اراء جريئة للعلامة الدكتور مصطفى جواد في الاغاني العراقية

اراء جريئة للعلامة الدكتور مصطفى جواد في الاغاني العراقية

يعد الدكتور مصطفى جواد المؤرخ واللغوي من ابرز اعلام اللغة والادب والتاريخ لافي العراق بل في البلاد العربية جمعاء .. هذا علاوة على كونه احد اعضاء المجامع العلمية اللغوية في بغداد ودمشق والقاهرة .. مجلة الرياض وجهت اليه بعض الاسئلة التالية فاجاب عنها مشكورا ..

س 1 ما رايكم في تاسيس مجلس اعلى للفنون والاداب والعلوم في الجمهورية العراقية ؟ ؟.
ج1 – استحسن جدا ان يؤسس للجمهورية العراقية المجلس الاعلى للفنون والاداب والعلوم وما من شك بان تاسيس مثل هذا المجلس هو من الشؤون الملحة والاسباب القوية للعناية بالفنون والاداب ولعناية القائمين فيها فضلا عن كونه تطورا طبيعيا ومرحلة متقدمه بالمعنى الصحيح المراد بالتقدم .
اما من يراس كل قسم من الاقسام التي ذكرتها فاراى في ذلك ان يجتمع اعضاء كل قسم وينتخبون من بينهم رئيسا لهم واذا تعادل اثنان في نيل الاصوات الانتخابية تجري بينهما قرعة .

س 2 . هل تقرء للشعراء العرب المعاصرين .. وبمن تعجب منهم ؟.
ج 2 – انا اقرء اشعار طائفة من شعراء العرب المعاصرين لنا والعصريون كالشعراء القدامى يحلقون احيانا ولايجلون احيان اخرى واعظمهم حفاظا على الطبقة الشعرية السامية هو احمد شوقي رحمه الله واحب قراءة شعر اللذين ينحون منحاه ويصنعون كصنعه ويغرسون مثل نبعه وفي مقدمتهم صديقي عبد القادر الناصري غير انه يستاثر بالغزل الرقيق الذي يلون صورة الغرام بالوانه الطبيعية.

س 3 – ما رايكم في الصحافة العراقية الحديثة ومالفرق بينها وبين الصحافة العراقية القديمة ؟.
ج 3 – لست صحافيا ولا استطيع ان اذكر رايي في الصحاف ة العراقية القديمة والحديثة .

س 4 . مالسبب في انحطاط مستوى الطلاب في اللغة العربية ؟
ج 4 – انحطاط مستوى العربية عند الطلاب نتيجة لاسباب عدة ومنها سقم الكتب التي يدرس فيها الطلاب اللغة بفروعها ووهن اصول تعليمها وتدريسها وضعف اللغة في جميع الكتب التي يدرسون فيها والبلبلة في الاصطلاحات النحوية التي نشات عن الرغبة في تيسيير القواعد قبل اتقان فلسفة القواعد والتبحر فيها ومن الاسباب قلة التطبيق والاستعمال وقلة علم طائفة من معلميها بها وتهاون طائفة من الشباب المتعلمين لهذه اللغة الكريمة العظيمة وعدم دراسة النحو والصرف والانشاء في القران الكريم ، ونشوء اللحن في مجالات اللغة السليمة بل التي ينبغي ان تكون سليمة كالاذاعة والتلفزيون والتمثيل أي المحاكاة الفنية والحوار السينمائي وان شئت السينمي فهذه مؤثرات بالغة في اللغة ..

س 5 . ماريكم بالشعر الحديث المسمى بالحر وهل لكم الرغبة في شيوعه ؟.
ج5 – احسب ان اصل السؤال هو الشعر الحديث المسمى بالشعر الحر والا فليس كل شعر حديث هو من الشعر الحر وما ادري لماذا سمي (حرا) ايعني ذلك ان جميع شعر العرب هو (عبدا)؟. فتسمية بالحر هي انتقاص من الشعر الاصيل فالحرية ضد العبودية والرق فارى ان يسمى النثر الشعري والذي اذكره من حال هذا الشعر انه نوعان :
منظوم الا ان اصحابه يكتبونه كالنثر ، ومنثور وليس فيه من الشعر المعروف الا المعاني فالاول هو من الشعر الاصيل لان صورة الكتابة لاتعني انه عديم الوزن والقافية والشعر العربي الاصيل كان يكتب قديمة على هيئة سطور متلاحقة متلاصقة والقارىء هو الذي يفصل الابيات او البيوت او الابابيت بعضها عن بعض ثم ان اختلاف اوزانه وقوافيه لايزيل عنه صفة الاصالة الشعرية فالشعراء كما هو معلوم لم يقتصروا على بحور الشعر المشهورة بل اخترعوا الدوبيت أي ( المثناة القديمة ) والرباعية الاخيرة ،وبحر السلسل ة والكان وكان ، والزجل ، وغيره .. وثبوت الوزن الذي هو ضرب ساذج للموسيقية ووجوب القافية كائنة ما كانت من حيث الطول والقصر تحفظ على الشعر صفة الاصالة الفنية أي اللفظية دون المعنوية فهو شعر كسائر الاشعار ، اما النوع الثاني أي الشعر المنثور فليس له حق التسمية باسم الشعر لان الاسماء ينبغي ان لا تطلق الا على مسمياتها فالنثر يطلق على منثور الكلام والقول والكلم أي النثير والشعر يطلق على منظوم الكلام والقول والكلم أي النظيم ولذلك لما اخترع ( البند) لم يسموه شعرا بل سموه (بنداً) وقديما ابتدعوا (السجع) وهو ذو قافية وذو معان مختلفة ولكنه لم يسموه شعرا بل سموه سجعا لفقدانه الوزن الذي هو ركن من اركان الشعر واوجدوا (حل المنظور) أي نثر الشعر ولم يسموه شعرا .. وهو عندهم فنا من فنون الانشاء والترسل كالشعر الحديث الذي ليس له وزن ولاقافية طويلة او قصيرة هو نثر شعري وقد يعيش الجيد الرفيع منه كما عاش السجع والبند ولكن لايسمى شعرا وتسميته بالشعر مخالفة للواقع وعبث بالمصطلحات الادبية والاصرار على تسميته شعرا ضربا من العناد وانا لااستطيع تسميته بذلك الاسم أي الشعر ومن الصعب حفظه والترنم بلفظه .
س 6 . مارايكم بالاغاني العراقية الدارجة وهل تفضلونها على الاغاني المؤلفة باللغة الفصحى .؟
ج6_ ان وجود الطبقة العامة في الشعب والامة يستدعي خطابهم بلغة اعمالهم ولغة عواطفهم لان شرط اللغة الاول هو الافهام سواء اكانت لغة العمل ام لغة االلهو فوجودهم سبب في وجود ما ذكرته وقديما اتخذ العوام اضربا من الشعر المغنى كالمواليا المعروف اليوم بالموال والكان وكان والقوما والدوبيت المعروف اليوم بالابوذية( دوبيت ، بوذيت ، بوذية) فالاغاني العراقي بالغة العامية ضرب طبيعي لسيرة الشعب والامة وكما اخذ العوام بل العامة بالتفوق بلغتهم على لغة ابائهم العامية بسبب نهضة اللغة العربية العامة في هذا العصر وكذلك الاغاني العامية اخذت تقتبس الالفاظ الفصيحة وتطعم بها لغة الغناء العامية وهذا مشهود ومعروف اليوم ومسموع ثابتا وانا بالبداهة لاافضل اللغة العامية في الغناء بل اللغة الفصيحة وهي الصالحة للغناء بكل انواعه وضروبه وثبت ذلك بالتطبيق والتحقيق ولكن لسان حالي بالاغني باللغة الدارجة هو (لابد من ماليس منه بد) .

س 7 . بوصفكم عضوا في عدة مجامع لغوية وعلمية الا توافقونني على ان يضم المجمع العلمي العراقي اعضاء من مختلف العلماء والادباء والشعراء والكتاب ومن هم اللذين تختارهم .. ؟
ج7- المجمع العلمي العراقي اسمه المجمع العلمي العراقي وصفة العلم غالبه عليه والذين فيه من الادباء لم يدخلوه باسم الادب بل دخلوه باسم اللغة والتاريخ فينبغي ان يكون لكل طبقة من الذين ذكرتهم بالسؤال ( مجمع) ويجوز ادماج اخر كمجمع الكتاب والقصاصين ومعنى ذلك انه ينبغي التوسع وهنا ينبغي لنا الرجوع الى المجلس الاعلى للرعاية الفكرية الذي تضمنه السؤال الاول.

س8 . هل من نصيحة توجهونها الى الادباء الناشئين ؟.
ج8 – الادباء الناشئون هم كابناءنا ونصيحتنا لهم ان يسلكوا سبيل التخصص بما يجدون في نفوسهم هوا فيه وغراما به وتوقا اليه واقبالا عليه وان يكثروا في مطالعة الكتب المهمة التي تعد امهات المواضيع ويقسموا اوقاتهم بين القديم والحديث ويتريثوا في اخراج نتاجهم الادبي لكي يجدوا وقتا لاعادة النظر فيه وتهذيبه وتنميقه وتقويته وتوثيقه ، فالعمل الادبي لايختلف عن الرسم والنحت من الاعمال الفنية الاخرى ، وان ياخذو من المخضرمين ما يوافق اذواقهم ويتخذو الحق والحقيقة دليلين بما تخطه اقلامهم وننصح لهم بقراءة ما يقوي لغتهم الادبية وعباراتهم الكتابية مثل كتب الجاحظ والشعر القديم وان يتقنوا قواعد اللغة لانها قواعد وعليها يكون البناء وان يعلوا بالترجمة الصحيحة نتاج الادب الغربي ليكون مفيدا ولايترجموا الا ما هو لائق لاذواقهم وعالق هواه في نفوسهم فالترجمة اصعب من التاليف .

مجلة الرياض 1951