بناة العالم..أعلام القرن التاسع عشر علامات ثقافية مميزة

بناة العالم..أعلام القرن التاسع عشر علامات ثقافية مميزة

بغداد/ أوراق
شخصيات فكرية وأدبية تركت أعمالها بصمات واضحة في الحياة الثقافية هولدرن ودوستويفسكي وبلزاك ديكنز وتولستوي وستندال وكلايست، يتناولهم الكاتب ستيفان تسفايج بإسلوب مميز مازجاً بين السرد الروائي واللغة البحثية في كتاب بعنوان (بناة العالم) والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة محمد جديد راصداً من خلاله أبرز ملامح تجربتهم التي شكلت علامات بارزة في القرن التاسع عشر.

فهولدرلن القادم من قرى العصور القديمة في لاوفن، الألمانى المرهف الذي شغله الحنين للوطن دوما وهو في الثلاثين من عمره فكانت سنوات الأخيرة حافلة بالآلام.. ففي الرابعة عشر من عمره يدخل الفتى المرهف الحس مدرسة الدير في ديكندورف طالباً داخلياً، ثم يدخل دير ماولبرون، وبعدها المعهد اللاهوتي في توبنجن وهو الثامنة عشرة ولا يغادره الا في نهاية العام 1792.. وبذلك تحبس هذه الطبيعة المنطلقة خلف الجدران ما يقارب عقداً كاملاً من الزمان في حجرة من حجرات الأديرة وفي حياة اجتماعية ثقيلة. وكان هذا التناقض أشد من ان يذهي من دون ان يترك في نفسه أثراً مؤلماً ومخرباً، بعد ان حرم من عفوية الألعاب الطليقة الحالمة على الضفاف والحقول ومن رقة الرعاية النسوية التي كان يلقاها من أمه ليحشر في ثوب كهنوتي اسود.. أما دوستويفسكي فالحديث عنه يأخذ بعدا آخر لأن اتساع مدى هذا الرجل وجبروته يقتضيان مقياساً جديداً فسحره بالغ الغرابة وأعماله مترعة بالأسرار، يقوم عالمه بين الموت والجنون وبين الحلم والواقع والواضح المتوقد. كان دوستويفسكي وحيداً تشي رسائله ببؤس الحياة وعذاب الجسد لكنه تحول إلى أسطورة إلى بطل و قديس يشع كيانه معنى خالداً، إنساناً وأديباً وسياسياً. وأما بلزاك المولود في عام 1799 وقد شهد في وقت ديكنز الانقلاب الهائل في القيم، المعنوية منها والمادية على حد سواء. ولقد كان العالم من حوله زوبعة. بدأ الكتابة في حجرة مهجورة فيكتب رواياته الأولى تحت اسم منتحل. كانت شخصياته تمثل خلاصات وعواطفه ، عناصر نقية ومآسيه عملية تكثيف، وفي أعماله يقوم عصر وعالم وحيد مع ديكنز وتولستوي وستندال وكلايست، ويواصل ستيفان تسفايج رحلة بحثه عن جذور العبقرية والإبداع التي شغلت أجيالاً عديدة بعطاءاتها. فمع ديكنز يغذ السير إلى ذلك الزمان الحافل بضروب النجاح الأولى حيث كان الآلاف يستقبلون بلهفة عارمة تلك الكواليس الروائية الشهرية الزرق التي يأتي بها ساعي البريد إليهم في العربة الناعسة التي تجود بها قريحة ديكنز، والذي حط مجده في عصره وكان سلطانه جامحاً. لقد اجتمعت فيه هوية إنسان عبقرية مع تقاليد عصره بذلك اجتمع عنصران متضاربان أشد ما يكون التضارب.. ولم يكن تولستوي أقل شأناً منه فقد كان هناك في الأعالي بين جبابرة الأرض غنياً يسكن منزلاً مريحاً موروثاً منذ عهد بعيد، ينعم بالصحة والسعادة قبل أن يتبلى بالتحول المفاجئ في حياته فبات على قدر من الافتقار إلى البهجة فجأة.. فلقد أبصر اللاشيء وراء الأشياء، وتمزق شيء ما في روحه وانفتح صدع ضيق أسود نحو الداخل. لقد عانى من تلك النظرة الخاوية إلى الأخروي، تلك النظرة التي تمتص الروح إلى النهاية. أما ستندال فقد وثب فوق القرن التاسع عشر منطلقاً إلى القرن العشرين ليحط بجناحيه هناك. كان ستندال ولعاً بالخداع وإثارة الدهشة والتخفي ولم يكن هو ليخفي هذا الميل أو ينكره وقد أفصح مراراً عن نفسه بجرأة مذهلة متجاهلاً حواجز الأخلاق الاجتماعية. كما عرض بدقة اعترافاته المتصلة بعوائقه الجنسية وإخفاقه المتواصل مع النساء.
ومع هايزش فون كلايست يواصل الرحلة، فهذا الرجل لا يقر له قرار، وهو الشريد أبدأً الذي لم يكن له هدف، فهو يرمي نفسه بعيداً عن ذاتها يريد الإفلات والوثوب فوق شيء ما بالقوة وهو يبدل المدن كما يبدل المحموم الوسائد. ويعرف أين ينتهي به المسير منذ البداية. لقد ارتفع كلايست بمعاناته ارتفاعاً تجسيدياً، وظل أحد الشامخين كأقرانه فهو يعد الشاعر المأساوي عند الألمان لا بارادته بل بما أريد له، وذلك لسبب وحيد هو انه كان خاضعاً لطبيعة مأساوية.

ستيفان تسفايج في سطور

كاتب نمساوي من أصل يهودي ولد عام 1881. أديب نمساوي مرموق يعد من أبرز كتّاب أوروبا، اشتهر بدراساته المسهبة التي تتناول حياة المشاهير من الأدباء فيتناول كل شخصية بحيادية وكشف حقيقتها كما هي منيطاً اللثام عن حقائق مجهولة أو معروفة في حياة المشاهير الذين ذاع صيتهم.‏. كتب ستيفان تسفايغ العديد من المسرحيات والروايات والمقالات. ومن اصداراته كتاب تناول فيه سيرته الذاتية بعنوان (عالم الأمس). توفي منتحراً في عام 1942.