عبد المحسن الكاظمي؛ شاعر الكفاح الخالد

عبد المحسن الكاظمي؛ شاعر الكفاح الخالد

د. سعدي غزاي عمران
ولد عبد المحسن بن محمد بن علي بن المحسن بن محمد بن صالح بن علي بن الهادي في بغداد عام1871م (او1870).يكنى بابي المكارم ويقال ان نسبه ينتهي الى الامام موسى الكاظم (عليه السلام )، حيث يتصل بنسبه من جهة الأم بشاعر الطالبيين الشريف الرضي، (وقيل إنه من سلالة الأشتر النخعي )،ولد في محلة الدهانة ببغداد ونشأ في الكاظمية ونسب اليها،.

كان يرتدي العمامه البيضاء والجبة الفضفاضة. وكان أجداده يحترفون التجارة بجلود الخراف، وكانت أسرته من الاسر الميسورة التي عرفت بالمجد والغنى فكان جده الاكبر الحاج محسن من كبار التجار وكان يؤمه الفقراء يلتمسون معروفه ثم خلفه في مكانه الحاج علي جد شاعرنا، وأقام الشاعر في مصر منذ عام1911 حيث عاش فيها معظم حياته وفيها توفّي. عمل مع ابيه في التجارة.. رحل الى ايران ثم عاد الى بغداد ومر السيد جمال الدين الأفغاني بالعراق، فاتصل به، فاتجهت إليه أنظار الجاسوسية، وكان العهد الحميدي، فطورد، فلاذ بالوكالة الإيرانية ببغداد.
ثم إنه خاف النفي أو الاعتقال من قبل سلطات الاحتلال العثماني بسبب رفضه لهذا الاحتلال ونفسه الأبية التي رفضت الخنوع له، فساح نحو سنتين في عشائر العراق وإمارات الخليج العربي والهند، ودخل مصر في أواخر سنة 1316هـ، على أن يواصل سيره إلى أوربا، فطارت شهرته، وفرغت يده مما ادخر، فلقي من مودة (الشيخ محمد عبده) وبره الخفي ما حبب إليه المقام بمصر، فأقام. وأصيب بمرض ذهب ببصره إلا قليلاً. وتوفي محمد عبده سنة 1323هـ، فعاش شاعرنا في ضنك يستره إباء وشمم فقد" "أمضّه الفقر والفاقة وألمّ به كلال البصر فعاقه أن يغشى المجتمعات والأندية، ثم توفي شاعرنا سنة 1935 في مصر غريباً، بعد أن ضمّه وادي النيل حياً وميتاً، وهناك بلغ أوج شهرته، وكان قد تزوج من فتاة مصرية أنجبت له أولاداً لم يعش منهم إلا رباب التي كثيراً ما ذكرها في شعره، بل وتغنى بها مظهراً شغفه بوحيدته التي نشرت ديوانه بجزئيه في مطلع الأربعينيات"، وكانت وفاته في مصر الجديدة، من ضواحي القاهرة.
رثاء الشعراء له:
نظراً الى المكانة المرموقة التي كان الشاعر عبد المحسن الكاظمي يتبوؤها في عالم الشعر والأدب،فقد كان فقده صدمة أذهلت الكثير من الشعراء، دفعتهم الى أن يرثوه بقصائد رائعة، ومن هؤلاء الشعراء الشيخ عبد الحسين الحويزي الذي بكى هذا الفقيد الخالد بقصيدة منها:
ماجتْ لفقدِك عينَ الرافدين دما
وفيك مصرُ شكتْ أهرامَها الهرما
وشق على الرصافي نعيه فقال:
قد قضى الكاظميُّ وهو جديرٌ
ان تعزّى في موته الشعراءُ
وراح بشارة الخوري يعزي الشعر قائلا:
يا شعر أيّ عزاء ينسيك هذا المصابا
محا البكا سحرَ عينيك والثنايا العذابا

ثقافته:
تعلّم الشيخ عبد المحسن الكاظمي مبادیء القراءة والكتابة وتعلم اللغة الفارسية بجانب العربية ودرس في الحلقات الدينية في الكاظمية والنجف، و ترعرع شاعرنا بين أحضان أسرة عرفت بالادب والعلم فنهض بها افذاذ العلماء والأدباء فقد انجب الحاج محمد ابن الحاج علي ثلاثة أولاد هم الشيخ محمد حسين الذي كان من مؤسسي النهضة الادبية في مدينة الكاظمية والشيخ احمد الذي كان شاعراً مطبوعاً ملماً بأشعار العرب يقول عنه الشيخ محمد رضا اسد الله: (ان الشيخ احمد كان يحفظ ديوان الحماسة كله وشعر أخيه عبد المحسن وجل اشعار العرب) أما ثالث اولاد الحاج محمد فهو شاعرنا الذي فاق اخويه علماً وأدبا.
درج عبد المحسن بين بيئات الادب وحلقات الادباء ودرس العلوم الاسلامية كما اطلع على الآداب الفارسية، وقد افاد الكاظمي من خزائن مكتبات الكاظمية؛ فنهل من كتاب الجمهرة والعين كما استوعب الكثير من كتب اللغة، واستهواه الأدب فقرأ علومه وحفظ شعراً كثيراً. وأول ما نظم الغزل، فالرثاء، فالفخر. فنشأ شاعراً مجيداً ولغويا كبيراً، يقول عنه السيد عز الدين آل ياسين: (كان يملي شعره عن طبع وأُفق، ووحي حاضر وبديهة مستعدة وروح قوية وقريحة متحفزة وله في الشعر نفَس طويل يعود الى كثرة ما كان مختزناً في حافظته من شعر العرب) وقيل ان هذه الحافظة كانت تسع ما يربو على الاثني عشر الف بيت من اشعار العرب.
وقد كان من جملة مصادر ثقافته الاخرى تأثره بآراء الافغاني ايام نفيه في العراق،وكذلك بالشيخ محمد عبده خلال إقامته في مصر حيث انعكس تأثره هذا في شعره بوضوح،و"كان الشاعر الكاظمي قبل أن يهبط مصر، قد التقى جمال الدين الأفغاني، وتوثقت عرى الصداقة بينهما حين وفود السيد جمال الدين إلى العراق، كما عانى كلاهما النفي والغربة عن الوطن، وكما اضطر الأفغاني إلى الهجرة من إيران، كذلك اضطر شاعرنا إلى الهجرة من العراق، ليجعل وجهته أرض مصر التي استوطنها وقضى فيها من حياته الشطر الأكبر، وقال فيها معظم شعره، متغنياً بأمجاد العرب والمسلمين، وترددت أشعاره في أرض الكنانة، وتناقلتها المحافل الأدبية، فنظم في المناسبات الدينية والتاريخية، ولم يمدح تزلفاً، وإنما كان الإعجاب هو مثار ما أبدع من أشعار، فنظم في سعد زغلول وأمثاله من شخصيات مصر" .

خصائصه واسلوبه الشعري:
اثر الكاظمي تأثيــرا مباشرا على النهضه الادبية بكتبه وشعره وهو خير اديب تفخــر به العروبة وتعتـــز به الضــاد وقد لقب بحق بشاعر (البديهية والارتجال) وبـ( شاعر العرب) وبـ (شاعر الكفاح الخالد ) وهي ألقاب تعكس لنا شخصيته الشعرية التي جمعت بين المتانة والفصاحة والبلاغة والجزالة،وبين نزعته الوطنية التي كانت تدفعه الى مقارعة الاستبداد والاستعمار،وقد ذكرنا أنه قضى شطراً كبيراً من حياته في مصر فكان "إذا ذكر الشعر في مصر، فلا بد أن يذكر الكاظمي فهو الشاعر الذي نزح عن وطنه العراق، بعد أن ألهب قلبه الحنين والاشتياق، فنظم عراقياته الرائعة، ثم حلّ في مصر فتأثر بأجوائها وتفاعل مع أحداثها، وتأثر بأدبائها وأثر فيهم، لاسيما الرافعي وحافظ إبراهيم اللذان تأثرا بنهجه ومسلكه الأدبي". وكان شعره شعر البداوة لكثرة حفظه للشعر القديم ويمتاز بعذوبة الالفاظ والمعاني وفصاحة البيان حتى صنّف على رأس الشعراء أمثال احمد شوقي وحافظ ابراهيم والرصافي والزهاوي وغيرهم كما يرى العلامة والمؤرخ والناقد مصطفى صادق الرافعي. فكان شاعر العروبة وقد تغنى بأمجاد العراق والشام ومصر والحجاز...وحارب الاستعمار والاستبداد. واستهواه الأدب فقرأ علومه وحفظ شعراً كثيراً. وأول ما نظم الغزل، فالرثاء، فالفخر.
تتمثل خصائص الكاظمي الشعرية في متانة التعبير وقوة المعنى وشحذ الهـمم والابتعاد عن المدح الكاذب وتجنب الاقوال الهزيلة،و شاعر فحل، كان يلقب بشاعر العرب.وقد امتاز بارتجال القصائد الطويلة الرنانة.
وهكذا فإن من اهم مميزات الكاظمي ارتجاله الشعر، فقد كان يلقي القصائد في مناسبات متعددة فيرتجل القصائد الطوال من خمسين او ستين بيتاً دون اي ركاكة او ضعف. بل كان في احيان أخرى يرتجل المائة والمائة والخمسين بيتاً دون أن يتدنّی في الفاظه ومعانيه،فشعره المرتجل مهما طال وكثر يتدفق حلاوة وسلاسة، يقول شيخ الشعراء محمد مهدي الجواهري عنه: (إن أهم الميزات التي تتجلّى في حياة الكاظمي وفي شعره ايضا – وهو صورة صادقة عن حياته – كونه مرآة صافية لجيله ومجتمعه، وعلى غير هذا القياس يصعب في رأيي المقارنة بينه وبين شعراء العراق والآخرين حتى من الذين عاصروه كالزهاوي والرصافي والشبيبي والشرقي وهنالك ميزة ثانية هو كون شعر الكاظمي ذخيرة من ذخائر اللغة العربية النقية ومفرداتها الجميلة).
وقال عنه علّامة العراق والعرب الباحث الشهير الدكتور مصطفى جواد: "ان قصيدته التي مطلعها:
الى كم تُجيلُ الطرفَ والدار بلقعُ
اما شغلتْ عينيك بالجزع أدمعُ
تصلح لأن تكون (المعلقة الثامنة) في اسلوبها وفصاحتها وطرازها البدوي وصحة معانيها و قوة مبانيها)".
وقد وصدق مصطفى جواد فقد جمعت هذه القصيدة من معاني البلاغة ما يجعلها اعجوبة في وقتها وهي قصيدة طويلة يقول الكاظمي فيها:
أأنت معيّري عَبرةً كلما دنتْ
يحفّزها برح الغرام فتسرعُ؟
وهل عُريت أرضٌ كسوتُ أديمها بماء شؤوني فهي زهراء ممرعُ؟
فمن حرّ أنفاسي وفيض محاجري
مصيفٌ تراءى في ثراها ومربعُ
ألم تر جرعاءَ الحمى كيف روّضتْ
وسال بمُحْمَرِّ الشقائق أجرعُ
فهاتيك من دمعي وهاذاك من دمي
فللعين ذا مبكى وللقلب مجزعُ
أما توفيق البكري فقد قرنه بالشريف الرضي ومهيار الديلمي وعده ثالثهم في تاريخ الشعر العربي بقوله:
"ونحن ونرى هذه اللغة النقية مع صدق العاطفة وقوة السبك تتجلى في كل شعره كما نرى في الابيات التالية:
أجيراننا بمغاني الحمى
ومن أين مني جيرانيهْ؟
سروْا يخبطون الدجى والحشا على أثرِ آثارهم ساريةْ
امامهمُ القلبُ جارَ لهم
وعيناي خلفهم جاريهْ
كما يدل شعره على اجادته لمختلف أغراض الشعر وهذه الابيات في الرثاء حيث نلاحظ أنه أجاد فيها أيما إجادة:
صروف الدهر أهونها اشدّ
اذا نزل القضاء فلا مردُّ
أجلُّ الرُّزء ما ترك البرايا
تروح على مرارته وتغدو
وأدهى الخطب ما جلبَ الرزايا ولم يُحْسَسْ له برق ورعد
وهذه في الشكوى من الدهر:
أرأيت كيف الدهر ينتقلُ بالمالكين وكيف يقتبلُ
ما الدهر الاّ دولة خضعت لقضائها الاملاك والدولُ
ما شاء أو شاءت رغائبُه لاما تشاء البيض والأسلُ
وقد عرفته مصر شاعراً جزل التعبير مبتكر الاسلوب سريع البديهة عبقري الارتجال كما عرفته مثالاً لحسن الخلق أبياً عفيفاً يفصح شعره عن شرفه العريق ونسبه الرفيع:
لو على قدر همتي واعتزامي
صال نطقي بلغتُ كلَّ مرامي
همّةٌ تُرهق النجومَ وعزم
ضاربٌ في الجبال والآكام
وإبائي يرى من الضيم ان
يحمل في الدهر منّةً للغمام
وهكذا لم يستطع أحد مجاراته في طول النفس وسرعة النظم، فرفعه المنصفون منهم إلى مراقي النجم، وحظي بصداقة الكبار أمثال الشيخ محمد عبده، والأستاذ مصطفى صادق الرافعي، والشيخ علي يوسف صاحب صحيفة (المؤيد) والأستاذ العقاد ورفائيل بطي والشيخ عبد القادر المغربي، رئيس المجمع اللغوي والأستاذ يوسف أسعد داغر.. في حين تحامل عليه بعض الشعراء والأدباء لما بلغه من مكانة أدبية كادت تزيحهم عن أرائك الشعر، كأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، ولكن التاريخ أصدق شاهد، فلم يذكره الرواة بكبوة أو جفوة ونبوة، بل كان مثال الأبي في سماحة نفسه ورهافة طبعه، على ما لاقاه من عنت وجفاء وغربة.
هذا وقد قال عنه الشيخ محمد رضا مشيداً بموهبته الشعرية الفذة وبلاغته المتناهية التي اعادت للشعر العربي متانته وجزالته اللتين ضاعتا عنه طيلة عهود الانحطاط والتي احيتهما بلاد العراق التي طالما عرفت عبر العصور بأنها مدرسة الشعراء ومنبت الافذاذ من الادباء عبر التاريخ:
" والظاهر أن بلاد العراق لا تزال أقرب إلى السليقة العربية من أهل هذه البلاد،وأن النابغين فيها أكثر منهم في غيرها.ولقد وافى هذه البلاد من أشهر رجل فاضل جدير بلقب ( الأديب ) وقل الجدير به في العصر، ألا وهو الشيخ أبو المكارم عبد المحسن الكاظمي ( نسبة إلى الكاظمية بلدة في ضواحي بغداد ) لقيناه فلقينا الأدب الصحيح والأخلاق الحسنة من الشاعر المفلق، العذب المنطق، الذي ناهز المقدمين، وخاطر المقرمين"
نزعته الوطنية:
امتاز عبد المحسن الكاظمي بنزعته الوطنية التي غلبت على شعره فجاء حافلاً بالاغراض الوطنية، خاصة وانه كان يعيش في عهد كان فيه وطنه وعالمه العربي والاسلامي يرزحان تحت نير الاستعمار والاستبداد، فكان شاعر العروبة فقد تغنى بأمجادالعراق والشام ومصر والحجاز...وحارب الاستعمار والاستبداد،وقد نزح الكاظمي عن بغداد بعد مطاردة المحتلين له وبعد ان اضطر اهله الى رمي جميع ما انتجه من شعر في نهر دجلة خشية وقوع شاعرهم تحت طائلة السلطات، فغادر العراق الى الهند ثم استقر به المقام في مصر كما ذكرنا.
ومن شعره الوطني:
نحن قوم اذا شهدنا الهياجي
بهرَ الموتَ يومُنا المشهودُ
نحن قوم العلا الألى إن يهمّوا
لم تعقهم تهائمٌ ونجودُ
حلفوا للعلا فإما قيام
ترتضيه العلا وإما قعودُ
ومشوا للردى فإما صبورٌ
يقفُ الموتُ عنده أو صعودُ
واذا لم يكن سوى الموت وِرْدٌ
دون نيل المنى فنعم الورودُ
وبالاضافة الى ذلك فقد كان الكاظمي شديد التعلق بعقيدته متمسكا بدينه وحبه لأهل البيت "ع" فقال معبراً عن حبه وحنينه لزيارة مرقد الامام علي "ع" وهو في مصر:
كن غديري يا بدرانُ تمَّ ليَ العذرُ
وابدي مناك ليل التمامِ
واحمل الروحَ للامام فجسمي
حيلَ ما بينه وبين الامامِ
ومن قصيدة له في مدح النبي(ص) واهل بيته عنوانها (يا تربة المصطفى) :
يا تربة المصطفى اشمخي شرفاً
فأنت علياء كل علياء
وكل من كان في الوجود وما
يكون من ذاهب ومن جائي
تدنو فتحنو عليك كل حشىً
من كل داني الديار أو نائي
فأنت للقلب سلوة وكرى
لجفن من لم يفزْ بإغفاء
أصبو إلى أحمد وعترته
كل لحبيب الجبين وضّاء
كل إمام يُغنِي بكل بلا
عن كل عَضْبِ الغرار مضّاء
أعلو بهم يوم خفضِ كلِّ عُلىً
وفي يدي خفضُ كلِّ علياء
هم ملاذي في كل نازلة
وهم عمادي في كل لأواء
وهم شِفا هذه القلوب إذا
عزَّ شفاءٌ على الأطباء
فهم مواليَّ والرقيق أنا
إذا قبلوني من الأرقاء
ومن اشعاره الصادقة الرائعة في التعبير عن حنينه الى وطنه العراق، قوله وهو يركب السفينة شاداً الرحال الى مصر،ومفارقاً وطنه:
وكم قائل سرْ نحو مصر ترَ المنى
وانت على كل البلاد اميرُ
فقلت لهم والدمع مني مطرقٌ
اسير وقلبي بالعراق اسيرُ
ومن اشعاره الاخرى وقد مل الغربة والاسفار واشتد به الشوق والحنين الى الدار:
ياطيرُ ان يخفقْ جناحُك في الهوى
يوما فقلبي دائمُ الخفقانِ
اَوَليس قلبُك بالغصون معلَّقاً
وحشاي بالاوطار والاوطان
هل من يكابدُ او يعاني في الهوى
مما تكابدُ حرّةٌ وتعاني
فلقد عهدتُ الطيرَ خيرَ محدّثٍ
يروي حديث الدار والسكّان
ياطير هل خبرٌ وكم انا سائلٌ
ياطير هل خبرٌ من الخلّانِ
آثاره:
ملأ الشاعر عبد المحسن الكاظمي الصحف والمجلات شعراً، وضاعت منظومات صباه. وجمع أكثر ما حفظ من شعره في (ديوان الكاظمي) المطبوع .
طبعت المجموعة الاولى من ديوان الكاظمي عام 1940 والمجموعة الثانية عام 1948 والمجموعتان الثالثة والرابعة عام 1987، وله " قصائد الكاظمي " 1919، " معلقات الكاظمي " 1924، " عراقيات الكاظمي " 1960 وقد نظمت على اثر عودة سعد زغلول من منفاه.،...وله مؤلفات منها «البيان الصادق في كشف الحقائق »وكذلك كتاب «تنبيه الغافلين».......

المختار من شعره
قال الكاظمي في الشكوى من الدهر ونوائبه، والتعبير عن الشوق والحنين الى الوطن، وهي قصيدة تبدو مثقلة بلواعج الشاعر واحزانه والشعور بالملل من حياة الغربة والبعد عن الوطن، ولذلك فقد وفق الشاعر الى حد كبير في التعبير عن تلك المشاعر والاحاسيس لانها جاءت صادقة مشفوعة بمقدرة الشاعر الفائقة على الاجادة في مثل هذه الموضوعات:
أَطرقـتُ مَهمـا دارَ فـي خَلَـدي
ذكـرُ الشَبـابِ وَعهـدِه النَّضِــرِ
إِطراقـةَ المأمـومِ وَهــوَ شَــجٍ
قلـقُ الضَميـرِ مبــدَّدُ الفِكْــرِ
وَالعَيــن داميـــةٌ فأدمُعهـــا
تَنهـلُّ مِـن بيـضٍ ومِـن حمُـْرِ
وَلَواعـجُ الزفـراتِ فـي صَعَــدٍ
تمتَـدّ بيـن الصــدرِ والنحــرِ
قُـل لِلعَـذول إِلَيـك عـن عَذلـي
ذَهَـب الغـرامُ وَأَنـت لا تَـدري
رَحـلَ الشبـابُ وَربّ مرتحــلٍ
وَلّـى وخلّـف أَطيَــبَ الذكــرِ
أَمعاهـدَ الأَحبـابِ هَـل خبــرٌ
تسري بـه الـأَرواحُ مـا تسـري
ما لي إِذا فيـكَ الخُطـوبُ جَـرَتْ
غيـرُ الدُمـوعِ عليهـمُ تَجــري
ذَهَبوا فَمِنهُـم مـن قَضـى وَطْـراً [22]
بِاللاّمعـاتِ البيــضِ والسُّمْــرِ
ذَهَبوا فَمِنهُـم مـن قَضـى وطـراً
بِالصافِنــات الدُّهْــمِ والشُّقــرِ
كانـوا وَكُنّـا فـي نَـدىً وَوَغـًى
ساقِيـنَ مـن حلـوٍ ومِـن مــرِّ
كانوا وَكُنّا مـا الخُطـوب سَطَـتْ
نفري مـن الأَحـداثِ مـا نَفـري
كَـم سائِــلٍ لبّيــتُ دعَوتـَـهُ
وَدَفعـتُ عنـه الشــرَّ بالشــرِّ
وَمــروَّعٍ سكّنــتُ روعتــَـهُ
وَغَمرتـُـه بالنائــلِ الغَمْـــرِ
كَـم شـدَدْتُ لِلراجيـنَ مِـن أَمـلٍ
وَجبـرتُ للعافيـن مِـن كســرِ
حَتّـى إِذا اِفتَـرَسَ الزَمـانُ يَـدي
وَوقعـتُ بَيـنَ النـابِ وَالظفــرِ
لَـم أَلـقَ مِمّـن كنــتُ أَكلــؤُه
لـي كالئـاً يـأوي إِلـى وَكـري
لَم يَبقَ لي فـي الدهـرِ مـن جلَـد ٍ
يَسطيـعُ حمـلَ نَوائِـب الدهــرِ
قَـد خانَنـي مَـن كنـتُ أحسبـُهُ
يَبقى مَعـي فـي العسـر واليسـرِ
ذَهَبَـتْ بِصبـري الحادِثـاتُ فَـلا
أَســفٌ أَردّدُه عَلــى صَبــري
لا تطلبــنّ عَلالَتــي أَبَـــداً
إِنَّ النَوائِـب أَحرجـتْ صَــدري...
وَطَـوارِقُ الأَسقـامِ مـا بَرِحـتْ
تَنتـابُ كالأَحـزابِ فـي مصـرِ
ومن شعره الوطني الذي نادى فيه الى الوحدة بين شعوب الشرق،والتسلح بالايمان والأخلاق الرفيعة في مواجهة المستعمرين والمحتلين، وعدم احتمال الخنوع والذل، والحذر من الفرقة والغدر، والسعي والمثابرة في سبيل تحقيق ذلك الهدف حتى ينبعث الشرق من جديد ويعود اليه ماضيه المشرق الناصع:
لا يَهدمُ الدهرُ مَهمـا كـانَ مِعولُـه
شعباً تحصّـنَ بالأَخلـاقِ فاِمتَنَعـا
قُل لِلَّذي رفعتْه فـي الـوَرى شيـمٌ
فَوقَ الَّذي قَد سَما في الناسِ واِرتَفَعا
لا تَحتَمِلْ فَوقَ ما تَسطيـعُ محتمَـلاً
من صارعَ الدهرَ في حالاتِه صُرِعا
يا حَبَّذا لَو تآخى النـاسُ واِتَّحَـدوا
ووحّـدوا بَينَنـا الآحـادَ وَالجمَعـا
وَلَم نعدَّ نجـاحَ السعـيِ فـي بلـدٍ
إِذا عَدَدْنا بِهـا الأَحـزابَ وَالشيَعـا
أَحبابَنا الصِّيدَ لا زلّـتْ بكـم قـدمٌ
وَلَيسَ يَنجو مِن الزلاّتِ مَن ضَلَعـا
لا تأمَنوا عَثَراتِ الدهـرِ واِرتَقِبـوا
فَرُبّمـا حطَّـمَ الأطـوادَ واقتَلَعــا
لِننهضنَّ وَماضـي العـزمِ عدّتُنـا
فالمُرهَفُ العَضْبُ لَولا العزمُ ما قَطَعا
إِذا جَعَلنا لَنـا مِـن سَعيِنـا سَبَبـا
فَقَد وَصَلنا به الحبلَ الَّـذي اِنقَطَعـا
لَنضربنَّ عَلى أَيدي الألـى هَجَمـوا
وَلننصُرنَّ الَّذي عـن عِـزِّه دَفعـا
شتّانَ مَن نصـرةُ الكفـرانِ ديدنُـه
وَمن عَلى نصرةِ الإيمان قَد طُبِعـا
ها ذاك باعَ العلا بَخساً وَذاكَ أَبـى
أَن تَغتَـدي لِلعـدا أَوطانـُه سِلعَـا...
لا يَستَوي في مَجالِ الذكـرِ منزلـة ً
من ضرَّ أَقوامَه عمـداً ومـن نَفَعـا
قَد آنَ من أَن يَقولَ الصادِقـون لَنـا
إِنّ الزَمانَ بأمرِ الشرقِ قَـد صَدَعـا
وَآنَ أَن ترجـعَ الأَيّــامُ هاتِفــة ً:
أَن الجَلـالَ إِلـى أَوطانـِه رجعـا
قِوى التَعارفِ بَينَ الشرقِ لا وَهَنَتْ
وَطائِرُ الشَرقِ بعد اليَـوم لا وقعـا
لا ضاقَ في الأَرضِ ذَرْعا كلُّ ذي أَمَلٍ
يَرى له في مَجالِ السعـيِ مُتَّسعـا