عندي حلم..مارتن لوثر كنغ، قائد في الوقت المناسب!

عندي حلم..مارتن لوثر كنغ، قائد في الوقت المناسب!

كمال يلدو
ما كان لحركة"الحقوق المدنية"التي انتشرت في الولايات المتحدة منذ مطلع القرن العشرين، متمثلة بالحركات الأشتراكية و النقابية العمالية وحركات السود والملونين من القوميات الأخرى، والتي تأثرت كثيرا بأنتصار ثورة اكتوبر الروسية والحركات العمالية في اوربا، ووصول المهاجرين الجدد من تلك الدول، ما كان لها ان تنتصر في مسعاها لولا وجود القيادة المناسبة في الوقت المناسب.


الطابع السلمي
فمنذ ايام شبابه الأولى، انخرط في الحركة المدنية للزنوج، وكان اول ظهور رسمي له كقائد منظم عا م1955 الى جانب المناضلة المدنية السوداء- روزا باركس- التي رفضت اخلاء كرسيها في الباص للرجل الأبيض كما كانت تقتضية قوانين الفصل العنصري. وكان لدراسته اللاهوت المسيحي ورسامته قسا، ومن ثم تتويج دراسته بدرجة الدكتوراه، أثره البالغ في بناء شخصيته التي طغى عليها الطابع السلمي البعيد عن العنف، اذ كانت بصماته واضحة فيما لحق. وقد ادى ذلك الى ازدياد شعبية الحركات الأحتجاجية على سياسة الفصل العنصري ضد السود، وأنخراط قطاعات جديدة من الشعب الأميركي وخاصة من البيض ومن العمال، متحدين القرارات والأحكام التعسفية للعديد من الولايات الجنوبية – الزراعية – والتي ينتشر فيها السود بكثافة، وازدياد نشاط المنظمات العنصرية البيضاء وخاصة عصابات – الكو كلاس كلان – وجرائمها المنظمة ضد النشطاء من السود، او بحرق منازلهم، وحتى بسياسة الشرطة الرعناء ومواجهة المتظاهرين بالكلاب البوليسة وخراطيم الماء والعصي، لكن عدم انجرار القيادات الواعية للعنف المتبادل، وأصرارهم على السلمية، فوّت الفرصة لضربهم اكثر. اما أشتراك النساء والأطفال في الأحتجاجات، فقد جعلها ذات بعد اكبر وبمحتوى انساني وأجتماعي متجدد.
مارتن لوثر وغاندي
لم يخفِ القس مارتن لوثر كنغ اعجابه الشديد بالزعيم الوطني الهندي(غاندي) و بحركته السلمية، وتحقق حلمه بزيارة الهند عام 1959 ليقف على تجربة هذا الشعب عن قرب، كما كان يضمر اعجابا شديدا بالكاتب الروسي العملاق-ليون تولستوي- ورائعته الأدبية"الحرب والسلم"، تماما مثل الزعيم الهندي الراحل غاندي. اما ملهمه الأكبر فقد كانت شخصية(يسوع المسيح)، الذي كان يدعو للتسامح والسلم والتعامل الأنساني حتى مع الأعداء أو الخصوم، كما شدد على عدم اتباع الأساليب العنفية للوصول الى الهدف بل عن طريق الصبر وتحمل الألم، رغم وحشية خصومه آنذاك واليوم! هذه الأرهاصات ســاهمت بتعمق شخصية القس، القائد مارتن لوثر كنغ وعمقت مسار خطه السلمي لاحقا، والتي منحته ثقة اكثرية الجماهير السوداء المضطهدة، على الرغم من وجود تنافس مع حركــــــات سوداء كان لا تمانع من استعمال العنف للأنتقام من البيض بغية الوصول للحرية والأنعتاق.
من مدينة اطلانطا
ولد مارتن لوثر كنغ يوم 15 كانون ثاني عام 1929في مدينة اطلانطا/جورجيا، وكان الأبن الأوسط لشقيقيه في العائلة. بعد ان انهى دراسته الأبتدائية، اختزل دراسته الثانوية وعبر الصفين التاسع وألثاني عشر، وبعمر 15 عاما دخل كلية(مور هاوس كولج) عام 1948، وتخرج بمعدل جيد جدا/ممتاز في مادة علم الأجتماع. اقترن مارتن لوثر كنغ من السيدة –كوريتا سكوت- عام 1953، وأنجب منها 4 ابناء، بنتان وولدان.تقلد مارتن لوثر سلك الكهنوت بعمر 25 عاما، وفي عام 1954 بدء دراسته للدكتوراه التي انجزها في حزيران من عام 1955في مادة –علوم الدين- من جامعة بوسطن.
كان المسيح، وسيرة المسيح، حاضرة في معظم خطبه وكتاباته، اما مثله الأعلى من سيرة يسوع فكان (احب جارك كما تحب نفسك).
ابداع في اساليب النضال
كان اول من ابتدع اسلوب (الجلوس السلمي) كنوع من انواع الأحتجاجات، اما تمرينه النضالي الأول فكان في العام 1955، عندما نظم المظاهرات السلمية، ومقاطعة شركة الباصات احتجاجا على القوانين العنصرية التي كانت تستهدف السود، والتي ادت الى توقيف السيدة(روزا باركس) في حادثة الباص الشهيرة، وأدت مشاركته تلك الى تعرضه للأعتقال بعد هذه الحادثة، وقد ساهمت المقاطعة والمحاكمات في الغاء الفصل العنصري في باصات (مونتغمري) والذي كان يعتبر انتصارا باهرا للحركة المدنية للشعب الأسود، وسطوع نجم مارتن لوثر كنغ كزعيم وطني على عموم الولايات المتحدة. وعقب هذا النصر وأستمرار التظاهرات الكثيرة، تمكنت الحركة المدنية السلمية للشعب الأسود، وبدعم من الحركة اليسارية والمواطنين البيض، وتضامن الشعوب من ان يتكلل هذا النضال بأنتصارات باهرة سنت على أثرها قوانين مهمة في عامي 1964 و 1965 مثل حق الأنتخاب للسود، منع سياسة الفصل العنصري، تساوي الحقوق في العمل، الأمر الذي تطور مع السنين حتى اصبح التمييز على اساس العرق او اللون جريمة يحاكم فيها المتورطون، اشخاصا كانوا او مؤسسات او حتى جهات رسمية، وهذا ما يستفيد منه ليس الشعب الأسود فحسب، بل كل الأديان والقوميات والأجناس الموجودة في الولايات المتحدة.
قيادة متميزة
لم ينجر مارتن لوثر كنغ يوما للخطاب العنصري، ولم يدعو ابدا لأعمال العنف او الأنتقام من البيض، رغم انه أسود ويعمل في منظمات وجمعيات للشعب الأسود. لقد كان خطابه وطنيا بأمتياز، وعرف حق المعرفة من ان عدم مساواة الزنوج مع البيض انما هي خسارة للوطن الأميركي ككل، وأن الطريق الأمثل لتحقيق احلام كل الأميركان، هي في الغاء قوانين الفصل العنصري وتحقيق العدالة والمساواة، ولهذا فقد حازت نضالاته على دعم وأسناد فئات كبيرة وكثيرة من الشعب الأميركي حتى من ذوي الأصول البيضاء. هذا الأمر، وخشية الجهات الأمنية من صعود نجم القائد مارتن لوثر، دفع السنتور روبرت كندي في خريف عام 1963 وعندما كان يشغل منصب المدعي العام الى توجيه الأمر للمخابرات و (اف بي آي) للتنصت على مكالماته الهاتفية، والى زرع السماعات والكاميرات في غرف الأجتماعات التي كان يرتادها كنغ في مســـعى للأيقاع به وتلفيق تهمة انتمائه للحزب الشيوعي(المحظور)، او بدعوى صلاته مع الشيوعيين. وقد فشلوا في هذا المسعى، فالسيد مارتن لوثر لم يكن شيوعيا، لكن افكاره وشعاراته ونضالته كان تحظى بدعم وتأييد الحركات اليسارية والأشتراكية ليس في اميركا فحسب، بل في دول كثيرة من العالم المتحضر، وعندما فشلوا في هذا المسعى، حاولوا تلفيق تهم (الأنحراف الجنسي) وأقامة علاقات مشبوهة مع نساء أخريات دون علم زوجته، من اجل تحطيم عائلته وتحطيمه نفسيا، وفشلوا في ذلك ايضا.
نضال بلا كلل او ملل
لم تكن الأعتصامات والمسيرات والأضرابات التي دعى اليها مارتن لوثر ومعظم الجمعيات والحركات التي كانت تنشط وسط الشعب الأسود موسمية او خاضعة لمزاج هذا القائد او ذاك، لقد كانت حاجة ماسة لأيصال صوت الناس المظلومة الى اسماع المسؤولين، وكانت هذه الفعاليات تجري في معظم الأحيان في الولايات(الجنوبية) التي يكثر فيها السود، وربما تكون المسيرة السلمية الأحتجاجية التي جرت عام 1962 في مدينة برمنغهام/آلاباما، واحدة من المحطات المهمة نتيجة لأستخدام الشرطة الأساليب القمعية لمواجهة التظاهرة وأطلاق يد الكلاب البوليسية التي فتكت بالمتظاهرات والمتظاهرين، هذه التظاهرة حازت على تضامن من كل اطراف البلاد لأنها نشرت في محطات التلفزة لعموم اميركا. ان هذا الخزين الكبير من العمل النضالي الذي كان يجري على المستوى المحلي، دفع مجموعة (الستةالكبار) وهي اكبر 6 منظمات للأميركان السود لنقل نضالاتها هذه المرة الى العاصمة الأميركية واشنطن. فبالرغم من ان الرئيس الأمريكي – جون كندي- كان متضامنا مع مطالب الشعب الأسود الا انه لم يشجع القادة السود على القيام بالتظاهرة المزمع انطلاقها في آب 1963، وكان يتحجج بأن الجماهير لن تشارك وأن العدد القليل سيؤثر على شعبية اهدافكم، والخشية ايضا من اعمال الشغب والعنف او الأعتداء من قبل العنصرين البيض. الا ان احدا من قادة التظاهرة لم يشارك الرئيس كندي رأيه، ومضى المنظمون في خططهم، فما كان من الرئيس الا ان يدفع بأعداد اضافية من الشرطة لحماية التظاهرة والمتظاهرين، كما اوصى على النقابات العمالية للمشاركة الفعالة في انجاحها ايضا. جاء اليوم الموعود، 28 آب 1963 وأنطلقت التظاهرة، وحضرها بحدود 250 ألف مواطن، من كل الألوان والأجناس، من النساء والرجال، وأوصلت الرسالة واضحة الى صانعي القرار في البيت الأبيض والكونغرس الأميركي، ان كان بالشعارات المرفوعة او بالحناجر او بالخطاب التأريخي الذي القاه مارتن لوثر كنغ، فقد كانت اكبر تظاهرة احتجاجية في تأريخ الولايات المتحدة، وأفترشت المنطقة ابتداءً من عند عتبات النصب التذكاري للزعيم الراحل – ابراهام لنكولن- مرورا بالبحيرة قبالة النصب ووصولا حتى السوق الوطني في قلب العاصمة واشنطن، مطالبة بأنهاء الفصل العنصري في الحياة العامة والمدارس، ومنع التمييز في العمل، ضمان حقوق السود عندما يكونون بعهدة الشرطة، وتحديد الحد الأدنى لاجر ساعة العمل ب 2 دولار.
حدثهم عن"حلمك"!
نظرا لأزدياد شعبية مارتن لوثر وبروزه كقائد وطني، وتصاعد المد في الحركة السلمية لتحقيق الحقوق المدنية، فأن مسؤلياته قد تضاعفت، وتمثلت في الدقة بأنتقاء الكلمات والعبارات أو الجمل. تلك التي كان من الممكن ان تلقيه في السجن او ان تكون سببا في ارتكاب الشرطة لمجازر بحق المتظاهرين، خاصة وأن الأجواء كانت مشحونة، والخصوم من كلا الطرفين متربصين احدهم بالآخر. لقد كانت مواقفه قمة في الرقي والأنسانية حتى عندما كانت الشرطة تسحبه الى سياراتها وتلقيه في السجن، فقد كان يعاملهم بأحترام وأدب!
عندما قررت القيادات الوطنية نقل التظاهرة الى واشنطن، فأن مسؤولية اكبر كانت عليه في كتابته لهذا الخطاب (كما في خطاباته السابقة)، فالدقة والحكمة مطلوبة اكثر من اي وقت. ولمن يراقب الخطاب، فأن مارتن لوثر كان يقرأ من الخطاب الموضوع على منصة الخطابة، ولمن ينتبه اكثر فأن اصواتا كانت تأتي من خلفه، تشجعه وتبعث به الأمل، وكان احد هذه الأصوات صوتا نسائيا ايضا، تبين لاحقا بأنها كانت"ماهاليا جاكسون"اشهر المرنمات الكنسيات في الولايات المتحدة بلا منازع آنذاك والملقبة ب – ملكة الترنيم - وكانت تقف بكل شجاعة خلفه على منصة الخطابة. بعد الدقيقة 12 يهمس هذا الصوت النسائي عاليا فيه (حدثهم عن حلمك، حدثهم عن حلمك، حدثهم عن حلمك)، وفي خضم الخطاب الناري الذي كان يلقيه، يبدأ بالنظر عاليا، بأتجاه السماء وبأتجاه البيت الأبيض، ودون النظر الى الخطاب ويبدأ بالقول: عندي حلم، ويكررها 11 مرة في هذا الخطاب، ولتأخذ هذه العبارة الصدارة في التعريف بهذا الخطاب الذي يعتبر لليوم، من اعظم الخطابات السياسية على الأطلاق، اداءً وصياغة. ان ترديده عبارة"عندي حلم"عبرت ومازالت لليوم عن آمال الملايين في العالم من الذين مازالوا يرزخون تحت انظمة قمعية او عنصرية، عبرت آنذاك عن احلام الملايين من السود والبيض، وكانت ادانة لسياسة التميز العنصري، وصارت جسرا للعبور نحو عصر العدالة والمساواة. استغرق الخطاب حوالي 17 دقيقة، ولليوم يعتبر قطعة نفيسة في العمل والنضال الأنساني لشعوب الأرض التواقة للحرية، ويمكن تلمس ذلك في ابلغ الصور عن نضال الشعب الأسود في جنوب افريقيا وأنعتاقه من نظام التميز العنصري (الأبارتايد) والشعوب الأخرى التي كانت تنشد التحرر والأستقلال، وأنتشرت صور مارتن لوثر في كل العالم مثلما انتشرت صور جيفارا الثائر.
"لديّ حلم"،
الدكتور مارتن لوثر كنغ
خطاب ألقاه خلال المسيرة إلى واشنطن ودعا فيه إلى توفير فرص العمل والحرية
واشنطن العاصمة، 28 آب/أغسطس، 1963
يسرني أن أنضم إليكم في هذا اليوم في ما سيسجله التاريخ على أنه أعظم مظاهرة في سبيل الحرية في تاريخ بلادنا. (تصفيق).
قبل مئة عام خلت، وقّع أميركي عظيم، نقف في ظله الرمزي اليوم، إعلان تحرير العبيد. وهذا المرسوم الجليل برز كنبراس عظيم من الأمل بالنسبة للملايين من العبيد الزنوج الذين اكتووا بلهيب الظلم المهلك. وجاء ذلك اليوم بمثابة فجر يوم بهيج لإنهاء الليل الطويل لنير عبوديتهم.
غير أنه بعد مرور مئة سنة، لا يزال الزنجي غير حر (الجمهور: يا إلهي) بعد مرور مئة سنة لا تزال حياة الزنوج مشلولة بقيود الفصل العنصري وأغلال التمييز. بعد مرور مئة سنة، لا يزال الزنجي يعيش وحيدًا على جزيرة معزولة من الفقر في وسط محيط شاسع من الازدهار المادي. بعد مرور مئة سنة (يا إلهي) (تصفيق)، لا يزال الزنجي يرزح في زوايا المجتمع الأميركي ويجد نفسه منفيًا على أرضه بالذات. ولذا فقد جئنا اليوم إلى هنا لنبيّن ونصور لكم وضعا مروعا وحالة مزرية.
لقد جئنا بمعنىً ما إلى عاصمة بلادنا لنقبض فاتورة الحساب. عندما كتب بناة جمهوريتنا الكلمات الرائعة للدستور وإعلان الاستقلال (نعم) فإنهم كانوا يوقعون على سند للتسديد سيغدو كل أميركي وريثا له. كان هذا السند وعدًا بأن جميع الرجال، نعم، الرجال السود وكذلك الرجال البيض، ستضمن لهم"حقوق غير قابلة للتصرف في الحياة، والحرية، والسعي لتحقيق السعادة". من الواضح اليوم أن أميركا قد تخلفت عن تسديد هذا السند فيما يتعلق الأمر بمواطنيها الملونين. فبدلاً من احترام هذا الالتزام المقدس، أعطت أميركا الشعب الزنجي شيكاً بدون رصيد، شيكاً أعيد إلى صاحبه مذيلاً بعبارة"ليس هناك رصيد كافٍ".(تصفيق متواصل).
لكننا نرفض أن نصدق بأن بنك العدالة قد بات مفلسًا. (يا إلهي) [ضحك]. (بالتأكيد) نحن نرفض أن نصدق أن الأرصدة غير كافية في الخزائن العظيمة للفرص في هذه الدولة. ولذا فإننا جئنا لنقبض هذا الشيك نقدًا (نعم) شيكًا سيعطينا نزولا عند طلب ثروة الحرية (نعم) وأمن العدالة.
(تصفيق)
لقد جئنا أيضًا إلى هذه البقعة المبجلة لتذكير أميركا بالإلحاح الشديد لهذه اللحظة الآن. هذا ليس وقتًا للانخراط في ترف تهدئة الأعصاب أو تناول الدواء المهدئ الداعي إلى الإنجاز التدريجي. (تصفيق). لقد حان الوقت الآن لجعل وعد الديمقراطية حقيقة واقعة. (يا إلهي). الآن هو الوقت (المناسب) للصعود من وادي التمييز العنصري المظلم والمقفر إلى المسار المضيء بنور الشمس للعدالة العِرْقية. الآن هو الوقت المناسب (تصفيق) لانتشال دولتنا من الرمال المتحركة للظلم العنصري إلى الصخرة الصلبة لرباط الأخوة. الآن هو الوقت (تصفيق) لجعل العدالة حقيقة ملموسة لجميع مخلوقات الله.
وقد يكون أمرًا قاتلاً لدولتنا أن تتجاهل الحاجة الملحة لهذه اللحظة. هذا الصيف القائظ من السخط المشروع للزنجي لن يمر قبل قيام فصل خريف منعش تسوده الحرية والمساواة. إن سنة 1963 ليست نهاية، إنما بداية. وأولئك الذين يأملون بأن الزنجي يحتاج لأن يروّح عن غضبه وسيصبح الآن راضيًا سوف يستفيقون على حقيقة صادمة إذا استأنفت البلاد عملها كالمعتاد. (تصفيق)
لن تكون هناك راحة ولا هدوء في أميركا إلى أن يُمنح الزنجي حقوق مواطنيته. سوف تستمر زوابع الثورة في زعزعة أسس دولتنا إلى أن يلوح بالأفق اليوم المشرق للعدالة.
غير أن هناك شيئًا يتعين عليّ أن أقوله لشعبي، أولئك الذين ينتظرون على أحر من الجمر، شيئًا يقودهم إلى قصر العدالة: خلال عملية اكتساب مكاننا الشرعي، ينبغي علينا الامتناع عن ارتكاب الأعمال الخاطئة. دعونا لا نسعى إلى إرواء عطشنا للحرية بالشرب من كأس المرارة والكراهية. (يا إلهي). (تصفيق) علينا أن نقوم بكفاحنا إلى الأبد على أعلى مستوى من الكرامة والانضباط. علينا ألا نسمح لجهودنا الإبداعية أن تتحول إلى عنف جسدي. ومرة أخرى تلو المرة، علينا أن نرتقي إلى المرتفعات المهيبة في مواجهة القوة المادية بالقوة الروحية. فالروح المكافحة الجديدة الرائعة، التي اجتاحت المجتمع الزنجي يجب ألا تفضي بنا إلى عدم الثقة في جميع الناس البيض. فالعديد من إخواننا البيض، كما يتجلى في وجودهم هنا اليوم، قد توصلوا إلى الإدراك بأن مصيرهم (تصفيق) مرتبط بمصيرنا (تصفيق) وقد توصلوا إلى الإدراك بأن حريتهم مرتبطة ارتباطًا لا ينفصم بحريتنا. ونحن لا يمكننا أن نسير وحدنا. وخلال مسيرتنا، ينبغي علينا أن نتعهد بأننا سنسير دائمًا الى الأمام. ولا يمكننا التراجع أبدًا.
هناك أولئك الذين يتساءلون من بين أشد المناصرين للحقوق المدنية، متى ستشعرون بالرضا؟ لا يمكننا أبدًا أن نشعر بالرضا طالما أن الزنجي هو نفسه الضحية للأهوال التي لا توصف لوحشية رجال الشرطة. ولا يمكننا أبدًا أن نكون راضين (تصفيق) طالما بقيت أجسادنا، المثقلة بمشقة السفر، لا يمكنها الحصول على إقامة في الموتيلات المنتشرة على الطرق السريعة وفي فنادق المدن. (تصفيق).
لا يمكننا أن نكون راضين طالما بقيت إمكانية الحركة الأساسية للزنجي تنتقل من حّي"غيتو"صغير إلى حي"غيتو"أكبر منه. لا يمكن أبدا أن نكون راضين طالما يُجرد أطفالنا من ذاتهم وتسلب كرامتهم بلافتات كتب عليها"للبيض فقط"(تصفيق).
لا يمكن أن نكون راضين طالما بقي الزنجي في الميسيسيبي لا يمكنه التصويت، وطالما بقي الزنجي في نيويورك يعتقد بأن ليس لديه ما يصوّت من أجله. (نعم). (تصفيق). كلا، وألف كلا، لسنا راضين ولن نكون راضين قبل أن"تتدفق العدالة كالمياه الجارية ويتدفق الحق والصواب كجدول قوي وعظيم. (تصفيق).
إنني لست بغافلٍ عن أن البعض منكم جاء إلى هنا قادمًا من محن واضطرابات عظيمة (يا إلهي) وأن بعضكم جاء من زنزانات السجون الضيقة. إن بعضكم جاء من مناطق حيث جعلكم سعيكم للحرية محطمين بسبب عواصف الاضطهاد (نعم) وقد رنحتكم رياح وحشية رجال الشرطة. لقد كنتم الجنود القدامى للعذاب الخلاق. واصلوا العمل مع إيمانكم بأن المعاناة غير المكتسبة تخلّص الروح. عودوا إلى الميسيسيبي. (نعم). عودوا إلى ألاباما، عودوا إلى ساوث كارولاينا، عودوا إلى جورجيا، عودوا إلى لويزيانا، عودوا إلى الأحياء الفقيرة وأحياء"غيتو"الزنوج في مدننا الشمالية، وانتم تدركون بطريقة ما أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر وسوف يتغير. (نعم). دعونا لا نبقى متخبطين في وادي اليأس.
أقول لكم اليوم، يا أصدقائي (تصفيق)، إنه على الرغم من أننا نواجه صعوبات اليوم وغدًا، فلا يزال لدّي حلم. (نعم). إنه حلم مترسخ في الحلم الأميركي.
لدي حلم بأنه في أحد الأيام (نعم) سوف تنهض هذه الأمة وتعيش المعنى الحقيقي لإيمانها: إننا"نعتبر هذه الحقائق بديهية بأن جميع الناس خُلقوا متساوين". (نعم) (تصفيق). لدّي حلم بأنه في أحد الأيام على التلال الحمراء في جورجيا سوف يتمكن أبناء العبيد السابقين وأبناء مالكي العبيد السابقين من الجلوس سوية على طاولة الأخوة.
لدّي حلم بأنه في أحد الأيام حتى في ولاية ميسيسيبي، الولاية التي تتصبب عرقًا من شدة حرارة الظلم (حسنًا)، تتصبب عرقًا بفعل حرارة الاضطهاد، ستتحول إلى واحة من الحرية والعدالة.
لدّي حلم (حسنًا) (تصفيق) أن أطفالي الأربعة سوف يعيشون في أحد الأيام في بلاد لن يُحكم عليهم فيها من خلال لون بشرتهم، إنما بمكنون شخصياتهم. (يا إلهي). لدّي حلم اليوم. (تصفيق).
لدّي حلم بأنه في أحد الأيام في ألاباما، وبعنصرييها الأشرار، وبحاكمها الذي تقطر شفتاه بكلمتي"الفصل"و"الإلغاء"(نعم)، في أحد الأيام هناك في الأباما سوف يتمكن الفتيان والفتيات السود الصغار من الجلوس متشابكي الأيدي مع الفتيات والفتيان الصغار البيض كشقيقات وأشقاء. لديّ حلم اليوم. (تصفيق).
لدّي حلم بأنه في أحد الأيام بأن كل وادٍ سيسمو. (نعم)، وكل تلة وجبل سينخفضان، وبأن الأماكن الوعرة ستغدو ممهدة، وأن الأماكن الملتوية ستصير مستقيمة. (نعم)، وأن مجد الرب سيظهر، وأن كل من هم من لحم ودم سيشاهدون ذلك سوية. (نعم).
هذا هو أملنا. وهذا هو إيماننا الذي سأعود به إلى الجنوب. (نعم). وبهذا الإيمان سنستطيع أن نستخرج من جبل اليأس صخرة الأمل. (نعم)، وسنستطيع أن نحوّل الانشقاقات الباقية في دولتنا إلى سيمفونية رائعة من الأخوة.(أحسنت)، وبهذا الإيمان (يا إلهي) سنغدو قادرين على العمل معًا، أن نصلي معًا، أن نكافح معًا، أن ندخل السجن معًا، (نعم) أن نقف في سبيل الحرية معًا، مدركين بأننا سنكون أحرارًا في أحد الأيام. (تصفيق). وسيكون هذا هو اليوم (التصفيق يتواصل)، وسيكون هذا هو اليوم الذي يتمكن فيه جميع مخلوقات الله (نعم) من الغناء بمعنى جديد:
يا بلادي، من أجلك (نعم) هذه الأرض الحلوة التي تنعم بالحرية، من أجلك أغني.
هذه الأرض التي تضم رفات والدي، الأرض التي يعتز بها الحجاج (نعم)
ومن كل سفح جبل، فلتقرع أجراس الحرية!
وإذا كان لأميركا أن تكون أمة عظيمة، فينبغي أن يصبح ذلك حقيقة واقعة.
فلتقرع أجراس الحرية (نعم) من قمم التلال المبهرة لنيو هامبشير.
فلتقرع أجراس الحرية من الجبال الشامخة لنيويورك.
فلتقرع أجراس الحرية من جبال أليغي الشمّاء في بنسلفانيا. (نعم، هذا صحيح).
فلتقرع أجراس الحرية من جبال الروكي المكللة بالثلوج في ولاية كولورادو.(أحسنت).
فلتقرع أجراس الحرية من المنحدرات الميّاسة لولاية كاليفورنيا. (نعم).
ولكن ليس ذلك فحسب: فلتقرع أجراس الحرية من جبل الصوّان في جورجيا (نعم(
فلتقرع أجراس الحرية من جبل لوك آوت في تينيسي (نعم).
فلتقرع أجراس الحرية على كل تلٍ عالٍ وتلة صغيرة في ميسيسيبي (نعم).
ومن كل سفح جبل، فلتقرع أجراس الحرية. (تصفيق).
وعندما يتحقق ذلك (يستمر التصفيق)، عندما نسمح لأجراس الحرية بأن تقرع، عندما نسمح لها بأن تقرع من كل بلدة وقرية، من كل ولاية ومن كل مدينة (نعم)، سوف نتمكن من تسريع وصول ذلك اليوم حينما يتمكن جميع مخلوقات الله، السود والبيض، اليهود وغير اليهود، البروتستانت والكاثوليك، سوف نتمكن من أن نتكاتف وننشد الترنيمة الدينية العريقة:
أحرارًا أخيرًا! (نعم) أحرارًا أخيرًا!
شكرًا لك يا الله، لقد بتنا أحرارًا أخيرًا! (تصفيق)
خطاب مارتن لوثر كنغ
"انا عندي حلم"في 28 آب 1963

مازلنا في بداية الطريق
رغم الأنتصارات (الكبيرة أو الصغيرة) التي حققتها الحركة السلمية من خلال تشريع بعض القوانين لتحقيق المساوات، فأن عملا كبيرا كان ينتظرهم، على ان اهمهم كان تحقيق العدالة الأجتماعية على ارض الواقع، ومناهضة الحرب على فيتنام. هذه الحرب التي كان وقودها المواطنين في كلا البلدين،بينما تجار السلاح يرفلون بالنوم الهادئ! قاد وشارك في عشرات المظاهرات، وصار حضوره ملفتا للأنظار ولكل وسائل الأعلام، وصارت العديد من الجهات(التي مازالت غارقة في عنصريتها) تخشاه وتخشى شعبيته، مع الطروحات الليبرالية التي كان يطلقها.
منحت لجنة جائزة نوبل الدكتور مارتن لوثر كنغ يوم 14 اكتوبر\تشرين الاول عام 1964 وسام وجائزة نوبل للسلام تثمينا لدوره الكبير في النضال السلمي للشعب الأميركي الأسود ومن اجل تحقيق العدالة والمساواة. هذه الجائزة منحته حصانة جيدة وحشرت خصومه (وخصوم اهدافه الأنسانية) في زاوية حرجة، ورغم ذلك فقد تعرض للمضايقات والأعتقال من قبل الشرطة والمخابرات (اف بي آي) اثناء مشاركاته في النضالات السلمية لاحقا.

الرحلة الأخيرة
في يوم 29 آذار من عام 1968 توجه كنغ بصحبة مجموعة من القيادات الوطنية الى مدينة ممفيس في ولاية تنسي الجنوبية، للتضامن مع عمال (تنظيف المرافق) السود، والذين كانوا قد دخلوا في اضرابا عماليا منذ 12 آذار، مطالبين بتحسين ظروف العمل ورفع الأجور ومعاملة افضل من قبل الأدارة تجاههم. تعـّود مارتن لوثر النزول في ذات الفندق كلما اتى الى هذه المدينة، ووقتها كان صاحب الفندق قد خصص جناحا كاملا للوفد في الطابق الثاني. وفي يوم 4 نيسان وفي الساعة 6,01 وبينما كان مارتن لوثر واقفا في البلكونة، انطلقت رصاصة نحوه مخترقة خده الأيمن والفك ومارة خلال الحبل الشوكي لتستقر في كتفه، ولم تمهله كثيرا حيث فارق الحياة.
ادى هذا الأغتيال الى اعمال عنف كبيرة في كل ارجاء الولايات المتحدة، والى خيبة امل كبرى في صفوف الحركة المدنية للحقوق ومناهضة الحرب الفيتنامية، بينما اعلن الرئيس الأميركي –لندن جونسون- يوم السابع من نيسان عام 1968 يوم حداد وطني فيما اناب (نائبه) لحضور مراسيم التشيع الرسمي للراحل الدكتور مارتن لوثر كنغ.

ماذا يقولون عنك؟
ســئل مارتن لوثر كنغ مرة اثناء تواجده عام 1968 في الكنيسة المعمدانية ب اتلانتا عن الكيفية التي يرغب ان تتذكره الأجيال بعد رحيله فقال: بأن مارتن لوثر كنغ قد حاول منح كل امكانياته للآخرين، وأنه حاول ان يحب الناس. وأتمنى ان يتذكر الناس بأن موقفي الرافض للحرب كان صائبا، وأني حاولت اطعام الجوعى، وحاولت اكساء العريانين، كما اتمنى ان يقال عني ايضا بأني كنت ازور المسجونين وبأني منحت حبي للأنسانية. نعم، ان اردتم القول بأني كنت قارعا للطبول فلابأس من ذلك، كنت قارعا للطبول من اجل العدالة والسلام وما تبقى سيكون ثانويا امام هذا الأمر العظيم

مسيرة مستمرة
نال مارتن لوثر جائزة نوبل للسلام بأمتياز وكانت نقطة تحول عالمي مهمة ان ينال شخص(اسود) هذه الجائزة المهمة وكان اصغر شخصا يحصل عليها آنذاك، وبعد اغتياله المريع، فقد فرضت شخصيته نفسها على كل من جلس في البيت الأبيض. ففي يوم 2 نوفمبر\تشرين الثاني من عام 1983 سن الرئيس الأميركي رونالد ريغن مرسوما بأعتبار (عيد ميلاد) مارتن لوثر عطلة رسمية، وفي العام 1986، اعتبر (ثالث) أثنين من شهر كانون ثان من كل عام، عيدا وطنيا للأحتفال بميلاد القائد الوطني مارتن لوثر. كما ان مؤسسات وجمعيات كثيرة تتنافس في هذا اليوم للأحتفال بميلاد رمز الحركة المدنية السلمية للتحرر، والتي تلقي شعبية كبيرة سنة بعد سنة.سميت مئات الشوارع بأسمه، وافتتح النصب الرمزي له، ويأم قبره زوارا كثر ومن كل العالم احتراما لمسيرته الأنسانية وأثرها البالغ في حياة الشعب الأميركي وشعوب العالم. وفي سجله (القصير) ما لا يقل عن 50 شهادة تقديرية، محلية وعالمية تقديرا وتثمينا لدوره في النضال السلمي.

ليست مصادفة
حينما اطلق مارتن لوثر كنغ عبارته الشهيرة"لدي حلم"يوم 28آب من عام 1963، لم يكن واهما. بل اطلقها بعقلية وقلب قائد ميداني محنك، ينظر ويستشرق المستقبل الذي لم يتمكن عامة الناس من مشاهدته او التنبؤ به، هذا الحس المرهف والثقة العظيمة بقدرة الشعب الأميركي، وبمفكريه ومثقفيه وشعرائه وأبنائه المخلصين من وعيهم لحقيقة، ان هذا الوطن لن يبنى الا بجهود الكل، وأن لا عدالة حقيقية دون ان تكون العدالة حقا للكل. ويقينا ان الزمن لم يتأخر كثيرا حتى يجســـد"حلم"الراحل مارتن لوثر كنغ، فعلى بعد عشرات الأمتار فقط في العاصمة واشنطن، يفصل الزمن حدثان مهمان في تأريخ الولايات المتحدة. ففي العاصمة واشنطن ومن امام نصب الزعيم ابراهام لنكولن اطلق القائد الأسود مارتن لوثر كنغ نداءه الشهير"لدي حلم"يوم 28 آب عام 1963، وفي يوم 23 كانون ثان عام 2008 وعلى بعد امتار من منصة الراحل مارتن لوثر، اقسم السيد باراك اوباما، الرئيس 44 للولايات المتحدة، اول رئيس من اصول سوداء في سابقة تأريخية قلما تتكرر في حياة الشعوب! هذا هو ثمن التضحية والنضال، وهذا هو ثمن الأستمرار بهذه التضحية وهذا النضال.