جماعة الأهالي وانقلاب بكر صدقي عندما اصبح عزيز شريف نائبا سنة 1937

جماعة الأهالي وانقلاب بكر صدقي عندما اصبح عزيز شريف نائبا سنة 1937

وسام هادي عكار
في ( التاسع والعشرين من تشرين الأول 1936) ، أطاح انقلاب عسكري بوزارة ياسين الهاشمي الثانية ، وكان هذا الانقلاب هو الأول من نوعه في التاريخ المعاصر للعراق ، والوطن العربي ، والشرق الأوسط ، فقد استغل الفريق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية ، والفريق عبد اللطيف نوري ، قائد الفرقة الأولى ، المناورات السنوية بمدينة جلولاء في لواء ديالى ،

فزحفت القوة العسكرية نحو بغداد وأجبر الوزارة على تقديم استقالتها ، وأدت الخلافات والطموحات الشخصية دوراً كبيراً في قيام الانقلاب ، الذي كان ثمرة تعاون مدني وعسكري بين جماعة الأهالي، والفريق بكر صدقي ، وكان حكمت سليمان أبرز الداعين لهذا التعاون، وبعد نجاح الانقلاب ألّف حكمت سليمان وزارته في نفس يوم الانقلاب في (29 تشرين الأول 1936) ، وضمت ثلاث وزراء من جماعة الأهالي ، وهم جعفر أبو التمن وزير المالية ، وكامل الجادرجي وزير الاقتصاد والمواصلات ، ويوسف عز الدين إبراهيم وزير المعارف .
كان عزيز شريف من مؤيدي الانقلاب ، وقد شارك في التظاهرة التي خرجت في (3 تشرين الثاني 1936) من جامع الحيدر خانة ببغداد ، تأييداً للانقلاب ، مع عشرات الآلاف من المواطنين ، والذين رفعوا شعارات " الموت للفاشية المجرمة " ، " وتحيا الوزارة الشعبية " ، ولاقت الوزارة الجديدة تأييداً شعبياً واسعاً ، مما دفع جماعة الأهالي إلى ملء الفراغ السياسي ، فتقدموا بطلب إلى وزارة الداخلية بتأسيس "جمعية الإصلاح الشعبي " ، وكانت الهيئة المؤسسة تضم كل من كامل الجادرجي ، ويوسف عز الدين إبراهيم ، وعبد القادر إسماعيل ، وصادق كمونة ، ومكي جميل ، ومحمد صالح القزاز ، وعبد الله سالم ، ثم انضم إليهم جعفر أبو التمن ، وناجي الأصيل ، ووافقت وزارة الداخلية على الطلب في (15 تشرين الثاني 1936 ) ، وأعلنت منهاجها الذي يدعو إلى السعي في القيام بإصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي ، يعود نفعه على عامة أفراد الشعب ، ويقضي على الاستغلال ، والمطالبة بنهوض القطاع الزراعي ، فيما يتعلق بإحياء الأراضي وتوزيعها على الفلاحين ، وقد واجه منهاج " جمعية الإصلاح الشعبي" انتقاداً من بكر صدقي والقوميين ، الذين نعتوها بالشيوعية ؛ كما لاقت الجمعية، معارضة من مالكي الأراضي وشيوخ العشائر ، الذين خافوا على مصالحهم ، وعندما حاول أعضاء " جمعية الإصلاح الشعبي " تأليف حزب سياسي معترف به، حظيت هذه الفكرة بتأييد حكمت سليمان في بادئ الأمر ، ولكنه بعد وقوعه تحت تأثير بكر صدقي والقوميين ، رفض فكرة تأليف حزب ، بل أعلن إلغاء هذه الجمعية متهماً إياها بنشر مبادئ شيوعية هدامة ، وملاحقة أعضائها ، فهرب عدد منهم إلى خارج العراق ، وسحبت الجنسية من بعضهم وأُحيل آخرون للمحاكمة .
من هنا بدأ الخلاف بين بكر صدقي وجماعة الأهالي ، حتى انتهى الأمر بتقديم أربعة وزراء استقالتهم في (19 حزيران 1937) بسبب سياسة الحكومة اتجاه العشائر في الديوانية ، وملاحقتها للعناصر اليسارية ، ولكن هذه الوزارة لم تدم طويلاً ، إذ اغتالت العناصر القومية بكر صدقي ، ومحمد علي جواد ، قائد القوة الجوية في مطار الموصل في (11 آب 1937) ، فحدثت تمردات عسكرية في الموصل وبغداد ، حينذاك شعر حكمت سليمان ، أن وزارته زائلة لا محال ، فقدّم استقالته في (17 آب 1937) ،وفي اليوم نفسه ، كلف الملك غازي ، جميل المدفعي بتألف وزارته الرابعة ، وإعلان إتباع سياسة إسدال الستار على الماضي .
كانت الوزارة السليمانية قد استصدرت إرادة ملكية في (31 تشرين الأول 1936) ، بحل المجلس النيابي الذي جاءت به الوزارة الهاشمية الثانية ، والشروع بانتخابات مجلس جديد ، لتمكين الوزارة الحالية من القيام بالإصلاحات المنشودة على أساس التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، الذي كان مفقوداً في المجلس السابق ، وحددت الوزارة السليمانية يوم (10 كانون الأول 1936) بداية الشروع في الانتخابات النيابية ، على أن تنتهي في (20 شباط 1937).
وفي الوقت الذي بدأت فيه الانتخابات العامة ، كانت العلاقات بين جماعة الأهالي وبكر صدقي قد تدهورت ، على أثر قيام " جمعية الإصلاح الشعبي " فقد اجتمع لفيف من القادة العسكريين والقوميين في دار بكر صدقي في أواسط (شباط 1937) ، لوضع القوائم بأسماء المرشحين ، وكانت النية متجهة إلى إبعاد الإصلاحيين من جماعة الأهالي ، عن المجلس النيابي بحجة أنهم يمثلون المبادئ اليسارية ، وفعلاً فكر بكر صدقي في إبعاد هؤلاء الإصلاحيين ؛ لولا تدخل حكمت سليمان ، وجعفر أبو التمن اللذين أقنعاه بالعدول عن هذه الفكرة ، وذلك لأنهم من المسهمين في الانقلاب .
حاولت جماعة الأهالي الحصول على أكبر عدد من المقاعد النيابية في المجلس الجديد ، معتمدين على شعبيتهم ، فأخذوا يدعون إلى انتخابات حرة ونزيهة، لضمان مجيء نواب يمثلون الشعب تمثيلاً حقيقياً ، وإبعاد تحكم السلطة في اختيار النواب، والمعروف أن الانتخابات كثيراً ما زورت في المجالس النيابية السابقة واللاحقة ، فكان وصول النواب أقرب إلى التعيين من الترشيح ، وهذا في الظروف الطبيعية للبلاد ، فما هو وضع الانتخابات بعد أول انقلاب عسكري في تاريخ العراق المعاصر .
جرت الانتخابات على قاعدة إرضاء الجميع ، واستكملت في (20 شباط 1937)، وحصل الإصلاحيون على اثني عشر مقعداً ، من أصل مائة وثمانية مقعد، في المجلس النيابي الجديد ، وكان الحزب الشيوعي السري سعيد بهذه النتيجة بوصول اثنين من المقربين إليه ، في هذا المجلس وهما عزيز شريف ، وعبد القادر إسماعيل ، إذ انتخب عزيز شريف نائباً عن البصرة ، وأصبح أحد أعضاء لجنة الشؤون الحقوقية في المجلس.
يعد انتخاب عزيز شريف ، نائباً في المجلس النيابي لعام 1937 ، مرحلة مهمة في حياته السياسية ، عبّر فيه عن أفكاره وأرائه ومطالبه ، تحقيقاً لخدمة الشعب ،خاصةً وأن المجلس النيابي منبراً مهماً لتدريب الفكر على الحوار ، ولتحقيق الأهداف الديمقراطية ، وسيكون حديثي عن نشاط عزيز شريف مقسماً على محاور عدة ، وفق المواضيع التي عالجها خلال وجوده في المجلس .
كان عزيز شريف ، دائم الانتقاد لكثير من السلبيات التي ترافق عمل الحكومة ، ولاسيّما في مسألة الفساد المالي والإداري ، فعندما طلبت اللجنة المالية في مجلس النواب ، إضافة مبالغ لاستكمال الأعمال العمرانية في ميناء البصرة ، انتقد عزيز شريف سياسة الإسراف والتبذير التي سارت عليها إدارة ميناء البصرة ، ومتمثلة بمدير الميناء ، الذي منح بعض الموظفين من ذوي الدخل المرتفع والذين يملكون السيارات ، دوراً مؤثثة داخل الميناء ، وترك صغار الموظفين يصرفون قسماً كبيراً من رواتبهم الضئيلة، أجرة لوسائط النقل ذهاباً وإياباً من البصرة إلى الميناء وبالعكس ، موضحاً أن المبالغ السابقة هي كافية لاستكمال الأعمال العمرانية في الميناء ولا حاجة لإضافة 5400 دينار جديدة ، مطالباً الحكومة ومجلس النواب التريث في منح هذه المخصصات المالية ، حفاظاً على الأموال العامة ، وكذلك الحال في إضافة مبالغ لاستكمال مشروع سد الفاو ، إذ قال عزيز شريف ، أن الهدف من المشروع كان بالدرجة الأولى لتسهيل النقل لشركة نفط عبادان البريطانية ، وأن أعمال الحفر اقتصرت من الفاو إلى شركة عبادان ، علماً أن هذا المشروع قد سبّب أضراراً في أملاك البصرة ، وأن ثلث بساتين البصرة قد تعرضت لأضرار جسيمة لا يمكن السكوت عليها من جراء أعمال الحفر والأملاح ، مشيراً على الحكومة بتعويض أهالي البصرة من أصحاب البساتين ، لأن المبدأ الشرعي يتطلب ذلك .
كما اعترض عزيز شريف ، على عرض اللجنة المالية المتعلق بإضافة مبالغ جديدة لتسديد ثمن شراء السكك الحديدية في العراق ، مبيناً ضرورة عمل الحكومة العراقية، على إعادة النظر مع الحكومة البريطانية بشأن إدارة السكك الحديدية في العراق ، قائلاً "أن إدارة السكك الحديدية تتماشى مع المصالح البريطانية ، فالموظفون جميعهم أجانب ، وإذا وجدنا فيها موظفين عراقيين فهم قليلون وحقوقهم مغصوبة".
وأثناء مداولة لجنة الشؤون الحقوقية لاقتراح النائب محمد حديد عن الموصل، والذي أيده فيه اثنا عشر نائباً من ضمنهم عزيز شريف ، لسن قانون تؤلف بموجبه لجنة تحقيقية تُحصي ثروات الوزراء السابقين وموظفي الدولة والتحقيق من مصادرها ، اقترح عزيز شريف بحكم صلاحيته كعضو في لجنة الشؤون الحقوقية إبدال العبارة الاتية بكلمة " المصادرة " الواردة في التقرير ، " تعاد الأموال التي يُقرْ أنها وصلت الوزير أو الموظف بطرق غير شرعية إلى أصحابها إن وجدوا ، ولا تُعد ملكاً للحكومة ، فاعترض النائب يوسف الكبير عن الموصل ،على قيام اللجنة المقترح تشكيلها ، لأنها ليست محكمة ، بالإضافة إلى أن الدستور يمنع تكوين مثل هذه المحاكم ، فردَّ عليه عزيز شريف قائلاً إن قانون أصول المحاكمات الجزائية فيه الكثير من الخروقات ، لأن الحكومة العراقية كانت تنظر إلى بعض الموظفين على أنهم مختلسون ومرتشون ومستغلون للنفوذ ، ولكن لا يمكن إثبات هذه التهم عليهم بالطرق الأصولية لعدم وجود قانون ينص على ذلك، مؤكداً أن الهدف من هذا القانون براءة الذمة ، ولأجل ذلك يجب أن يشمل جميع الموظفين والوزراء السابقين والحاليين ، ونوه عزيز شريف على أهمية التفتيش الإداري والمالي على المتصرفين ومدراء المعارف ورؤساء الدوائر الذين يمتلكون الصلاحيات ، لتحجيم استغلال نفوذهم فيها .
كما أعرب عزيز شريف ، عن عدم رضاه على دوائر وزارة الاقتصاد والمواصلات بصورة خاصة لعدم محافظتها على الأموال العامة ، وأعطى أدلة على ذلك منها طريق البصرة ـ الزبير ، الذي رصد له ستة آلاف دينار ، وترك قبل إنجازه ، وغيرها من الطرق والبنايات الكثيرة التي ظهر اخفاقها بعد انتهاء العمل منها ، وقد رحّب بجهود كامل الجادرجي وزير الاقتصاد والمواصلات للإجراءات التي اتخذها ضد المشتبه بنزاهتهم وسلوكهم ، لكن عزيز شريف راى أن هذه الإجراءات لا تكفي؛ بل يجب إقصاء جميع الأيادي غير الأمينة من هذه الوزارة، لأنه سبق وأن صرفت أموال طائلة ولم تأتِ بأي نفع للبلاد .
كشفت خطابات عزيز شريف ، عن متابعته الشديدة للواقع الاجتماعي المزري الذي يعاني منه الشعب العراقي ، فكان دائم الحضور في المناقشات المعروضة ، يغني المشاريع وأعضاء المجلس بأفكاره الإنسانية التقدمية خدمةً للشعب ، ففي جلسة يوم (30 أيار 1937) ، ألقى خطاباً انتقد فيه التمايز الطبقي بين أفراد المجتمع ، قائلاً فيه "إن البلاد تشكو التطرف العظيم بين أفرادها ، فنجد السواد الأعظم من الناس يعاني من شتى أنواع المرض والفقر والجهل ، بالمقابل نجد طرفاً آخر يسرق ويحتكر قوت الشعب ، وهؤلاء هم الذين دمروا كيان المجتمع "، ورأى إن حل مشكلة الفرد الذي انحط مستواه الاجتماعي ، والفرد الذي وصل إلى مستوى الحكومة ، ومشكلة البون بين الكوخ والقصر تكمن في وضع حل للأراضي الأميرية؛ التي للدولة كامل الصلاحيات في التصرف بها ، مطالباً الحكومة بتوزيعها على صغار الفلاحين والعشائر الرحالة، لتحقيق الرابط المادي بين الوطن والفرد الذي لا أرض له .
وفي جلسة أخرى ذكر عزيز شريف ، أن مشكلة توزيع الأراضي ، هي مشكلة قديمة عانت منها جميع الحكومات في العراق سواء كانت الحكومة العثمانية، أو حكومة الاحتلال ، ووصف الفرد الذي لا ارض له " كريشة في مهب الريح "، داعيا الحكومة إلى زيادة الخدمات المقدمة للفرد لتقوية الشعور الوطني لديه ، لأن الفرد الذي لا يشعر بتلك الخدمات لا يكترث لهموم الوطن ولاسيما وأن الإنسان البسيط لا يعرف معنىً للحكومة سوى أنهم أشخاص همهم الأول الجباية والتجنيد.
ولتحقيق جزء من الخدمات الاجتماعية اقترح عزيز شريف ، على الحكومة إن تحتكر الأراضي والعرصات السكنية ، بدلاً من المرابين والتجار المحتكرين لحل أزمة الأراضي والسكن ، ثم تبيعها للأفراد مع اشتراط البناء عليها في وقت محدد ، وأن تفرض الحكومة رسوماً على الأرضي التي يرتفع سعرها مستقبلاً نتيجة الأعمال العمرانية ، وأعطى مثلاً على ذلك أسعار العرصات في بغداد التي ترتفع إلى الضعف في مدة قصيرة ، وهذا ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة السكن .
أدى اهتمام عزيز شريف بالخدمات الاجتماعية إلى إشارته لمشكاتين: الأولى طرحها على رئيس الوزراء حكمت سليمان ، لوضع حل لمشكلة الفيضان الذي يهدد بغداد، كلما حصلت زيادة في منسوب نهر دجلة ، ويلحق أضراراً فادحة بالسكان، داعياً الحكومة بأن تفكر في فتح نهر على رافد ديالى، للتخفيف من زيادة ضغط المياه وارتفاعها لدرء خطر الفيضان ، والثانية طرحها على وزير الاقتصاد والمواصلات كامل الجادرجي ، متسائلاً عن الأسباب التي حالت دون المباشرة في تنفيذ مشروع نهر الفيصلي في البصرة ، الذي له ضرورة اقتصادية وصحية لتخلص الناس من شرب المياه الآسنة والقضاء على البعوض ، مع إنه صُرف لهذا المشروع مبلغ عشرة آلاف دينار ؛ وكان جواب الوزير أن هذا المشروع وغيره من المشاريع الموضوعة قيد المناقشة من الخبراء المتختصصين ، فردَّ عليه عزيز شريف بضرورة إيفاء الوزارة بوعودها لأهمية هذا المشروع.
فضلاً عن ذلك فقد نوه عزيز شريف ، إلى الاهتمام بالمجال العمراني ، وتحديداً في مدينة البصرة لكونها الثغر الوحيد للعراق، والممر الأول لأكثرية الأجانب الذين يدخلون العراق ، مضيفاً أن البصرة كانت ولم تزل أحوج المدن العراقية إلى الخدمات الاجتماعية والمؤسسات العامة ، وكان حريّاً بالحكومة أن تعطي البصرة اهتماماً أكثر من الناحية العمرانية .
ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع ، دعا عزيز شريف إلى تعديل قانون العطلات الرسمية لإنصاف الناس الذين يعملون بأوقات تفرض عليهم معتقداتهم الدينية إلى أن لا يعملون فيها ، لأن الأساس الذي تستند عليه الحكومة هي الديمقراطية ، فالجميع يجب أن يمارسوا عقائدهم وأن يشعر بأنهم متساوون في الحقوق ، وقد عدَّ هذه من الأسس الأخلاقية في مبادئ الدولة ، لأن إعطاء الناس الحرية بصورة واسعة يمكّن الحكومة من اجتذاب شعورهم وقلوبهم وشد عقولهم بالوطن ، وفي مناقشة أخرى حول اختلاف القوانين التي يخضع لها المواطنون ، واختلاف المحاكم التي يرجعون إليها رأى عزيز شريف أن سبب ذلك يعود إلى التباعد السحيق بين الكثير من النزاعات والفروقات الاجتماعية، فهناك قانون للعشائر وآخر للمدنيين ، وبعض الحقوق الشخصية للمسلمين من شيعة وسنّة، ولليهود والمسيح محاكم خاصة بهم ، وكذلك الفرق بين الأهداف الفكرية والثقافية في المجتمع ،مشيراً على الحكومة إذا ما أرادت أن تقوم بالإصلاح عليها توحيد هذه الأهداف ، وإلغاء هذه المجموعة الرثة من القوانين التي أصبحت عبئاً على كاهل الشعب ،لأنه كلما كانت للاعتبارات السياسية نفوذ في النظام القضائي أضمحلت الحياة الديمقراطية ،في حين أباح عزيز شريف تدخل السلطة التنفيذية في القضاء في بعض الحالات من أجل صيانة الحرية الشخصية ، كما حدث في قضية سجن محمد مهدي الجواهري ، صاحب جريدة الانقلاب ، فتعرض إلى نقد لاذع من بعض النواب لهذا الرأي .
كان عزيز شريف ، يتعامل مع كل العراقيين على قدم المساواة ، فعندما نوقش تقرير اللجنة المشتركة المؤلفة من لجنتي الشؤون الحقوقية والداخلية لإقرار قانون العفو العام لعام 1937 ، طالب عزيز شريف أن يشمل العفو كل أنحاء العراق بدون تمييز أو استثناء ، بشرط أن لا يشمل الذين يهددون أمن وسلامة الدولة، ولا الذين بحقهم جرائم تعود إلى الحق الشخصي .
ومن القضايا الاجتماعية التي نالت اهتمام عزيز شريف ، هي القضايا الصحية ، لأهميتها الكبرى في درء الأمراض والعلل عن أبناء الشعب ، مبيناً أن الكثيرين يمرضون ويموتون دون معرفة أسباب موتهم ، وقد يكون السبب تافه، كما تطرق إلى الوقاية الطبية في مكافحة الأمراض في مواطن وجودها في مجاهل الأهوار والمستنقعات ،وفي الأماكن التي لم تصل إليها يد العمران ، منتقداً التخصيصات المالية لشراء سيارات للمرضى ، لأنها قليلة جداً بحيث لا تكفي لسد حاجة لواء واحد بغض النظر عن الألوية الأخرى ، مطلباً الحكومة الاعتناء بالطب الوقائي في مكافحة الأمراض ، ولاسيّما بين أولئك الذين لا يعرفون مراجعة الطبيب.
فضلاً عن ذلك فقد اهتم عزيز شريف بالتعليم ومكافحة الأمية ، التي عدّها أساس تقدم الأمم ورقي الشعوب ، فقد وجه سؤال إلى وزير المعارف ، عن سبب تأخر ترقية المعلمين والمدرسين أسوةً بأقرانهم ، نظراً لما يقدموه من جهود وتضحية خدمةً للمجتمع ، ورأى من المستحيل أن يجمع شعباً ما بين تقدمه وما بين إهماله للتعليم . موضحاً إن الأمانة التي بيد المعلمين كبيرة في تربية النشء ، لذلك يجب ترقيتهم حتى يكون لديهم شيء من الرفاهية تساعدهم على معترك الحياة الصعب ، واصفاً المعلم بالجندي المجهول الذي يعطي أكثر أوقاته في سبيل التربية ونشر المعرفة ، فكان يخشى منهم أن يخونوا الأمانة التي بأيديهم إذا ما حصلوا على مكانتهم الاجتماعية .
ومن أجل توعية الشعب دعا عزيز شريف ، إلى دعم الإذاعة العراقية آنذاك، التي عدّها وزير الاقتصاد والمواصلات آلة طرب ، فعارضه عزيز شريف ، قائلاً أن الأمية تعم الشعب ، وهم بحاجة إلى توعية اجتماعية وثقافية عن طريق الإذاعة ، كما حثَّ الحكومة على توفير آلات الراديو في بعض المناطق النائية بواسطة البلديات أو غيرها.
ومن القضايا المهمة التي أبدى عزيز شريف ، اهتماماً بها القوانين العسكرية لرفع معنويات الجندي العراقي ، فقد أشار إلى أن الجندي العراقي سواء كان كردياً أم عربياً ، فهو مثالاً للتضحية والفداء من أجل الوطن ، ودعا الحكومة إلى تثمين إخلاص هذا الجندي الذي وجّه سلاحه في بعض الأحيان صوب صدور أبناء عمومته عند قيامه بالقضاء على بعض التمردات العشائرية ، مطالباً بضرورة تعزيز الروح الوثابة بالجندي ، وتنمية إمكانياته في المجالات كافة.