بغداد/ علي الكاتب
شهدت الأسواق المحلية ارتفاعاً لافتاً للنظر في أسعار المواد الغذائية ولاسيما الفواكه والخضراوات واللحوم في مشهد يكاد يكون فيها المتضرر الوحيد هو المستهلك.ودعا عدد من المستهلكين في أحاديث لـ (المدى الاقتصادي)
الحكومة الى ضرورة الإسراع بوضع حلول ناجعة وسريعة للحد من الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الغذائية في ظل الانحسار شبه التام للبطاقة التموينية.
وقال حسن الفحام موظف بوزارة التجارة: بالرغم من كوني اعمل بوظيفة حكومية منذ عدة سنوات الا ان مقدار راتبي لا يكفيني لسد متطلبات حياتي اليومية ،حيث أتقاضى راتبا شهريا مقداره خمسمائة ألف دينار فقط ، ولم تقدم خدمتي في دوائر الدولة طوال السنين الماضية سوى السكن في دار متواضعة في احد الأحياء العشوائية (تجاوز) في إحدى ضواحي بغداد وتحديداً في أطراف مدينة الشعلة، لعدم مقدرتي على سداد بدلات الإيجار المرتفعة ،حيث ان إيجارات البيوت او المشتملات في المناطق الشعبية القريبة تتراوح من (350 – 450) ألف دينار شهرياً.
وأضاف الفحام: تشهد أسواقنا ارتفاعا ملحوظا بأسعار الخضراوات والفواكه واللحوم والمواد الغذائية الى نحو 30 % على الرغم من التطمينات التي أطلقتها الحكومة بعدم رفع الأسعار او التلاعب بها وتوفير المواد الغذائية للمواطن لافتاً الى ان سعر كيلوغرام الواحد من الدجاج ارتفاعاً بواقع 15% مع نقص حاد في وفرته بالأسواق بحجة انخفاض الجو وارتفاع أسعار الأعلاف، فيما يقوم بعض الباعة الى بيع الدجاج الصغير وغير المرغوب وغير الصالح للطبخ وبأسعار اقل، فيما أصبح موضوع توفير اللحوم البيضاء مطلباً ملحاً لدى الكثير من المواطنين نظراً للظروف التي يمر بها المواطن ولاسيما في الوقت الحاض، ونتيجة لغلاء أسعار اللحوم الأخرى، داعياً الجهات المعنية لمراقبة محلات الخضراوات والفواكه بشكل مستمر وحسب الضوابط والسياقات المعتمدة، بحيث تكون نسبة الربح معتدلة وليست مرتفعة كما هوفي الواقع الراهن.
من جانبه قال أبو رمزي كاسب في منطقة شورجة البياع والمعيل الوحيد لعائلة متكونة من تسعة أشخاص يوضح ان دخله الشهري لا يتجاوز 250 ألف دينار غير كاف لتمشية أموره الحياتية، حيث يسكن هو وعائلته مع شقيقتيه وبناتها في دار بسيطة ورثها عن أخيه المتوفى، وليصبح بالتالي المعيل الوحيد للعائلتين،ولم يعد قادراً على توفير متطلبات المعيشة لكلتا العائلتين، لاسيما ان أسعار المواد الغذائية واللحوم مما تحتاجه العائلة العراقية بشكل يومي من السوق ترتفع بشكل متواصل، فضلاً عن تراكم الديون الكثيرة، خاصة وان (الواردات) المالية متقطعة بين الحين والحين، الى جانب ما يدفعه شهريا لمولدة الحي الكهربائية، كما انه قام بالتسديد مؤخراً لدائرة الكهرباء بـ(0 65 ألف دينار) عن أجور متراكمة لخدمة لم يتلمسها لا في فصل الصيف ولا في فصل الشتاء، فضلاً عن شراء الغاز والعلاجات الطبية وملابس الأطفال ومتطلباتهم الأخرى، خاصة في أيام المدارس.
وأضاف: ان اللافت للنظر إن الفواكه والخضراوات قد ارتفعت أسعارها في موسم الشتاء الحالي ضعف ما كانت عليه في المواسم السابقة ، فسعر الطماطم ارتفع من 500 دينار ليصبح مؤخراً (1000 دينار) للكيلو الواحد ، حالها حال معظم الخضراوات الأخرى (كالباذنجان، الخيار، البطاطا) التي تشكل وجبة المائدة اليومية للعائلة العراقية، اما أسعار الفواكه المختلفة فهي في ارتفاع مستمر هي الأخرى، اذ تتراوح أسعارها بشكل إجمالي من (2000- 4000) دينار للكيلوغرام الواحد، أما أسعار اللحم فحدث بلا حرج، حيث ارتفعت مؤخراً أسعار الكيلو غرام واحد من لحوم الأغنام والأبقار إلى (15000) دينار للكيلو الواحد بعد أن كان (8000) دينار في الأعوام الماضية.
من جانبه قال أبو احمد صاحب محل تجاري لبيع الأجهزة الكهربائية والمواد المنزلية في منطقة السيدية: ان الأسعار لم تنخفض او وترتفع ببطء بسبب ارتفاع أجور النقل وأجور العمال وارتفاع إيجارات المحال التجارية فقط ، بل أن هناك تداولا للسلع يتم بأيدي وسطاء متعددين، من لحظة تصديرها من المنشأ الأجنبي وحتى وصولها إلى المستهلك العراقي، وهي أصبحت من أهم الأسباب وراء ارتفاع الأسعار، اما بالنسبة لأسباب ارتفاع أسعار اللحوم والمواد الغذائية والفواكه والخضراوات مؤخراً فتعود لارتفاع أسعار الماشية بالنسبة للحوم ، لوجود طلب متزايد من المحافظات الأخرى على شراء الماشية من محافظة بغداد،ا ما بالنسبة للفواكه والخضراوات فإن سبب ارتفاع أسعارها لهذا الموسم، يعود لشحتها نتيجة لقرارات الحكومة ووزارة الزراعة تحديداً في منع استيراد الفواكه والخضراوات من الدول المجاورة بحجة تشجيع المنتج المحلي وهو قرار غير صائب لانه ببساطة يدعم المزارعين من جهة ويضر بالمستهلكين من جهة أخرى.
وأضاف: إن ظاهرة ارتفاع الأسعار تعد ظاهرة عالمية، ولا يمكن للتاجر او البائع أن يتحمل مسؤولية ارتفاعها بل ان من يتحملها المورد او المصدر، مما يتطلب وجود ان تكون هناك رقابة على الموردين للخضراوات والفواكه والسلع الغذائية المستوردة من الدول المجاورة مثل: الأردن وسوريا والسعودية وإيران وتركيا وغيرها، كما ان أسعار بعض الفواكه والخضراوات قابلة للارتفاع مثل الفواكه الموسمية التي نجدها بكثرة في فصل الشتاء مثل فواكه البرتقال والليمون واللالنكي والنارنج والرمان والخضراوات مثل: القرنابيط واللهانة والشلغم والشوندر وغيرها، وأسعارها تتأثر كثيرا بتقلبات الجو الذي يكون شديد البرودة في هذا الموسم البارد وهطول الأمطار في هذا الموسم بكثافة مما عرقل كثيراً وصول الخضراوات والفواكه لعلوات الجملة ولبائعي المفرد ومن ثم للمستهلك، وكذا الحال مع موسم الصيف الحار والجاف في بلادنا ووجود بعض الفواكه التي تزرع فيه مثل المشمش والتين والخوخ وغيرها وكذا الحال مع الخضروات في هذا الموسم، إضافة إلى ان ارتفاع حرارة الجو مما يؤدي إلى تلف الخضراوات وبالتالي تكون هي أيضاً سبباً من أسباب ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه، وكذلك ان معظم ما موجود حالياً في الأسواق العراقية من الخضراوات والفواكه وبقية المواد الغذائية مستوردة من دول الجوار التي تتأثر بأسعارها في تلك الدول، الى جانب أجور النقل المضافة على قيمتها السعرية الأساسية، وهناك منافسة شديدة من الباعة والبقالين والقصابين الذي ينتشرون في السوق، كما لا توجد رقابة على المستوردين للفواكه والخضراوات مما أدى إلى رفع الأسعار إلى نحو100% وأكثر في بعض المنتجات، حيث كان سعر كارتون البرتقال المصري المنشأ بـ(15) الف دينار ووصل حاليا الى 25 الف دينار ناهيك عن الأسعار الأخرى للفواكه والخضراوات الأخرى، الأمر الذي يستدعي فرض الرقابة الصارمة على المستوردين لأنهم هم من يتحكموا بالسعر، كذلك يجب دعم المواد الغذائية وزيادة الرواتب المقدمة للموظفين، كما لا يمكن للبائع وخصوصاً بائع المفرد أن يبيع بالخسارة وهو مضطر على البيع بالسعر المرتفع، ناهيك عن البضاعة التالفة التي يحتويها صندوق الفواكه او أقفاص الخضروات والتي تعرضه إلى الخسارة في كثير من الأحيان، كذلك ان ارتفاع أسعار مواد الوقود التي تستهلكها السيارات مثل الكاز والبانزين، جعلت أجور سيارات الحمل ترتفع لقيم مضاعفة.
الى ذلك قال عبد الله شاهر قصاب في سوق بغداد الجديدة: ان ارتفاع أسعار اللحوم مستمر في الأسواق المحلية بالرغم من كثرة أعداد محال الجزارة والقصابين وازدياد محالهم الأنيقة والبسيطة وكثرة المعروض من منتجات اللحوم بمختلفها من لحوم الذبح الحي والمجمد، وبالرغم من ارتفاع أسعار اللحوم المذبوح محلياً مقارنة بنظيرتها المستوردة والمجمدة نجد ان هناك إقبالاً منقطع النضير من قبل المستهلكين على شرائها، في حين نجد ان معظم عوائلنا العراقية لا تفضل اللحوم المستوردة المجمدة كونها لم تكن معروفة المصدر، إضافة الى التخوف من وجود الأمراض الانتقالية والوبائية بين المواشي والدواجن وغيرها التي نسمع فيها بين الحين والحين، كما اننا نعاني كقصابين من زيادة أسعار بيع المواشي من قبل المربين وخاصة في بعض الأشهر من السنة ووجود مواسم متتالية يزداد فيها الإقبال على شراء اللحوم بأنواعها.
الى ذلك قال الخبير الاقتصادي حسام الدهلكي: ان عدم وجود لجان اقتصادية فاعلة في المجالس المحلية، تقوم بمهامها في مراقبة السوق وتقلباته عن كثب وتقوم بوضع الدراسات والتوصيات التي من شأنها تخفيف عبء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية عن كاهل المواطنين العراقيين يؤثر كثيراً على واقع المواطن العراقي من الناحية الاقتصادية، لاسيما أن مجلس النواب أقر مؤخراً (قانون حماية المستهلك) وهو على ما يبدو لم يؤثر إيجاباً وبشكل واضح لصالح المستهلك العراقي حتى الآن، مما تجعل المواطن العراقي يعاني من وطأة الغلاء للفترة المقبلة.
وأضاف: ان المتتبع لحال الأسواق المحلية يلاحظ بصورة جلية وجود ارتفاعاً كبيراً في أسعار الخضراوات والفواكه واللحوم البيضاء والحمراء وبقية المواد الغذائية الأخرى، مما أسهم في زيادة الأعباء على المواطنين الذين يعتمدون على راتبهم المتدني في ظل الغلاء المعيشي وتدبير أمورهم المعيشية، وبالرغم من معاناة المواطن المستمرة من هذه المشكلات الا انها تتفاقم مع مرور الأيام وتقادم المواسم، الأمر الذي أوقع المواطن في حيرة وشعوره بمزيد من الضغط لدرجة أن يرى ذاته دائماً هو (الخاسر) ومن تقع عليه قوائم حسابات الجشعين والمتصيدين بالماء العكر دائماً، فيما هو بأمس الحاجة إلى من يمد له يد العون وذلك بزيادة الرواتب، على سبيل المثال او تدعيم البطاقة التموينية ورفدها بمواد غذائية مضافة، ومراقبة الأسعار في الأسواق المحلية التي تخضع للتلاعب من قبل بعض التجار.
من جانبه قال الدكتور علاء عبد الحسين أستاذ العلوم الاقتصادية في كلية المأمون: ان تأثيرات الأوضاع الاقتصادية الراهنة تأتي من جراء جملة من القضايا من أهمها غياب السياسة الناجعة والخطط الستراتيجية الاقتصادية الواضحة والمتوازنة، اذ لا يزال المواطن العراقي ،خاصة من شريحة الموظفين وأصحاب الدخل المحدود، الذين يعانون من غلاء أسعار السلع المختلفة وارتفاعها التدريجي، وصعوبة مواجهة المواطن لتلبية متطلبات الحياة اليومية الضرورية، ليتمكن من خلالها رفع مستويات دخله بشكل عام وقوته الشرائية وتحسين مستواه المعيشي، بما يسهم في إنعاش البنى التحتية الاقتصادية للبلاد، وفي الوقت ذاته تسهيل عملية السيطرة على التضخم الاقتصادي وعشوائية مستويات الأسعار.
وأضاف: عبد الحسين ان هناك قصصاً كثيرة نسمعها عن عائلات عراقية لا تزال تعاني من شظف العيش برغم ارتفاع القدرة الشرائية للكثير من الشرائح الاجتماعية، وهو ما يوضح حقيقة مهمة يجب عدم تغافلها والتي تشير الى عمق المعاناة الحقيقية التي تجعل من الفرد العراقي جل همه هو أن يكدح طوال الوقت من اجل توفير إيجار البيت او معيشة الكفاف والحياة الكريمة له ولعائلته.