.000.000 مليون دينار تتخصص للري والبزل والسيطرة على الفيضانات والصناعة والتعدين والكهرباء والطرق والجسور والسكك الحديدية والمباني العامة والمؤسسات الصحية وانماء الثروة الحيوانية والنباتية والمطارات والموانئ .

من خلال ما تقدم نرى ان الظروف السياسية الداخلية والخارجية هي التي مهدت لعبد الوهاب ان يتسلم الوزارة، فحاول البلاط من خلاله ان ينفذ ما يريد سياسته تجاه سوريا وارضاء تركيا، ونوري السعيد اراد ان يمرر مخططاته بتحريكه عبد الوهاب مايشاء، وبريطانيا حاولت زج العراق بالاحلاف وابعاده عن الامة العربية، وفي الاخير ان عبد الوهاب لم يكن صيداً سهلاً ولم ينفذ كل ما ارادوه لذلك اقالوه كما سنرى لاحقاً.في الثالث من اذار عام 1958م قدم عبد الوهاب مرجان استقالة وزارته عن عمر قصير لم يتجاوز ثلاثة اشهر .
واختفلت الاراء حول اسباب استقالة هذه الوزارة، فمنهم من يرى ان قيام الجمهورية العربية المتحدة، والمساندة الكبيرة من القوى الوطنية في العراق لها واخفاق حكومة مرجان من منع التظاهرات والاحتفالات المؤيدة للوحدة، والتحدي المتجدد لجمال عبد الناصر تسبب في دعوة جديدة لتسلم نوري السعيد الوزارة واقالة عبد الوهاب مرجان لمجابهة الموقف .
ومن الآراء الاخرى لاسباب الاستقالة من ذكر بان عبد الاله كان يتوقع من عبد الوهاب المسايرة التامة والانصياع لمشاريعه ولكن ظهر خلاف ذلك. فأشار خليل كنه بان "الذين يعرفون عبد الوهاب كانوا يتوقعون خيبة الامير، فلرئيس الوزراء شلة من الاصدقاء الشخصيين يأنس لهم ويتأثر بهم، وكانت الآراء السياسية لهذه الشلة تتعارض مع الاتجاه العام للسياسة العراقية .
وقد وقع عبد الوهاب مرجان في الحرج بين آرائه واعتداله وبين مسؤولياته رئيساً للوزراء. وظهر موقفه هذا عندما اراد نوري السعيد السفر الى تركيا لحضور اجتماع ميثاق بغداد، ولتمهيد ذلك عقد اجتماع في قصر الرحاب حضره الامير ورئيس الوزراء، وبدأ نوري السعيد يتحدث عن الاجتماع المرتقب وعن سياسته التي سيضعها في هذا الاجتماع، غير ان عبد الوهاب مرجان رفض ان يفهم ما يطلبه نوري، وبعد تدخل احمد مختار بابان ووقوفه على حراجة صديقه الحميم عبد الوهاب مرجان اخذ يتكلم باسلوبه واقنع عبد الوهاب بهذا الايضاح، يظهر من هذا ان نوري السعيد قد ترسخت لديه القناعة التامة ، ان بقاء عبد الوهاب مرجان على رأس الحكومة يسبب المتاعب في توجهاته المندفعة لتطوير ميثاق بغداد.
اما موضوع التدخل في شؤون سوريا الداخلية والتي اعترض عبد الوهاب عليها، جعل الامير يقتنع بانه لايمكن ان يهضم عبد الوهاب خاصة والعراق يقدم على مشروع الاتحاد العربي بين العراق والاردن.
بعد ان رجع نوري السعيد من انقرة بعد انفضاض جلسات ميثاق بغداد المنعقد في اواخر شباط 1958م، ذكر عبد الوهاب مرجان ان نوري فاتحه بحضور ولي العهد وعبد الله بكر رئيس الديوان الملكي ان الاخبار التي لديه تشير الى أن الوضع في سوريا يسير من سيّئ الى اسوأ وانه ستحدث في القطر الشقيق حوادث عصيان وثورات، وهنا يأتي دور العراق، ويجب عليه التدخل باستعمال القوة والجيش فكان جوابي قاطعاً بانني لا اوافق على هذا الرأي ولا اتدخل في شؤون سوريا ولا اسوق الجيش ضدها ثم زدت قائلاً" اني احذركم اذ اخشى ان يعيد التاريخ نفسه فترفع المصاحف كما رفعت في حرب صفين، وتظهر الاحاديث النبوية التي تتضمن حرب المسلم للمسلم حرام هذا من جهة ومن جهة اخرى فاني اعتقد ان الجيش لا يحارب اخواننا السوريين بل على العكس من ذلك فانه سينقلب على الحكومة العراقية ويكون ضدها".
واستطرد قائلاً "بعد ان انفض الاجتماع صرت افكر بسبب استند اليه امام الشعب العراقي والرأي العام في الاستقالة، مادمت مخالفاً في الرأي لولي العهد ونوري السعيد ولذلك رفعت استقالتي مستنداً الى اوهى الاسباب وهي في الحقيقة اقرب الى الاقالة منها الى الاستقالة .
ان تصريحات عبد الوهاب مرجان في مجلس النواب حول علاقة العراق لميثاق بغداد لم يلق ترحاباً من بعض الساسة بل اظهروا عدم ارتياحهم منه واتخذوه وسيلة للنيل من الوزارة او بالاحرى للنيل من رئيسها بالذات لانه ابى ان يتراجع عما قال او يعدلهُ بشكل او باخر فكان ذلك اول مسمار دق في نعش وزارته.

عن رسالة
( عبد الوهاب مرجان ودوره...)