من مشاهدات الرحالة الاجانب في كربلاء

من مشاهدات الرحالة الاجانب في كربلاء

د. سلمان هادي آل طعمة
كانت كربلاء وما تزال محط أنظار العالم باعتبارها حاضرة أسلامية مقدسة ولدت مع استشهاد سيد الشهداء الأمام الحسين بن علي عليهما السلام في العاشر من محرم الحرام سنة 61هـ /680م ، زارها العديد من الرحالة والسياح و البلدانيين منذ القدم، ولاغرو فللرحالة والبلدانيين إسهام كبير في التعريف ببلدان العالم الإسلامي من جهة، وكذلك التعريف بالمعالم الحضارية والسياحية في البلدان الإسلامية من جهة أخرى.


أن دراسة واقع الدول النامية ومنها الدول الإسلامية على وجه الخصوص يتطلب جهداَ كبيراَ وخبرات علمية واسعة من أجل تدوين ما يشاهدونه، وتقصي أوضاع البلاد العامة. ولاشك أن معظم هذه الرحلات قد وضعت بلغات غير عربية تدخل في ذلك لغات الشرق كالتركية والهندية والفارسية ولغات الغرب كالإنكليزية والفرنسية والروسية والألمانية والإيطالية وغيرها. ولم يقتصر الزائرون لهذه المدينة التأريخية من علماء التاريخ والآثار والتأريخ والجغرافيا وأشياخ الأدب والفن ورعاة العلوم والمعارف الذين قصروها أو أقاموا بها، وعرفوا بمرافقها، وكتبوا فصولا ممتعة عنها، لأنها مركز لالتقاء جميع المسلمين من مختلف أرجاء العالم، وقد عانت المدينة الكثير من الإهمال وجور الحكام في عصور مختلفة، وحوت مشاهداتهم تلك أحداثاَ مهمة مرت بها المدينة، ومعالم شاخصة، وكان لابد من أن تخلدها الكتب الغربية والشرقية. وقد أسهب البعض من أولئك الرحالة في وصف الأماكن المقدسة وصفاَ دقيقاَ لا غبار عليه، وليس من شك أن ما دوّن عن هذه المدينة يشكل حلقة مهمة من حلقات تأريخها، فالأجانب والسياح قاطبة قدموا بذلك فكرة عن أحوال كربلاء وطبائعهم، و سجلوا فيها انطباعاتهم عنها.
لا توجد دراسة شاملة ومتكاملة عن مدونات الرحالة لمدينة كربلاء، ومعظم الدراسات التي تناولت هذه المدونات، كانت على مستوى البلاد وبعض المحافظات ومن ضمنها كربلاء، وعلى هذا جاء اختيار هذا الموضوع انطلاقا من أهمية هذه الدراسة وشموليتها. ولقد تم تحديد ما كتبه الرحالة والأعلام واستقصاء أخبار مآتم واقعة الطف، تلك المأساة الإنسانية الدامية التي أفجعت العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وما كان من مقتل الأمام الحسين بن علي عليه السلام.
وفيما يلي استعراض لمدونات الرحالة والسياح والأعلام، رتبت حسب الزمن بدءا من أقدمها، وهي كالآتي :

تكسيرا
وصلت قافلة تكسيرا الرحالة البرتغالي إلى كربلاء في الرابع والعشرين من أيلول سنة 1604م / 1013هـ، ومما يذكره في رحلته أنّ كربلاء (مشهد الحسين) تشتمل على أربعة آلاف بيت معظمها من البيوت المتآكلة وأغلب سكانها من العرب والبعض منهم من الإيرانيين وكان الأتراك يعينون للإشراف على المناطق بها. ويذكر أن أسواق كربلاء كانت مبنية بشكل متقن بالطابوق ومشحونة بالحاجات والسلع التجارية، لوفرة تردد الناس إليها من المدن والقرى القريبة، ويحكى أن السقاة الذين يقدمون الماء للناس كانوا يدورون بقِرَبهم الجلدية الملأى بالماء، وهم يحملون طاسات النحاس المزكرشة ثم يشير إلى تيسر الأرزاق ورخصها، وتوفر الحبوب والأغذية بكثرة كالحنطة والرز والشعير والخضروات والفواكه و اللحوم وغيرها. وشاهد تكسيرا بنفسه الأعراب التابعين لـ (ناصر المهنا) يبيعون في وضح النهار عدة أشياء منها : خيول، أثاث، ملابس، وأسلحة أربعة وثلاثين تركياَ من موظفي الحكومة العثمانية في كربلاء، بعد أن قتلوهم وسلبوهم ما يملكون وهذا يبرهن على انعدام الأمن في ذلك الوقت حيث كان الأتراك في حرب ضروس مع الايرانيين .
ديللا فاليه
يقول الرحالة الإيطالي في رحلته التي قام بها سنة 1616م / 1025هـ : (لقد كنا في ذلك الموضع على مسافة نصف نهار سيراَ إلى اليمين لنصل إلى (مشهد الحسين )أي موضع استشهاده في أرض كربلاء، وهو مدفون هناك، والموضع مأهول بالسكان، وضريحه مزين وعليه بناء فخم على الطراز الإسلامي، وهو مكان مقدس يزوره المسلمون. عندما مررنا من هناك كانت كربلاء لاتزال تحت حكم القزلباش الفرس فقد أخذوها من الأتراك مع أراضي منطقة بغداد بأجمعها وهي ليست بعيدة عنها. توقفنا هناك، إذ علينا أن ندفع ضريبة للأمير ناصر بن المهنا شيخ تلك البادية....الخ)

عباس المدني
قام هذا الرحالة بزيارة كربلاء سنة 1130هـ / 1717م فوصفها بقوله : (وقد أقمت شهرين بمشهد مولاي الحسين، بلدة من كل المكاره جُنّه كأنها روضة من رياض الجنة، نخيلها باسقات وماؤها عذب زلال من شط الفرات، وأقمارها مبدرة، وأنوارها مسفرة، ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة وقصورها كغرف الجنان مصنوعة، فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة، وفواكهها مختلفة الألوان وأطيارها تسبّح الرحمن على الأغصان وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور وعرف ترابها كالمسك ولونه كالكافور. وأهلها كرام أماثل ليس لهم في عصرهم مماثل، لم تلق فيهم غير عزيز جليل، ورئيس صاحب خلق وخُلق جميل، وعالم فاضل وماجد عادل، يحبون الغريب ويصلون برهم وبُرهم بأوفر نصيب.....الخ

فيليب الكرملي
قصد الكرملي العراق سنة 1629م / 1039هـ وفي أثناء وجوده في العراق زار أطلال بابل ومنها توجه إلى كربلاء ووصف أهل هذه المدينة المقدسة بالطيبة والشجاعة وقال إنهم بكوا عندما سمعوا سقوط مسجد مكة وعم الحزن أرجاء كربلاء وراح أهلها يبكون متصورين قرب قيام الساعة. ووصف أهل كربلاء بشدة التمسك بأهداب الدين الإسلامي وقال إنهم استعدوا لشهر رمضان بأن بعثوا أوانيهم النحاسية إلى المبيض لتبييضها وشرعوا بتجهيز بيوتهم بما يلزم من سكر وشاي ورز وطحين وحبوب ثم صعد المؤذن قبل صلاة العشاء للترحيب بشهر رمضان قبل حلوله بأيام و قرأوا آيات قرآنية وذكر أنهم يتفاءلون لدى مشاهدتهم الحيات خلال السفر لأنهم يعتقدون أن اسم الحية مشتق من الحياة والبقاء وما شابه

نيبور
زار الرحالة الألماني كارستن نيبور وذلك في سنة 1765م / 1179هـ بعد أن أستغرق في قطع المسافة بينها وبين الحلة حوالي سبع ساعات على ظهور الدواب. وعقد (نيبور) مقارنة بين كربلاء والنجف فلاحظ أن مشهد الحسين أكثر من ناحيتي النخيل والسكان، غير أن بيوتها لم تكن متينة البنيان لأنها كانت تبنى باللبن غير المشوي، كانت كربلاء محاطة بأسوار من اللبن المجفف بالشمس، وكان عدد أسوارها خمسة، غير أنه لاحظ أن أسوارها كانت متهدمة أيامئذ....الخ

اوليفيه
زار كربلاء سنة 1799م / 1209هـ فقال: (ليس مشهد علي المدينة الوحيدة التي يقصدها الزوار للحج، إذ أنهم يقصدون أيضاَ مشهد الحسين أو الأمام الحسين (رض) حيث يوجد قبر الحسين بن علي الذي قتل مع عدد كبير من أقاربه وأصحابه في واقعة كربلاء، ومعلوم أن الحسين بعد وفاة معاوية قصد الكوفة مع مائة وخمسين شخصاَ وسائر آل بيته حيث كان ينتظره أنصاره غير أن يزيد بن معاوية قد أرسل ضده ستة آلاف شخص قاتلوه فأستشهد الحسين وسلاحه بيده، لأنه حارب حتى الرمق الأخير ضد هذا العدد الغفير من المناوئين وأقيم له ضريح قريب من ميدان المعركة، وعلى هذا الضريح شيّد فيما بعد مسجد وتكونت حوله مدينة...الخ

أبو طالب خان
قام أبو طالب خان برحلة إلى كربلاء في اليوم الرابع من ذي القعدة سنة 1218هـ الموافق لليوم الأول من مارس سنة 1803م فقال : بعد أقامتي ببغداد ثمانية أيام استأنفت سفري لزيارة مشهد كربلاء ومشهد النجف الأشرف وفي هذه المرة لم أُعلم الباشا بنيتي وخطتي فاكتريت خفية خيلاَ وبغالاَ من حوذي واتفقت معه على أن يرافقني في جميع الطريق وسافرت بلطف فائق. ولقيت حفاوة من كل من لاقاني في أي موضع كنت من طريقي وابتهجت بلقيا قاضي كربلاء ملا عثمان وكان عائداَ إلى كربلاء وكان رجلاَ سنيّاَ ولكنه كان قد تفقه وتثقف وتعلم علماَ جليلاَ وكان بريئا من أوهام الأحكام التي يحكم بها الطغام قبل الاستعلام وظهر لي أنه سرّ سروراَ عظيما بلقائي ورجا مني أن أكون رفيقه في السفر. وفي الطريق من بغداد إلى النجف رأيت بين كل ثمانية أميال خانات مسافرين مبينة بالآجر تشبه حصوناَ، ولكنها يندر أن يقيم فيها المسافرون. وفي اليوم الأول سرنا أربعين ميلاَ وقضينا الليل في خان المزراقجي ثم وصلنا إلى كربلاء في نحو الساعة الثالثة من اليوم التالي ونزلت في دار السيد حمزة وكنت عرفت أبن أخيه في مقصود آباد في البنغال وكنت أرجو أن أراه ثانية بكربلاء ولكنه توفي قبل وصولي إليها بعدة أشهر، ومع ذلك فقد استقبلني أبواه استقبالاَ حسناَ وأعاناني على أتمام مختلف مناسك الزيارة، وتلقاني حاكم كربلاء أمين أغا بكثير من الأدب ودعاني مرتين إلى التغذي معه وأعد لي خيلاَ لأسافر إلى النجف ورغب في دفع كرائها ولما كان ذلك يحرمني ثواب الزيارة ولم أقبل قط هذا البذل. ولقيت في كربلاء عمتي (كربلائي بكم) وعدة نساء من توابعها، وكان شقاء أسرتنا قد أضطرهن إلى اعتزال العالم فجئن يقضين أيامهن الباقية في الأرض المقدسة، وأن هذا اللقاء غير المنتظر سرني أعظم السرور، أن الوهابيين كانوا قد سلبوا منهن ما يملكن وقد أعنتهن بجميع ما أستطيعه إذ ذاك من العون المالي...الخ

فريزر
زار كربلاء الرحالة الاسكتلندي سنة 1834م / 1250هـ فقال ولاتزال كربلاء في حالة ثورة، فلم يستطع (اليرماز) والقتلة و السفهاء الذين يكونون عدداَ كبيراَ فيها من صد الجيش الذي جرده الباشا عليهم فقط بل أصبحوا يهيمنون هيمنة تامة على البلدة كلها، بحيث لم يكن بوسع أحد أن يعصي لهم أمرا أو يتحداهم من دون أن ينال جزاءه، وهم يذهبون في فسادهم وخلاعتهم حتى إلى حد أنهم حينما يعلمون أن أحد الزوار يصطحب معه زوجة جميلة أو أختاَ حسناء يبعثون ليأتوا بها إليهم، وحينما يرفض ذلك يعمدون إلى سرقتها منه بحيلة من الحيل أو إلى اغتصابها بالقوة، وكثيرا ما كان يحدث هناك أن تفقد زوجات بعض الناس على هذه الشاكلة لمدة أسبوع أو أكثر فيعدن إلى أهلهن بعد ذلك بحالة يرثى لها، فقد سمعت أحد الإيرانيين أنا بنفسي يتذمر من معاملة زوجته بهذه الطريقة.

جيريكوف
زار الرحالة الروسي كربلاء سنة 1849م / 1266هـ فقال : (في سنة 1849 مرَّ زوار يبلغ عددهم الثلاثين ألف شخصاً عن طريق بغداد إلى كربلاء، ويبلغ في الأحوال الاعتيادية عددهم في السنة الواحدة حوالي العشرين ألف شخص وينقلون في الغالب جثث موتاهم إلى كربلاء في فصل الشتاء، ويبلغ عدد التوابيت التي تستقبلها كربلاء الخمسة آلاف، وأحياناً تصل إلى العشرة آلاف في السنة الواحدة، وثمن النقل يبلغ قراناً واحدا ( 30 كوبيكا) عن خمسة توابيت (وهي ضريبة المرور ) ، ويطالب رئيس مركز الشرطة التركية للحجر الصحي بفحص التوابيت أحياناً، غير أن الفرس لا يرضون بهذا الأجراء بسبب التعصب المذهبي، وبالرغم من أن هذه الإجراءات هي موجهة ضد المهربين. أما أٌجرة الدفن في أسوار كربلاء والنجف فتبلغ حوالي الألف قران، وهي تختلف بمدى بعد أو قرب مكان الدفن عند المسجد، أما في خارج المدينة فتصل أجرة الدفن إلى المائة قران، فالحكومة التركية هي التي تضع هذه التسعيرة، وأما الملالي فلهم حصصهم الخاصة من النقود حيث يقبضون عن كل جثة مائة قران في المدينة، وفي خارج المدينة تكون حصصهم عن كل جثة خمسة وعشرين قراناً، وهناك من يدفن في الصحراء على بعد ساعة عن المدينة، وإذا ما حدث أن نهب الحجاج في الطريق، ولم يكن باستطاعتهم دفع ثمن دفن الموتى الذين جلبوهم فيتم دفن هذه الجثث على مسافة ثلاث أو أربع ساعات بعيداً عن المدينة .

لوفتس
في سنة 1853م / 1270هـ زار وليم كنت لوفتس أحد علماء الإنكليز الآثاريين مدينة كربلاء خلال عاصفة من الغبار المثار من خيول المستقبلين ووسائط نقلهم حتى نزلوا السراي حيث أعلن الحاكم بأنه سيتشرف بتناول الطعام معهم بعد أن كان قدّم لهم القهوة وما إليها، وكانت أطعمة الإفطار تتألف من البلاو (الرز) وقليل من الخضراوات المطبوخة بمختلف الأشكال، وصحن صغير من اللحم، وكان الطبيخ جميعه مطيباً بعصير الليمون ولكنه كان مشبعاً بأكثر مما يجب من السمن والشحم بحيث لا يمكن أن يستسيغه سوى الذين قتلهم الجوع ومع ذلك فقد أفرغت الصحون كلها حينما امتدت الأيدي لها، وأنهيت الضيافة بتقديم قارورة من العصير (الشربت) سرعان ما أدخلت فيها ملاعق الخشب ذات الأشكال الغريبة .

جون أشر
زار كربلاء الرحالة البريطاني جون أشر فوصلها عن طريق المسيب سنة 1864م /1281هـ عبر الفرات من خلال جسرها المصنوع من الزوارق المتراصة وأعجب بالبساتين الممتدة على جانبي الحسينية، وقد شاهد عدداً من الكرود (التي سماها مكان رفع الماء) منصوبة على طول هذا الجدول من الجانبين، فتح باب السور لقافلته رغم أنها وصلت بعد مغيب الشمس، ولاحظ أن أزقة المدينة المقدسة ضيقة تضيئ ظلمتها الفوانيس التي أرسلها ممثل السلطة التركية لتحمل أمامه وقد استضافهم القائمقام في إحدى غرف داره وكانت غرفة مهملة ولاحظ أن كربلاء مدينة مزدحمة بالزوار الذين يفدون لزيارة ضريح الأمام الحسين وهي تحفل بالنشاط التجاري الملموس.

فوك
قدم فوك من الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1874م /1291هـ فزار كربلاء وقد صادف وصوله مع بدء شهر رمضان فدهش لاهتمام الناس بظهور الهلال وأنبهر لازدحام الناس في الأسواق لتجهيز بيوتهم ما يلزم من مواد تموينية وذكر أن المساجد فتحت أبوابها بشكل لافت واتسعت حركة المدينة ووصف ليالي رمضان بأنها من أجمل ما رآه في العالم، ينشغل الناس ليلاً بالصلاة وتلاوة القرآن وقراءة الأدعية ثم القيام بالزيارات، إذ يكثر التزاور في رمضان وتعمل هذه الزيارات عملها في معالجة بعض الأحقاد والضغائن وإعادة الصفاء إلى بعض النفوس فلا ينتهي رمضان إلا ويكون قد زال كل شيء مما كان قد ترسب في النفوس من الضغائن بسبب تلك الزيارات المتبادلة .

ديولافوا
وصلت كربلاء الأديبة الفرنسية السيدة جان مكر ديولافوا سنة 1881م / 1299هـ وقالت أن كربلاء مركز من مراكز الشيعة المهمة، وهي تحفل بالمدارس الدينية الكبيرة التي يقضي فيها طلبة العلم عشرين عاماً أو أكثر من أجل الحصول على درجة علمية تؤهلهم لقيادة الناس والإجابة على المعضلات التي تواجههم في شؤونهم الحياتية والاجتماعية، ويبدو أن الليل أدرك القافلة والمطر يتساقط عليها مابين الحلة وكربلاء فاضطرت إلى النزول في قرية صغيرة تبعد عن الأهوار المحيطة بالطريق مسافة لا تزيد عن الكيلومترين وهناك نزلت في خان صغير يحيط به مجموعة من الدكاكين والمنطقة مضاءة بفوانيس نفطية، وذكر المرحوم جعفر الخليلي أن هذا الخان كان يقع بين طويريج (الهندية) وكربلاء...الخ

بير زاده
في عام 1305 هـ / 1887م وصل كربلاء الرحالة الإيراني بير زادة فوصها بقوله: توجهنا إلى كربلاء، ومن المسيب إلى كربلاء يستغرق الوقت ست ساعات ومشينا في الطريق اليابسة بمحاذاة نهر الحسينية المتفرع من نهر الفرات، وكانت الطرادات موجودة لنقل المسافرين من المسيب إلى كربلاء، على أية حال أجرنا طراده ب (24قراناً) وكان معنا الحاج أغا حسين وعلي قلي خان حربه ومهدي القزويني. جلسنا جميعاً في ذلك الطراد متوجهين إلى كربلاء، وكان أربعة من الأعراب الذين لم يلبسوا اللباس الداخلي يقودون الطراد بالتعاون وبعد سبع ساعات وصلنا إلى كربلاء المقدسة وكانت أطراف الحسينية معمورة بالبناء والزراعة وشاهدنا النخيل المتناثر في كل مكان، كما شاهدنا البيوت والقرى العامرة. ولاحظنا الجواميس الكبيرة القوية النشطة في نهر الحسينية وكان عددها 50 أو ثلاثين وهي نائمة في مياه الحسينية ولم أجد في مكان آخر جواميس مثلها... ثم يقول : وكان الخان الذي نزلنا فيه يقع في محلة (الجديدة) وكانت المسافة بعيدة من الصحن إلى ذلك الخان وبعد بقائنا فيه ليلة واحدة وبعد التفحص عن منزل آخر انتقلنا إلى خان أغا سيد تقي دده بكتاشي وكان قريب الصحن في الطابق العلوي منه وكان مستأجر الخان هو المشهدي صفر شيرازي وهو رجل خدوم جيد الأخلاق فقرر لنا منزلاً جيداً...الخ

جون بيترز
زار كربلاء العالم ألآثاري الأمريكي سنة 1897م /1315هـ فقال : أن كربلاء تقع على حافة السهل الرسوبي الخصب الذي يتصل بهضبة الجزيرة، ويبلغ عدد نفوسها حوالي ستين ألف نسمة ويبدو أنها بلدة مزدهرة، أما القسم الجديد منها الذي أُنشئ خارج السور القديم ففيه شوارع واسعة وأرصفة منتظمة بحيث تبدو كأنها مدينة أوربية مع أن أسوارها مهدمة قديمة...الخ

عمانوئيل فتح الله عمانوئيل مضبوط
وصف كربلاء خلال زيارته لها سنة 1329هـ / 1911م فقال : وقد سرّنا منظر كربلاء أعظم السرور لاسيما كربلاء الجديدة أو (شهرنو) فأن طرقها مثارة كلها تنيرها القناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري والقادم من بغداد إذا كان لم يتعود مشاهدة الطرق الواسعة والجادات العريضة أو إذا كان لم يخرج من مدينته الزوراء ويدهشه أعظم الدهش عند رؤيته لأول مرة هذه الشوارع الفسيحة التي تجري فيها الرياح و الأهوية جرياً مطلقاً لا حائل يحول دونها كالتعاريج التي ترى في أزقة بغداد وأغلب مدن بلادنا العثمانية، وعند دخولنا المدينة نزلنا على أحد تجار المدينة وهو السيد صالح السيد مهدي الذي كان قد أعدّ لنا منزلاً نقيم فيه، فأقمنا فيه نهاراً وليلتين، وفي الليلة الأولى خرجنا لمشارفة ما في المدينة مع السيد أحمد وأخذنا نطوف ونجول في الطرق فمررنا على عدة قهوات حسنة الترتيب والتنسيق ورأينا فيها جوامع فيحاء ومساجد حسناء وتكايا بديعة البناء وفنادق تأوي عدداً عديداً من الغرباء وقصوراً شاهقة ودوراً قوراء وأنهاراً جارياً ورياضاً غناء وأشجاراً غبياء والخلاصة وجدنا كربلاء من أمهات مدن العراق إذ أن ثروتها واسعة وتجارتها نافعة وزراعتها متقدمة وصناعتها رائجة شهيرة حتى أن بعض الصناع يفوقون مهرة صناع بغداد بكثير لاسيما في الوشي والتطريز والنقش والحفر على المعادن والتصوير وحسن الخط والصياغة والترصيع وتلبيس الخشب خشباً أثمن وأنفس على أشكال ورسوم بديعة عربية وهندية وفارسية ولما حان الغد وكان يوم السبت رأينا ما لم نره في الليل فسبقنا وصفه...الخ

ليدي دراور
زارت كربلاء الكاتبة الغربية ليدي درور وذلك في سنة 1923م /1342هـ فوصفتها قائلة : (والدكاكين في أسواق كربلاء مغرية، وفيها كثير من العطارين ولو سألتهم أن يسمحوا لك بشم إحدى قناني الروائح العطرية الصفراء، أو اختيار ما تريد شراءه منها لما وقفوا دون ذلك، وفيها باعة الأحجار الكريمة والمجوهرات يعرضون عليك الحلي الذهبية والصناديق التي تحفظ فيها التعاويذ أو جزءاً من القرآن الكريم و الحجول الذهبية والفضية وما هو مخصص منها للأطفال ذات أجراس كذلك الأقراط الفارسية وهي جميلة الصنع ومموهة، وفي مقدورك أن تشتري السبح من كل نوع أيضاً ومنها ما صنع من خشب الزيتون أو من الكهرمان أو غيره، ومنها ما هو مصنوع من الزجاج أيضاً... الخ

محمد ثابت
في سنة 1936م / 1354هـ زار كربلاء الكاتب المصري محمد ثابت فوصفها بقوله : قمت من النجف مبكراً إلى كربلاء فوصلناها بالسيارة في ثلاث ساعات فكانت تحكي النجف تماماً في أزقتها الملتوية تطل عليها شرفات متقابلة تكاد تظل الطريق وهي ثانية معاقل الشيعة فإن قلنا أن النجف هي الرأس المفكر للشيعة فكربلاء قلب الشيعة النابض، فهي أكثر قدسية لديهم من النجف، هنا يبكي القوم نساء ورجالاً وأطفالاً موت الحسين الذي تثير ذكرى فاجعته لديهم حماسة فائقة أشبه بحماسة أهل بابل وبكائهم على موت (تموز) . هنا زرت مدفن الحسين تحت قبة من ذهب يسمونها (الحضرة الكبيرة (يؤمها خلق كثير وبخاصة في محرم شهر الحج، وهناك مسجد آخر يدفن فيه العباس وكان أخ الحسين، لكنه لا يحنث قط إن أقسم بالعباس، وقد أبصرنا بصورة لرأس رجل في سقف مسجد العباس قالوا لنا أنه حنث في يمينه بالعباس فطارت رأسه إلى هناك ويعتقدون أن من يأتي ذلك تطير رأسه هكذا...الخ