قصة المرأة في تونس

قصة المرأة في تونس

في تونس الآن معركة بين الرجال.. على النساء!
رجال الدين وخريجو جامعة الزيتونة – الاسلامية – يحاربون لكي تبقى المرأة التونسية كما هي.. ويعلنونها صريحة مدوية أن اي تغيير مفاجئ في حالة المرأة التونسية سوف يهوي بها الى الفساد!
والشبان الذين تعلموا في فرنسا وعادوا يحملون افكاراً جديدة.. يحاربون لكي تتغير المرأة التونسية.. وتبرز ويقولون "اننا لن نسمح لأمهاتنا وأخواتنا ان يعشن في القبر نفسه الذي كانت تعيش فيه جداتنا"..


كل هذا.. والمرأة التونسية تقف بالمرصاد، لتنتهز الفرص!

أول مفاجأة
ولقد بدأت المرأة في تونس تتعلم بعد دخول الفرنسيين ببضعة اعوام.
والذي حدث الآن ان عدداً من الارستقراطيين اجتمعوا وقرروا - برغم المعارضة الشديدة - انشاء بعض من المدارس للبنات .. تسير على نظام التدريس بالفرنسية والعربية. وكانت كلها مدارس ابتدائية فان التقاليد لا تسمح للفتاة بالخروج الى الشارع عندما تصل الى الثالثة عشرة.. استعداداً للزواج.
ومازالت المرأة التونسية تنتهز الفرصة لتعمل على زيادة عدد هذه المدارس باستمرار.. وفي تونس اليوم جيل كامل من الامهات يعود افضل في حالتهن الراهنة الى الحركة الجريئة التي انشئت بها المدارس الابتدائية. وكانت هؤلاء الامهات هن انفسهن اللواتي قمن بالحركة الجريئة الثانية وقررن ارسال بناتهن لى مدارس الليسيه للتعليم الثانوي.
وارتفعت نسبة التعليم بين نساء تونس درجات.. فاصبح بينهن من يحملن شهادة البكالوريا.. واستطاعت واحدة ان تسافر الى فرنسا - بعد جهاد عنيف - وتعود بشهادة البكالوريوس في الطب!

الزعيمة بشيرة
وفي احدى ضواحي تونس البديعة – ضاحية حمام ليف – تعيش زعيمة نساء تونس..
اسمها بشيرة بن مراد عيناها تشعان بريقاً عجيباً.. وحركاتها كلها حيوية ونشاط.. اما مظهرها.. فيوحي من النظرة الاولى انها من النوع الذي يستطيع ان يتغلب على كل الصعاب ليحصل في النهاية على ما يريد..
وتقول تونس كلها عنها "ولهذا وضعتها الظروف لتتزعم الحركة النسائية في تونس".
خرجت على الناس في عام 1935 بشيء جديد.. هو نهضة المرأة التونسية.. فاضطرت السلطات الفرنسية تحت ضغط رجال الدين والمحافظين الى ان ترفض اعطاءها تصريحا رسميا بمزاولة نشاطها، ولكنها بدأت تعمل سراً.. حتى حصلت على التصريح في عام 1950 واعلنت "الحركة الاتحادية التونسية للمرأة المسلمة".
واستطاعت بشيرة بن مراد – بجرأة – ان تقيم اجتماعاً عاما في اوائل يونيو من هذا العام حضرته خمسة الاف من نساء تونس وجلسن فيه – بلا حجاب – جنبا الى جنب مع الرجال!
ووقفت الزعيمة تشرح هدف الاتحاد..
اولا رفع مستوى المرأة من الناحية الدينية.. وثانيا رفع مستواها الاجتماعي بالتعليم.. ثم تعريفها بالواجبات الوطنية.. واخيراً – في النهاية – المطالبة بالحقوق السياسية.
وقالت المرشحة: "ان المرأة التونسية التي وقفت في وجه المجاعة التي اجتاحت تونس منذ ثلاثة اعوام، لابد ان تحصل على حقوقها السياسية.. ولسوف نحشد كل جهودنا لنيل هذه المطالب.. حتى اذا تحقق ثلثاها تحولت هذه الجهود الى الميدان الاجتماعي..
ان بشيرة بن مراد تعتقد ان المرأة هي زوجة وأم قبل كل شيء.

للاصفية!
ومن بين نساء تونس طبقة الارستقراطيات المتدينات.. "للاصفية" – ومعناها صفية هانم – واحدة من هذه الطبقة، أبوها – سيدي طاهر بن عاشور – شيخ الاسلام في تونس وعميد جامعة "الزيتونة".. وهي تعيش معه في ضاحية "المرسي" بعد طلاقها.
ولقد بدأت "للاصفية " اول دروسها على يــد "المؤدب" – معلم القرآن – وظلت كذلك تسع سنوات.
ولكن والدها – وكان أيامها قاضياً – رفض ان يدخلها المدرسة الابتدائية تحت ضغط رئيسه.
وتقول "للاصفية" انها كانت تتمنى لو ذهبت الى المدرسة، لتسير في كل يوم كما تسير بنتاها بالحجاب ووراءهما الخادم على بُعد ثلاثة امتار يحمل حقائب الكتب! وتنهدت السيدة السجينة وهي جالسة في حديقة البيت الممتلئة باشجار الزيتون وقالت: ان اختي تستطيع الان ان تخرج الى الشارع.. بل وتخرج من دون حجاب لانها متزوجة وزوجها من انصار الحركة النسائية.. اما انا والبنتان فلا نستطيع لأننا نعيش الان مع والدنا.. شيخ الاسلام.
ان كل ما تستطيع صفية بن عاشور ان تفعله في اوقات الفراغ هو ان تزور .. أو تلتقي الزوار..
والزيارات في تونس لا يحضرها الرجال! وابتسمت التونسية الشقراء ذات العيون الخضر وقالت: "مرة واحدة.. مرة فقط هي التي مرضت فيها وقرر الاطباء انه لابد من الاستشفاء في فرنسا.." وقالت في فرحة.. زرت باريس وشواطئ الجنوب.

الطبيبة الاولى
وكانت توحيدة بن شيخ اول فتاة تونسية تحصل على البكالوريا، وكانت ايضا اول فتاة تسافر الى باريس – بعد جهاد عنيف – وتعود طبيبة. وعندما حصلت "توحيدة" على البكالوريا كانت امنيتها ان تصبح طبيبة.. غير ان التقاليد وقفت دون ما تريد. ولكنها استطاعت ان تقنع امها مبدئيأ بوساطة سيدة فرنسية زوجة طبيب فرنسي كبير في تونس.
ورضيت الام على شرط ان تسافر معها السيدة الفرنسية الى باريس. وعادت الاسرة كلها تقف ضدها وحتى قبل قيام الباخرة بساعات جاء عمها باحد القضاة ليصدر فتوى شرعية امام امها لتمنعها من السفر.. ولكنها خفت بالباخرة.. وسافرت الى باريس وامضت فيها ثمانية اعوام.. وتزوجت الدكتورة توحيدة من طبيب تونسي.. ثم استطاعت – لاول مرة – ان تدخل مهنة الممرضات بين النساء في تونس.. وان تعمل على ان يتعلم عدد من الفتيات الطب.
اما اوقات الفراغ فتقضيها الطبيبة التونسية في القيام بواجبها الاجتماعي في مؤسسة رعاية الاطفال التي تشرف عليها الاميرة زهرية ابنة باس تونس المتزوجة من وزير الصحة.

شراب اللــوز
وانضمت ابنة رئيس الوزراء – للازهرية – الى صفوف المكافحات في سبيل الحرية، وعندما انتقلت الى بيت زوجها – وهو طبيب تونسي – رفعت الحجاب. ثم القت قنبلة فقد بدأت تقيم بالاشتراك مع زوجها حفلات مختلفة!
اما "للانايلة" ابنة رئيس الوزراء السابق – سيدي كعك – فقد ادت فريضة الحج مع والدها وقالت "للانايلة": اننا نأخذ عن الغربيين العلم والثقافة ولكننا يجب ان نحافظ على تقاليدنا.
وقالت: انا مثلا لا اجد ضررا في تقاليد الزفاف عندنا.. فأسرة العريس كلها تذهب لتطلب يد العروس من امها.. ثم تبدأ اسرة العريس في السؤال عن بعض المعلومات.
هل العروس بيضاء؟
وهل تتمتع بقسط وافر من السمنة؟
وتضحك : للانايلة" وتقول: والعروس الجميلة في نظر رجال تونس هي البيضاء السمينة".
وعندما يتم الاتفاق يرسل العريس سلة فيها شيك بمبلغ المهر المتفق عليه ومعه صندوق جواهر وزجاجة من العطر الثمين..
وعندئذ تدعو العروس الى حفلة لا يشهدها الا السيدات.. وفي يوم الزفاف ترتدي العروس بنطلونا واسعا من الصوف المشغول باسلاك الذهب والفضة وفوقه معطف من نفس القماش.. وتقف وحولها وصيفات الشرف وكلهن من صديقاتها اللواتي تزوجن في نفس العام.. وفي يوم الزفاف يرى كل من العروسين صاحبه.. لأول مرة.
ايزيس فهمي

آخر ساعة/
تشرين الثاني- 1951