جميل حمودي... الحاضر في ضمير الإبداع

جميل حمودي... الحاضر في ضمير الإبداع

خلود الدايني

ولد الفنان جميل حمودي في بغداد عام 1924 وتخرج في معهد الفنون الجميلة – فرع النحت – ببغداد عام 1946 سافر إلى باريس عام 1947 في بعثة حكومية لدراسة الفن وهناك شارك في العديد من الجمعيات والنوادي الفنية كما أسهم في تحرير عدة صحف ومجلات ثم اصدر سنة 1945 مجلة الفكر الحديث وكانت تعنى بالفن والثقافة الحديثة وفي عام 1952 صدر مجلة عشتار وكذلك اصدر رسائل فنية باسم "أستوديو.

مارس الكتابة في النقد الفني وله دراسات وبحوث ومقالات فنية منذ الأربعينيات. شارك في معرض جمعية أصدقاء الفن العظيم عام 1942, 1943, 1946, وأقام عدة معارض شخصية لأعماله أهمها قي عام 1950 في باريس وعام 1965في بغداد.
من ابرز أعماله النحتية في بغداد تماثل "أبو العلاء المعري " و "الرازي " و "ابن سينا".
وهو عضو جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين ونقابة الفنانين وشارك قي أكثر المعارض الوطنية العراقية خارج الوطن.
لقد كانت تجاربه الأولى غارقة في ضباب الأوهام المضطربة والتي كان يسميها بالسريالية ولكنها رمزية في معناها الأدق وقد تحول منذ بدايته في مرحلة الأربعينيات من الاتجاه الرمزي إلى التجريدي الخالص ولكنه عاد ليستعمل الألوان البراقة ورسم الأشكال التشبيهية للإنسان ومعالم المدينة بمآذنها وقبابها مستفيداً من الحس البيئي لتحقيق القيمة التراثية والموروث الديني .
حين يكون الفنان مولعاً بالثقافة والأدب سيصبح له اثر في إجازة بعض جوانب تلك الثقافة في خدمة الفن التشكيلي وهذا ما عمل عليه الفنان جميل حمودي بدون إدراك مسبق وحين لجأ إلى الحرف العربي خلال وجوده في باريس خوفاً من انزلاقه في متاهات ومشكلات الواقع الغربي كان للبيئة أثر كبير عليه في فهم حضارته وعظمتها.
لقد كانت سنوات العقد الرابع صعبة على الفنان الشاب في اختيار الأسلوب واكتشاف رؤيته الحقيقية فكان الحرف هو الملجأ الذي أوى إليه كقيمة تراثية لها كل الصلة بالجانب الروحي لمحاربة خوف الضياع في الأفكار الوجودية والمثل المادية السائدة في أوروبا حينها .
إن منهج الفنان جميل حمودي بارز وصريح ومؤثر في الكثير من أعمال الفنانين لجماعة الحرفيين وعلى رأسهم الفنان الراحل شاكر حسن آل سعيد فهو يدعو إلى فهم التراث بصورة واعية ينتقل من إدراك الشكل الحروفي إلى تحليل المحتوى والمعنى بكل جوانبه الروحية فكان التجريد والاختزال الشديد للهيئة والشكل .
لقد تأسس تجمع البعد الواحد في نهاية 1970 وكان الفنان جميل حمودي من أشهر الأعضاء المؤسسين له والذي أضاف عبارة "الفن يستلهم الحرف"على خطاب التجمع وبهذا كان الحرف ملاذه الوحيد للتأكيد على أصالة الروابط الحضارية والثقافية لوجوده كرد فعل ضد حضارة المادة وثقافتها التي اجتاحته وهو في أوروبا .
أما أعمال الفنان في فترة الخمسينيات فكانت تحمل سمة إبداعية خلاقة اعتمدت على حركة الشكل عبر الخط واللون بشكل سائب فوق خلفية من الفضاء النقي, وهو اقرب ما يكون إلى أجواء الفنان "خوان ميرو" الاسباني في بعد اللوحة المنظوري ذات السطح الواحد وهي اقرب من اللوحة ذات البعدين.
لقد استغل طراوة وصلابة الحروف العربية معاً كقيمة مضافة إلى قيمة اللون الشرقي كالأزرق والفيروزي والأحمر والأخضر والبنفسجي المضىء والرمادي والرصاصي, وقد ظهر جليا في معرضه الأول في باريس عام 1950.
كانت جهود هذا الفنان المثابر متعددة خاصة في الأساليب التقليدية التي بحث فيها كثيراً والتي أضافت لخبرته إمكانات خلاقة استطاع بواسطتها استيعاب وفهم التيار العالمي الذي غزا مستقبل الفن.