الأزمنة الضائعة ـ شعب يموت وجيش يحتضر

الأزمنة الضائعة ـ شعب يموت وجيش يحتضر

بغداد/ أوراق
القوات المسلحة العراقية مرت بواقع مأساوي خلال خوضها لحربين طاحنتين بدعوى ان لهما اهدافاً مهمة ونبيلة وضعت خلف قضية تحرير فلسطين او حماية حدود البلاد والمحافظة على أمنها. لكن ما يكشفه العقيد الركن أحمد الزيدي في كتابه (الأزمنة الضائعة ـ شعب يموت وجيش يحتضر) والصادر عن دار (المدى)

للثقافة والنشر يعطي مؤشرات بان الغاية كانت المحافظة على مصالح النظام وحياته وما كان ينوي تحقيقه على حساب حياة الشعب ومستقبل ابنائه وثروات البلاد. مشيراً الى ان المشكلة الحقيقية للجيش العراقي تكمن في انقلاباته العسكرية الكثير بدءاً من انقلاب بكر صدقي عام 1936 والذي كان اول انقلاب عسكري في الوطن العربي، مروراً بحركة العقداء الاربعة عام 41، تلتها عدة محاولات انقلابية حتى انقلاب السابع عشر من تموز 68. ولم تكن للشعب العراقي أية مصلحة في معظم تلك الانقلابات، والأمر الشديد الغاية يكمن في المفارقة آخر المطاف عندما اصبح الشعب بحاجة ماسة للجيش كي يخلصه من محنته، لكنه وجد ان الجيش قد فقد دوره مستسلماً لشخص واحد جاءت به الصدفة كي يقف على رأس القوات المسلحة من دون ان تكون له صلة بالعسكرية، وربما كان يحقد على الجيش لاخفاقه في الدخول الى الكلية العسكرية ليكون ضابطاً في الجيش. مبيناً ان حرب الثمانينات فقد فيها العراق ما يقرب من نصف مليون انسان، والحرب التي تلتها كانت مهلكة بكل المقاييس فقد ادت نتائجها الى تدمير الوضع العربي بصورة محزنة، وكانت اسرائيل هي المستفيد الأول والأخير منها والنتائج التي أدت اليها من دون ان تدفع ثمن ما حصلت عليه، كما حدث في حروبها السابقة، وربما هناك من يقول ان نكسة حزيران عام 67 كانت كذلك. فهل يمكن توجيه اللوم الى الرئيس عبد الناصر بسبب هول النكسة على المستويين النفسي والمادي. والإجابة على مثل هذا التساؤل التبريري غاية في البساطة وهو ان عبد الناصر كان يعرف عدوه الذي يقف امامه، وقد قارعه وجهاً لوجه عدة مرات سابقة. اما وقد خانته الظروف فان عذره انه كان مخلصاً في قتاله لعدو واضح قوي. اما القيادة العراقية فلا عذر لها بعد ان احدثت هذا الدمار بالعراق والقوات المسلحة العراقية، وقدمت تلك الخسائر الكبيرة في ساحة حرب ليست لها علاقة جغرافية بفلسطين المحتلة، فتحرير فلسطين يبدأ عادة كما جرى في محاولات سابقة بحركة القوات العراقية وتحشيدها في ساحة الشرف الحقيقية الجبهة الشرقية، وليس الهجوم على ايران واحتلال الكويت. انه استهلاك للقوى والموارد والطاقات في ساحة ليست الساحة الحقيقية وشعارات ان تحرير فلسطين يمر من عبادان او من الكويت كانت شعارات خاوية وضعت لغرض الاستهلاك والخداع، او تقديم عناوين كبيرة للذين يستطيعون ان يحملوا الأمور اكثر مما تحتمل اخفاء وتعمية للأهداف الحقيقية التي وقفت وراء تلك الحروب ودفعت اليها.. والواقع ان جميع المآسي التي مر بها العراق والقوات المسلحة العراقية يعود سببها الى ان العقيدة العسكرية للجيش العراقي برغم ضعفها تم تغييرها بصورة كاملة الى علاقة لا تمثل الاهداف الحقيقية لتأسيسه مثل جميع جيوش العالم وهي المحافظة على امن العراق وحماية حدوده، لكن العقيدة التي حكمت العراق كله شعباً وارضاً وثروات وجيشاً اصبحت المحافظة على حياة القائد العام للقوات المسلحة، فعصرت العراق واحالته الى هيكل خاوٍ. وكان اخطر ما دفع الجيش العراقي انغماسه المستمر في عمليات الأمن الداخلي المستمرة من الحركات المتوالية في كردستان العراق والتي استمرت لفترة طويلة خاصة تلك التي امتدت من 1960 ولغاية 91 والتي لا زالت آثارها مستمرة لحد الآن.. فالجيش لا يمكن ان يكون استمراره في الحياة الا في وسط يتعاطف معه ويغترف منه المقاتلون الذين يثقون به كمؤسسة نزيهة يتم التعامل داخلها ضمن اساليب ترتكز على الأخوة ورفقة السلاح والعدالة في التعامل مع جميع منتسبيه الذين يقتضى ان ينظر اليهم على اساس انهم جميعاً يضعون ارواحهم فوق اكفهم والتضحية بها من اجل سلامة الوطن ومستقبله.