اقتصاديات :الموازنة والبعد السياسي

اقتصاديات :الموازنة والبعد السياسي

عباس الغالبي
ألقى البعد السياسي بظلاله على الموازنات العامة للدولة خلال السنوات الأربع الماضية في مشهد يعد بحسب رأي الخبراء والمراقبين في الداخل والخرج انه غير مسبوق ولم تألفه الموازنات المالية للدول الأخرى من البعد الإقليمي والدولي، حيث كانت الموازنات خلال الأعوام السابقة تقر

من قبل السلطة التشريعية على وفق صفقة سياسية مع قوانين أخرى أو تلجأ الكتل السياسية إلى إبداء تنازلات مقابل أخرى في حيثيات الموازنة من دون النظر للجانب الفني الذي يتعلق بمصلحة الاقتصاد لعراقي.
ولان هذا المشهد هو جزء من التداعيات التي أفرزتها العملية السياسية بعد عام 2003، فأن المضي به للأعوام القادمة يمثل تحدياً خطيراً للأهمية التي تتجلى في الموازنة، ذلك أنها المحرك الأساس للقطاعات الاقتصادية كافة في بلد يمتلك من الإمكانات النفطية ما لم تمتلكه البلدان الأخرى، فليس من الطبيعي أن تؤثر السياسة على الموازنة إذا ما أردنا أن نعمل بشكل مؤسساتي لاسيما وان العراق أحوج ما يكون إلى التنمية الاقتصادية الفاعلة.
وإذا أمعنا النظر في مشهد موازنة العام الحالي 2011 نرى أن البعد السياسي هو السبب الرئيسي وراء تأخر إقرارها، فحتى التعديلات المقترحة على بعض مفاصل الموازنة هي سياسية بامتياز ولا تدخل في إطار الجدوى الاقتصادية.
وتظن الطبقة السياسية للأسف أن هذه المحاولات تنطلي على السواد الأعظم من الناس، حيث أصبح الناس يفقهون طبيعة هذه الإرهاصات السياسية التي لا تمت إلى الخدمات والاقتصاد والتنمية والإنتاج والمستوى المعيشي بصلة، في وقت طفح الكيل وفاض الصبر تجاه الوعود الفارغة، حيث أصبحت أرقام الموازنات المهولة وغير المسبوقة لا تترجم على ارض الواقع إلا شعارات جوفاء باهتة.
وما الاحتجاجات الأخيرة إلا دليل على إفلاس السياسيين وعدم قدرتهم على النهوض السياسي والاقتصادي معاً وعليهم أن يتنبهوا جيداً إلى المآلات الجديدة التي ستفرزها تداعيات الاحتجاجات خلال الفترة القليلة المقبلة.
ويقيناً أن التأخير غير المنطقي وغير المبرر للموازنة العامة للدولة يندرج في هذا الإطار، ويدخل في بوتقة عدم اكتراث الطبقة السياسية لمطالب الشعب التي تجسدها الموازنة على أحسن وجه من خلال الحيثيات الخدمية والاعمارية.
وعلى الرغم من متابعتنا الدقيقة نحن في (المدى) لمسيرة الموازنة وطبيعة الخلافات التي اكتنفت مسيرتها والمناكفات السياسية التي تخللتها، فأن مجلس النواب سار سير السلحفاة في جدلية إقرارها، ولم تتوصل اللجنة المالية إلى توافق في حسم الخلافات، إلا بتدخل رئاسة مجلس النواب مع رؤساء الكتل السياسية جرياً على طريقة مجلس النواب ومنذ الدورة السابقة بأن يختصر أعضاء المجلس كافة برؤساء الكتل السياسية وهي طريقة غير مألوفة في النظم البرلمانية، وعلى السياسيين في العراق سواء أكانوا في السلطة التشريعية أو التنفيذية أن يعيدوا النظر في هذا المسار البرلماني الذي لا ينتمي إلى فكر أو نظرية أو طريقة ديمقراطية معينة.
فالأيام القادمة ستكون حبلى بالكثير من الامتعاض والغضب الجماهيري على طريقة التعامل مع الأشياء بمفرداتها كافة، ولن ينفع الندم في حينها.